المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌66- الشيخ القطب أبو بكر بن قوام بن علي بن قوام بن منصور بن معلى ابن حسن بن عكرمة بن هارون بن قيس بن ربيعة بن عامر بن هلال بن قصي بن كلاب - مسالك الأبصار في ممالك الأمصار - جـ ٨

[ابن فضل الله العمري]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الثامن]

- ‌[طوائف الفقراء الصوفية]

- ‌مقدمة المحقق

- ‌[اما من هو من اهل الجانبين]

- ‌1- أويس بن عامر القرنيّ

- ‌2- أبو مسلم الخولاني

- ‌3- رابعة بنت إسماعيل العدويّة

- ‌4- حبيب العجميّ

- ‌5- أبو إسحاق إبراهيم بن أدهم بن منصور

- ‌6- الفضيل بن عياض

- ‌7- داود بن نصير الطّائيّ

- ‌8- شقيق بن إبراهيم البلخي

- ‌9- معروف بن فيروز الكرخي: أبو محفوظ

- ‌10- أبو محمّد الفتح بن سعيد الموصليّ

- ‌11- أبو سليمان عبد الرّحمن بن عطيّة الدّارانيّ

- ‌12- بشر بن الحارث الحافيّ أبو نصر

- ‌13- أحمد بن أبي الحواريّ

- ‌14- أبو عبد الرّحمن حاتم بن عنوان الأصم

- ‌15- أحمد بن خضرويه البلخيّ

- ‌16- الحارث بن أسد المحاسبيّ

- ‌17- أبو تراب عسكر بن حصين النّخشبيّ

- ‌18- السّري بن مغلّس السّقطيّ

- ‌19- أبو زكريّا يحيى بن معاذ الرّازي الواعظ

- ‌20- أبو يزيد، طيفور بن عيسى بن آدم البسطاميّ

- ‌21- أبو حفص عمر بن سالم الحدّاد

- ‌22- حمدون بن أحمد بن عمارة القصّار النّيسابوريّ أبو صالح

- ‌23- أبو الحسين أحمد بن محمّد النّوريّ

- ‌24- سهل بن عبد الله التّستريّ

- ‌25- أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل الخوّاص

- ‌26- أبو القاسم الجنيد بن محمّد

- ‌27- أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الحيريّ

- ‌28- ممشاذ الدّينوريّ

- ‌29- أبو محمد رويم بن أحمد بن يزيد بن رويم بن يزيد البغداديّ

- ‌30- أبو مغيث الحسين بن منصور الحلّاج

- ‌32- أبو عبد الله محمّد بن الفضل البلخيّ

- ‌33- أبو عمرو الدّمشقيّ

- ‌34- أبو عليّ الرّوذباريّ

- ‌35- أبو بكر محمّد بن عليّ بن جعفر الكتّانيّ

- ‌36- أبو إسحاق إبراهيم بن داود القصّار الرقّيّ

- ‌37- أبو بكر الشّبليّ

- ‌38- أبو بكر الدّقّيّ

- ‌39- أبو عمرو إسماعيل بن نجيد بن أحمد بن يوسف بن سالم ابن خالد السّلميّ

- ‌40- أبو القاسم إبراهيم بن محمّد النّصراباذيّ

- ‌41- أبو الحسن عليّ بن إبراهيم الحصريّ

- ‌44- أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة ابن محمد القشيريّ

- ‌45- أبو الفتوح أحمد بن محمّد بن محمّد بن أحمد الطّوسيّ الغزاليّ

- ‌46- يوسف بن أيّوب بن يوسف بن الحسين بن وهرة، أبو يعقوب الهمذاني

- ‌47- عديّ بن مسافر بن إسماعيل بن موسى بن مروان بن الحسن ابن مروان الهكّاريّ

- ‌50- قضيب البان

- ‌51- أبو علي الحسن بن مسلّم بن أبي الحسن بن أبي الجود

- ‌52- أبو الحسن عليّ بن محمّد بن غليس

