الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم:
58- شهاب الدّين السّهرورديّ
«13»
أبو حفص، عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن [عمر بن] عمّويه. واسمه عبد الله بن سعد بن الحسين بن القاسم بن النضر بن القاسم بن سعد ابن النضر بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق الملقب: شهاب الدين السّهروردي. «1»
رأس سنّة وجماعة، ورحا سنة ذات مجاعة. كان الغيث يستهلّ من فروج أصابعه، وتستقي البحار من منابعه، مع اعتزائه إلى نسب صدّيقيّ، واعتزازه منه بحسب حقيقي، وإجلال الخلفاء لمحله، وانتساب الوفاء إلى حرمه وحلّه، ونظره في العلم نظرا يعدّ به من الفقهاء، وشغل أوقاته شغلا ما قرّ للالتهاء.
وكان في أول أمره ومقتبل عمره- على شدة فاقته، وعدم قدرته على الدنيا وطاقته- يعطي عطاء المكثرين، ويهب هبات المثرين، مع فقر يعضّ عليه، ويغضّ بصر أمله لديه، لعفّة ما زالت تحل له رتاجا، وتوسع عليه فلا تدعه محتاجا، إلى أن صار من ذوي الثراء، والنعم والإثراء، وعلا مقاما كان له سعدا، وتمّ تماما كان له إرثا من آبائه حتى يعد معدّا.
وكان فقيها شافعي المذهب، شيخا صالحا ورعا، كثير الاجتهاد في العبادة والرياضة، وتخرّج عليه خلق كثير، من الصوفية في المجاهدة والخلوة، ولم يكن في آخر عمره في عصره مثله. «2»
وصحب عمّه أبا النجيب «1» ، وعنه أخذ التصوف والوعظ، والشيخ أبا محمد عبد القادر بن أبي صالح الجيلي، وغيرهما، وانحدر إلى البصرة إلى الشيخ أبي محمد بن عبد، ورأى غيرهم من الشيوخ، وحصّل طرفا صالحا من الفقه والخلاف، وقرأ الأدب، وعقد مجلس الوعظ سنين.
وكان شيخ الشيوخ ببغداد، وكان له مجلس وعظ، وعلى وعظه قبول كثير، وله نفس مبارك. حكى من حضر مجلسه أنه أنشد يوما على الكرسي:
لا تسقني وحدي فما عوّدتني
…
أني أشحّ بها على جلاسي
أنت الكريم ولا يليق تكرّما
…
أن يعبر الندماء دور الكاس
فتواجد الناس لذلك، وقطعت شعور كثيرة، وتاب جمع كبير. «2»
قال ابن خلّكان «3» : ورأيت جماعة ممن حضروا مجلسه وقعدوا في خلوته وتسليكه- كجاري عادة الصوفية- فكانوا يحكون غرائب مما يطرأ عليهم فيها وما يجدونه من الأحوال الخارقة، وكان قد وصل رسولا إلى إربل، من جهة الديوان العزيز، وعقد بها مجلس وعظ، ولم تتفق لي رؤيته لصغر السن. وكان كثير الحج، وربما جاور في بعض حججه، وكان أرباب الطريق من مشايخ عصره يكتبون إليه من البلاد صورة فتاوى يسألونه عن شيء من أحوالهم.
سمعت أن بعضهم كتب إليه:" يا سيدي! إن تركت العمل أخلدت إلى البطالة، وإن عملت داخلني العجب، فأيهما أولى؟ ".
فكتب جوابه:" اعمل واستغفر الله تعالى من العجب". «1»
وحكى الوداعي عن الشيخ قطب الدين بن القرطبي قال: حضرت مجلس الشيخ شهاب الدين السهروردي بمكة، وهو يعظ، فأنشد في خلال وعظه:
هو الحمى ومغانيه مغانيه
…
فانزل وعاين بليلى ما تعانيه
ما في الصحاب أخو وجد أطارحه
…
حديث نجد ولا صبّ أجاريه
فقام إليه فقير فقال: أنا أطارحك أيها الواعظ!، وجلس ووضع رأسه بين ركبتيه، فقال الشيخ: جهّزوا أخاكم فإنه قد مات!. فقاموا إليه فوجدوه قد مات، فجهّزوه، وواروه.
وله كتاب:" عوارف المعارف" ذكر فيه أبياتا لطيفة منها:
أشمّ منك نسيما لست أعرفه
…
أظنّ لمياء جرّت فيك أذيالا
وذكر فيه أيضا:
إن تأمّلتكم فكلّي عيون
…
أو تذكّرتكم فكلي قلوب
ومن شعره أيضا قوله:
تصرّمت وحشة الليالي
…
وأقبلت دولة الوصال
وصار بالوصل لي حسودا
…
من كان في هجركم رثى لي
وحقّكم بعد إن حصلتم
…
بكل ما فات لا أبالي
أحييتموني وكنت ميتا
…
وبعتموني بغير غالي
تقاصرت عنكم قلوب
…
فيا له موردا حلالي
عليّ ما للورى حرام
…
وحبّكم في الحشا حلالي
ترّبت أعظمي هواكم
…
فما لغير الهوى وما لي
فما على عادم أجاجا
…
وعنده أعين الزلال «2»
وقوله:
ربع الحمى مذ حللتم معشب نضر
…
يروق أكنافه يزهو بها النظر
لا كان وادي الغضالا تنزلون به
…
ولا الحمى سحّ في أرجائه المطر
ولا الرياح وإن رقّت نسائمها
…
إن لم تفد نشركم لا ضمّها سحر
ولا رقت عبرتي حتى يكون لمن
…
ذاق الهوى وصبّا في عبرتي عبر «1»
وقوله:
يطوي اللبيب صحائف الأمل
…
قبل اقتحام طلائع الأجل
قد شاب مشوب حظه [
…
] «2»
…
ذهب الكلال بلذة الكلل
وقوله:
أيا صاحي وقد سئمت السرى فمن
…
إليّ بعين تذوق الكرى
أرى نارهم والهوى سائقي
…
وقد هيّج الشوق من أسهرا
وقد دار في القلب كأس الهوى
…
وذو الوجد لا بدّ أن يسكرا
ولوعي بسكان دار العقيق
…
رخيص بروحي أن يشترى
مولده: بسهرورد، في أواخر رجب، أو أوائل شعبان، الشك منه، سنة تسع وثلاثين وخمسمائة.
وتوفي: في مستهلّ المحرم سنة اثنين وثلاثين وستمائة، ببغداد، ودفن من الغد بالوردية.
رحمه الله تعالى.