الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليس بمخلوق ولا بفان
…
لكن كلام الملك الديّان
آياته مشرقة المعاني
…
متلوة لله باللسان
محفوظة في الصدر والجنان
…
مكتوبة في الصحف بالبنان
والقول في الصفات يا إخواني
…
كالذات والعلم مع البيان
إمرارها من غير ما كفران
…
من غير تشبيه ولا عطلان
وقال أبو شامة «1» : أخبرني بعض أصحابنا الثقات، أنه رأى الإمام الشافعي في المنام، فسأله: إلى أين تمضي؟. قال: أزور أحمد بن حنبل، قال: فاتّبعته، أنظر ما يصنع؟. فدخل دارا، فسألت: لمن هي؟ فقيل: للشيخ أبي عمر- رحمه الله تعالى. «2»
وقال أبو شامة: وأول ما وقفت على قبره وزرته، وجدت بتوفيق الله تعالى رقّة عظيمة، وبكاء، وكان معي رفيق لي، وهو الذي عرّفني قبره، وجد أيضا مثل ذلك، رحمه الله تعالى. «3»
ومنهم:
54- عبد الله بن عثمان بن جعفر بن أبي القاسم محمد اليونينيّ
«13»
ملجأ لخائف، وملجم للسان كل مفتر وحائف، صفت له أيامه صفاء الزجاجة، ووفت
له لياليه وفاء السحب الثجّاجة، فمسّ السماء ومسحها، ومدّ النعماء وفسحها، والحق يسعده، ويقربه ولا يبعده، دامت به كل عين قريرة، ونسبته على المحاسن قديرة، وهو للمتبصر سيف لم يثلم، وللمقتصر شرف ما كلّ من رقا إليه بسلّم يسلم، فكان فضله شيء جزم به وقطع، وعلم أن غيره لو حاوله لم يستطع، تهلل به وجه الدهر وكان قد كلح، وصلح به فساده وقطّ ما صلح.
قال عبد الله بن شكر اليونيني: كان الشيخ- رحمه الله تعالى- في شيبوبيّته قد انقطع في الجبل، وكانت أخته تأتيه كل يوم بقرص وبيضتين، فأتته بذلك مرة، وإذا بفقير قد خرج من عنده ومعه قرص وبيضتان، فقالت له: من أين لك هذا؟. قال: من ذاك القاعد، له شهر كل يوم يعطيني قرصا وبيضتين!. فأتته وسألته، فنهرها، وزعق فيها. «1»
وقال خليل بن عبد الغني «2» الزاهد الأنصاري: كنت بحلقة الحنابلة إلى جانب الشيخ عبد الله، فقام ومعه خادمه توبة إلى الكلاسة، ليتوضّأ، وإذا برجل متختّل يفرّق ذهبا، فلما وصل إليّ أعطاني خمسة دنانير، وقال: أين سيدي الشيخ؟. قلت: يتوضأ. فجعل تحت سجادته ذهبا، وقال: إذا جاء قل له: مملوكك أبو بكر التكريتي يسلّم عليك، ويشتهي أن تدعو له.
فجاء الشيخ وأنا ألعب بالذهب في عبّي، ثم ذكرت له قول الرجل، فقال توبة: من ذا يا سيدي؟. قال: صاحب دمشق؛ وإذا به قد رجع، ووقف قدام الشيخ، والشيخ يصلي، فلما سلّم أخذ السواك ودفع به الذهب، وقال: يا أبا بكر! كيف أدعو لك والخمور دائرة في دمشق؟.
وتغزل امرأة وقيّة تبيعها فيؤخذ منها قراطيس؟. فلما راح أبطل ذلك، وكان الملك العادل.
وقال محمد بن أبي الفضل: كنت عند الشيخ، وقد جاء إليه المعظّم، فلما جلس عنده، قال: يا سيدي! ادع لي. قال: يا عيسى لا تكن نحس «3» مثل أبيك!. فقال: يا سيدي وأبي
كان نحس؟. قال: نعم. أظهر الزغل «1» ، وأفسد على الناس المعاملة، وما كان محتاج!.