- ‌53- الشّيخ أبو عمر محمّد بن أحمد بن محمّد بن قدامة المقدسيّ

- ‌54- عبد الله بن عثمان بن جعفر بن أبي القاسم محمد اليونينيّ

- ‌55- الشّيخ يونس بن يوسف بن مساعد الشّيبانيّ، المخارقيّ، المشرقيّ، القنيّيّ

- ‌56- السّاوجي شيخ القلندريّة جمال الدّين محمد الزّاهد

- ‌58- شهاب الدّين السّهرورديّ

- ‌59- غانم بن عليّ بن إبراهيم بن عساكر بن الحسين

- ‌60- عبد الله بن عبد العزيز اليونينيّ

- ‌61- الشّيخ عليّ بن [أبي الحسن بن منصور] المعروف بالحريري

- ‌62- عيسى بن أحمد بن إلياس بن أحمد اليونينيّ

- ‌63- يوسف القمّيني

- ‌64- الأكّال: محمّد بن خليل بن عبد الوهّاب بن بدر. أبو عبد الله البيطار

- ‌65- عبد العزيز بن القاضي أبي عبد الله محمد بن عبد المحسن بن محمد بن منصور بن خلف الأنصاريّ، الأوسيّ، أبو محمد شرف الدين

- ‌66- الشّيخ القطب أبو بكر بن قوام بن عليّ بن قوام بن منصور بن معلّى ابن حسن بن عكرمة بن هارون بن قيس بن ربيعة بن عامر بن هلال بن قصيّ بن كلاب

- ‌67- عليّ البكّاء

- ‌69- يوسف بن نجاح بن موهوب، أبو الحجّاج الزّبيريّ المعروف بالفقّاعيّ

- ‌70- الشّيخ إبراهيم بن [الشّيخ عبد الله] الأرمويّ

- ‌71-[الشّيخ الزّاهد] جندل [بن محمد العجمي]

- ‌72- أبو الرّجال بن مرّي بن بحتر المنيني

- ‌73- عثمان المنينيّ المعروف بالقريريّ

- ‌74- محمّد بن إبراهيم الأرمويّ

- ‌فصل يتعلق بالسماع

- ‌75- نجم الدّين الخشكناكيّ

- ‌76- علي السّقباويّ

- ‌77- إبراهيم الصّبّاح

- ‌78- حمّاد الحلبيّ

- ‌79- محمد بن نبهان

- ‌80- عبد الله اليافعيّ

- ‌81- أبو بكر محمّد بن عمر بن أبي بكر بن قوام

- ‌فأما من هو من أهل المغرب

- ‌82- أبو عبد الله محمّد بن إسماعيل المغربيّ

- ‌83- أبو الخير الأقطع المعروف بالتّيناتيّ

- ‌84- أبو عثمان سعيد بن سلّام المغربيّ

- ‌85- أبو العبّاس أحمد بن محمد بن موسى بن عطاء الله، الصّنهاجيّ، الأندلسيّ، المعروف بابن العريف

- ‌86- شعيب [بن الحسين] أبو مدين

- ‌88- ابن بلج

- ‌89- أحمد بن عطاء الله أبو العبّاس

- ‌90- سليمان [بن عبد الباري الدّرعيّ] " شيخ القرشيّ" أبو الرّبيع

- ‌91 و 92- الأخوان: محمّد الخيّاط، وأحمد الحريريّ، المغربيان: أبو عبد الله وأبو العباس

- ‌93- ابن عربي محمّد بن عليّ بن محمّد بن أحمد بن عبد الله: الشيخ محيي الدّين، أبو بكر الطّائيّ، الحاتميّ، الأندلسيّ، المرسيّ

- ‌94- الحرّالي علي بن أحمد بن الحسن بن إبراهيم التجيبي

- ‌95- محمد المرجاني أبو عبد الله

- ‌96- البوني أبو الحسن

- ‌97- ابن برّجان

- ‌98- عليّ بن عبد الله بن عبد الجبّار بن [تميم بن هرمز بن حاتم بن قصيّ بن] يوسف بن يوشع الحسنيّ. أبو الحسن الشّاذليّ الضرير

- ‌99- عبد الحقّ بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن محمد بن نصر ابن محمد بن سبعين. أبو محمد: قطب الدّين المرسيّ الرقوطيّ

