الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم:
73- عثمان المنينيّ المعروف بالقريريّ
رجل يعدّ برجال، وبطل لا يزاحم في مجال، وعجّل وكم قبضت به آجال، كان بدرا تماما، وبين نونيه أسدا ضرغاما، لا تتوقى له سهام، ولا يرد بالجيش اللهام.
حدّثني عنه والدي، والصدر جمال الدين يوسف بن رزق الله العمري- رحمهما الله تعالى- قالا: لما اشتدّ بأهل بعلبك الأمر نوبة غازان ونحن إذ ذاك بها، كان فيها الشيخ عثمان، وكنا نتعهد زيارته، وأبواب المدينة مفتحة، فلما نازلها غلقت الأبواب واشتدّ الخوف، ثم أتينا الشيخ عثمان للزيارة، فوجدنا قطب الدين ابن اليونيني خارجا من عنده، فقال: دخلت على الشيخ فلم يكلّمني، ووجدته منكرا، فلم أجلس، والرأي أن ترجعوا، فإن هذا رجل له بادرة. فقلنا: لا بدّ أن ندخل، فدخلنا عليه.
قال والدي: فالتفت إليّ وقال: يا محيي الدين! لأي شيء غلقتم أبواب المدينة؟.
فقلت له: يا سيدي! خوفا من [بولاي]«1» فإنه قد جاء ونزل عليها، وربما أنه يريد أن يحاصر. قال: فغضب الشيخ غضبا شديدا، واحمرّت عيناه، وجثا على ركبتيه، وطلعت الزبدة على شدقيه.
قال والدي وابن رزق: حتى ظنناه سبعا يريد أن يفترسنا، وبقي على هذه الحال هنيهة، ثم قال: وعزّة العزيز، طرشهم طرشة بدّد شملهم، وفتح يديه يمنة ويسرة، ثم سري عنه.
وقال: قل لهم يا محيي الدين: فليفتحوا أبواب البلد. قالا: فقمنا، وأمرنا بفتح الأبواب كما قال، ثم باكرنا الخبر في اليوم الثالث برحيل غازان عن مدينة دمشق في الساعة التي قال فيها الشيخ عثمان ما قال.
وحكى لي الشيخ نجم الدين محمد بن أبي الطيب قال: كان لخالنا القاضي تقي الدين
عبد الكريم بن الزكي خصوصية بالشيخ عثمان، وكان يتردد إلى قرية برزة حين أقام بها، وكان لا يزال يشكو إليه ما يجده من سوء أخلاق امرأته، وتكبّرها عليه بما لها من الأوقاف والغنى. وكان الشيخ ينهاها في كل وقت، ويخوفها عاقبة فعلها، إلى مرة زادت في سوء معاملته، فلما شكاها إلى الشيخ عثمان، قال لها: النوبة الفيصلة بيننا وبينك. ثم قال لابن الزكي: إن عاد بدا منها النوبة شيء قل: يا عثمان، يا نحس!.
قال ابن أبي الطيب: فلما أتى يوم موسم، أو حفل كانت بالميطور وقد اجتمع عندها جماعة من النساء، فلما أراد أن ينزل إلى المدينة، قالت له: ابعث لنا كذا وكذا، من الحلوى، وغيرها، فبعث بشيء، فاغتاظت، فلما طلع لامته، ثم احتدّت إلى أن عادت إلى عادتها وأشدّ، فصاح ابن الزكي: يا عثمان! يا نحس!، يا عثمان، يا نحس!. ثم لم يستكمل المجلس حتى أخذتها الحمّى الحادّة، المحرقة، وقالت له: قتلتني والله!. ثم قالت:
والله النوبة هي الفيصلة، ففطن ابن الزكي وقام لوقته حتى أتى الشيخ عثمان، ليسأله في أمرها، فمنذ رآه مقبلا من بعيد قال له: أحسن الله عزاك! ارجع جهّزها، فقد قضي الأمر، فرجع وكان الأمر كما قال.
وحكى لي غير واحد من أهل برزة «1» : أن الملك الأوحد كان قد تعجّل نوبة كسروان منهم خراج سنة، ثم لما طال المقام بالجبل بعث يستلف سنة أخرى، فأضرّ ذلك بنا، ولم يبق إلا من أخذ دوابّه، أو قماش نسائه، أو غزلهنّ ليبيعه، فلما رأى الشيخ عثمان ما حصل لنا بذلك من الضرر والإزعاج، اغتاظ حتى كاد يتميز من الغيظ، ثم قال: لا تبيعوا شيئا، فإنه قد قضي الشغل، فلم يلبث أن جاءنا الخبر بأن الملك الأوحد قد توفي في ذلك اليوم.
وأخباره ومناقبه كثيرة.
حكى لي القاضي عبد الله البستاني الفقيه، قال: كان الشيخ صدر الدين ابن الوكيل حسن العقيدة في الفقراء، وسمعته يحكي قال: طلبني الأفرم مرة، طلبا مزعجا، فجئته،