الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عشرة وستمائة في قريته، وهي" القنيّة"«1» ، من أعمال" دارا"، وقبره مشهور بها يزار، وكان قد ناهز تسعين سنة من عمره. رحمه الله تعالى.
ومنهم:
56- السّاوجي شيخ القلندريّة جمال الدّين محمد الزّاهد
«13»
أليف حال لو صبّ على الصخر لتصدّع، ولو استوقف به المفارق لما ودّع، هام بالحب فتيّمه، وأنكله مذ أحبّ وأيّمه، شهدت البصائر من حاله ما أعجب، ومن فرط بكائه وانهماله ماء لولا النار لأعشب، فحمّل إنسان عينيه ما لم يطق، وسقي بكأس مذ شرب منه لم يفق.
وكان في مبدأ أمره إذ قدم دمشق بطلب العلم مشتغلا، وفي لهب الجد مشتعلا، ثم شمّر للزهد إزاره، وانقطع سواء من هجره أو زاره، وأقام مجاورا لمحلّة الأموات، وجارا للأعظم الرّفات، ثم حلق شعر لحيته ورأسه، واتخذه شعارا لأناسه، فلم يزل ريا لأتباعه، وحلية لضباع قاعه وسباعه، وربما أتى هو وبعض ذويه بمخاريق وكرامات، للإنكار فيها طريق، وأصحابه يرمون باستعمال المسكر، إلا أنه الذي لا يعصر، والمسكر الذي يفعل فعل المدام، ولا يعرف وينكر.
قدم دمشق، وقرأ القرآن والعلم، وسكن بجبل قاسيون بزاوية الشيخ عثمان الرومي، وصلى به مدة. ثم حصل له زهد، وفراغ عن الدنيا، فترك الزاوية وانملس «2» ، وأقام بمقبرة الباب الصغير، قريبا من الموضع الذي بني فيه القبة لأصحابه، وبقي مدة في قبّة زينب بنت زين العابدين، فاجتمع فيها بالجلال الدركزيني، والشيخ عثمان كوهي الفارسي، الذي دفن بالقنوات، بمكان القلندرية.
ثم إن السّاوجي حلق وجهه ورأسه، فانطلى على أولئك حاله، فوافقوه، وحلقوا.
ثم فتّش أصحاب الشيخ عثمان [الرومي] على السّاوجي فوجدوه بالقبة فسبّوه، وقبّحوا فعله، فلم ينطق ولا ردّ عليهم. ثم اشتهر وتبعه جماعة وحلقوا، وذلك في حدود العشرين وستمائة.
ثم لبس دلق شعر، وسافر إلى دمياط، فأنكروا حاله وزيّه، فرنق بينهم ساعة، ثم رفع رأسه، وإذا هو بشيبة- فيما قيل- كبيرة بيضاء. فاعتقدوا فيه «1» ، وضلّوا به، حتى قيل:
إن قاضي دمياط وأولاده، وجماعة حلقوا لحاهم، وصحبوه، والله أعلم بصحة ذلك. «2»
وتوفي بدمياط بعد العشرين وستمائة. وقبره بها مشهور، وله هناك أتباع.
وذكر شمس الدين الجزري في تاريخه «3» : أنه رأى كراريس من" تفسير" القرآن الكريم للشيخ جمال الدين السّاوجي، وبخطه.
وجلس في المشيخة بعده بمقبرة الباب الصغير، جلال الدين الدركزيني، وبعده: الشيخ محمد البلخي، وهو- أعني البلخي- من مشاهير القوم، وهو الذي شرع لهم الجولق الثقيل، وأقام الزاوية، وأنشأها، وكثر أصحابه. وكان للملك الظاهر فيه اعتقاد، فلما تسلطن طلبه، فلم يمض إليه. فبنى لهم السلطان هذه القبة من مال الجامع. وكان إذا قدم يعطيهم ألف درهم وشقتين من البسط، ورتّب لهم ثلاثين غرارة قمح، في السنة، وعشرة دراهم في اليوم.
وكان السويداوي منهم يحضر سماط السلطان الملك الظاهر ويمازح السلطان. ولما أنكروا في دولة الأشرف موسى على عليّ الحريري أنكروا على القلندرية- وتفسيرها بالعربيّ المحلّقين- ونفوهم إلى قصر الجنيد. «4»
وذكر ابن إسرائيل الشاعر: أن هذه الطائفة ظهرت بدمشق سنة نيّف عشرة وستمائة.
ثم أخذ يحسّن حالهم.
ومنهم:
57-
الشّيخ عبد الله بن يونس الأرمني «1» الحنفيّ «13»
الشيخ، الزاهد، القدوة.
قدوة لمّا عصم، وأسوة فيما علم، فطفق يفيض المواهب، وطفح جدوله ليغيض الغياهب، ولم يزل منتابا، ومؤملا يهدي مرتابا، وكشف لبصيرته، وأشرف بسريرته، وأدلج إلى الآخرة يحدي به مطايا النفوس، حتى زف إلى لحده زفاف العروس، وأطبق ملحده عليه، وعلى ما تبعه من النفوس، ثم خلا بعمله، وخلف المحلف خاليا بعد له، وذهب لم يطمس له منار، ونزل الجنة، والقلوب بعد في نار.
أصله من أرمينية الروم، وجال في البلاد، ولقي الصلحاء والزهّاد، وكان صاحب أحوال ومجاهدات، وكان سمحا، لطيفا، متعفّفا، لازما لشأنه، مطّرح التكلف. ساح مدة وبقي يتقنّع بالمباحات، وكان متواضعا، سيّدا، كبير القدر، له أصحاب ومريدون، ولا يكاد يمشي إلا وحده، ويشتري الحاجة بنفسه، ويحملها. وكان قد حفظ القرآن، وكتاب القدوري، فوقع برجل من الأولياء فدلّه على الطريق إلى الله «2»
توفي تاسع عشرين شوال سنة إحدى وثلاثين وستمائة. وكانت له جنازة مشهودة. وزاويته مطلة على قبر الشيخ موفق الدين بسفح قاسيون، ودفن جوار الزاوية «3» رحمه الله تعالى.