- ‌100- سيدي أبو العبّاس المرسي أحمد بن عمر الأنصاريّ المالكيّ

- ‌101- الحسن بن عليّ بن يوسف بن هود الجذاميّ المغربيّ

- ‌وهذا آخر من وقع في الجانب الغربي

- ‌102- أبو الفيض ذو النّون المصريّ

- ‌103- أبو بكر أحمد بن نصر الزّقّاق الكبير

- ‌104- أبو الحسين بن بنان

- ‌105- أبو عليّ الحسن بن أحمد الكاتب

- ‌106- ابن الفارض: أبو القاسم عمر بن أبي الحسن علي بن المرشد بن عليّ

- ‌107- أبو القاسم بن منصور بن يحي المكّيّ الاسكندريّ المعروف بالقبّاريّ

- ‌108- الفضيل بن فضالة

- ‌109- محمّد بن عبد الله بن المجد المرشديّ الدّهروطي

- ‌110- عبد الله [بن محمّد بن سلمان] المنوفيّ

- ‌111- أبو عبد الله محمّد بن اللّبّان

- ‌مصادر التحقيق

- ‌فهرس الأعلام

الفصل: ‌66- الشيخ القطب أبو بكر بن قوام بن علي بن قوام بن منصور بن معلى ابن حسن بن عكرمة بن هارون بن قيس بن ربيعة بن عامر بن هلال بن قصي بن كلاب

ومنهم:

‌66- الشّيخ القطب أبو بكر بن قوام بن عليّ بن قوام بن منصور بن معلّى ابن حسن بن عكرمة بن هارون بن قيس بن ربيعة بن عامر بن هلال بن قصيّ بن كلاب

«13»

مسلّك أقوام، وسالك طريقة دعا بها ابن قوام، وكان لأهل بيته أي قدوه، وبيته أي بيت ودار ندوه، لم يخل رحابه من طارق، ولا سحابه من ماذر شارق. وكان في أرض" بالس"«1» تهطل سماؤه، وعلى جانب الفرات وماء الفرات وماؤه، وأقام ما أقام وكراماته ظاهره، ومقاماته باهره، وأحواله تحدث الغرائب عنها، وتحدث العجائب منها.

ولم يكن في وقته وزمانه أجمع منه للخواطر، ولا أجمل محيّا إذا تجهّمت السحب المواطر. والحقيقة بعض علمه، والطريقة تحت رسمه، والآداب منه تتعلم، وراية المجد إلى يمين غرائبه تسلم.

ولد بمشهد صفين سنة أربع وثمانين وخمسمائة «2» . ثم انتقل إلى" بالس" وربي بها «3» حكى عنه حفيده الشيخ العارف أبو عبد الله أنه قال: كانت الأحوال تطرقني، فكنت أخبر بها شيخي، فينهاني عن الكلام فيها. وكان عنده سوط، يقول: متى تكلمت في شيء من هذا ضربتك بهذا السوط!. ويأمرني بالعمل، ويقول: لا تلتفت إلى شيء من هذه الأحوال. فما زلت معه كذلك، حتى كنت في بعض الليالي، وكانت لي أم ضريرة، وكنت بارا بها، ولم يكن لها من يخدمها غيري. فاستأذنت الشيخ في المضي إليها، فأذن لي،

ص: 256

وقال: إنه سيحدث لك في هذه الليلة أمر عجيب، فاثبت له ولا تجزع. فلما خرجت من عنده وأنا مارّ إلى جهة أمي سمعت صوتا من جهة السماء، فرفعت رأسي، فإذا نور كأنه سلسلة متداخل بعضه في بعض، فالتفتّ على ظهري، حتى أحسست ببردها في ظهري.

فرجعت إلى الشيخ فأخبرته بما وقع لي. فقال: الحمد لله، وقبّلني بين عيني، وقال: يا بني! الآن تمت النعمة عليك، أتعلم يا بني ما هذه السلسلة؟. فقلت: لا. فقال: هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأذن لي في الكلام، وكان قبل ينهاني عنه. «1»

قال حفيده: سمعته يوما وقد دخل البيت وهو يقول لزوجته: ولدك قد أخذه قطّاع الطريق! في هذه الساعة. وهم يريدون قتله، وقتل رفاقه. فراعها قول الشيخ رضي الله عنه، فسمعته يقول لها: لا بأس عليك، فإني قد حجبتهم عن أذاه وأذى رفاقه، غير أن ما لهم يذهب، وغدا إن شاء الله تعالى يصل هو ورفاقه. فلما كان من الغد وصلوا كما ذكر الشيخ، وكنت فيمن تلقّاهم، وأنا يومئذ ابن ست سنين، وذلك سنة ست وخمسين وستمائة. «2»

