الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم:
16- الحارث بن أسد المحاسبيّ
«13»
البصريّ، أبو عبد الله.
رجل كان عن متاع الدنيا متنزّها، وباتباع الألى متشبها، لم تصبه الأيام بهزّتها، ولم تصبه الليالي منها بترتها، فخصم أطماعه من طلب متاعها، وفطم آماله من حلب رضاعها، وقنع منها بالقوت الذي ألجئ إلى أكله، ووكل أباه بطول حرنه ونكله، وترك نفسه فيما لا يطيق من شجونها، وضيق سجونها، لذنب أخرجه ليكون غرضا لنابلها، وأخرجه من الجنة بحبة من سنابلها. كان عديم النظير في زمانه، علما، وورعا، ومعاملة، وحالا «1» .
قيل: إنه ورث من أبيه سبعين ألف درهم، فلم يأخذ منها شيئا. قيل: لأن أباه كان يقول بالقدر. «2»
فرأى من الورع أن لا يأخذ من ميراثه شيئا؛ وقال:" صحّت الرواية عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال: (لا يتوارث أهل ملّتين) . «1»
قال أحمد بن مسروق «2» : مات الحارث بن أسد المحاسبي وهو محتاج إلى درهم، وخلّف أبوه ضياعا وعقارا، فلم يأخذ منه شيئا «3» .
وقال أبو علي الدّقّاق: كان الحارث المحاسبي إذا مدّ يده إلى طعام فيه شبهة، تحرّك على إصبعه عرّق؛ فكان يمتنع منه «4» .
وقال [أبو] عبد الله بن خفيف: اقتدوا بخمسة من شيوخنا، والباقون سلّموا لهم حالهم: الحارث بن أسد المحاسبي، والجنيد بن محمد، وأبو محمد رويم، وأبو العباس بن عطاء، وعمرو بن عثمان المكي؛ لأنهم جمعوا بين العلم والحقائق. «5»
وقال الحارث:" من صحّح باطنه بالمراقبة والإخلاص، زيّن الله ظاهره بالمجاهدة، واتّباع السنة".
ويحكى عن الجنيد أنه قال: مرّ بي يوما الحارث المحاسبي، فرأيت فيه أثر الجوع، فقلت:
يا عم!، تدخل الدار، وتتناول شيئا؟. فقال: نعم.
فدخلت الدار، وطلبت شيئا أقدّمه إليه، فكان في البيت شيء من طعام حمل إليّ من عرس قوم، فقدّمته إليه، فأخذ لقمة وأدارها في فمه مرّات، ثم إنه قام وألقاها في الدهليز، ومرّ!. فلمّا رأيته بعد ذلك بأيّام، قلت له في ذلك؟. فقال: إني كنت جائعا، وأردت أن أسرّك بأكلي، وأحفظ قلبك، ولكن بيني وبين الله سبحانه وتعالى علامة: أن لا يسوّغني طعاما فيه شبهة، فلم يمكنّي من ابتلاعه، فمن أين كان لك ذلك الطعام؟. فقلت: إنه حمل إليّ من دار قريب لي من العرس. ثم قلت: تدخل اليوم؟. فقال: نعم. فقدّمت إليه كسرا يابسة كانت لنا، فأكل وقال: إذا قدّمت إلى فقير شيئا، فقدّم إليه مثل هذا. «1»
وسئل الحارث عن العقل ما هو؟.
فقال:" نور الغريزة مع التجارب، يزيد ويقوى بالعلم والحلم".
وكان يقول:" فقدنا ثلاثة أشياء: حسن الوجه مع الصيانة، وحسن القول مع الأمانة، وحسن الإخاء مع الوفاء". «2»
وقال السمعاني: كان أحمد بن حنبل يكرهه لنظره في علم الكلام، وتصنيفه فيه؛ وهجره، فاستخفى من العامة، فلما مات لم يصلّ عليه إلا أربعة نفر «3» .
قال: وعرف بالمحاسبي لأنه كان يحاسب نفسه. «4»
قال ابن خلّكان: وهو أحد رجال الحقيقة، وهو ممن اجتمع له علم الظاهر والباطن، وله