المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الثامن]

- ‌[طوائف الفقراء الصوفية]

- ‌مقدمة المحقق

- ‌[اما من هو من اهل الجانبين]

- ‌1- أويس بن عامر القرنيّ

- ‌2- أبو مسلم الخولاني

- ‌3- رابعة بنت إسماعيل العدويّة

- ‌4- حبيب العجميّ

- ‌5- أبو إسحاق إبراهيم بن أدهم بن منصور

- ‌6- الفضيل بن عياض

- ‌7- داود بن نصير الطّائيّ

- ‌8- شقيق بن إبراهيم البلخي

- ‌9- معروف بن فيروز الكرخي: أبو محفوظ

- ‌10- أبو محمّد الفتح بن سعيد الموصليّ

- ‌11- أبو سليمان عبد الرّحمن بن عطيّة الدّارانيّ

- ‌12- بشر بن الحارث الحافيّ أبو نصر

- ‌13- أحمد بن أبي الحواريّ

- ‌14- أبو عبد الرّحمن حاتم بن عنوان الأصم

- ‌15- أحمد بن خضرويه البلخيّ

- ‌16- الحارث بن أسد المحاسبيّ

- ‌17- أبو تراب عسكر بن حصين النّخشبيّ

- ‌18- السّري بن مغلّس السّقطيّ

- ‌19- أبو زكريّا يحيى بن معاذ الرّازي الواعظ

- ‌20- أبو يزيد، طيفور بن عيسى بن آدم البسطاميّ

- ‌21- أبو حفص عمر بن سالم الحدّاد

- ‌22- حمدون بن أحمد بن عمارة القصّار النّيسابوريّ أبو صالح

- ‌23- أبو الحسين أحمد بن محمّد النّوريّ

- ‌24- سهل بن عبد الله التّستريّ

- ‌25- أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل الخوّاص

- ‌26- أبو القاسم الجنيد بن محمّد

- ‌27- أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الحيريّ

- ‌28- ممشاذ الدّينوريّ

- ‌29- أبو محمد رويم بن أحمد بن يزيد بن رويم بن يزيد البغداديّ

- ‌30- أبو مغيث الحسين بن منصور الحلّاج

- ‌32- أبو عبد الله محمّد بن الفضل البلخيّ

- ‌33- أبو عمرو الدّمشقيّ

- ‌34- أبو عليّ الرّوذباريّ

- ‌35- أبو بكر محمّد بن عليّ بن جعفر الكتّانيّ

- ‌36- أبو إسحاق إبراهيم بن داود القصّار الرقّيّ

- ‌37- أبو بكر الشّبليّ

- ‌38- أبو بكر الدّقّيّ

- ‌39- أبو عمرو إسماعيل بن نجيد بن أحمد بن يوسف بن سالم ابن خالد السّلميّ

- ‌40- أبو القاسم إبراهيم بن محمّد النّصراباذيّ

- ‌41- أبو الحسن عليّ بن إبراهيم الحصريّ

- ‌44- أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة ابن محمد القشيريّ

- ‌45- أبو الفتوح أحمد بن محمّد بن محمّد بن أحمد الطّوسيّ الغزاليّ

- ‌46- يوسف بن أيّوب بن يوسف بن الحسين بن وهرة، أبو يعقوب الهمذاني

- ‌47- عديّ بن مسافر بن إسماعيل بن موسى بن مروان بن الحسن ابن مروان الهكّاريّ

- ‌50- قضيب البان

- ‌51- أبو علي الحسن بن مسلّم بن أبي الحسن بن أبي الجود

- ‌52- أبو الحسن عليّ بن محمّد بن غليس

- ‌53- الشّيخ أبو عمر محمّد بن أحمد بن محمّد بن قدامة المقدسيّ

- ‌54- عبد الله بن عثمان بن جعفر بن أبي القاسم محمد اليونينيّ

