الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم:
19- أبو زكريّا يحيى بن معاذ الرّازي الواعظ
«13»
ترك الدنيا أنكاثا، ومرّ فيها عابر سبيل لا إمكاثا، فما حطّ عن قلاصه «1» ، ولا حلّ حباله لخلاصه، فلم يعلق لها بدنس، ولا خنس فيها نجمه ولا كنس «2» ، ولم نر محاطّ الرجال إلا على ذنابي الأفاعي، وزباني العقارب السواعي «3» ، فشدّ وانطلق، وردّ الغيث في طلق، فلم يتّخذ في هذه الدار مقيلا، ولا خال نفسه فيها مقيما ولا نزيلا.
وكان نسيج وحده في وقته، له لسان «4» في الرجاء خصوصا، وكلام في المعرفة. خرج إلى بلخ، فأقام بها مدة، ورجع إلى نيسابور «5» .
قال يحيى بن معاذ:" كيف يكون زاهدا من لا ورع له؟ تورّع عما ليس لك، ثم ازهد فيما لك". «6»
وقال:" جوع التوّابين تجربة، وجوع الزاهدين سياسة، وجوع الصّدّيقين تكرمة. «1»
وقال يحيى:" الفوت أشدّ من الموت، لأن الفوت انقطاع عن الحق، والموت انقطاع عن الخلق. «2»
وقال:" الزهد ثلاثة أشياء: القلّة، والخلوة، والجوع. «3»
وقال:" لا تربح على نفسك بشيء أجلّ من أن تشغلها في كل وقت بما هو أولى بها. «4»
وقيل:" إن يحيى بن معاذ تكلّم ببلخ في تفضيل الغنى على الفقر، فأعطي ثلاثين ألف درهم، فقال بعض المشايخ: لا بارك الله له في هذا المال؛ فخرج إلى نيسابور، فوقع عليه اللص، وأخذ ذلك المال منه. «5»
وقال أيضا:" من خان الله في السر، هتك الله ستره في العلانية. «6»
وقال:" تزكية الأشرار لك هجنة بك «7» ، وحبّهم لك عيب عليك، وهان [عليك] من احتاج إليك. «8»
وقال أبو بكر الخطيب: قدم يحيى بن معاذ بغداد، واجتمع إليه بها مشايخ الصوفية والنسّاك، ونصبوا له منصّة، وأقعدوه عليها، وقعدوا بين يديه يتحاورون، فتكلّم الجنيد، فقال له يحيى: اسكت يا خروف!، مالك وللكلام إذا تكلّم الناس؟. «9»
وكانت له إشارات وعبارات حسنة؛ فمن كلامه:
" الكلام الحسن حسن، وأحسن من الكلام معناه، وأحسن من معناه استعماله، وأحسن من استعماله ثوابه، وأحسن من ثوابه رضا من تعمل له. «1»
وقال:" حقيقة المحبة أن لا تزيد بالبر، ولا تنقص بالجفاء".
وكان يقول:" من لم يكن ظاهره مع العوام فضة، ومع المريدين ذهبا، ومع العارفين درّا، وياقوتا، فليس من حكماء الله المؤيّدين". «2»
وكان يقول:" أحسن شيء كلام صحيح من لسان فصيح، في وجه صبيح، كلام دقيق يستخرج من بحر عميق، على لسان رجل رفيق"«3»
وكان يقول:" إلهي! كيف أنساك وليس لي ربّ سواك؟.
" إلهي! لا أقول: لا أعود، لأني أعرف من نفسي نقض العهود، ولكني أقول: لا أعود، لعلّي أموت قبل أن أعود"«4» .
" اللهمّ! سترت عليّ ذنوبا في الدنيا، أنا إلى سترها في القيامة أحوج، وقد أحسنت بي إذ لم تظهرها بعصابة من المسلمين، فلا تفضحني في ذلك اليوم على رؤوس العالمين، يا أرحم الراحمين! "«5»
ودخل على علويّ ببلخ زائرا له، ومسلّما عليه، فقال له العلوي: أيّد الله الأستاذ، ما تقول فينا أهل البيت؟.
قال:" ما أقول في طين عجن بماء الوحي، وغرس بماء الرسالة، فهل يفوح منهما إلا مسك النّهى، وعنبر التقى؟. فحشا العلويّ فاه بالدّرّ.
ثم زاره من الغد، فقال يحيى: إن زرتنا فبفضلك، وإن زرناك فلفضلك، فلك الفضل زائرا ومزورا". «1»
ومن كلامه:" ما بعد طريق إلى صديق، ولا استوحش في طريق من سلك فيه إلى حبيب".
ومن كلامه:" مسكين ابن آدم!، لو خاف النار كما يخاف الفقر لدخل الجنة".
وقال:" ما صحّت إرادة أحد قط [فمات] حتى حنّ إلى الموت، واشتهاه اشتهاء الجائع إلى الطعام، لارتداف الآفات، واستيحاشه من الأهل والإخوان، ووقوعه فيما يتحيّر فيه صريح عقله".
وقال:" من لم ينظر في الدقيق من الورع لم يصل إلى الجليل من العطاء".
وقال:" ليكن حظّ المؤمن منك ثلاث خصال: إن لم تنفعه فلا تضرّه، وإن لم تسرّه فلا تغمّه، وإن لم تمدحه فلا تذمّه".
وقال:" عمل كالسراب، وقلب من التقوى خراب، وذنوب بعدد الرمل والتراب، ثم تطمع في الكواعب الأتراب، هيهات!!، هيهات!!، أنت سكران بغير شراب، ما أكملك لو بادرت أملك!، ما أجلّك لو بادرت أجلك!!، ما أقواك لو خالفت هواك!!. «2»
توفي- رضي الله عنه يوم الاثنين لست عشرة خلت من جمادى الأولى، سنة ثمان وخمسين ومائتين، بنيسابور، رحمه الله تعالى. «3»