قال: فلما كان الغد، أخذ الملك المعظّم ثلاثة آلاف دينار، وطلع إلى عند الشيخ بها، وقال: هذه تشتري بها ضيعة للزاوية.
فنظر إليه، وقال: قم يا ممتحن، يا مبتدع!، لا أدعو الله تنشق الأرض وتبتلعك، ما قعدنا على السجاجيد حتى أغنانا، تحتي ساقية تجري ذهب وساقية تجري فضة!، أو كما قال «2» .
وقال أبو طالب النجار: أنكر الشيخ عبد الله على صاحب بعلبك، وكان يسميه" مجيد"، فأرسل إليه الأمجد يقول: إن كانت بعلبك لك فأشتهي أن تطلقها لي، فلم يبلّغه رسول الأمجد شيئا.
وقال أبو المنى خادم الشيخ مسعود الحمصي: كنت ليلة جالسا أكبّس الشيخ، وإذا به قد ضمّ رجليه، وقام. فقلت في نفسي: خرج مجددا وضوءا. قال: فأبطأ علي، فخرجت أطلبه، فلم أجده، فبقيت أنتظره إلى أن عاد، فكبّسته، ثم قام، وخرج، وعاد، فبقي في نفسي شيء، فقال: مالي أراك؟، أيش في نفسك؟. قلت: أنت تدري. قال: ويحك، كان الشيخ عبد الله اليونيني قد خرج يزور جبال العراق فودّعته، إلى الفرات، ثم رجع فودعته ثم ناولني منشفة بغدادية وقال لي: هذه أعطانيه الشيخ، أو ما هذا معناه.
وقال أبو الحسن علي بن عثمان الموصلي: حضرت مجلس الشيخ الفقيه ببعلبك، وهو على المنبر، فسألوه أن يحكي شيئا من كرامات الشيخ عبد الله، فقال بصوت جهير: كان الشيخ عبد الله عظيم «3» ، كنت عنده، وقد ظهر من ناحية الجبل سحابة سوداء مظلمة، ظاهر منها العذاب، فلمّا قربت قام الشيخ، وقال: إلى بلدي؟ ارجعي، فرجعت السحابة.
ولو لم أسمع هذه الحكاية من الفقيه ما صدّقت «1» .
وقال الشيخ محمد السكاكيني، وكان لا يكاد يفارق الشيخ، قال: دعاني إنسان، وألحّ عليّ؛ [فأتيته] فقلت: كيف أخلي الشيخ؟ فقال: لا بدّ من هذا. فلما كان الليل، قلت في نفسي: يكون الشيخ في الجبل، وأنا ها هنا، فقمت، وطلعت من السور، من عند عمود الراهب، وجئت إلى الزاوية، فإذا الشيخ ظاهرها وهو يقول: يا مولاي! ترسل إليّ الناس في حوائجهم؟، من هو أنا حتى ترسلهم إليّ؟. اقضها أنت لهم يا مولاي!. إبراهيم النصراني من جبّة بشرّي «2» ، يا مولاي!، ودعا له، فبهتّ لذلك، ونمت، ثم قمت إلى الفجر، وبقيت عنده يومئذ إلى الليل. فلما كان الليل وأنا ظاهر الزاوية، إذا بشخص، فقلت: أيش تعمل هنا؟. وإذا هو إبراهيم النصراني!. من" جبة بشرّي"، قلت: أيش جابك؟. قال: أين الشيخ؟. قلت: يكون في المغارة، وأيش تريد به؟.
قال: رأيت البارحة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: تروح إلى الشيخ عبد الله، وتسلم على يده، فقد شفع فيك!.
فرحنا إلى الشيخ وإذا به في المغارة، فلما رآه الشيخ، قال: يا سيد! أيش بك؟. فقصّ عليه ما رأى، فتفجّرت عينا الشيخ، وغرغرت بالدموع، وقال:" سماني رسول الله- صلى الله عليه وسلم شويخ!؟. فأسلم إبراهيم، وجاء منه رجلا صالحا «3» .
وقال عبد الصمد: والله الذي لا إله إلا هو، مذ خدمت الشيخ عبد الله، ما رأيته استند على شيء، ولا سعل، ولا تنحنح، ولا بصق «4» .