- ‌55- الشّيخ يونس بن يوسف بن مساعد الشّيبانيّ، المخارقيّ، المشرقيّ، القنيّيّ

- ‌56- السّاوجي شيخ القلندريّة جمال الدّين محمد الزّاهد

- ‌58- شهاب الدّين السّهرورديّ

- ‌59- غانم بن عليّ بن إبراهيم بن عساكر بن الحسين

- ‌60- عبد الله بن عبد العزيز اليونينيّ

- ‌61- الشّيخ عليّ بن [أبي الحسن بن منصور] المعروف بالحريري

- ‌62- عيسى بن أحمد بن إلياس بن أحمد اليونينيّ

- ‌63- يوسف القمّيني

- ‌64- الأكّال: محمّد بن خليل بن عبد الوهّاب بن بدر. أبو عبد الله البيطار

- ‌65- عبد العزيز بن القاضي أبي عبد الله محمد بن عبد المحسن بن محمد بن منصور بن خلف الأنصاريّ، الأوسيّ، أبو محمد شرف الدين

- ‌66- الشّيخ القطب أبو بكر بن قوام بن عليّ بن قوام بن منصور بن معلّى ابن حسن بن عكرمة بن هارون بن قيس بن ربيعة بن عامر بن هلال بن قصيّ بن كلاب

- ‌67- عليّ البكّاء

- ‌69- يوسف بن نجاح بن موهوب، أبو الحجّاج الزّبيريّ المعروف بالفقّاعيّ

- ‌70- الشّيخ إبراهيم بن [الشّيخ عبد الله] الأرمويّ

- ‌71-[الشّيخ الزّاهد] جندل [بن محمد العجمي]

- ‌72- أبو الرّجال بن مرّي بن بحتر المنيني

- ‌73- عثمان المنينيّ المعروف بالقريريّ

- ‌74- محمّد بن إبراهيم الأرمويّ

- ‌فصل يتعلق بالسماع

- ‌75- نجم الدّين الخشكناكيّ

- ‌76- علي السّقباويّ

- ‌77- إبراهيم الصّبّاح

- ‌78- حمّاد الحلبيّ

- ‌79- محمد بن نبهان

- ‌80- عبد الله اليافعيّ

- ‌81- أبو بكر محمّد بن عمر بن أبي بكر بن قوام

- ‌فأما من هو من أهل المغرب

- ‌82- أبو عبد الله محمّد بن إسماعيل المغربيّ

- ‌83- أبو الخير الأقطع المعروف بالتّيناتيّ

- ‌84- أبو عثمان سعيد بن سلّام المغربيّ

- ‌85- أبو العبّاس أحمد بن محمد بن موسى بن عطاء الله، الصّنهاجيّ، الأندلسيّ، المعروف بابن العريف

- ‌86- شعيب [بن الحسين] أبو مدين

- ‌88- ابن بلج

- ‌89- أحمد بن عطاء الله أبو العبّاس

- ‌90- سليمان [بن عبد الباري الدّرعيّ] " شيخ القرشيّ" أبو الرّبيع

- ‌91 و 92- الأخوان: محمّد الخيّاط، وأحمد الحريريّ، المغربيان: أبو عبد الله وأبو العباس

- ‌93- ابن عربي محمّد بن عليّ بن محمّد بن أحمد بن عبد الله: الشيخ محيي الدّين، أبو بكر الطّائيّ، الحاتميّ، الأندلسيّ، المرسيّ

- ‌94- الحرّالي علي بن أحمد بن الحسن بن إبراهيم التجيبي

- ‌95- محمد المرجاني أبو عبد الله

- ‌96- البوني أبو الحسن

- ‌97- ابن برّجان

- ‌98- عليّ بن عبد الله بن عبد الجبّار بن [تميم بن هرمز بن حاتم بن قصيّ بن] يوسف بن يوشع الحسنيّ. أبو الحسن الشّاذليّ الضرير

- ‌99- عبد الحقّ بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن محمد بن نصر ابن محمد بن سبعين. أبو محمد: قطب الدّين المرسيّ الرقوطيّ

