الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توفي- رضي الله عنه سنة خمس عشرة ومائتين، وقبره بقرية داريّا، من قرى دمشق. «1»
ومنهم:
12- بشر بن الحارث الحافيّ أبو نصر
«13»
زاد على الوسمي «2» ، وزان مدارعه زينة الكميّ «3» ، تحلّق بمشهد الشفق بشرى، وتألّق يوم مولده الصباح فكان بشرا، طفيء به كل مشتعل، وحفي كلّ حاف ومنتعل، ووقعت دونه القوادم والخوافي «4» ، واتبعت آثاره، وأثر الحافي غير خافي. سار ذكره فأوجف، وسكن
باطن الأرض فاقشعرّ ظاهرها وأرجف «1» ، وشفع بأخت كانت هي وأخواتها على الخير أعوانا»
، وإذا ذكر أهله أعيانا، وكان لمن صحّف نسرا، ولمن صحّح ما في طيّ الطّيب نشرا.
أصله من" مرو"«3» وسكن بغداد، وكان كبير الشان.
وسبب توبته: أنه أصاب في الطريق" كاغدة"«4» مكتوبا فيها اسم الله- عز وجل قد وطئتها الأقدام، فأخذها واشترى بدرهم كان معه" غالية"«5» ، فطيّب بها" الكاغدة"، وجعلها في شق الحائط، فرأى فيما يرى النائم: كأنّ قائلا يقول له:" يا بشر طيّبت اسمي، لأطيّبنّ اسمك في الدنيا والآخرة."«6»
قال أبو علي الدقاق: مرّ بشر ببعض الناس، فقالوا: هذا الرجل لا ينام الليل كله!، ولا يفطر إلا في كلّ ثلاثة أيّام مرة؛ فبكى بشر، فقيل له في ذلك؟. فقال: إني لا أذكر أني سهرت ليلة كاملة، ولا أني صمت يوما لم أفطر من ليلته، ولكن الله سبحانه وتعالى يلقي في القلوب أكثر مما يفعله العبد لطفا منه- سبحانه- وكرما.
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: بلغني أن بشر بن الحارث الحافيّ قال:" رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال لي: يا بشر! أتدري لم رفعك الله من بين أقرانك؟.
قلت: لا، يا رسول الله!.
قال: باتّباعك لسنّتي، وخدمتك للصالحين، ونصيحتك لإخوانك، ومحبّتك لأصحابي، وأهل بيتي، وهو الذي بلّغك منازل الأبرار. «1»
وقال بلال الخوّاص: كنت في تيه بني إسرائيل، فإذا رجل يماشيني، فتعجّبت منه، ثم ألهمت أنه الخضر عليه السلام، فقلت له: بحقّ الحقّ من أنت؟. فقال: أخوك الخضر؛ فقلت له: أريد أن أسألك، فقال: سل. فقلت: ما تقول في الشافعي «2» رحمه الله؟. فقال: هو من الأوتاد. «3»
فقلت: ما تقول في أحمد بن حنبل «4» رضي الله عنه؟. قال: رجل صدّيق.
قال: فما تقول في بشر بن الحارث الحافي؟. قال: لم يخلق بعده مثله!!. فقلت: بأي وسيلة رأيتك؟. فقال: ببرّك لأمّك.
وقال أبو عليّ الدّقّاق: أتى بشر باب المعافى بن عمران، فدقّ الحافي عليه الباب، فقيل: من؟. فقال: بشر الحافي.
فقالت له بنيّة من داخل الدار: لو اشتريت لك نعلا بدانقين لذهب عنك اسم الحافي. «5»
وقال أبو عبد الله [بن] الجلّاء: رأيت ذا النون وكانت له العبارة «1» ، ورأيت سهلا وكانت له الإشارة، ورأيت بشر بن الحارث، وكان له الورع. فقيل له: فإلى من كنت تميل؟
فقال: لبشر بن الحارث أستاذنا.
وقيل: إنه اشتهى الباقلاء «2» سنين، فلم يأكله، فرؤي في المنام بعد وفاته، فقيل له: ما فعل الله بك؟.
فقال: غفر لي، وقال: كل يا من لم يأكل، واشرب يا من لم يشرب! «3»
وقال بشر:" إني أشتهي الشواء منذ أربعين سنة ما صفا لي ثمنه!! "«4»
وقيل لبشر: بأي شيء تأكل الخبز؟.
