الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعروف بابن حزم الظاهري الأندلسي، وقال فيه:" كان لسان ابن حزم المذكور، وسيف الحجاج بن يوسف شقيقين".
وإنما قال ذلك لأن ابن حزم كان كثير الوقوع في الأئمة المتقدمين والمتأخرين، لم يكد يسلم منه أحد «1» .
وكان قد سعي به إلى صاحب مراكش «2» ، فأحضره إليها فمات، واحتفل الناس بجنازته، وظهرت له كرامات؛ فندم على استدعائه.
وكانت وفاته ليلة الجمعة، الثالث والعشرين من صفر، سنة ست وثلاثين وخمسمائة «3» ودفن يوم الجمعة، رحمه الله تعالى.
ومنهم:
86- شعيب [بن الحسين] أبو مدين
«13»
أضاء كالبدر سافرا، ورد من القلوب نافرا، ولم يزل لزلّة الأيام غافرا، وبأزمّة المرام ظافرا، وسار ذكره فأسمع الدهر وفي آذانه صمم، وداوى الزمان وفي علقه لمم، وكان أول ما بشّر
أبوه وهو غلام، وفسّر عن لؤلؤته صدف الظلام، حتى بلغ الاحتلام، ويده بالخير وارتحل، وصابر الأيام فتسترت الليالي وتبرقعت بالحجل، فرويت آثار أياديه، ونقلت أخبار سؤدده بألسنة أصدقائه وأعاديه، وكان يقوم والليل لم يطمئن له جنوب، ويروّض نفسه والروض لم يشق فيه للشقيق جيوب، بعلم يفلح به الحجاج محتكم، ويخرج في حربه والعجاج مرتكم. وكان له في مجاهدة النفس حروب، ونوّب حتى حان منه للشمس غروب «1» .
وحكي أنه لما قدمت إليه المائدة يوما فقال: أخّروها، وكان هناك فقير جائع، فقال في نفسه: لو كان هذا فقيرا ما أخّر المائدة. فلما حضرت تقدّم فأكل منها أكلا يسيرا، فأكل ذلك الفقير، وسائر الجماعة، فلما رفعوا أيديهم قال الشيخ لخادمه: شل من هذا الخبز والطعام لفقير يأتينا في هذه الساعة، وهو جائع، قد أخّرنا المائدة لانتظاره، فظنّ ظانّ فينا ظنا. فشال الخادم منها شيئا، فقال الشيخ: زد!، فهذا ما يكفي. فزاد، فقال له: زد!، فهذا ما يكفي.
فقال له: يا سيدي! أنت قلت: رجل واحد، وهذا فوق كفاية الواحد، فقال: صدقت، هو رجل واحد، ولكن له ثلاثة أيام لم يأكل شيئا.
ثم لم يستتمّ الكلام حتى أتى الفقير، فسلّم على الشيخ، والجوع يتبين في وجهه، فقدم إليه الخادم ما خبّأه له؛ فأكله حتى أتى عليه عن آخره، ثم قال: والله! لي ثلاثة أيام
ولا وجدت ما آكل.
ثم قام ذلك الفقير، ودخل الفقير الذي قال ما قال أولا، فقال: يا سيدي! أنا أستغفر الله مما وقع مني، فقال له: يغفر الله لك، أتصحبني كذا وكذا شهرا وتقول: لو كان هذا فقيرا لما أخّر يده عنا لأجل شبعه، ونحن جياع؟. فقال: والله يا سيدي! كان ذلك. وأنا أستغفر الله منه. فضحك الشيخ، وأقبل عليه.
وحكى ابن عربي قال: رأى بعض مريدي الشيخ أبي مدين؛ كأن الحق سبحانه وتعالى في زير دقيق!، فذكر ذلك لأبي مدين، فقال: هل عندك دقيق؟. قال له: نعم. قال له: هل هو في زير؟. قال: نعم. قال: ذلك إلهك الذي تعتمد عليه، فتصدّق به لتخلص مما أنت فيه.