وقال الفقيه محمد اليونيني «1» : حضرت الشيخ عبد الله مرّتين، وقد سأله ابن خاله حميد بن برق، فقال: زوجتي حامل، إن جاءت بولد ما اسميه؟. قال: سمّ الواحد سليمان، والآخر داود!. فولدت اثنين توأما.
وقال له ابنه محمد: امرأتي حامل، إن جاءت بولد ما أسميه؟. قال: سمّ الأول عبد الله، والثاني: عبد الرحمن! «2» .
وقال سعيد المارديني: جاء رجل من بعلبكّ إلى الشيخ، فقالوا: جاءت الفرنج. قال:
فمسك لحيته، وقال: هذا الشيخ النحس ما قعوده ها هنا؟. فردّت الفرنج!.
وقال أبو المظفر سبط ابن الجوزي في" مرآة الزمان"«3» : عبد الله اليونيني أسد الشام، كان صاحب رياضات ومجاهدات، وكرامات وإشارات، لم يقم لأحد تعظيما لله؛ وكان يقول: لا ينبغي القيام لغير الله. صحبته مدة، وكان لا يدّخر شيئا، ولا يمس دينارا ولا درهما، وما لبس طول عمره سوى الثوب الخام، وقلنسوة من جلد ما عز تساوي نصف درهم، وفي الشتاء يبعث له بعض أصحابه فروة، فيلبسها، ثم يؤثر بها في البرد.
قال لي يوما ببعلبكّ: يا سيدي!، أنا أبقى أياما في هذه الزاوية ما آكل شيء «4» !.
فقلت: أنت صاحب القبول، كيف تجوع؟. قال: لأن أهل بعلبكّ يتّكل بعضهم على بعض، فأجوع أنا. فحدّثني خادمه عبد الصمد، قال: كان يأخذ ورق اللوز يفركه، ويستفّه!.
وكان الملك الأمجد يزوره، فكان الشيخ يهينه، فما قام له يوما، وكان يقول: يا مجيد! أنت تظلم وتفعل، وهو يعتذر إليه.
وأظهر الملك العادل قراطيس سودا، فقال الشيخ عبد الله: انظروا إلى هذا الفاعل الصانع، يفسد على الناس معاملاتهم، فبلغ العادل ذلك، فأبطلها «1» .
وكنت اجتمعت به في سنة ستمائة إلى سنة ثلاث، وكان له تلميذ اسمه توبة.
وسافرت إلى العراق سنة أربع، وحججت، فلما كان يوم عرفة، صعدت جبل عرفات، فإذا بالشيخ عبد الله قاعد مستقبل القبلة، فسلّمت عليه، فرحّب بي وسألني عن طريقي؟، وقعدت عنده إلى وقت الغياب، ثم قلت: ما نقوم نروح إلى المزدلفة؟. فقال:
اسبقني؛ فلي رفاق. فأتيت مزدلفة ومنى، فدخلت مسجد الخيف، فإذا بالشيخ توبة، فسلّم عليّ، فقلت: أين نزل الشيخ؟. فقال: أيّما شيخ؟. قلت: عبد الله اليونيني. قال: خلّفته ببعلبكّ. فقطّبت «2» ، وقلت: مبارك. ففهم، وقبض على يدي وبكى، وقال: بالله حدثني، أيش معنى هذا؟. قلت: رأيته البارحة على عرفات. ثم رجعت إلى بغداد، ورجع توبة إلى دمشق، وحدّث الشيخ عبد الله، ثم حدثني الشيخ توبة، قال: قال لي ما هو صحيح منك، فلان فتى، والفتى لا يكون غمّازا، فلما عدت إلى الشام عتبني الشيخ.