قال شمس الدين الخابوري: وقع في نفسي أن أسأل الشيخ- وكان الخابوري من مريدي الشيخ أبي بكر- عن الروح؟، فلما دخلت عليه قال لي من غير أن أسأله: يا أحمد! ما تقرأ القرآن؟. قلت بلى يا سيدي. قال: اقرأ يا بني!: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا

«3» يا بني! شيء لم يتكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف يجوز لنا أن نتكلّم فيه؟. «4»

وقال الشيخ إبراهيم البطائحي: كان الشيخ يقف على حلب، ونحن معه، ويقول: والله إني لأعرف أهل اليمين من أهل الشمال منها، ولو شئتم لسميتهم، ولكن لم نؤمر بذلك، ولا يكشف سر الحق في الخلق. «5»

ص: 257

وقال معضاد بن حامد: كنا مع الشيخ في حفر النهر الذي ساقه إلى" بالس"، فاجتمع عندنا في بعض الأيام خلق كثير في العمل، فبينا نحن نعمل، إذ جاء راعد قوي فيه برد كبار، فقال له بعض أصحابه: يا سيدي! قد جاء هذا الراعد، وربما تعطّل الجماعة عن العمل. فقال له الشيخ: اعمل وطيّب قلبك، فلما دنا الراعد، استقبله، وأشار إليه بيده، وقال: خذ يمينا وشمالا، بارك الله فيك. فتفرّق عنا بإذن الله، وما زلنا نعمل والشمس طالعة علينا، ودخلنا البلد ونحن نخوض الماء كما ذكر.

وقال محمد بن ناصر [المشهدي]«1» كنت عند الشيخ وقد صلى صلاة العصر، وصلى معه خلق، فقال له رجل: يا سيدي! ما علامة الرجل المتمكن؟. وكان في المسجد سارية، فقال: علامة الرجل المتمكن أن يشير إلى هذه السارية فتشتعل نورا. فنظر الناس إلى السارية فإذا هي تشتعل نورا. أو كما قال. «2»

وقال إبراهيم البطائحي: سئل وأنا حاضر عن الرجل المتمكن ما علامته؟. وكان بين يديه طبق فيه شيء من الفاكهة والرياحين. فقال: أن يشير بسره إلى ما في هذا الطبق، فيرقص جميع ما فيه. فتحرّك جميع ما كان في الطبق ونحن ننظر.

وقال إسماعيل بن أبي سالم، المعروف بابن الكردي: كنا جلوسا مع الشيخ في تربة الشيخ رافع رضي الله عنهما، ونحن ننظر إلى الفرات، إذ لاح على شاطيء الفرات رجل، فقال الشيخ: أترون ذلك الرجل الذي على شاطيء الفرات؟ فقلنا: نعم. قال: إنه من أولياء الله تعالى، وهو من أصحابي، وقد قصد زيارتي من بلاد الهند، وقد صلى العصر في منزله، وقد توجّه إليّ، وقد زويت له الأرض، فخطا من منزله خطوة إلى شاطيء الفرات، وبقي يمشي من الفرات إلى ههنا، تأدّبا منه معي. وعلامة ما أقول لكم أنه يعلم أني في هذا المكان فيقصده، ولا يدخل البلد.

ص: 258

فلما قرب من البلد عرّج عنه، وقصد المكان الذي فيه الشيخ والجماعة، فجاء وسلّم وقال: يا سيدي! أسألك أن تأخذ عليّ العهد أن أكون من أصحابك.

