المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌100- سيدي أبو العباس المرسي أحمد بن عمر الأنصاري المالكي - مسالك الأبصار في ممالك الأمصار - جـ ٨

[ابن فضل الله العمري]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الثامن]

- ‌[طوائف الفقراء الصوفية]

- ‌مقدمة المحقق

- ‌[اما من هو من اهل الجانبين]

- ‌1- أويس بن عامر القرنيّ

- ‌2- أبو مسلم الخولاني

- ‌3- رابعة بنت إسماعيل العدويّة

- ‌4- حبيب العجميّ

- ‌5- أبو إسحاق إبراهيم بن أدهم بن منصور

- ‌6- الفضيل بن عياض

- ‌7- داود بن نصير الطّائيّ

- ‌8- شقيق بن إبراهيم البلخي

- ‌9- معروف بن فيروز الكرخي: أبو محفوظ

- ‌10- أبو محمّد الفتح بن سعيد الموصليّ

- ‌11- أبو سليمان عبد الرّحمن بن عطيّة الدّارانيّ

- ‌12- بشر بن الحارث الحافيّ أبو نصر

- ‌13- أحمد بن أبي الحواريّ

- ‌14- أبو عبد الرّحمن حاتم بن عنوان الأصم

- ‌15- أحمد بن خضرويه البلخيّ

- ‌16- الحارث بن أسد المحاسبيّ

- ‌17- أبو تراب عسكر بن حصين النّخشبيّ

- ‌18- السّري بن مغلّس السّقطيّ

- ‌19- أبو زكريّا يحيى بن معاذ الرّازي الواعظ

- ‌20- أبو يزيد، طيفور بن عيسى بن آدم البسطاميّ

- ‌21- أبو حفص عمر بن سالم الحدّاد

- ‌22- حمدون بن أحمد بن عمارة القصّار النّيسابوريّ أبو صالح

- ‌23- أبو الحسين أحمد بن محمّد النّوريّ

- ‌24- سهل بن عبد الله التّستريّ

- ‌25- أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل الخوّاص

- ‌26- أبو القاسم الجنيد بن محمّد

- ‌27- أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الحيريّ

- ‌28- ممشاذ الدّينوريّ

- ‌29- أبو محمد رويم بن أحمد بن يزيد بن رويم بن يزيد البغداديّ

- ‌30- أبو مغيث الحسين بن منصور الحلّاج

- ‌32- أبو عبد الله محمّد بن الفضل البلخيّ

- ‌33- أبو عمرو الدّمشقيّ

- ‌34- أبو عليّ الرّوذباريّ

- ‌35- أبو بكر محمّد بن عليّ بن جعفر الكتّانيّ

- ‌36- أبو إسحاق إبراهيم بن داود القصّار الرقّيّ

- ‌37- أبو بكر الشّبليّ

- ‌38- أبو بكر الدّقّيّ

- ‌39- أبو عمرو إسماعيل بن نجيد بن أحمد بن يوسف بن سالم ابن خالد السّلميّ

- ‌40- أبو القاسم إبراهيم بن محمّد النّصراباذيّ

- ‌41- أبو الحسن عليّ بن إبراهيم الحصريّ

- ‌44- أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة ابن محمد القشيريّ

- ‌45- أبو الفتوح أحمد بن محمّد بن محمّد بن أحمد الطّوسيّ الغزاليّ

- ‌46- يوسف بن أيّوب بن يوسف بن الحسين بن وهرة، أبو يعقوب الهمذاني

- ‌47- عديّ بن مسافر بن إسماعيل بن موسى بن مروان بن الحسن ابن مروان الهكّاريّ

- ‌50- قضيب البان

- ‌51- أبو علي الحسن بن مسلّم بن أبي الحسن بن أبي الجود

- ‌52- أبو الحسن عليّ بن محمّد بن غليس

- ‌53- الشّيخ أبو عمر محمّد بن أحمد بن محمّد بن قدامة المقدسيّ