قال سبط ابن الجوزي: وحدّثني الجمال [بن]«3» يعقوب، قاضي [كرك] البقاع «4» ، قال:
كنت عند الجسر الأبيض، وإذا بالشيخ عبد الله قد جاء ونزل إلى ثورا، وإذا بنصراني عابر، ومعه بغل عليه حمل خمر، فعثر البغل ووقع، فصعد الشيخ وقال: يا فقيه! تعال. فعاونته
حتى حملناه، فقلت في نفسي: أيش هذا الفعل؟. ثم مشيت خلف البغل إلى العقيبة، فجاء إلى دكان الخمّار، فحلّ الظرف وقلبه، وإذا به خل!. فقال له الخمّار: ويحك هذا خل!. فبكى، وقال: والله ما كان إلا خمرا من ساعة، وإنما أنا أعرف العلة، ثم ربط البغل في الخان، وعاد إلى الجبل، وكان الشيخ قد صلى الظهر عند الجسر في مسجد، فدخل عليه النصراني، وأسلم، وصار فقيرا «1» .
قال أبو المظفر «2» : وكان الشيخ شجاعا، ما يبالي بالرجال، قلّوا أو كثروا، وكان قوسه ثمانين رطلا، وما فاتته غزاة في الشام قطّ. وكان يتمنى الشهادة، ويلقي نفسه في المهالك.
فحكى لي خادمه عبد الصمد: قال: لما دخل العادل إلى بلاد الفرنج، إلى صافيتا، قال لي الشيخ ببعلبكّ: انزل إلى عبد الله الثقة، فاطلب لي بغلته، قال: فأتيته بها، فركبها، وخرجت معه فبتنا في يونين، وقمنا نصف الليل، فجئنا المحدثة الفجر، فقلت له: لا تتكلم فهذا مكمن الفرنج. فرفع صوته وقال: الله أكبر، فجاوبته الجبال، فيبست من الفزع!، ونزل فصلى الفجر، وركب، فطلعت الشمس، والطير لا يطير في تلك الأرض، وإذا قد لاح في ناحية حصن الأكراد طلب أبيض، فظنهم" الأسبتار"«3» ، فقال: الله أكبر، ما أبركك من يوم!. اليوم أمضي إلى صاحب. وساق إليهم وشهر سيفه، فقلت في نفسي: شيخ وتحته بغلة، وبيده سيف، يسوق إلى طلب فرنج!.
فلما كان بعد لحظة وقربوا، إذا هم بمائة حمير وحش، فانكسر قلبه، وفترت همته، وجئنا إلى حمص، فجاء الملك المجاهد أسد الدين، وقدّم له حصانا من خيله، فركبه، ودخل معهم، وفعل عجائب.
وكان يقول للفقيه محمد: فيّ وفيك نزلت: إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ
«1» أنا من الرهبان، وأنت من الأحبار! «2»
وقال كمال الدين ابن العديم في" تاريخ حلب"«3» : أخبرني الشيخ محمد اليونيني، قال: سمعت الشيخ عبد الله اليونيني ينشد:
شفيعي إليكم طول شوقي إليكم
…
وكلّ كريم للشفيع قبول
وعذري إليكم أنني في هواكم
…
أسير ومأسور الغرام ذليل
فإن تقبلوا عذري فأهلا ومرحبا
…
وإن لم تجيبوا فالمحبّ حمول
سأصبر، لا عنكم ولكن عليكم
…
عسى لي إلى ذاك الجناب وصول
وأخبرني الشيخ محمد قال: كان الشيخ يصلي بعد العشاء الآخرة وردا إلى قريب ثلث الليل، فكان ليلة يعاتب ربه عز وجل، ويقول: يا رب! الناس ما يأتوني إلا لأجلك، وأنا قد سألتك في المرأة الفلانية، والرجل الفلاني أن تقضي حاجته، وما قضيتها، فهكذا يكون؟. ويبكي ليله وينتحب. وليلة يتمثل بهذه الأبيات، وكان يتمثل بها كثيرا. «4»
قال: وأخبرني القاضي شمس الدين عبد الله الحنفي النائب بدمشق، قال: حكى رجل من الفقراء كان قد صحب الشيخ عبد الله اليونيني، وكان في صباه حماميا، قال: دعتني نفسي إلى معاشرة النساء، فبينا أنا عند امرأة، وإذا زوجها قد جاء، فدقّ الباب، فحرت، وكان بيتها صغيرا، فصعدت السطح، فدخل زوجها، فرآها متغيرة، فقال: مالك؟. قالت:
لا شيء. فارتاب، وصعد السطح.
