الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأغرب ما في هذا الجبل ما سمعناه بالقدس الشريف في ذي الحجة سنة خمس وأربعين وسبعمائة، إن الناس احتاجوا إلى استسقاء الغيث من الله عز وجل، قال: فصعد المسلمون واليهود، والنصارى، والسامرة، هذا الجبل، فاستقبل المسلمون الكعبة الحرام، واستقبل اليهود الصخرة المعظّمة، واستقبل النصارى الشرق، واستقبل السامرة جهة نابلس، فصارت كل طائفة إلى ظهور «1» سائر الطوائف، وهذا لا يتفق في مكان آخر. حكى ذلك الحافظ العلّامة أبو سعيد العلائي.
وأورد السهروردي في" عوارف المعارف" لرابعة رحمها الله تعالى:
إني جعلتك في الفؤاد محدّثي
…
وأبحت جسمي من أراد جلوسي
فالجسم مني للجليس مؤانس
…
وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي
ومنهم:
4- حبيب العجميّ
«13»
أتى بخوارق مثل الإعجاز، وتدفق كالسحاب في الإنجاز، وأتى من قاصية بلاد، وجزّ ناصية الليالي والآباد، حتى جال في كل مجال، ووصل إلى حيث حصّل ما حصّل، وأتى من أرض بعيد مداها، بديع هداها، لا تفهم ألسنتها الأعاجم، ولا تفهم الحدّاث عنها إلا التراجم «2» ، فجاد لها مسعى، وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى، فلم يغلق دونه الباب،
وكم تعلّق بغباره ذوو الألباب.
روي أنه كان يقول:" كل عمل لا يكون سرّه عندك آثر عندك من علنه فهو رياء".
قال بعضهم: صحبت في طريق الحجّ رجالا منهم حبيب العجمي، فكنت أظنّه غلامهم لقيامه بخدمتهم، فسألتهم عنه؟ فإذا هو سيدهم.
وقال عبد الله القاشاني: بقيت أياما أحدّث نفسي: أي الرجال أفضل درجة؟ - أعني من رجال القوم- فبينا أنا نائم ليلة من الليالي، وإذا أنا أنظر إلى السماء وهي كالصحيفة، وفيها مكتوب بخط من نور، سطر من المشرق إلى المغرب، فقرأته فإذا هو:" حبيب، حبيب، حبيب" مكرّرة ثلاث مرات.
وحكي عنه قال: كان حبيب بين جماعة في يوم شديد الحر في ذروة جبل مقفر، من أرض سجستان، فقالوا: لقد أضرّت بنا هذه الظهيرة، وقد حانت الصلاة، فكيف نقوم بها ونحن نكاد نتساقط؟. قال: فدمعت عين حبيب ثم قال:" اللهم إنهم عبادك يريدون طاعتك، اللهم فاسقهم". قال: فكأنما فتحت أبواب السماء بالمطر، وأتاهم عارض من برد، فابتردوا به وشربوا، وتوضئوا. ثم قاموا فصلّوا، فلما فرغوا أمسكت السماء.
وحكى عنه قال: حججت مرة، فلما كان يوم عرفة، صعدت الجبل حتى كنت بأعلاه، فنظرت بعيني؛ فإذا بالسهل والجبل قد فرشها الحجّاج، وكانت سنة جامعة، فاستكثرت أهل الموقف، فقلت في نفسي:" لعلّ في هؤلاء من لا يغفر له! " فسمعت قائلا يقول بصوت ملأ ما بين الجبلين:" هو أكرم من هذا".
قلت: ويقرب من هذا ما حكاه الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في ترجمة" سليمان ابن داود المباركي عن التتائي قال:" أفضت من عرفات وقد مضى الناس، فبينما أنا أسير وحدي، إذا أنا برجلين يقول أحدهما لصاحبه: يا حبيب!. فقال الآخر: لبيك!. قال: أترى الذي تحاببنا فيه، يعذّبنا؟. قال: فسمعوا صوتا:" ليس بفاعل، ليس بفاعل".