الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم:
38- أبو بكر الدّقّيّ
«13»
وهو: محمد بن داود الدينوري.
أشرق كالصباح مبهجا، وطرق الفلاح منهجا، فلم يبعد به الوصول، ولم يعد إلا مخضب حكم وتصرف، وحتم على من تعزّز وتشرف، هذا والخوف ملأ جوانحه، وملك جوارحه، ليلة أودعها حتى خلى كل لياليه خالية الترائب، وكل أيامه من ذهب سنابل ولجين ذائب، إذ ترك ذلك زهدا للأيام، وكرما يبخل به اللئام.
أقام بالشام، وكان من أقران أبي علي الروذباري، إلا أنه عمّر زيادة على مائة سنة. «1»
صحب أبا عبد الله بن الجلاء، وأبا بكر الزقّاق الكبير «2» ، وأبا بكر المصري «3» ، غير أنه كان ينتمي إلى ابن الجلاء. وكان من أجلّ مشايخ وقته، وأقدمهم صحبة للمشايخ. توفي بعد الخمسين وثلاثمائة. «4»
سئل عن الفرق بين الفقر والتصوف؟.
فقال:" الفقر حال من أحوال التصوف."«1»
فقيل له: ما علامة الصوفي؟.
فقال:" أن يكون مشغولا بكل ما هو أولى به من غيره، ويكون معصوما عن المذمومات."«2»
وقال:" علامة القرب: الانقطاع عن كل شيء سوى الله تعالى."«3»
وقال:" من عرف ربه لم ينقطع رجاؤه. ومن عرف نفسه لم يعجب بعمله، ومن عرف الله لجأ إليه. ومن نسي الله لجأ إلى المخلوقين، والمؤمن لا يسهو حتى يغفل، فإذا تفكر حزن واستغفر"«4» .
وقال:" كنت بالبادية، فوافيت قبيلة من قبائل العرب، فأضافني رجل منهم، فرأيت غلاما أسود، مقيدا هناك، ورأيت جمالا ماتت بفناء البيت.
فقال الغلام:" أنت الليلة ضيف، وأنت على مولاي كريم، فتشفّع لي!، فإنه لا يردّك! ". فقلت لصاحب البيت:" لا آكل حتى تحلّ هذا العبد".
فقال:" هذا الغلام قد أفقرني، وأتلف مالي! ".
فقلت:" ما فعل! ".
فقال:" له صوت طيب، وكنت أعيش من ظهر هذه الجمال، فحمّلها أحمالا ثقيلة، وحدا لها، حتى قطعت مسيرة ثلاثة أيام في يوم، فلما حطّ عنها ماتت كلها! ". ولكن قد وهبته لك. وأمر بالغلام فحلّ عنه القيد.
فلما أصبحنا أحببت أن أسمع صوته، فسألته عن ذلك؟ فأمر الغلام أن يحدو على جمل كان على بئر هناك، يسقى عليه، فحدا، فهام الجمل على وجهه، وقطع حباله، ولا أظن أني سمعت صوتا أطيب منه، ووقعت لوجهي حتى أشار عليه بالسكوت" «1» .
وأنشدوا في هذا المعنى:
إن كنت تنكر إن للأصوات فائدة ونفعا
فانظر إلى الإبل اللوات
…
هنّ أغلظ منك طبعا
تصغي إلى حدو الحدا
…
ة فتقطع الفلوات قطعا «2»
وقال:" خرجت إلى مصر، فلما دخلتها قلت: أسلّم على الدقاق، فقصدته وسلّمت عليه، فقال:
من أين جئت يا أبا بكر!؟. قلت: من أيلة. فقال: إلى الرملة؟. قلت: لا يا سيدي إلى القلزم، وإليكم.
فقال:" جزت ذلك الطريق، خذ مني حكاية: أقمت فيه ثمانية عشر يوما تائها ما وجدت فيه شيئا أرتفق به، فلما كان بعد المدة، إذا أنا بسلطان قد ولي مصر يريد أيلة، فرأوا شخصي من بعيد، فأرسلوا فارسا يحملني إليه، فلما رأيت جمالا ورفقة طمعت نفسي، فلما تبينت أنهم جند أيست أن لي فيهم فرجا.
قال الشيخ: وما شيء من الطاعات لله تعالى إلا وهذا اليأس في هذا الوقت أحسن منه.
فقال الوالي:" هذا رجل تائه، قدموا إليه السفرة".
فقلت:" ليس إلى ذلك سبيل".
فقال: ويحك أنت على حال التلف!.
فقلت:" إن بيعتنا مع الله تعالى بمحل هذا لا نرضى رحلكم في المدن، ولا لكم نرضاه! وذلك أن العلم يلزمنا، ولو كنا في شدة.