الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم:
61- الشّيخ عليّ بن [أبي الحسن بن منصور] المعروف بالحريري
«13»
عشق فتاه، وكلف بغير فتى ولا فتاه، وكان صاحب خوارق لا بتكيف، ولا يدري أهي أو سانحات الطير أعيف، أخذ القلوب عنوة، وكشف الغطاء وقال علوة، وكان لا ينام والعيون رقود، ولا يسام إليه خطا القود، وكانت له أذكار بها النجوم تتألف، وأفكار لو سرت مسراها الريح كادت تتلف، إلى خلب الألباب، وسلب للقلوب يفعل فعل الأعداء بالأحباب، وسكون إلى الدّعه، وإنفاق من سعه، وتأنق في رفاهية، وعيشة راضيه، لعيشة الملوك مضاهيه، هذا مع جهاد كان عليه في أول حاله.
حكي أنه كان يركب حائطا في داره لحاجة يريدها ثم يغلب عليه حال ينسى بها نفسه ولا يعود يعرف يومه من أمسه، حتى يبقى مدة على الجدار منتصب، ومرفقه بالشمس متوّج أو بالثريا معتصب، لا يعرف ضجرا ولا هجيرا، ثم كثر بالناس ائتلافه، وطال تردده إلى المدينة واختلافه، فأطلقت فيه الفقهاء الألسنة، ومرقت الفقراء له السيئة بالحسنة، فطائفة مقرّة، وأخرى جاحدة، وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً
«1» .
أصله من" بسر"«1» ، وتردد إلى دمشق، وتبعه طائفة من الفقراء.
قال أبو شامة: وهم المعروفون بالحريرية، أصحاب الرأي المنافي للشريعة، وباطنهم شرّ من ظاهرهم. «2»
قال: وكان عند هذا الحريري من الاستهزاء بأمور الشريعة والتهاون بها، ومن إظهار شعار أهل الفسوق والعصيان شيء كثير. وانفسد بسببه جماعة كثيرة من أولاد كبراء دمشق، وصاروا على زي أصحابه، وتبعوه بسبب أنه كان خليع العذار، يجمع مجلسه الغناء الدائم، والرقص، والمردان، وترك الاحتجاز على أحد فيما يفعله، وترك الصلوات، وكثرة النفقات، فأضلّ خلقا كبيرا، وأفسد جماعة. ولقد أفتى في قتله جماعة من علماء الشريعة، ثم أراح الله منه. «3»
وتوفي: في رمضان سنة خمس وأربعين وستمائة، في زاويته بقرية" بسر". هذا قول أبي شامة في الحريري، وهو أحد القولين فيه.
والقول الآخر: أنه من الأولياء أصحاب الأحوال والكرامات، وقد حكي لي من أحواله ما أذكره والسرائر عند الله تعالى.
حدثني عمي الصاحب شرف الدين رحمه الله تعالى قال: سافرت وأنا صبي صغير إلى بلاد حوران، فلما كنت بزرع دخلت الحمام، فإذا أنا بالشيخ علي الحريري؛ فقال لي بعض من كان معي: قبّل يد الشيخ، فقمت إليه، وقبّلت يده، فرأيته جالسا على جانب الحوض يصب الماء على أصحابه، فقال له بعض أصحابه، يا سيدي! هذا ابن فضل الله، فقال: ونعم- والله- من ابن رجل جيد، اقعد!، فقعدت، فأمر شخصا من أصحابه، فغسّلني، والشيخ يصبّ عليّ بيده الماء، إلى أن فرغت، ثم أتاني بمناشف من عنده مبخرة، ما رأيت أطيب منها ريحا!، ثم أتاني بقماش كأنه قد هيّء لي، فلبّسني، ثم قال: يا سعيد! يا طويل العمر!، يا طويل الذيل!، فأنا كلما تذكّرت ما أنعم الله به علي علمت أنها كانت بشرى من الشيخ.
وحدّثني الشيخ نجم الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن أبي الطيب، عن أبيه الشيخ نجم الدين أبي حفص عمر قال: خرج مرة إلى محجّة قاضي القضاة محيي الدين أبي الفضل ابن الزكي، ومعه نائبه قاضي القضاة صدر الدين بن سني الدولة، ومعه ابنه القاضي نجم الدين، وكان الفصل شتاء، فلما أردنا العود، وجّه ابن الزكي وجهه إلى:" بسر" لزيارة الشيخ علي الحريري، فلما قاربنا" بسر" قال ابن الزكي: أشتهي أن يطعمنا الشيخ بسيسة حورانية، فقال صدر الدين بن سني الدولة: وأنا أشتهي طبيخ كشك بدجاج، فقال ابنه:
وأنا أشتهي درّاقن لوزي. فقالوا: وأنت؟. فقلت: أنا رجل فقير مهما حضر قنعت. قال:
فلما وصلنا ونزلنا بالزاوية، سلّمنا على الشيخ، فجلس إلينا جلسة ثم قام، وغاب عنا إلى أن كاد وقت الظهر يفوت، ثم أتى ومعه قصعة فيها بسيسة، وقصعة فيها كشك دجاج، وبيده شيء آخر، فقال لخادمه: ضع البسيسة بين يدي قاضي القضاة محيي الدين، وضع الكشك بين يدي القاضي صدر الدين، ثم التفت إلى نجم الدين وقال: يا ثقيل!، يا متعنّت!، من أين يلتقي في بلاد حوران في زمان الشتاء درّاقن لوزي؟ والله ما تأخّرنا إلا بسبب عنتك، ثم وضع الذي كان بيده قدّامه، فإذا هو سلّة صغيرة فيها درّاقن، ثم طلع إليّ وقال: يا نجم