الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأما من هو من أهل المغرب
فمنهم:
82- أبو عبد الله محمّد بن إسماعيل المغربيّ
«13»
أغاظ الدنيا وأكظمها، ولم ترقه وهي تجلى عليه في إيرادها، وتستبق إليه بدهمها وورادها، فلم يعرها طرفه، ولم يرعها لحظة عين ولا طرفة، بل بتّ منها وفتّ منها في مهاب الرياح طينة الخبال، ولم يصحبها إلا بنيّة مفارق، وطويّة طارق، فلم يرد بكاسها، ولم يرغب في مكاسها. فخلاها وسار منطلقا، وولاها ظهره وأشار إليها مطلّقا.
كان أستاذ إبراهيم الخواص «1» ، وإبراهيم بن شيبان «2» . وصحب علي بن رزين «3» ، وعاش مائة وعشرين سنة، ومات على جبل طور سيناء، سنة تسع وسبعين ومائتين.
وقيل: سنة تسع وتسعين، وقبره فيه مع أستاذه علي بن رزين.
وكان عجيب الشان، لم يأكل مما وصلت إليه يد بني آدم عدة من السنين، بل كان يتناول أصول الحشيش أشياء تعوّد أكلها. «4»
و [من كلامه] قال:
" الفقير: المجرّد من الدنيا وإن لم يعمل شيئا من أعمال الفضائل، ذرة منه أفضل من هؤلاء المتعبدين المجتهدين، ومعهم الدنيا."»
وقال:" أهل الخصوص مع الله تعالى على ثلاث منازل:
- قوم: يضنّ بهم عن البلاء، لئلا يستغرق الجزع صبرهم، فيكرهون حكمه، أو تكون في صدورهم حرج من قضائه.
- وقوم: يضنّ بهم عن مساكنة أهل المعاصي، لئلا تغتمّ قلوبهم، فمن أجل ذلك سلمت صدورهم للعالم.
- وقوم: صبّ عليهم البلاء [صبّا] ، وصبّرهم وارتضاهم، فما ازدادوا بذلك إلا حبا له، ورضا لحكمه.
- وله عباد [منحهم نعما تجدّد عليهم، و]«2» أسبغ عليهم باطن العلم وظاهره، وأخمل ذكرهم.
وقال:" من ادّعى العبودية وله مراد باق فيه، فهو كاذب في دعواه، إنما تصح العبودية لمن أفنى مراداته، وقام بمراد سيده، فيكون اسمه ما سمي به، ونعته ما حلي به، إذا سمي باسم أجاب عن العبودية؛ فلا اسم له، ولا رسم، لا يجيب إلا لمن يدعوه بعبودية سيده".
ثم بكى أبو عبد الله وأنشأ يقول:
لا تدعني إلا بيا عبدها
…
فإنه أصدق أسمائي «3»
وقال:" أفضل الأعمال عمارة الأوقات بالموافقات"«4» .
وقال:" الفقراء الراضون هم أمناء الله في أرضه، وحجته على عباده، بهم يدفع البلاء عن الخلق."«1»
و [قال] :" الفقير الذي لا يرجع إلى مستند في الكون غير الالتجاء إلى من إليه فقره، ليغنيه بالاستغناء به، كما عزّزه بالافتقار إليه."«2»
و [قال] وأعظم الناس ذلا فقير داهن غنيا وتواضع له، وأعظم الخلق عزا: غني تذلل لفقير، وحفظ حرمته" «3» .
وأنشد لنفسه:
يا من يعدّ الوصال ذنبا
…
كيف اعتذاري من الذنوب
إن كان ذنبي إليك حبي
…
فإنني عنه لا أتوب «4»
وقال:" العارف يضيء له أنوار العلم فيبصر بها عجائب الغيب".
وقال:" مررت بمفازة المغرب عشرين يوما، ما رأيت فيها آدميا، ولم آكل شيئا من الدنيا إلا شربة ماء، فبينما أنا أسير إذ لاح لي شيخ قائم يصلي، فقربت منه وقلت: السلام عليك ورحمة الله. فردّ عليّ السلام. فقلت له: من أنت؟. فقال: خليل الله إبراهيم- عليه السلام حين رموه في النار. فقلت له: بماذا نلت هذه المنزلة؟. قال لي: يا عبد الله! توكّل، فما في المملكة شيء أعزّ من التوكل. فقلت له: وما التوكل؟. فقال: النظر إليه بلا عين تطرف، ولسان ذاكر بلا حركة، ونفس جوّالة بلا روح. ثم سلّم عليّ فإذا هو في الهواء!!.
وقال: خرجت، فبينا أنا في برّية تبوك، إذا أنا بامرأة بغير يدين، ولا رجلين، ولا عينين، فدنوت منها، ثم قلت: يا أمة الله! من أين أقبلت؟.