وحكى الوداعي قال: حدثني شخص مغربي:- وكان رجلا صالحا-: أن القحط شمل المغرب سنة، وأحبس المطر، فأتى الناس أبا مدين ليستسقي لهم، فخرج وهو يقول:
يا من يغيث الورى من بعد ما قنطوا
…
ارحم عبيدا أكف الفقر قد بسطوا
واستنزلوا جودك المعهود فاسقهم
…
ريا يريهم رضا ما شانه سخط
وعامل الكلّ بالفضل الذي ألفوا
…
يا عادلا لا يرى في حكمه شطط
إن البهائم أضحى المحل مربعها
…
والطير أصبح للحصباء يلتقط
والأرض من حلل الأزهار عاطلة
…
وكان للزهر في فتحاتها بسط
وأنت أكرم مسئول تمدّ له
…
أيد العصاة وإن جاروا وإن قنطوا
قال: ولم يزل يرددها حتى جاءت السماء، وتوالى الغيث، ودام يتعهد حتى كانت السنة المجدبة أخصب عام.
رحمه الله تعالى.
ومنهم:
87-
أبو العبّاس أحمد بن عبد الله بن أحمد بن هشام بن الحطيئة «1» اللّخميّ الفاسيّ*
لم يستعذب لريق الدنيا مساغا، ولا استلذّ رحيق رضابها «2» منساغا، وأقبل بقلب منيب، وعزم غير منقلب ولا مريب، مصغيا إلى أوامره ونواهيه بأذن واعيه، وقدم قائمة في الطاعة أو ساعيه. خائفا من نار يلفح سعيرها، ويجمح عسيرها؛ وقودها الناس والحجارة، ووفودها لا يزور فيها جار جاره، معملا إلى الجنة الركائب، مرملا بنفسه المطمئنة إلى الحبائب. فهنيء بعمله، وهيأ لأمله.
وكان من مشاهير الصلحاء وأعيانهم، وكان مع صلاحه فيه فضيلة ومعرفة بالأدب، وكان رأسا في القراءات السبع، ونسخ بخطه كثيرا من كتب الأدب وغيرها، وكان جيد الخط، حسن الضبط، والكتب التي توجد بخطه مرغوب فيها للتبرك بها، ولإتقانها.
ولد بفاس يوم الجمعة، السابع عشر من جمادى الآخرة، سنة ثمان وسبعين وأربعمائة، وانتقل إلى الديار المصرية، ولأهلها فيه اعتقاد كبير لما رأوه من صلاحه، وكان قد حجّ
ودخل الشام، واستوطن خارج مصر في جامع راشدة. «1»
وكان لا يقبل لأحد شيئا، ولا يرتزق على الإقراء، واتفق بمصر مجاعة شديدة، فمشى إليه أجلّاء المصريين وسألوه قبول شيء فامتنع، فأجمعوا رأيهم أن يخطب أحدهم البنت التي له، وكان يعرف بالفضل بن يحي الطويل، وكان عدلا بزازا «2» في القاهرة، فتزوجها، وسأل أن تكون أمها عندها، فأذن في ذلك «3» ، وكان قصدهم تخفيف العائلة عنه، وبقي منفردا ينسخ ويأكل من نسخه. [وكان يعرض عليه المال فلا يقبل منه شيئا؛ قيل: جاء بعض التجار بمئزر أسود صوف وحلف عليه به، فقال: اجعله على ذلك الوتد، فأقام ثلاثين سنة موضعه] . «4»
وتوفي في أواخر المحرّم سنة ستين وخمسمائة بمصر، ودفن في القرافة الصغرى، وقبره يزار بها. قال ابن خلّكان «5» :" وزرته ليلا فوجدت عنده أنسا كثيرا"، رحمه الله تعالى.
وكان- رحمه الله تعالى- يقول:" أدرجت سعادة الإسلام في أكفان عمر بن الخطاب رضي الله عنه"«6» ، أشار إلى أن الإسلام لم يزل في أيامه في نمو وازدياد، وشرع بعده في التضعضع والاضطراب.
وذكر في كتاب" الدول المنقطعة"«7» في ترجمة أبي الميمون عبد المجيد صاحب مصر: أن