- ‌100- سيدي أبو العبّاس المرسي أحمد بن عمر الأنصاريّ المالكيّ

- ‌101- الحسن بن عليّ بن يوسف بن هود الجذاميّ المغربيّ

- ‌وهذا آخر من وقع في الجانب الغربي

- ‌102- أبو الفيض ذو النّون المصريّ

- ‌103- أبو بكر أحمد بن نصر الزّقّاق الكبير

- ‌104- أبو الحسين بن بنان

- ‌105- أبو عليّ الحسن بن أحمد الكاتب

- ‌106- ابن الفارض: أبو القاسم عمر بن أبي الحسن علي بن المرشد بن عليّ

- ‌107- أبو القاسم بن منصور بن يحي المكّيّ الاسكندريّ المعروف بالقبّاريّ

- ‌108- الفضيل بن فضالة

- ‌109- محمّد بن عبد الله بن المجد المرشديّ الدّهروطي

- ‌110- عبد الله [بن محمّد بن سلمان] المنوفيّ

- ‌111- أبو عبد الله محمّد بن اللّبّان

- ‌مصادر التحقيق

- ‌فهرس الأعلام

الفصل: ‌67- علي البكاء

ومنهم:

‌67- عليّ البكّاء

«13»

الصالح المشهور، ما زايل الدمع حتى خدّد خديه، ونزل خاضعا لديه، وترك جياده في حلية الخد تستبق، والأرض تصطبح منه وتغتبق.

بكّاء كان لا يجف منه جفنه، ولا يخف منه أفنه، قطع عليه مدة البقاء، واتخذ منه عدة اللقاء، هذا إلى حبّ للانفراد، فسكن من قلبه الشغاف، وركن إلى خلبه للاطلاع والإشراف، حتى ثوى، ولكل امرئ ما نوى، وأمسى وهو نزيل الخليل وجاره، وفوق وكر السرحان وجاره.

قال ابن اليونيني: حكى لي المنصور سيف الدين قلاوون رحمه الله، بغزة في شوال سنة خمس وسبعين وستمائة، وقد خرجت صحبته من الديار المصرية، فلما نزل غزة استأذنته في زيارة الخليل عليه السلام، فقال لي: زر الشيخ عليا البكّاء، فإنه كبير القدر، وشرع في الثناء عليه وذكر مناقبه، فقال: لما كنا في الأيام الناصرية مع الملك الظاهر، زرته فدعا لي، وأخبرني بأمور تقع، فوقع أكثرها، وأعطاني قميصه، فكنت ألبسه تحت السلاح، فما أصابني نشاب ولا غيره وهو عليّ، وأصابني جراحات لما لم أكن لابسه، أو ما هذا معناه.

قال ابن اليونيني: فلما تسلطن الملك المنصور، وقع في خاطري أن ذلك ربما يكون من الأمور التي أخبره بوقوعها، والله أعلم.

قال: وسمّي بالبكّاء لكثرة بكائه.

حكي أنه سئل عن كثرة بكائه، فقال: كنت ببغداد، فرأيت رجلا خرج منها، فتبعته، فلم يكن بأسرع من وصوله إلى عمارة لا أعرفها، فظننتها من قرى بغداد، ودخل مسجدا وصلى فيه الظهر وخرج، وأنا في صلاة السنة، فخرجت، فرأيت وجوها أنكرتها، وبلدا

ص: 265

أنكرته، فسألت شيخا هناك: ما هذه القرية؟ فقال: من أين أنت؟. فقلت: من بغداد.

خرجت منها من ساعة. فقال: أظنك لا تعقل ما تقول، بينك وبين بغداد أكثر من سنة!.

فقلت: والله لقد خرجت منها من أقل من ساعتين. فقال: حدّثني قصّتك. فحكيت له أمري عن حليته، فقال: إن كنت صادقا فارجع إلى المسجد الذي دخلت إليه معه فانتظره، فإنه سيعود إليه. فرجعت إلى ذلك المسجد، فلما كان وقت العصر، حضر ذلك الشخص الذي تبعته، فلزمته، وتشبثت به، وبكيت، وتضرّعت إليه، فانتهرني، ثم رقّ لي، ورجع بي إلى بغداد، فوصلناها في مثل المسافة التي خرجنا منها، وصحبته، وخدمته مدة، وأراد السفر، فأردت صحبته، فمنعني، وقال: لا تقدر على ذلك!. وأنا مسافر إلى البلد الفلاني، وأموت في الوقت الفلاني، فإذا كان ذلك الوقت، فاحضر ذلك المكان، واشهدني. فلما دنا الميعاد، حضرت فوجدته في الموت، وقد توجّه إلى الشرق، فأدرته إلى القبلة، وهو ينحرف إلى الشرق، وتكرر ذلك منه ومني، فنظر إليّ، وقال: لا تتعب- هو إنما يموت نصرانيا! - وتكلم بما يدين به النصارى ويعتقده، ففارق، فحملناه إلى دير مشهور هناك، فيه جماعة من الرهبان، فوجدناهم في تألم شديد، وذكروا لنا أنهم كان عندهم راهب عظيم، قد أتى عليه مائة سنة، وأنه توفي تلك السنة، بعد أن أسلم، فسلمنا إليهم صاحبنا، فتولوا أمره ودفنوه، وتسلمنا ذلك الراهب وغسّلناه، ودفنّاه. فألام على كثرة البكاء؟!.