- ‌54- عبد الله بن عثمان بن جعفر بن أبي القاسم محمد اليونينيّ

- ‌55- الشّيخ يونس بن يوسف بن مساعد الشّيبانيّ، المخارقيّ، المشرقيّ، القنيّيّ

- ‌56- السّاوجي شيخ القلندريّة جمال الدّين محمد الزّاهد

- ‌58- شهاب الدّين السّهرورديّ

- ‌59- غانم بن عليّ بن إبراهيم بن عساكر بن الحسين

- ‌60- عبد الله بن عبد العزيز اليونينيّ

- ‌61- الشّيخ عليّ بن [أبي الحسن بن منصور] المعروف بالحريري

- ‌62- عيسى بن أحمد بن إلياس بن أحمد اليونينيّ

- ‌63- يوسف القمّيني

- ‌64- الأكّال: محمّد بن خليل بن عبد الوهّاب بن بدر. أبو عبد الله البيطار

- ‌65- عبد العزيز بن القاضي أبي عبد الله محمد بن عبد المحسن بن محمد بن منصور بن خلف الأنصاريّ، الأوسيّ، أبو محمد شرف الدين

- ‌66- الشّيخ القطب أبو بكر بن قوام بن عليّ بن قوام بن منصور بن معلّى ابن حسن بن عكرمة بن هارون بن قيس بن ربيعة بن عامر بن هلال بن قصيّ بن كلاب

- ‌67- عليّ البكّاء

- ‌69- يوسف بن نجاح بن موهوب، أبو الحجّاج الزّبيريّ المعروف بالفقّاعيّ

- ‌70- الشّيخ إبراهيم بن [الشّيخ عبد الله] الأرمويّ

- ‌71-[الشّيخ الزّاهد] جندل [بن محمد العجمي]

- ‌72- أبو الرّجال بن مرّي بن بحتر المنيني

- ‌73- عثمان المنينيّ المعروف بالقريريّ

- ‌74- محمّد بن إبراهيم الأرمويّ

- ‌فصل يتعلق بالسماع

- ‌75- نجم الدّين الخشكناكيّ

- ‌76- علي السّقباويّ

- ‌77- إبراهيم الصّبّاح

- ‌78- حمّاد الحلبيّ

- ‌79- محمد بن نبهان

- ‌80- عبد الله اليافعيّ

- ‌81- أبو بكر محمّد بن عمر بن أبي بكر بن قوام

- ‌فأما من هو من أهل المغرب

- ‌82- أبو عبد الله محمّد بن إسماعيل المغربيّ

- ‌83- أبو الخير الأقطع المعروف بالتّيناتيّ

- ‌84- أبو عثمان سعيد بن سلّام المغربيّ

- ‌85- أبو العبّاس أحمد بن محمد بن موسى بن عطاء الله، الصّنهاجيّ، الأندلسيّ، المعروف بابن العريف

- ‌86- شعيب [بن الحسين] أبو مدين

- ‌88- ابن بلج

- ‌89- أحمد بن عطاء الله أبو العبّاس

- ‌90- سليمان [بن عبد الباري الدّرعيّ] " شيخ القرشيّ" أبو الرّبيع

- ‌91 و 92- الأخوان: محمّد الخيّاط، وأحمد الحريريّ، المغربيان: أبو عبد الله وأبو العباس

- ‌93- ابن عربي محمّد بن عليّ بن محمّد بن أحمد بن عبد الله: الشيخ محيي الدّين، أبو بكر الطّائيّ، الحاتميّ، الأندلسيّ، المرسيّ

- ‌94- الحرّالي علي بن أحمد بن الحسن بن إبراهيم التجيبي

- ‌95- محمد المرجاني أبو عبد الله

- ‌96- البوني أبو الحسن

- ‌97- ابن برّجان

- ‌98- عليّ بن عبد الله بن عبد الجبّار بن [تميم بن هرمز بن حاتم بن قصيّ بن] يوسف بن يوشع الحسنيّ. أبو الحسن الشّاذليّ الضرير

- ‌99- عبد الحقّ بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن محمد بن نصر ابن محمد بن سبعين. أبو محمد: قطب الدّين المرسيّ الرقوطيّ