فقال: أذكر العافية وأجعلها إداما «5» .
وقال بشر: لا يحتمل الحلال السرف. «6»
ورئي بشر في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟.
فقال: غفر لي، وأباح لي نصف الجنة، وقال لي: يا بشر! لو سجدت لي على الجمر ما أدّيت شكر ما جعلته لك في قلوب عبادي.
وقال بشر:" لا يجد حلاوة الآخرة رجل يحب أن يعرفه الناس."«1»
ومن دعائه:" اللهم إن كنت شهرتني في الدنيا لتفضحني في الآخرة فاسلبه عني."«2»
وقال:" عقوبة العالم في الدنيا أن يعمي بصر قلبه".
وقال:" من طلب الدنيا فليتهيّأ للذّل". «3»
وقال بشر لأصحاب الحديث:" أدّوا زكاة هذا الحديث، قالوا: وما زكاته؟. قال: اعملوا من كل مائتي حديث بخمسة أحاديث". «4»
وكان لبشر ثلاث أخوات، وهنّ:" مضغة" و" مخّة" و" زبدة"، وكنّ زاهدات عابدات، ورعات، وأكبرهنّ" مضغة"، ماتت قبل موت أخيها بشر، فحزن عليها حزنا شديدا، وبكى بكاء كثيرا، فقيل له في ذلك؟. فقال: قرأت في بعض الكتب: إن العبد إذا قصّر في خدمة ربه سلبه أنيسه. وهذه أختي" مضغة" كانت أنيستي في الدنيا".
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: دخلت امرأة على أبي فقالت له: يا أبا عبد الله!، إني امرأة أغزل من الليل على ضوء السراج، وربما طفيء السراج، فأغزل على ضوء القمر، فهل عليّ أن أبيّن غزل السراج من غزل القمر؟.
فقال لها أبي: إن كان عندك بينهما فرق، فعليك أن تبيّني ذلك.
فقالت له: يا أبا عبد الله! أنين المريض هل هو شكوى؟.
فقال لها: إني أرجو أن لا يكون شكوى، ولكن هو اشتكاء إلى الله تعالى.
ثم انصرفت؛ قال عبد الله: فقال لي أبي: يا بني! ما سمعت إنسانا قط يسأل عن مثل
ما سألت هذه المرأة!، اتبعها.
قال عبد الله: فتبعتها إلى أن دخلت دار بشر الحافي، فعرفت أنها أخت بشر، فأتيت أبي فقلت له: إن المرأة أخت بشر الحافي، فقال أبي: هذا والله! هو الصحيح، محال أن تكون هذه المرأة إلا أخت بشر الحافي!!! «1»
وقال عبد الله أيضا: جاءت" مخّة" أخت بشر الحافي إلى أبي فقالت: يا أبا عبد الله! رأس مالي دانقان، أشتري بهما قطنا فأغزله، وأبيعه بنصف درهم، فأنفق دانقا من الجمعة إلى الجمعة، وقد مرّ الطائف ليلة ومعه مشعل، فاغتنمت ضوء المشعل، وغزلت طاقين في ضوئه، فعلمت أن لله سبحانه وتعالى فيّ مطالبة، فخلّصني من هذا خلّصك الله تعالى «2» فقال أبي: تخرجين الدانقين، ثم تبقين بلا رأس مال حتى يعوّضك الله خيرا منه.
قال عبد الله: فقلت لأبي: لو قلت لها حتى تخرج رأس مالها، فقال: يا بني! سؤالها لا يحتمل التأويل، فمن هذه المرأة؟. فقلت: هي" مخّة" أخت بشر الحافي. فقال أبي: من هنا أتيت. «3»
وقال بشر:" تعلّمت الورع من أختي، فإنها كانت تجتهد أن لا تأكل ما لمخلوق فيه صنع". «4»
توفي- رضي الله عنه في شهر ربيع الآخر، سنة ست وعشرين «5» وقيل: سنة سبع وعشرين ومائتين. وقيل: في عاشر المحرم، وقيل: في رمضان، ببغداد. وقيل: بمرو. «6»
وإنما لقّب ب" الحافي" لأنه جاء إلى إسكاف يطلب منه شسعا لأجل نعليه «7» ، وكان قد