فقال له الشيخ: وعزّة المعبود، أنت من أصحابي. فقال: الحمد لله، لهذا قصدتك، واستأذن الشيخ في الرجوع إلى أهله، فقال له الشيخ: وأين أهلك؟. قال: في الهند!. قال:

متى خرجت من عندهم؟. قال: صليت العصر، وخرجت لزيارتك. فقال له الشيخ: أنت الليلة ضيفنا، فبات عند الشيخ، وبتنا عنده. فلما أصبحنا من الغد طلب السفر، فخرج الشيخ، وخرجنا في خدمته لوداعه، فلما سرنا في وداع الشيخ، وضع الشيخ يده بين كتفيه، ودفعه، فغاب عنا، ولم نره، فقال الشيخ: وعزّة المعبود في دفعتي له وضع رجله في باب داره بالهند، أو كما قال. «1»

قال حفيده: سمعت علم الدين الشيرازي يحكي لوالدي: قال: كنت في بعض أسفاري، فأدركني شيء من الجوع والعطش، وأوقع الله تعالى في نفسي أن الله يطلع الشيخ على حالي، فإذا أنا بإنسان واقف على صخرة، وهو يشير إليّ: أن تعال. فمضيت إليه، وإذا هو الشيخ، وعنده كوز ماء، ورغيف خبز!. فقال: كل. فجلست وأكلت، وشربت. وحملت ما فضل.

قال حفيده: وسمعت والدي يقول: ولما كان في سنة ثمان وخمسين وستمائة، وكان الشيخ في حلب وقد حصل فيها ما حصل من فتنة التتار، وكان نازلا في المدرسة الأسدية.

فقال لي: يا بني! اذهب إلى بيتنا، فلعلك تجد ما نأكل. فذهبت إلى الدار، فوجدت الشيخ عيسى الرصافي، وكان من أصحابه، مقتولا في الدار، وعليه دلق»

الشيخ، وقد حرق، ولم يحترق الدّلق، ولم تمسّه النار، فأخذته وخرجت، فوجدني بعض بني جهبل، فأخبرته بخبر الدّلق، فحلف عليّ بالطلاق وأخذه مني. «3»

ص: 259

وقال أيضا: حدّثني إسماعيل بن سالم الكردي، قال: كان لي غنم، وكان عليه راع، فسرح يوما على عادته، فلما كان وقت رجوعه لم يرجع، فخرجت في طلبه فلم أجده، ولم أجد له خبرا، فرجعت إلى الشيخ، فوجدته واقفا على باب داره، فلما رآني قال لي: ذهبت الغنم؟. قلت: نعم. قال: قد أخذها اثنا عشر رجلا وهم قد ربطوا الراعي بوادي كذا. وقد سألت الله أن يرسل عليهم النوم، وقد فعل. فامض تجدهم نياما والغنم ربضا إلا واحدة، قائمة ترضع سخلتها. قال: فمضيت إلى المكان الذي قال، فوجدت الأمر كما قال؛ فسقت الغنم، وجئت البلد.

وقال البطائحي: حضر الشيخ جنازة، وفيها جماعة من أعيان البلد، فجلس القاضي والخطيب والوالي في ناحية، وجلس الشيخ والفقراء في ناحية. فتكلّم القاضي والوالي في كرامات الأولياء، وأنه ليس لها حقيقة، وكان الخطيب رجلا صالحا، فلما قاموا جاء الجماعة يسلموا على الشيخ، فقال الشيخ للخطيب: إنا لا نسلّم عليك!. قال: ولم يا سيدي؟.

قال: لأنك لم ترد غيبة الأولياء، ولم تنتصر لهم، والتفت الشيخ إلى القاضي، والوالي، وقال: أنتما تنكران كرامات الأولياء! فما تحت أرجلكما؟ قالا: لا نعلم. قال: تحت أرجلكما مغارة ينزل إليها بخمس درج، وفيها شخص مدفون، هو وزوجته، وكان ملك هذا البلد، وهو على سرير، وزوجته قبالته، ولا نبرح من هذا المكان حتى نكشف عنهما.

فدعا بفؤوس، وكشف المكان، والجماعة حاضرون، فوجدوه كما قال.

وقال أبو المجد بن أبي الثناء: كنت عند الشيخ، وقدم عليه الشيخ نجم الدين البادرائي، متوجها إلى بغداد، وقد ولاه الخليفة القضاء، فسمعته يقول للشيخ: يا سيدي! قد ولاني الخليفة قضاء بغداد، وأنا كارهه، فقال له: طيّب قلبك، فإنك لا تحكم فيها، وحدّثه أشياء.