فنسأل الله تعالى حسن الخاتمة، وأن يتوفانا على الإسلام والسّنة، آمين.

توفي الشيخ علي البكّاء- رحمه الله تعالى- ببلد الخليل عليه السلام في أوائل شهر رجب سنة سبعين وستمائة، ودفن بزاويته.

ص: 266

ومنهم:

68-

الشّيخ خضر بن أبي بكر بن موسى أبو العبّاس المهرانيّ «1» العدويّ «13»

شيخ الملك الظاهر.

قدم من جبال الأكراد، وورد الحياض ورّاد، فاستخصب المرعى، واستنجب المسعى، وتأكدت له بالملك الظاهر بيبرس صحبة نفعته لديه، ورفعته عند أقصى الملك إليه، وحمد به زمانه النضر، وكان الملك الاسكندر والشيخ الخضر، ووسائله مقبولة، ورسائله للمصايد أحبولة، والأنام معه، والأيام لدعوته مسمعه، حتى هبت له بنكباء البأساء، ودبت إليه دبيب ظلماء المساء، وانتهت له من الوزراء الظاهرية صلالا أراقم، وأسقاما داؤها متفاقم، وكان قد ثقلت عليه شفاعاته، ونقلت إليهم شناعاته.

وما زالوا به حتى أخرجوا خباءه، وأسمعوا منه آي نبأه، وأحضرت امرأة تعرف ببنت ابن نظيف، فقالت فيه كلاما، وقادت إليه ملاما، فحمل إلى القلعة واعتقل، وأقام حتى هيء له بيته في المقابر ونقل، إلا أنه مات غير محترم، وتاب ولم ير غير مبجل محترم، وكان موته بدنو أجل الملك الظاهر منذرا، وكان قد أنذره به، وكان منه حذرا.

أصله من قرية يقال لها:" المحمدية"، من أعمال جزيرة ابن عمر، وسبب معرفة الملك الظاهر له واعتقاده فيه: أن الأمير العجمي أخبره عنه قبل أن يتسلطن، أنه قال: إن ركن الدين بيبرس البندقداري لا بد أن يملك، فلما ملك، صار له فيه عقيدة [عظيمة]«2» ، وقرّبه وأدناه، وكان ينزل إلى زيارته في الأسبوع مرة أو مرتين، أو ثلاثا، على قدر ما يتفق؛

ص: 267

لكنه لم تكن يغب زيارته والاجتماع به، ويطلعه على غوامض أسراره، ويستشيره في أموره، ولا يخرج عن رأيه، ويستصحبه في سائر أسفاره وغزواته، وفي ذلك يقول الشريف شرف الدين محمد بن رضوان الناسخ «1» :

ما الظاهر السلطان إلا مالك الدنيا بذاك لنا الملاحم تخبر

ولنا دليل واضح كالشمس في

وسط السماء بكل عين تنظر

لما رأينا الخضر يقدم يقدم جيشه

أبدا علمنا أنه الاسكندر «2»

وكان يخبر الملك الظاهر بأمور قبل وقوعها، فتقع على ما يخبر به، ولما حاصر الملك الظاهر [أرسوف]«3» ، وهي من أوائل فتوحاته، سأله: متى تؤخذ؟ فعين له اليوم الذي تؤخذ فيه، فوافق. وكذلك في" قيسارية" و" صفد".

ولما عاد الظاهر [رحمه الله تعالى] من دمشق إلى جهة الكرك، سنة خمس وستين، استشاره في قصده، فأشار عليه أن لا يقصده، وأن يتوجه إلى الديار المصرية، فلم يوافق قوله غرضه، فخالفه وقصده، فلما كان فانكسرت فخذه، وأقام مكانه أياما كثيرة، ثم حمل في محفّة إلى غزة، ثم إلى الديار المصرية على أعناق الرجال.