- ‌100- سيدي أبو العبّاس المرسي أحمد بن عمر الأنصاريّ المالكيّ

- ‌101- الحسن بن عليّ بن يوسف بن هود الجذاميّ المغربيّ

- ‌وهذا آخر من وقع في الجانب الغربي

- ‌102- أبو الفيض ذو النّون المصريّ

- ‌103- أبو بكر أحمد بن نصر الزّقّاق الكبير

- ‌104- أبو الحسين بن بنان

- ‌105- أبو عليّ الحسن بن أحمد الكاتب

- ‌106- ابن الفارض: أبو القاسم عمر بن أبي الحسن علي بن المرشد بن عليّ

- ‌107- أبو القاسم بن منصور بن يحي المكّيّ الاسكندريّ المعروف بالقبّاريّ

- ‌108- الفضيل بن فضالة

- ‌109- محمّد بن عبد الله بن المجد المرشديّ الدّهروطي

- ‌110- عبد الله [بن محمّد بن سلمان] المنوفيّ

- ‌111- أبو عبد الله محمّد بن اللّبّان

- ‌مصادر التحقيق

- ‌فهرس الأعلام

الفصل: ‌100- سيدي أبو العباس المرسي أحمد بن عمر الأنصاري المالكي

ومنهم:

‌100- سيدي أبو العبّاس المرسي أحمد بن عمر الأنصاريّ المالكيّ

«13»

بحر من البحور الزاخرة، وحبر في علوم الدنيا والآخرة، فاكتنفته العناية الإلهية فأمدته بمددها، وأقامته على حددها، فاستنار بأقمارها، واستمار من ثمارها، فضوّأت مشارقه بأشعتها، وبوّأت قدمه محل رفعتها، وهبّ من المغرب هبوب الصّبا، ونزل الاسكندرية نزول الغيث الربى، فأصبح به الثغر باسما، وأصبح الراح وأغبق ريحه ناسما.

وكان بمدينة الاسكندرية، وقدره المتطاول علا منارها، وذكره الشائع علم نارها، وعمر حبه من كل قلب بيتا، وأمر صفته فيها حيا وميتا «1» .

ذكره ابن غانم قال: كان قطب زمانه، وعلامة أوانه، في العلوم الإسلامية وله القدر الراسخ في علم التحقيق، والكرامات الباهرة، والكلام الرائق البديع في طريق القوم، والأحوال الظاهرة، كان لا تتحدث معه في شيء من العلوم إلا تحدّث معك فيها، حتى يقول السامع إنه لا يحسن غير هذا العلم، لا سيما علم التفسير والحديث، وكان يقول: شاركنا الفقهاء فيما هم فيه، ولم يشاركونا فيما نحن فيه.

وكان كتابه في أصول الدين" الإرشاد"، وفي الحديث:" المصابيح" للبغوي، وفي

ص: 343

الفقه:" التهذيب" للبرادعي، و" الرسالة"، وفي التفسير:" كتاب ابن عطية".

وكان يقرأ عليه بعض المحققين في العربية، فيردّ عليه اللحن.

وأما علوم المعارف والأسرار؛ فقطب رحاها، وشمس ضحاها، تقول إذا سمعت كلامه:

هذا كلام من ليس وطنه إلا غيب الله تعالى، هو بأخبار السماء أعلم منه بأخبار أهل الأرض.

وعن أبي الحسن الشاذلي أنه قال عن الشيخ أبي العباس: أبو العباس بطرق السماء أعلم منه بطرق الأرض.

قال ابن عطاء تلميذه: كنت لا أسمعه يتحدث إلا في العقل الأكبر، والاسم الأعظم، وشعبه الأربعة، والأسماء والحروف، ودوائر الأولياء، ومقامات الموقنين، والأملاك المقربين عند العرش، وعلوم الأسرار، وأمداد الأذكار، والمقادير، وشأن التدبير، وعلم البدو، وعلم المشيئة، وشأن القبضة، ورجال القبضة، وعلوم الأفراد، وما يكون من أفعال الله تعالى مع عباده يوم القيامة، من حلمه وإنعامه، ووجود انتقامه.

