الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأقبر فيها من مات قبلك من المسلمين، ولا تبعه بشىء، فكان أوّل رجل دفن فيها رجل من المعافر يقال له: عامر.
قالوا: والمقطّم ما بين القصير إلى مقطع الحجارة، وما بعد ذلك فمن اليحموم.
وقد اختلف فى القصير، فقال ابن لهيعة: ليس بقصير موسى النبىّ عليه السلام؛ ولكنّه موسى السّاحر.
وقال كعب الأحبار: هو قصير عزيز مصر، كان إذا جرى النيل يترفّع فيه. ويقال: بل كان موقدا يوقد فيه لفرعون إذا هو ركب من منف إلى عين شمس، وكان على المقطّم موفد آخر؛ فإذا رأوا النار علموا بركوبه، فأعدّوا له ما يريد، وكذلك إذا انصرف.
والله تعالى أعلم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ذكر خبر خليج أمير المؤمنين
وهذا [1] الخليج كانت السّفن تسير فيه من مصر إلى بحر القلزم، تحمل الطّعام والأصناف إلى مكّة والمدينة.
وكان من خبره على ما روى عن اللّيث بن سعد أنّ النّاس بالمدينة أصابهم جهد شديد فى خلافة عمر بن الخطّاب فى عام الرّمادة، فكتب إلى عمرو:
من عبد الله أمير المؤمنين، إلى العاصى ابن العاص.
سلام عليك، أمّا بعد؛ فلعمرى يا عمرو ما تبالى إذا شبعت
[1] فتوح مصر 162 وما بعدها.
أنت ومن معك أن أهلك أنا ومن معى، فيا غوثاه، ثم يا غوثاه! يردّد قوله.
فكتب إليه عمرو:
لعبد الله عمر أمير المؤمنين، من عمرو بن العاص.
أمّا بعد. فيا لبّيك ثمّ يا لبّيك، وقد بعثت إليك بعير أوّلها عندك وآخرها عندى، والسّلام عليك ورحمة الله.
وبعث إليه بعير عظيمة، فكان أوّلها بالمدينة، وآخرها بمصر يتبع بعضها بعضا، فلمّا قدمت على عمر وسّع بها على الناس، ودفع إلى أهل كلّ بيت بالمدينة وما حولها بعيرا بما عليه من الطّعام. وبعث عبد الرحمن بن عوف والزّبير بن العوّام وسعد بن أبى وقّاص أن يقسّموها على النّاس، ويدفعوا [1] إلى أهل كلّ بيت بعيرا بما عليه، وأن يأكلوا الطّعام، وينحروا البعير فيأكلوا لحمه، ويأتدموا شحمه، ويحتذوا جلده، وينتفعوا بالوعاء الذى كان فيه الطّعام لما أرادوا.
فوسّع الله بذلك على النّاس، فلمّا رأى ذلك عمر حمد الله، وكتب إلى عمرو أن يقدم عليه، هو وجماعة أهل مصر، فقدموا عليه.
فقال عمر: يا عمرو، إنّ الله تعالى قد فتح على المسلمين مصر، وهى كثيرة الخير والطّعام، وقد ألقى فى روعى لما أحببت من الرّفق بأهل الحرمين والتّوسعة عليهم [2] ، أن أحفر خليجا من نيل مصر حتّى يسيل فى البحر؛ فهو أسهل لما نريد من حمل الطّعام
[1] ك: «فدفعوا» .
[2]
يعدها فى ابن عبد الحكم «حين فتح الله عليهم مصر، وجعلها قوة لهم ولجميع المسلمين.»
إلى المدينة ومكّة، فإنّ حمله [على][1] الظّهر يتعذّر، ولا نبلغ منه ما نريد. فانطلق أنت وأصحابك، فتشاوروا فى ذلك حتّى يعتدل فيه رأيكم، فانطلق عمرو فأخبر من كان معه من أهل مصر، فثقل ذلك عليهم، وقالوا: نتخوّف أن يدخل فى هذا ضرر على مصر، فنرى أن تعظّم ذلك على أمير المؤمنين وتقول له: إنّ هذا الأمر لا يعتدل ولا يكون، ولا نجد إليه سبيلا.
فرجع عمرو بذلك إلى عمر، فلمّا رآه ضحك وقال: والّذى نفسى بيده لكأنىّ أنظر إليك يا عمرو، وإلى أصحابك حين أخبرتهم بما أمرت به، فثقل ذلك عليهم، وقالوا لك كذا وكذا، للّذى كان منهم. فقال: صدقت والله يا أمير المؤمنين، لقد كان الأمر على ما ذكرت.
فقال عمر: يا عمرو، انطلق بعزيمة منّى حتى تجدّ فى ذلك، ولا يأتى عليك الحول حتّى تفرغ منه إن شاء الله تعالى. فانصرف عمرو، ثمّ احتفر الخليج الّذى كان فى حاشية الفسطاط الّذى يقال له: خليج أمير المؤمنين، فساقه من النّيل إلى القلزم، فلم يأت الحول حتّى جرت فيه السّفن، فحمل فيه ما أراد من الطّعام إلى المدينة ومكّة، فنفع الله بذلك أهل الحرمين، وسمّى خليج أمير المؤمنين، ثمّ لم يزل يحمل فيه الطّعام إلى زمن عمر بن عبد العزيز، ثمّ ضيّعه الولاة بعد ذلك فترك وغلب عليه الرّمل، فانقطع، فصار منتهاه إلى ذنب التّمساح من ناحية طحا القلزم.
[1] من ص.
قال: ويقال: إنّ عمرو بن العاص قال لعمر بن الخطّاب.
لمّا قدم عليه: يا أمير المؤمنين، قد عرفت أنّه كانت تأتينا سفن فيها تجار من أهل مصر قبل الإسلام، فلمّا فتحنا مصر انقطع ذلك الخليج، واستدّ، وتركته التّجار؛ فإن شئت أن تحفره فننشىء به سفنا يحمل فيها الطعام إلى الحجاز فعلته. فقال له عمر: نعم، فافعل.
فلمّا ذكر عمرو ذلك لأصحابه كرهوه على ما تقدّم، فعزم عمر على عمرو أن يحفره فحفره.
ويقال: إنّ عمر بن الخطّاب رضى الله عنه لمّا كتب إلى عمرو بما كتب واستغاثه، كتب [عمرو] [1] إليه:
أمّا بعد، فيا لبّيك ثمّ يا لبّيك، أتتك [2] عير أوّلها عندك وآخرها عندى، مع أنّى أرجو أن أجد السّبيل إلى أن أحمل إليك فى البحر. ثم إنّ عمرا ندم على كتابه فى الحمل إلى المدينة، وقال: إن أمكنت عمر من هذا خرّب مصر ونقلها إلى المدينة، فكتب إليه:
إنّى نظرت فى أمر البحر، فإذا هو عسر لا يلتأم ولا يستطاع. فكتب إليه عمر: إلى العاصى بن العاص: قد بلغنى كتابك، تعتلّ فى الّذى كنت كتبت إلىّ به من أمر البحر، وايم الله لتفعلنّ أو لأقلعنّك بأذنك ولأبعثنّ من يفعل ذلك.
فعرف عمرو أنه الجدّ من عمر، ففعل، فبعث إليه عمر ألا تدع
[1] من ص.
[2]
ص: «جاءت» .