الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم:
8- شقيق بن إبراهيم البلخي
«13»
من مشايخ خراسان، وقف على الحقيقة، ورتع في حضرة القرب والحديقة، فأغرق في شيمه، وأغدق من شيمه، بعد ما قضى في طلب الدنيا زمانا، وعمره خضر، وعوده نضر، وليل شبابه ما صابح فيه نهار المشيب، وناعم جلبابه ما طاح عنه رداؤه القشيب.
وأول كراماته، وما عرف من مقاماته، ردّ سيل غرامه، وقد تحدّر وأطفأ وقد ضرامه، وقد قيل: إنه عليه لا يقدر، فقدر واحتكم، وكان شقيق النفس وإن لم يكن من حكم.
وهو أول من تكلم في علوم الأحوال بكور خراسان، وله لسان في التوكل. «1»
صحب إبراهيم «2» وأخذ عنه الطريقة، وهو أستاذ حاتم الأصم.
وسبب توبته: أنه كان من أبناء الأغنياء خرج للتجارة إلى أرض الترك، وهو حدث، فدخل
بيتا للأصنام، فرأى خادما للأصنام فيه، قد حلق رأسه ولحيته، ولبس ثيابا أرجوانية «1» ، فقال شقيق للخادم: إن لك صانعا، حيا، عالما، قادرا، فاعبده ولا تعبد هذه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع!!.
فقال: إن كان كما تقول، فهو قادر على أن يرزقك ببلدك، فلم تعنّيت إلى ههنا للتجارة؟ «2» فانتبه شقيق، وأخذ في طريق الزهد بعد التوبة.
وقال:" احذر أن لا تهلك بالدّنيا. ولا تهتم! فإن رزقك لا يعطى لأحد سواك".
وقال:" التوكل أن يطمئن قلبك بموعود الله".
وقال:" تعرف تقوى الرجل في ثلاثة أشياء: في أخذه، ومنعه، وكلامه".
وقال:" الفقير هو الذي يخشى الغنى، ويغتنم الفقر".
وقال:" عملت في القرآن عشرين سنة، حتى ميّزت الدنيا من الآخرة، فأصبته في حرفين، وهو قول الله تعالى: وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها
«3» وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى
«4» .
وقال:" الزاهد الذي يقيم زهده بفعله، والمتزهّد الذي يقيم زهده بلسانه".
وقال:" إن حفظ الفقر أن ترى الفقر منّة من الله عليك، حيث لم يضمّنك رزق غيرك، ولم ينقصك مما قسم لك".
وقال:" ليس شيء أحبّ إليّ من الضيف، لأن رزقه ومؤونته على الله، ولي الأجر."«5»
وقال حاتم الأصم: كان شقيق البلخي موسرا، وكان يتفتّى «1» ، ويعاشر الفتيان، وكان علي بن عيسى بن ماهان أمير بلخ، وكان يحب كلاب الصيد، ففقد كلبا من كلابه، فسعي برجل أنه عنده، وكان الرجل في جوار شقيق، فطلب الرجل، فهرب.. فدخل دار شقيق مستجيرا، فمضى شقيق إلى الأمير، وقال: خلّوا سبيله، فإن الكلب عندي، أردّه إليكم إلى ثلاثة أيام.
فخلّوا سبيله، وانصرف شقيق مهتمّا لما صنع، فلما كان اليوم الثالث، كان رجل من أصدقاء شقيق غائبا من بلخ، فرجع إليها، فوجد في الطريق كلبا عليه قلادة، فأخذه، وقال: أهديه إلى شقيق، فإنه يشتغل بالتفتّي.
فحمله إليه، فنظر شقيق؛ فإذا هو كلب الأمير!. فسرّ به، وحمله إلى الأمير، وتخلّص من الضمان، فرزقه الله الانتباه، وتاب مما كان فيه، وسلك طريق الزهد.
وقال شقيق: لقيت إبراهيم بن أدهم بمكة في سوق الليل، وهو جالس في ناحية من الطريق يبكي، فعدلت إليه، وسلّمت عليه، وقلت له: أيش هذا البكاء يا أبا إسحاق!؟.
فقال: حين عاودته مرة أو اثنتين، أو ثلاثة، فلما أكثرت عليه قال: يا شقيق! أنا أخبرك [بحديث فلا تحدّث به أو استره علي] .
فقلت: يا أخي! قل ما شئت.
فقال: اشتهت نفسي السكباج «2» منذ ثلاثين سنة، وأنا أمنعها جهدي، فلما كان البارحة، كنت جالسا وقد غلبني النعاس، إذا أنا بفتى شاب، وبيده قدح أخضر يعلو منه بخار، ورائحة سكباج، قال: فاجتمعت بهمتى عنه، فقرب مني، وقال: يا إبراهيم! كل.
فقلت: ما آكل شيئا قد تركته لله تعالى. فقال: وإن أطعمك الله فما تأكل؟. فما كان لي جواب إلا أنني بكيت. فقال لي: كل يرحمك الله. فقال إبراهيم: قد أمرنا أن لا نطرح في