وسمعت الشيخ يقول له: يا شيخ نجم الدين! هذا إنسان صفته كذا وكذا، من أعيان الناس، وهو قريب من الملك الناصر، خاطره متعلق بك، وهو يشير إليك بخنصره، فقال له:

صدقت، يا سيدي!. دفع إليّ فص خاتم له قيمة، وقال: يكون عندك وديعة، والله ما أعلم أحدا من خلق الله علم بهذا الفصّ حين دفعه إليّ، وقد خيّطته في مزدرجتي، من حذري

ص: 260

عليه، وكان كما قال الشيخ، فإن نجم الدين قدم بغداد، ومات، ولم يحكم بين اثنين!.

قال حفيده: حدّثني الشيخ الصالح العابد عمر بن سليمان الجعبري المعروف بأبي أصيبعة، قال: سيّر أبي معي إلى الشيخ هدية، وكنت شابّا، فرافقني جماعة من أهل القلعة، فتحدّثوا فيما بينهم، فقالوا: إذا دخلنا البلد رجعنا إلى الخمّارة، وشربنا. فلما دخلنا البلد وعزموا على ما قالوا، قلت لهم: حتى أوصل إلى الشيخ هديته، ولا يبقى لنا شغل، فمضينا إلى الشيخ، فلما دخلنا إليه وجلسنا، أخذ يتكلم في المعاصي وما فيها من سخط الله وعقابه، فما زال يتكلم حتى القوم تابوا، وصاروا من أصحابه، وماتوا على عمل صالح.

وحدّثني أيضا قال: دخلت على الشيخ، وعنده إنسان من أهل العراق، وهو يسأله، والشيخ يجيبه، فأكثر عليه السؤال، فخطر لي أن أقوم إليه، وأخرجه. فقال لي: يا فلان! دعه، فإنه صاحب بدعة، وقد كفانا الله فيه. قال: فلما جاء الليل، أخذه بعض أهل البلد، وبيّته عنده، فقام من الليل، فسقط من أعلى الدار التي بات فيها!. فجاؤوا إلى الشيخ وأخبروه به. فقال: امضوا، واحفروا له قبرا فإنه الآن يموت!، وهو رافضي مبتدع.

قال حفيده: وسمعت والدي قال: كان الشيخ كثيرا ما يتكلم فيما يلتبس على الأولياء كشفه، فقال لي في بعض الأيام: قد خرج في هذه الساعة جماعة من حلب إلى زيارتنا، وهم يمشون في شجر سبسبان، ولم يكن هذا الشجر بأرض حلب، ولا يعرف بها، أتدرون ما هو؟. فقالوا: لا. فقال: لأنهم يتكلمون في نقص أموال، وغرائم أموال، فظهرت إشارته في الكشف شجر سبسبان، وذلك لأن النقص يعطي النقص في الأبدان، فلما تكلموا في نقص الأموال، ظهر في الكشف كما قلنا.

وقال مرة أخرى: قد دخل إلى مجلسنا حمام كثير، وقد رصّ المجلس بهم، أتدرون ما هم؟. فقالوا: لا. فقال: قد قصد زيارتنا قوم أحرار وليس فيهم دعيّ، فلما كان عن قليل، دخل جماعة، وجلسوا حتى رصّوا المجلس، فقال: هؤلاء الذين أخبرتكم عنهم، إنهم قوم

ص: 261

أحرار، في في الكشف أسرارهم كما قلنا.

وكان رحمه الله تعالى كثير العمل دائم المجاهدة في نفسه، ويأمر أصحابه بذلك، ويلزمهم بقيام الليل، وتلاوة القرآن، والذكر دأبه لا يفتر عنه، وفي كل ليلة جمعة يجعل لكل إنسان منهم وظيفة من الجمعة إلى الجمعة، وكان يحثّهم على الاكتساب، وأكل الحلال، ويقول: أصل العبادة أكل الحلال. «1»

وكان شديد الإنكار على أهل البدع، لا تأخذه في الله لومة لائم، فرجع به خلق. «2»

وكان يحثّ أصحابه على التمسك بالسنة، ويقول: ما أفلح من أفلح، وسعد من سعد إلا بالمتابعة، فإن الله تعالى يقول: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ

«3» ، وقال: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ

«4» ، وقال: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا

. «5»

وكان يقول: ما اتخذ الله وليا صاحب بدعة قطّ. قيل له: فإن اتخذه؟. قال:

يصلحه «6» [وكان يقول: رجال الشام أمكن من رجال العراق، وأعرف] . «7»

وكان يتفقّد الأرامل بنفسه، ويقضي حوائجهنّ. وجاءته امرأة فقالت له: عندي دابّة، وقد ماتت. وما لي من يجرّها عني، فقال: امض وحصّلي حبلا واتركيه عندها، حتى أبعث من يجرّها.

