الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم:
81- أبو بكر محمّد بن عمر بن أبي بكر بن قوام
«13»
الشيخ نجم الدين. نجم هدى، ونجل أئمة بهم يقتدى، وبارقة سحب تجلي الحندس «1» وتجلو الصدا.
شيّد أركان بيته، وأحيا ذكر ميته، وتمذهب للإمام الشافعي فامتدّ مذهبه في رحابه، وكان مذهبه علما لأصحابه، وودّ" الزعفراني"«2» لو خلق بردع زمانه أطراف النهار، و" البيضاوي"«3» لو بيّض صحائفه بأشعة الأنوار. وجهد" المحاملي"«4» فلم يستطع أن يكون سائق ركبه، و" الاسفراييني"«5» فما قدر بعد طول السفر على كسبه.
هذا إلى توسع في بقية العلوم، وتطلّع إلى سائر المعارف على العموم، والتحاقه وما خلع الشباب بمشايخ الطريقة، وقيامه فيها بأكثر من قدرة الهمم المطيقة، فأمسى في نكرات زمانه المفرد العلم، ومن يشابه أباه فما ظلم.
وكان يجمعنا وإياه طلب العلم زمن الشباب، وأيام الصبا قبل أن يتقلص الجلباب.
وكان عالما لم يضيّع أيامه، وعارفا قدّم أمامه، لم يزل عمره في جد كله، وجهد في أن لا يأكل شيئا إلا من حلّه، والدنيا عنه معرضة، وأصل الأيام له ممرضة، وهو عنها أيّ مزور «1» ، وكنفه منها مغبر ثم مغبر، فلما أسمع صيته من له أذنان، وأجنى ذكره مثل اجتنا الأفنان.
ولي التدريس، وتصدّر، ودونه كل رئيس.
قال: لقد نعيت إلي نفسي لأننا قوم لا نعهد هذا من الدنيا، وحكم بدنو الأجل على نفسه، وانطلق ولم يمتد شوط المهل حتى وسّد في رمسه.
قرأ القرآن الكريم، وأتقن حفظه، وتفقه بشيخ الإسلام شيخنا برهان الدين ابن الفركاح، وأخذ النحو عن شيخنا كمال الدين ابن قاضي شهبة، وكان كثيرا ما تجمعنا أوقات الاشتغال عنده، ثم لم ألقه إلا بعد أن قدمت دمشق من مصر سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، فرأيت منه أنموذج السلف، وطريقة الألى، ورجل دنيا وأخرى.
كان عقله عقل الوزراء، وزيه زي الفقراء، ويتيه على الدنيا تيه الأمراء.
وكان في زاوية أبيه، غربي الصالحية، في جبل قاسيون، لا يخلو من زائر، ولا يأتيه أحد إلا ويضيفه، ويطعمه مما حضر واتفق على حسب الميسور. هذا مع ضرورة ماسّة، وفقر.
وكان ميّالا إلى الفقهاء وأهل العلم، منحازا إلى شعوبهم «2» ، لا يزال ينظر في كتاب فقه، أو حديث، أو في نسخ شيء من ذلك؛ إما بيده، وإما بيد غيره، أو في مقابلة على شيء كتب.
وكان لا يهاب الأمراء، وأرباب الدول؛ بل إذا جاءه أحد منهم أمره بالمعروف، ونهاه عن المنكر، وأوصاه من مصالح الرعية ما تقتضيه مصلحة الوقت الحاضر، رضي من رضي، وسخط من سخط.
وتمرّض مدة بعلّة الاستسقاء، ولم يزل مستسلما للموت، مسرورا بلقاء ربه، إلى أن لقي الله تعالى، في أوائل شهر رجب الفرد، سنة ست وأربعين وسبع مائة. ودفن إلى جانب والده بالزاوية المعروفة بهم، وحضره خلق، وتأسّفت الدنيا لفقده.
وهذا آخر ما ذكرت من هذه الطائفة بالمشرق، فأما من هو منهم بالجانب الغربي بما فيه الديار المصرية الواقعة معه، على قلة المشهورين من أهل المغرب، خلا مصر، فإن المذكورين فيها أمم، إلا أن أكثرهم لم يعد ذكره دار أهله، وليس هذا من شرطنا، فإنا لا نذكر إلا المشهورين في الآفاق، المذكورين على كل الألسنة.