قال الشيخ تاج الدين ابن عطاء: ولقد سمعته يقول:" لولا ضعف العقل لأخبرت بما سيكون غدا من رحمة الله تعالى، وتوفيقه، وإلهامه.

وأما سداد طريقته: فكان رضي الله عنه شديد التحرر من حقوق العباد، مسرعا للوفاء لها، حتى أنه يوفي الدين قبل استحقاقه، ويحمل أصحابه على التخلص من حقوق العباد، إذا كان عليه دين أحسن القضاء، وإذا كان له حق أحسن الاقتضاء، منقطعا عن أبناء الدنيا والتردد إليهم، لا يرفع قدمه لأحد منهم «1» ، ولا يبعث إليهم، ولا يكاتبهم، إذا طلب منه أن يكتب إليهم، بل يقول للطالب: أنا أطلب لك ذلك من الله تعالى. فإن رضي الطالب بذلك، نجح مسعاه، ولطف به مولاه.

ومبنى طريقه على الجمع على الله تعالى، وعدم التفرقة، وملازمة الخلوة، والذكر.

ولكل مريد معه سبيل؛ يحمل كل واحد على السبيل التي تصلح له، وكان لا يحب المريد

ص: 344

لا سبب له «1» ، وكان يقول عن شيخه: اصحبوني ولا أمنعكم أن تصحبوا غيري، فإن وجدتم منهلا أعذب من هذا المنهل فردوا.

وكان مكرّما للفقهاء، ولأهل العلم وطلبته إذا جاؤوه، وكان أزهد الناس في ولاة الأمور، وكان لا يثني على مريد، ولا يرفع له علما بين إخوانه خشية عليه أن يحسد.

وكان كثير الرجاء لعباد الله، والغالب عليه شهود وسع الرحمة.

وكان- رضي الله عنه يكرم الناس على نحو رتبهم عند الله «2» .

وقال- وقد سئل لما أن قال عيسى عليه السلام إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

«3» ، ولم يقل: الغفور الرحيم؟ -.

قال: لأنه لو قال: فإنك أنت الغفور الرحيم، لكان شفاعة من عيسى- عليه السلام لهم في المغفرة، ولا شفاعة في كافر، ولأنه عبد من دون الله فاستحى من الشفاعة عنده.

وكان يقول: أتباع الحق قليلون، فأولياء الله تعالى كهف الإيواء، فقلّ من يعرفهم.

وقال ابن عطاء- تلميذه-: سمعته يقول:" معرفة الولي أصعب من معرفة الله تعالى، فإن الله تعالى معروف بكماله".

ومن زهده: أنه خرج من الدنيا وما وضع حجرا على حجر، ولا اتخذ بستانا، ولا استفتح سببا من أسباب الدنيا.

وقال الشيخ أبو الحسن: رأيت الصّدّيق في المنام؛ فقال لي: أتدري ما علامة خروج حب الدنيا من القلوب؟. قلت: لا أدري.

قال: علامة خروج حب الدنيا من القلوب: بذلها عند الوجود، ووجود الراحة منها عند الفقد.

ص: 345

وقال الشيخ أبو العباس المرسي- رضي الله عنه: رأيت عمر بن الخطاب- رضي الله عنه في المنام؛ فقلت: يا أمير المؤمنين! ما علامة حب الدنيا؟.

قال: خوف المذمة، وحب الثناء.

وكان يقول:" والله ما دخل بطني حرام قط".

وكان يقول:" الورع من ورعه الله تعالى".

وقال:" عزم علينا بعض الصلحاء بالاسكندرية في بستان له بالرمل، فخرجت أنا وجماعة من صلحاء الثغر، ولم يخرج معنا صاحب البستان ذلك الوقت، بل وصف لنا المكان، فتجارينا- ونحن خارجون- الكلام في الورع، فكلّ قال شيئا. فقلت لهم: الورع من ورعه الله تعالى.

