الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كنت في سفينة وفيها رجل مضحاك، كان يقول: كنا نأخذ العلج في بلاد الترك هكذا!! وكان يأخذ بشعر لحيتي، ويهزّني، فسرّني ذلك، لأنه لم يكن في تلك السفينة أحقر في عينه مني!.
والثانية: كنت عليلا في مسجد، فدخل المؤذّن، فقال: اخرج، فلم أطق، فأخذ برجلي، وجرّني إلى خارج المسجد.
والثالثة: كنت بالشام، وعليّ فرو، فنظرت فيه أميّز بين شعره والقمل لكثرته،- وفي رواية- كنت يوما جاء إنسان وبال عليّ، وجاء آخر وصفعني! ".
وقال أبو عبد الله بن الفرج: اطّلعت على إبراهيم بن أدهم بالشام وهو نائم، وعند رأسه أفعى في فمها باقة نرجس تذبّ عنه حتى انتبه!. «1»
ومنهم:
6- الفضيل بن عياض
«13»
أبو علي الخراساني.
رجل رأى بعين البصيرة واطّبع، وتمثّل بصفاء السريرة هول المطلع، أسمعه النذير، وأسرعه النفير، وزجره واعظ القرآن فازدجر، وألان قلبه- وكان من حديد أو حجر-، وقد مضت عليه سنون كان سائحا في سنتها «1» طافحا بسمتها، وشبابه مقتبل، وشأنه أنه لغرّة العمر مهتبل، فردّ سيله قبل بلوغ القرآن، وأنام سيفه بعد ما فقد غراره «2» ، وذلك حين آن له المتاب، وسبق له الكتاب، فعمل بعمل أهل الجنة، وأظهر الله له من سرّه ما أجنّه.
وروى أبو القاسم القشيري بسنده قال: كان الفضيل شاطرا «3» يقطع الطريق بين أبيورد «4» وسرخس.
وكان سبب توبته: أنه عشق جارية، فبينا هو يرتقي الجدران إليها، سمع تاليا يتلو: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ
«5» ، فقال: يا رب! قد آن. فرجع، فآواه الليل إلى خربة، فإذا فيها رفقة «6» ، فقال بعضهم: نرتحل، وقال قوم: حتى نصبح، فإن فضيلا على الطريق يقطع علينا. فتاب الفضيل «7» ، وأمّنهم، وجاور الحرم حتى مات.
وقال الفضيل بن عياض:" إذا أحبّ الله عبدا أكثر غمّه «8» ، وإذا أبغض عبدا وسّع عليه دنياهء «9» ".
وقال ابن المبارك: إذا مات الفضيل ارتفع الحزن. «10»
وقال الفضيل:" لو أن الدنيا بحذافيرها عرضت عليّ ولا أحاسب بها لكنت أتقذّرها، كما يتقذّر أحدكم الجيفة إذا مرّ بها أن تصيب ثوبه"«1»
وقال:" ترك العمل لأجل الناس هو الرياء «2» ، والعمل لأجل الناس «3» هو الشرك".
وقال أبو علي الرازي: صحبت الفضيل ثلاثين سنة، ما رأيته ضاحكا، ولا مبتسما «4» ، إلا يوم مات ابنه علي، فقلت له في ذلك؟. فقال:" إن الله أحبّ أمرا فأحببت ذلك".
وقال الفضيل:" إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق حماري وخادمي". «5»
حكى في" مناقب الأبرار"«6» عن سفيان بن عيينة- رضي الله عنه قال: قال لي الرشيد: أريد أن ألقى الفضيل بن عياض، لعلّ الله أن يحدث لي عظة أنتفع بها. فقلت له: والله! إنّ ذلك لحبيب إليّ، ولكنه رجل قد أخذ نفسه بخدمة الله تعالى، فما لأحد فيه حظ، وأكره أن تراه متصوفا في بعض حالاته من عبادة ربه- عز وجل فتوهم عليه جفاء،
وإن كنت والله أعرفه الرجل الكريم العشرة، الحسن الخلق، يوهم من شاهده من لينه أنه داخل في حكم العامة.
فقال لي: ما عزمت على لقائه حتى وطّنت نفسي على احتمال مشاهدتي أخلاقه. ثم قال: ويحك يا سفيان!، إن شرف التقوى شرف لا يزاحم عليه بإمرة ولا خلافة!. فأدّيت ذلك إلى الفضيل، فقال: إنه لحسن العقل، لولا ما ضرب به من فتنة هذه العاجلة!.
ويسوؤني أيضا، فأما ما يسؤوني منه فلم أر مثله يرفل في سوابغ النعم عريانا من الشكر، ثم قطّب بين عينيه، وقال: ما قدر من كان لله عاصيا؟. لا حاجة لي في لقائه.
فلم أزل أرفق به حتى أذن، فرجعت إلى الرشيد فأعلمته، وقلت له: ليس يطمع فيه إلا وقت إفطاره، وكان إفطاره كاختطاف الطائر حبّه.
فركب الرشيد، ولبس مبطنة، وطيلسانا، وغطاء رأسه، ومعه مسرور الخادم، وأنا؛ فدققت الباب؛ فنزل وفتح، ودخل، ودخلت معه، ووقف مسرور على الباب، فسلّم عليه الرشيد قائما، فتشمّ منه رائحة المسك، فقال الفضيل:" اللهمّ! إني أسألك رائحة الخلد التي أعددتها لأوليائك المتقين في جنات النعيم".
ثم تبادرت دموعه على لحيته، فقلت: يا أبا علي! هذا أمير المؤمنين واقف يسلّم عليك، فرفع رأسه، وقال: وإنك لهو يا حسن الوجه؟. ونظر إلى الرشيد وهو يبكي، فقال له: اعلم أن الأحكام قد سلبت فضيلة العدل، وهو في صحيفتك يدرج معك في كفنك ليوم النشور، وقد بدا إليك سرعة نفاذ ما أنت فيه من تقدّمك من آبائك، ثم نهض، وقال:" الله أكبر". فقلت له: يا أمير المؤمنين! أما إذا افتتح الصلاة فليس فيه حيلة.
وانصرفنا. فقال الرشيد وهو خارج: لولا خجلي منك لقبّلت ما بين عينيه، فقلت له: والله لوددت أن فعلت!.