الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى لا يخلي الفقير عن إحدى ثلاث: إما قوى، وإما غذاء، وإما أخذ".
وقال فارس الدينوري «1» : خرج ممشاذ الدينوري يوما من باب الدار، فنبح عليه كلب، فقال ممشاذ:" لا إله إلا الله". فمات الكلب مكانه! «2» .
وروي أنه كان إذا رأى فقيرا قدم من البادية، يقول له: تعال يا مكسور!، من أي بركة شربت؟، وعلى أي بدوي نزلت؟، وطعام من أكلت؟.
حكى بعض أصحابه، قال: اشتدّ به المرض، فاستثقله. فقيل له: مثلك يكره الموت؟!.
فقال:" أخاف لقاء الحبيب قبل الإكثار مما يرضيه"؛ فدخل عليه داخل لا يعرفه منا أحد، فناوله تفاحة لا يعرف مثلها في الدنيا، فأخذها، فشمّها، فمات
…
!.
ثم نظرنا فلم نر الرجل ولا التفاحة، وإنما سمعنا قائلا يقول:" موتة موسوية والله."«3»
رحمه الله تعالى.
ومنهم:
29- أبو محمد رويم بن أحمد بن يزيد بن رويم بن يزيد البغداديّ
«13»
إمام به الابتداء في الترتيب، والاقتداء للمستتيب، علم من الأعلام، وكرم للأخوال والأعمام. رفل من جلابيب الجنود وأنجادها، ورف ذيله على أغوار النجوم وأبجادها «1» ، وطالما تلفع بالظلماء، وتشفع برب السماء، ودام على طريقه اللاحب «2» ، حتى سقاه الموت السمام المنقع، وأتاه الحمام بما يتوقع، على أنه كان استدرك لمصيره، وتأهب لمسيره، وسبق حتى وارته حفرته ولم يفت، وأرته عين اليقين قبره وهو حي لم يمت.
كان فقيها على مذهب داود الأصفهاني. «3»
مقرئا على إدريس بن عبد الكريم الحداد. «4»
قال أبو عبد الله بن خفيف: قلت لرويم: أوصني.
فقال:" ما هذا الأمر إلا ببذل الروح «5» ، فإن أمكنك الدخول فيه مع هذا، وإلا فلا تشتغل بترّهات «6» الصوفية. «7»
وقال رويم:" قعودك مع كل طبقة من الناس أسلم من قعودك مع الصوفية، فإن كل الخلق قعدوا على الرسوم «1» ، وقعدت هذه الطائفة على الحقائق، وطالب الخلق كلّهم أنفسهم بظواهر الشرع، وطالب هؤلاء أنفسهم بحقيقة الورع، ومداومة الصدق، فمن قعد معهم وخالفهم في شيء مما يتحققون، نزع الله نور الإيمان من قلبه."«2»
وقال رضي الله عنه:" اجتزت ببغداد وقت الهاجرة ببعض السكك، وأنا عطشان، فاستقيت من دار، ففتحت صبية بابها، ومعها كوز، فلما رأتني قالت: صوفي يشرب بالنهار!!!. فما أفطرت بعد ذلك اليوم قط. «3»
وقال:" قف على البساط، وإياك والانبساط، واصبر على ضرب السياط، حتى تجوز الصراط."«4»
وسئل عن الفتوة؟ فقال:" أن تعذر إخوانك في زلاتهم، ولا تعاملهم بما تحتاج أن تعتذر منه."«5»
وقال:" إن الله غيّب أشياء في أشياء: غيّب مكره في حلمه، وغيّب خداعه في لطفه، وغيّب عقابه في كرامته."«6»
وقيل له: هل ينفع الولد صلاح الوالدين؟ فقال:" من لم يكن بنفسه لا يكون بغيره، بل من لم يكن بربه لا يكون بنفسه".
ثم أنشد لابن الرومي «1» :
إذا العود لم يثمر وإن كان شعبة
…
من المثمرات اعتدّه الناس في الحطب «2»
وسئل عن حقيقة الفقر؟.
فقال:" أخذ الشيء من جهته، واختيار القليل على الكثير عند الحاجة."«3»
وقال:" الصبر: ترك الشكوى «4» ، والرضا: استلذاذ البلوى، واليقين: هو المشاهدة."«5»
وقال:" يعاتب الخلق بالإرفاق، ويعاتب المحب بالغلظة".
وأنشد على أثره لغيره:
لو كنت عاتبة لسكّن عبرتي
…
أملي رضاك، وزرت غير مراقب
لكن مللت، فلم تكن لي حيلة
…
صدّ الملول خلاف صدّ العاتبط «6»
وسئل عن المحبة؟؛ فقال:" الموافقة في جميع الأحوال".
وأنشد:
ولو قلت لي: مت متّ سمعا وطاعة
…
وقلت لداع الموت أهلا ومرحبا «7»
وسئل عن وجد الصوفية عند السماع؟.
فقال:" يشهدون المعاني التي تعزب عن غيرهم، فتشير إليه: إليّ، إليّ. فيتنعّمون بذلك من الفرح، ثم يقع الحجاب، فيعود ذلك الفرح بكاء، فمنهم من يخرق ثيابه، ومنهم من يصيح، ومنهم من يبكي، وكل إنسان على قدره". «1»
وقال:" التصوف مبني على ثلاث خصال: التمسك بالفقر والافتقار، والتحقق بالعدل والإيثار، وترك التعرض والاختيار".
ودخل رويم في شيء من أمور السلطان، فدخل عليه الجنيد ومعه رجل خراساني، فلما خرج، قال الجنيد: كيف رأيته يا خراساني؟!.
قلت: لا أدري.
قال: إن الناس يتوهمون أن هذا نقصان في حاله ووقته، وما كان رويم أعمر وقتا منه هذه الأيام. «2»
وقال السلمي: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا العباس بن عطاء يقول:
" رويم أتم حالا من أن تغيره تصاريف الأحوال".
وذكر الخطيب البغدادي رويما. وذكر من كلامه قوله:" السكون إلى الحال اغترار."«3»
وقوله:" رياء العارفين خير من إخلاص المريدين."«4»
وقوله:" الفتوة أن تعذر إخوانك في زللهم، ولا تعاملهم بما يحوجك إلى الاعتذار إليهم."«5»
وقال ابن خفيف: لما دخلت بغداد قصدت رويما، وكان قد تولى القضاء، فلما دخلت عليه رحّب بي وأدناني، وقال لي: من أين أنت؟.
فقلت: من فارس.
فقال: لمن صحبت؟.
قلت: جعفر الحذّاء.
فقال: ما تقول الصوفية فيّ؟.
قلت: لا شيء.
قال: بلى، يقولون: إنه رجع إلى الدنيا!.
فبينا هو يحدّثني إذ جاء طفل صغير، فقعد في حجره، فقال رويم: لو كنت أرى منهم من يكفيني مؤنة هذا الطفل لما تعلّقت بهذا الأمر، ولا بشيء من أسباب الدنيا، ولكن شغل قلبي بهذا أوقعني فيما أنا فيه! «1»
توفي- رحمه الله تعالى- ببغداد، سنة ثلاث وثلاثمائة. «2»