الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم:
44- أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة ابن محمد القشيريّ
«13»
الفقيه، الشافعي.
كان ليومه من أمسه آخذا، وبلومه من نفسه مؤاخذا، فكان لا يزال دمعه ينهمل، ومدمعه محمرّا، كأن إماقه جرح لا يندمل، لم تستمله الأغصان وقد مالت قدودها، ولا أمالت ليلى قلبه وقد طال صدودها، فلم يشك جفا ودود، حتى فاء إلى صديد ودود.
وإنما يعرف أكثر أحوال القوم من" رسالته"«1» ، ويعترف الفضّل «2» بقدمه وبسالته، وهو معدود من أهل سيادتهم، وذوي حظوتهم في الدارين وسعادتهم.
وكان علّامة في الفقه والتفسير، والحديث، والأصول، والأدب، والشعر، والكتابة، وعلم التصوف، وجمع بين الشريعة والحقيقة.
وأصله من ناحية" أستوا"«1» ، من العرب الذين قدموا خراسان.
توفي أبوه وهو صغير، وقرأ الأدب في صباه، وكانت له ضيعة مثقلة الخراج بنواحي" أستوا"، فرأى من الرأي أن يحضر إلى نيسابور، يتعلم طرفا من" الاستيفاء" ويحمي الضيعة من الخراج، فحضر نيسابور على هذا العزم، فاتفق حضوره مجلس الشيخ أبي عليّ الحسين بن علي النيسابوري المعروف ب" الدقاق"- وكان إمام وقته- فلما سمع كلامه أعجبه، ووقع في قلبه، فرجع عن ذلك العزم، وسلك طريق الإرادة، فقبله الدقاق، وأقبل عليه، وتفرّس فيه النجابة، فجذبه بهمّته، وأشار عليه بالاشتغال بالعلم، فخرج إلى درس أبي بكر محمد بن أبي بكر الطوسي، وشرع في الفقه حتى فرغ من تعليقه.
ثم اختلف إلى الأستاذ أبي إسحاق الأسفراييني، وقعد يسمع درسه أياما، فقال الأستاذ: هذا العلم لا يحصل بالسماع، ولا بدّ من الضبط بالكتابة، فأعاد عليه جميع ما سمعه تلك الأيام، فعجب منه، وعرف محلّه فأكرمه، وقال له: ما تحتاج إلى درس بل يكفيك أن تطّلع على مصنفاتي «2» . فقعد وجمع بين طريقته، وطريقة ابن فورك «3» . ثم نظر في كتب القاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني «4» ، وهو مع ذلك يحضر مجلس أبي علي الدقاق. وزوّجه ابنته، مع كثرة أقاربها.
وبعد وفاة أبي علي، سلك مسلك المجاهدة والتجريد، وأخذ في التصنيف، فصنف:" التفسير الكبير" قبل سنة عشر وأربعمائة، وسمّاه:" التيسير في علم التفسير"، وهو من أجود التفاسير. وصنّف:" الرسالة" في رجال الطريقة «1» .
وخرج إلى الحج في رفقة فيها الشيخ أبو محمد الجويني «2» ، وأحمد بن حسين البيهقي «3» ، وجماعة من المشاهير؛ فسمع منهم الحديث ببغداد والحجاز.
وكان له في الفروسية واستعمال السلاح يد بيضاء «4» .
وأما مجالس الوعظ والتذكير فهو إمامها، عقد لنفسه مجلس الإملاء في الحديث سنة سبع وثلاثين وأربعمائة، وحدّث ببغداد، وكتبنا عنه «5» ، وكان ثقة، وكان يقص، وكان حسن الموعظة، مليح الإشارة، وكان يعرف الأصول «6» على مذهب الأشعري، والفروع على مذهب الشافعي.
وذكره أبو الحسن الباخرزي في" دمية القصر"«7» وقال: لو قرع الصخر بسوط «8» تحذيره لذاب، ولو ربط «9» إبليس في مجلسه لتاب.
وقال أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي: أنشدنا عبد الكريم بن هوازن القشيري لنفسه:
سقى الله وقتا كنت أخلو بوجهكم
…
وثغر الهوى في روضة الأنس ضاحك
أقمنا زمانا والعيون قريرة
…
وأصبحت يوما والجفون سوافك «1»
ومن شعره أيضا:
إذا ساعدتك الحال فارقب زوالها
…
فما هي إلا مثل حلبة أشطر
وإن قصدتك الحادثات ببوسها
…
فوسّع لها ذرع التجلّد واصبر
وكان أبو القاسم كثيرا ما ينشد لبعضهم، وهو: ذو القرنين بن حمدان
لو كنت ساعة بيننا ما بيننا
…
وشهدت كيف نكرّر التوديعا
أيقنت أن من الدموع محدّثا
…
وعلمت أن من الحديث دموعا «2»
ولد في ربيع الأول سنة ست وسبعين وثلاثمائة.
وتوفي صبيحة يوم الأحد السادس عشر شهر ربيع الآخر، سنة: خمس وستين وأربعمائة، بمدينة نيسابور.
ودفن بالمدرسة تحت شيخه أبي علي الدقاق.
وكان له فرس أهدي إليه، فركبه نحو عشرين سنة، فلما مات الشيخ، لم يأكل الفرس شيئا، ومات بعد أسبوع «3» .