فمضت وفعلت ما قال، فجاء بنفسه، وربط الحبل في الدابة، وجرّها إلى باب البلد. «8» وكان

ص: 262

لا يركب بغلا، ولا حمارا، ولا فرسا «1» . وإذا عطش وهو قاعد في المجلس مع أصحابه قام فشرب بنفسه، يريد بذلك تربية المريدين.

وكان في الزاوية رجل كبير مسن، وكان به قطار البول «2» ، فأخذ تحته شيئا يقطر فيه البول، فكان يقوم، ويريقه بنفسه، ويغسل ما أصاب الحصير منه. «3»

وكان لا يمكّن أحدا من تقبيل يده، ويقول: إذا مكّن الشيخ أحدا من تقبيل يده، نقص من حاله شيء. «4»

وكان شديد الحياء، لا يقطع على أحد كلامه، ولا يخجل أحدا بما يقول.

وكان كثير التورّع، يتحرّى في مطعمه، وملبسه، ويقول: الدين الورع، وهو أصل العبادة.

وكان يتورّع عن أموال السلاطين، والجند، وكان عن مال العرب أشدّ تورّعا، لا يأكل لهم طعاما، ولا يقبل لهم هدية. وكان للعرب عادة يمرون كل سنة بأرضنا مرتين، فإذا مرّوا لا يأكل مما يباع في السوق، لا لحما، ولا لبنا، ولا غيرهما، بل يتأدّم بالزيت، وما كان من الأدم في البيت «5» .

وكان في بدء أمره لا يأكل إلا من المباح، يجمع الأشنان «6» بيده، وتارة يحصد، فلمّا كبر وأسنّ، كان يأمر من حوله من الفقراء والأصحاب فيخرجون إلى الصحراء فيزرعون زرعا ويحصدونه، فإذا حصل، قال لهم: لا ترفعوه، حتى تدفعوا إلى السلطان نصيبه منه، وكانوا يفعلون ذلك. حتى يدفعوا من التبن ما يخصه. «7»

وكان السلطان نور الدين يتردّد إلى زيارة جده، فوقف على الشيخ غابة من أرض

ص: 263

الفرات، فتورّع عنها، وسبّلها «1» للمسلمين، فكانوا يأخذون منها الخشب، وينتفعون به، وربّما احتاج هو إلى شيء من الخشب للعمارة، فيشترى له ولا يأخذ منها شيئا، تورّع منه.

وصنع له بعض أصحابه في بعض الأيام طعاما فيه جزر، فلما وضعه بين يديه، قال له الشيخ: من أين اشتريت هذا الجزر؟، فإنه حرام!. فقال: من السوق. فقال: امض إليه واسأله عنه: من أين اشتروه؟، فمضى وسأل عنه، فوجده قد اشتري من طعمة المكاسين!!. «2»

وقال الشيخ إبراهيم البطائحي: كان الشيخ رضي الله عنه لا يقبل خمسين درهما [جملة واحدة]، ويقول: خمسين درهما غنى فقير «3» .

وتوفي يوم الأحد سلخ رجب سنة ثمان وخمسين وستمائة، بقرية" علم" ودفن بها، في تابوت، لأجل نقله، فإنه أوصى بذلك.

قال حفيده: أخبرني والدي قال: أوصاني والدي أن أدفنه في تابوت، وقال: يا بني! أنا لا بد أن أنقل إلى الأرض المقدسة. وكان كما قال، فإنه نقل بعد موته باثني عشر سنة، إلى جبل [قاسيون] . «4»

قال: وكنت فيمن حضر خروجه من قبره، وسرت معه إلى دمشق، وشهدت دفنه، وذلك صبيحة يوم الجمعة، تاسع المحرّم، سنة سبعين وستمائة «5» .

ورأيت في سفري معه عجائب، ذكرها «6» . وقد جمع له حفيده سيرة في أربع كراريس.

ص: 264