قال: ونظرت والله إلى عمامته وهو في السلّم صاعد.
فقلت:" يا سيدي الشيخ عبد الله!، أنا في حسبك".
فطلع، فلم يرني، ونزل، وبقي في بيته ساعة، وخرج.
فنزلت، ومضيت إلى الشيخ، فقال: ويلك يا مدبر! تتستّر بنا، وتستعين بنا على المعاصي؟!.
قال ابن العديم: وقد صحبته، ووهب لي قميصا له أزرق، وقال لي يوما ببيت المقدس: يا أبا القاسم! اعشق تفلح!. فاستحييت، وذلك في سنة ثلاث وستمائة. وعدت مع والدي.
ثم بعد مدة سارّني بجامع دمشق، وقال: عشقت بعد؟. فقلت: لا. قال: شه عليك.
واتفق أني تزوجت بعد ذلك بسنة، وملت إلى الزوجة ميلا عظيما، فما كنت أصبر عنها. «1»
قال لي الفقيه محمد «2» : كنت عند الشيخ، فالتفت إلى داود المؤذّن، فقال: وصيّتك بي غدا، فظنّ المؤذن أنه يريد يوم القيامة.
وكان ذلك يوم الجمعة، وهو صائم، فلما جاء وقت الإفطار، قال لجاريته: يا درّاج! أجد عطشا.
فسقته ماء لينوفر، فبات تلك الليلة، وأصبح وجلس على حجر، موضع قبر، مستقبل القبلة، فمات وهو جالس، ولم يعلم بموته، حتى حرّكوه، فوجدوه ميتا، فجاء المؤذّن وغسّله، رحمه الله تعالى «3» .
قال الفقيه «1» : كنت عند الشيخ يوما؛ فجاءه رجلان من العرب، فقالا: نطلع إليك؟.
قال: لا.
فذهب أحدهما وجلس الآخر، فقال الشيخ: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ
«2» ، ثم قال له: اطلع. وطلع، فأقام عندنا أياما، فقال له الشيخ: تحب أن أريك قبرك؟.
قال: نعم. فأتى به المقبرة، فقال: هذا قبرك!. فأقام بعد ذلك اثني عشر يوما، أو أربعة عشر يوما، ثم مات، فدفن في ذلك المكان!.
وكان له زوجة، ولها بنت، فطلبت أن يزوجني بها، فتوقّفت أمها، وقالت: هذا فقير ما له شيء.
فقال: والله إني أرى دارا قد بنيت له، وفيها ماء جار، وابنتك عنده في الإيوان، وله كفاية على الدوام، فقالت: ترى هذا؟. قال لها: نعم.
فزوّجتنيها، ورأت ذلك، وأقامت معي سنين، وذلك سنة محاصرة الملك العادل سنجار.
وكانت امرأة بعد موتها تطلب زواجي، وتشفّعت بزوجة الشيخ، فلما أكثرت عليّ، شكوتها إلى الشيخ، فقال: طوّل روحك يومين، ثلاثة، ما تعود تراها.
قال: فقدم ابن عمها من مصر أمير كبير بعد أيام، فتزوّج بها، وما عدت رأيتها.
قال ابن العديم: توفي في عشر ذي الحجة، سنة سبع عشرة وستمائة، وهو صائم، وقد جاوز الثمانين.
وكان رحمه شيخا طوالا، مهابا، كأنه نار، وكان يقوم نصف الليل إلى الفقراء، فمن رآه
نائما ضربه، وكان له عصاة اسمها" العافية"«1» .
وكان شجاعا في الله، وبالله، كثير الأذكار والحضور، يغار ممن يذكر اسم" الجبّار" بغير استحضار، وله هيبة على المشايخ والفقراء، لا يستطيع الإنسان أن يطيل النظر إليه، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم.
وقال الشيخ شمس الدين محمد بن العماد نزيل مصر: ما سمي أحد بأسد الشام إلا الشيخ عبد الله اليونيني.
وقال الشيخ علي القصار: كنت إذا رأيت الشيخ عبد الله أهابه كأنه أسد، فإذا دنوت منه، وددت أني أشق قلبي وأجعله فيه «2» .
رحمه الله تعالى.