ولما قصد الظاهر منازلة حصن الأكراد ومحاصرته، اجتاز الشيخ خضر ببعلبك، ونزل بالزاوية التي عمرت له بظاهرها، وخرج نوّاب السلطنة وبعض أهل البلد إلى خدمته، فقال ابن اليونيني: وكنت فيمن خرج، فسمعت كمال الدين إبراهيم بن شيث [رحمه الله تعالى] يسأله عن أخذ حصن الأكراد؟. فقال ما معناه: يؤخذ في مدة أربعين يوما. أو قال: قلت:

لابني يشير إلى الملك الظاهر أنك تأخذه في أربعين يوما، فوافق ذلك، وأخذه في مدة أربعين يوما «4» ولما

ص: 268

توجّه الملك الظاهر إلى الروم، سأل الشيخ خضر بعض أصحابه عما يتم للملك الظاهر؟، فأخبره أنه يظفر، ثم يعود إلى دمشق، ويموت بها بعد أن أموت أنا بعشرين يوما!. فاتفق ذلك. «1»

قال ابن اليونيني: وحكي لي أن الملك الظاهر لما تغير عليه، وأحضر من أصحابه من دمشق من يحاققه على أمور نقلت إليه عنه، ويقابله عليها، قعد الملك الظاهر بقلعة الجبل، وعنده من أكابر الأمراء فارس الدين الأتابك، وبدر الدين، والملك المنصور قلاوون، وسير الأمير سيف الدين قشتمر العجمي لإحضاره، فلما طلبه إلى الحضور إلى القلعة، أنكر ذلك، لأنه لم يكن له به عادة، فعرّفه [بشيء مما]«2» هم فيه، فحضر معه، فلما دخل لم يجد ما يعهده، فقعد عندهم منتبذا منهم، فأحضر السلطان الذين أحضرهم من أصحابه من دمشق، فشرعوا ونسبوه إلى قبائح وأمور عظيمة لا تكاد تصدر من مسلم، فقال: ما أعرف ما يقولونه، ومع هذا، فأنا ما قلت لكم: أني رجل صالح، أنتم قلتم هذا، فإن كان ما يقول هؤلاء صحيحا فأنتم كذبتم.

فقام الملك الظاهر ومن معه من عنده؛ وقالوا: قوموا بنا، لا نحترق بمجاورته. وتحولوا إلى طرف الإيوان بعيدا منه. فقال الظاهر: أيش رابكم في أمره؟. فقال الأتابك: هذا مطّلع على الأسرار وأسرار الدولة، وبواطن أحوالها، وما ينبغي إبقاؤه في الوجود، فإنه لا يؤمن أن يصدر منه ما لا يمكن تلافيه. فوافقه الحاضرون على ذلك، وقالوا: ببعض ما قد قبل [عنه] يباح دمه، ففهم ما هم فيه، فقال للملك الظاهر: اسمع ما أقول لك! إنّ أجلي قريب من أجلك، وبين وبينك مدة أيام يسيرة، من مات منا لحقه صاحبه عن قريب. فوجم الملك الظاهر لذلك، وقال للأمراء: ما ترون في هذا؟. فلم يمكن أحدا أن يقول شيئا. فقال [السلطان] الظاهر: هذا يحبس في موضع لا يسمع له فيه حديث، فيكون مثل من قد قبر

ص: 269

وهو حي. فقالوا: الذي رآه مولانا السلطان.

فحبسه في مكان منفرد، بقلعة الجبل، ولم يمكّن أحدا من الدخول إليه إلا من يثق به السلطان غاية الوثوق، ويدخل إليه بالأطعمة الفاخرة، والأشربة، والفواكه، والملابس تغير عليه كل وقت.

وكان حبسه في ثاني عشر شوال سنة إحدى وسبعين وستمائة.