فلما أتينا البستان، وكان زمن التوت، كلهم أسرع إلى الأكل، وأكلت، وكنت كلما جئت لآكل أجد وجعا في بطني، فأرجع، فينقطع الوجع، ففعلت ذلك مرارا، فجلست ولم آكل شيئا، وهم يأكلون؛ وإذا بإنسان يصيح: كيف يحل لكم أن تأكلوا من ثمرة بستاني بغير إذني؟. فإذا هم قد غلطوا بالبستان!. فقلت لهم: ألم أقل لكم إن الورع من ورّعه الله تعالى؟.

وكان يقول: والله! ما جلست للخلق حتى هدّدت بالسلب، وقيل لي: لئن لم تجلس لنسلبنّك ما وهبناك.

وكان شديد الكراهية للوسواس في الطهارة والصلاة، وينقل عنه شهود من كان ذلك وصفه.

سئل يوما فقيل له: يا سيدي! فلان صاحب علم وصلاح، كثير الوسوسة!.

فقال: وأين العلم؟. يا فلان! العلم هو الذي ينطبع في القلب كالبياض في الأبيض، والسواد في الأسود.

وكان يقول: الناس على قسمين؛ قوم وصلوا بكرامة الله تعالى إلى طاعة الله تعالى.

ص: 346

وقوم وصلوا بطاعة الله تعالى إلى كرامة الله تعالى. قال الله تعالى: يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ

. «1»

ونور الله تعالى يرد على القلب، فيوجب له الاتصاف بصفة أهله في الدنيا، والإعراض عنها، ثم يثب منه إلى الجوارح، فما وصل إلى العين أوجب الاعتبار، وإلى الأذن؛ أوجب حسن الظن، وإلى اللسان؛ أورث الذكر، وإلى الأركان؛ أورث الخدمة.

والدليل على ذلك: أن النور يوجب عزوف الهمة عن الدنيا والتأني فيها، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن النور إذا دخل الصدر انشرح وانفسح. فقيل: يا رسول الله! فهل لذلك من علامة؟. قال: التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود"«2» وقال في قوله صلى الله عليه وسلم:" لصافحتكم الملائكة في طرقكم، وعلى فرشكم"«3» : إنما خص الرسول صلى الله عليه وسلم الفرش والطّرق، لأن الفرش محل الشهوات، والطرق محلّ

ص: 347

الغفلات، فإذا صافحتهم الملائكة في طرقهم وفرشهم، الأحرى أن تصافحهم في محل طاعاتهم وأذكارهم، واقتضت حكمة الله سبحانه أن لا يستوي وقت كبوتهم عنده ووقت ذكرهم لما سواهما، حتى يعرف عظيم قدر رتبة محاضرته صلى الله عليه وسلم وعزازة الذكر وجلالة منصبهما.

وكان كثيرا ما ينشد:

يا عمرو ناد عبد زهراء يعرفه السامع والرائي

لا تدعني إلا بيا عبدها

فإنه أشرف أسمائي «1»

توفي- رحمه الله تعالى- بالاسكندرية، سنة ست وثمانين وستمائة.

قلت: أتيت قبر الشيخ أبي العباس- رحمه الله تعالى- بظاهر ثغر الاسكندرية، وزرته فيما هنالك، وأتيت الشيخ ياقوت الحبشي «2» ، وكان قد صحبه، فحكى لي عجائب من كراماته.

ومما حدثني به: أن رجلا أتى أبا العباس، فجلس بين يديه، ورجل عند الشيخ يكتب من أماليه، فأخذ ذلك الرجل محبرة الكاتب بيده ورفعها ليسهل عليه الاستمداد، والشيخ مقبل على الجماعة يحدّثهم، فجرى ذكر قلب الأعيان، فقال له ذاك الرجل: يا سيدي! هل لقلب الأعيان حقيقة؟. فقال: نعم. إن لله رجالا لو قال أحدهم لهذه المحبرة كوني ياقوتا لكانت. فالتفت الرجل فرأى المحبرة قد صارت ياقوتا!، فقطع كلام الشيخ ووثب خارجا

ص: 348