الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم:
46- يوسف بن أيّوب بن يوسف بن الحسين بن وهرة، أبو يعقوب الهمذاني
«13»
الفقيه، الزاهد، ذو الكرامات، ليس يجحدها البهوت، ومقامات ليس يشهدها السكوت، بفم كأنما طبع عليه بخاتم، وكرم طمع لديه حاتم، وصلاح كان شقيق شقيق إخاء، وقرين القرني إذا هبّ رخاء. له أمور تغني عن الإيضاح، وأسرار مثل الشمس في الإيضاح، فانتهى إليه السؤدد، وإلى رواق العلياء أنه على غيره لم يمدد، لتفرّده في مانه، وورده الروي من إيمانه.
قال أبو سعد السمعاني: يوسف بن أيوب الهمذاني: من قرية" بوزنجرد": قرية من قرى همذان، مما يلي الري «1» . الإمام الورع التقي، المتنسّك، العامل بعلمه، والقائم بحقه، صاحب الأحوال والمقامات الجليلة، وإليه انتهت تربية المريدين الصادقين، واجتمع برباطه بمدينة مرو جماعة من المنقطعين إلى الله تعالى، ما لا يتصور أن يكون في غيره من الرّبط مثلهم.
وكان من صغره إلى كبره على طريقة مرضية، وسداد واستقامة، خرج من قريته إلى بغداد، وقصد الإمام أبا إسحاق الشيرازي، وتفقّه عليه، ولازمه مدة حتى برع في الفقه، وفاق أقرانه خصوصا في علم النظر.
وكان الشيرازي يقدمه على جماعة كثيرة من أصحابه، مع صغر سنه، لعلمه بزهده، وحسن سيرته، واشتغاله بما يعنيه.
ثم ترك كل ما كان فيه من المناظرة وخلا بنفسه، واشتغل بما هو الأهم من عبادة الله تعالى، ودعوة الخلق إليها، وإرشاد الأصحاب إلى الطريق المستقيم «1» .
نزل مرو وسكنها، وخرج إلى هراة وأقام بها مدة، ثم سئل الرجوع إلى مرو في آخر عمره، وخرج منها متوجها إلى هراة ثانيا، وعزم إلى الرجوع إلى مرو في آخر عمره، وخرج منها متوجها إلى مرو، فأدركته منيته ب:" ياميين" بين" هراة" و" بغشور"«2» ، في شهر ربيع الأول، سنة خمس وثلاثين وخمسمائة، ودفن، ثم نقل بعد ذلك إلى مرو «3» .
وقال غير السمعاني: قدم يوسف الهمذاني بغداد في سنة خمس عشرة وخمسمائة، وحدّث بها، وعقد بها مجلس الوعظ بالمدرسة النظامية، وصادف بها قبولا عظيما من الناس.
قال أبو الفضل صافي بن عبد الله الصوفي الشيخ الصالح: حضرت مجلس شيخنا يوسف الهمذاني في النّظاميّة، وكان قد اجتمع العالم، فقام فقيه يعرف بابن السقاء، وآذاه، وسأله عن مسألة؟، فقال له الإمام يوسف:" اجلس فإني أجد من كلامك رائحة الكفر! ". ولعلك تموت على غير دين الإسلام!.
قال أبو الفضل: فاتفق أنه بعد هذا القول بمدة، قدم رسول نصراني من ملك الروم إلى الخليفة، فمضى إليه ابن السقاء وسأله أن يستصحبه، وقال له: يقع لي أن أترك دين الإسلام
وأدخل في دينكم!. فقبله النصراني، وخرج معه إلى القسطنطينية، والتحق بملك الروم، وتنصّر ومات على النصرانية، والعياذ بالله تعالى من الضلال «1» .
وقال ابن النجار في ترجمة يوسف المذكور:
" سمعت أبا الكرم عبد السلام بن أحمد المقرئ يقول: كان ابن السقاء قارئا للقرآن الكريم، مجوّدا لتلاوته، حدثني من رآه بالقسطنطينية ملقى على دكة مريضا، وبيده خلق مروحة يدفع بها الذباب عن وجهه. قال فسألته: هل القرآن باق على حفظك؟.
فقال: ما أذكر منه إلا آية واحدة: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ
«2» ، والباقي أنسيته! «3» .
نعوذ بالله من سوء القضاء، وزوال نعمته، وحلول نقمته، ونسأله الثبات [على دين الإسلام] ، والعصمة، آمين «4» .
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا «5» .