وتوفي يوم الخميس سادس المحرّم، أو ليلة الجمعة سابعه، وأخرج يوم الجمعة المذكور من سجنه بقلعة الجبل، ميتا، فسلّم إلى أهله، فحملوه إلى زاويته المعروفة بخط الجامع الظاهري بالحسينية، فغسّل بها، [وحمل إلى الجامع المذكور]«1» ، وصلّي عليه عقيب الجمعة بالجامع المذكور، ودفن بتربة أنشأها لنفسه بالزاوية، وقد نيف على الخمسين. «2»

ولما عاد الظاهر من الروم، كتب بالإفراج عنه، وجهّزه على البريد، فوصل البريد بعد موته. وكان بنى له الظاهر زاوية بالحسينية، ووقف عليها أحكارا يحصل منها في كل سنة فوق ثلاثين ألف درهم.

وبنى له بالقدس زاوية، وبجبل المزة ظاهر دمشق زاوية، وبظاهر بعلبك زاوية، وبحماة زاوية، وبحمص زاوية، وفي جميعها فقراء، وعليهم الأوقاف، وصرّفه في ملكه يحكم ولا يحكم عليه، ولا يخالف أمره في جليل ولا حقير، ويتقي جانبه الخاص والعام، حتى الأمير بدر الدين الخازندار، والصاحب بهاء الدين، وملوك الأطراف، وملوك الفرنج وغيرهم.

وهدم بدمشق كنيسة اليهود ونهبها، وكان فيها من الآلات والفرش ما لا يعبّر عنه، وصيّرها مسجدا وبنى بها المحاريب، وعمل بها سماعا، ومدّ بها سماطا. ودخل كنيسة الاسكندرية، وهي معظّمة عند النصارى، ويعدونها كرسيا من كراسيهم، ويعتقدون فيها البركة، ويزعمون أن رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام فيها، وهو عندهم يحيى

ص: 270

المعمّداني، فنهبها، وصيّرها مسجدا، وسمّاها" المدرسة الخضراء" وأنفق في تغييرها من بيت المال مالا كثيرا. «1»

وهدم بالقدس كنيسة النصارى المعروفة بالمصلّبة، وهي جليلة عندهم، وقتل قسيسها بيده، وعملها زاوية.

وكان واسع الصدر، يعطي ويفرّق الدراهم والذهب، وعمل الأطعمة الفاخرة، في قدور مفرطة في الكبر بحيث يحمل القدرة الواحدة الجماعة من الحمّالين.

وكانت أحواله عجيبة لا تكيّف، ولا تنتظم، والأقوال فيه مختلفة، فمن الناس من أثبت صلاحه، ومنهم من رماه بالعظائم، والله أعلم بحقيقة حاله.

قلت: حكى لي والدي رحمه الله تعالى، قال: كان الشيخ خضر عظيم المكانة عند الملك الظاهر، لا يخالفه في شيء، وكان جريئا باللسان وباليد إلى غاية، فضاق منه الوزير ابن حنا ضيقا عظيما، ولم يجد له سبيلا إلى إبعاده، فشرع في التحيّل عليه، وكانت بدمشق امرأة تعرف ببنت ابن نظيف، بارعة في الحسن، خالية من الزوج، محبّة لأهل الخير، فأتى الشيخ خضر في بعض أسفاره دمشق، فسمعت به، وبعثت إليه بأنواع من المآكل، ثم دعته إلى دار لها لضيافة عملتها له؛ فجاءها، وأقام عندها أياما في مأكل وأوقات طيبة لا ريبة فيها، فبلغ ذلك ابن حنا، فجعله سلّما له إلى ما يريد يتسلق منه على الشيخ خضر، وذلك أنه خلّى تاج الدين ابن ابنه، تزوّج المرأة وأبقاها في عصمته مدة طويلة، وحملها بالرغبة والرهبة على ما تقوله في الشيخ خضر، ثم طلّقها سرا، وتحيل جده على الظاهر حتى ألقى في أذنه أن الشيخ خضر يشرب الخمر، ويزني، وأنه كان قد أحب امرأة من بنات ابن نظيف، وأفسدها، وأن تاج الدين تزوجها، ثم لم ينته عنها الشيخ خضر، وبقي يأتي إليها، فطلّقها، وأنها لو سئلت لأخبرت بالخبر، فبعث الظاهر إلى نائبه بدمشق في ذلك، وأحضر المرأة وسألها، وهي لا تعلم بتطليق تاج الدين لها، فقالت ما قرر معها أن تقوله، فكتب

ص: 271