الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر وقعة جلولاء وفتح حلوان
كانت [1] وقعة جلولاء فى أول ذى القعدة سنة ستّ عشرة، بينها وبين المدائن تسعة أشهر، وسببها أنّ الفرس لمّا هربوا من المدائن انتهوا إلى جلولاء، فافترقت الطّرق بأهل أذربيجان والباب، وأهل الجبال وفارس، فقالوا: إن افترقتم لم تجتمعوا أبدا، وهذا مكان يفرّق بيننا، فهلمّوا فلنجتمع للعرب به، ولنقاتلهم فإن كانت لنا فهو الّذى نحبّ، وإن كانت الأخرى كنّا قد قضينا الّذى علينا، وأبلينا عذرا. فاجتمعوا واحتفروا خندقا، واجتمعوا فيه على مهران الرازىّ، وتقدّم يزدجرد إلى حلوان، فبلغ ذلك سعدا، فأرسل إلى عمر، فبعث إليه أن سرّح هاشم بن عتبة بن أبى وقّاص إلى جلولاء، واجعل على مقدّمته القعقاع بن عمرو، وإن هزم الله الفرس فاجعل القعقاع بين السّواد والجبل، وليكن الجند اثنى عشر ألفا. ففعل سعد ذلك.
وسار هاشم من المدائن فى وجوه المهاجرين والأنصار وأعلام العرب، فمرّ ببابل مهروذ، فصالحه دهقانها؛ على أن يفرش له جريب الأرض دراهم ففعل، ثم قدم جلولاء فحاصرهم فى خنادقهم، وأحاط بهم، وطاولهم الفرس وجعلوا لا يخرجون إلّا إذا أرادوا، وراجعهم المسلمون نحو ثمانين يوما، كلّ ذلك ينصر المسلمون
[1] تاريخ الطبرى 4: 24 وما بعدها ابن الأثير 2: 361 وما بعدها.
عليهم، وجعلت الأمداد ترد من يزدجرد إلى مهران، ومن سعد إلى المسلمين.
وخرج الفرس يوما فقاتلوا قتالا شديدا، وأرسل الله عليهم ريحا حتى أظلمت عليهم البلاد، فسقط فرسانهم فى الخندق، فجعلوا فيه طرقا تصعد منها خيلهم، ففسد الخندق، فنهض المسلمون واقتتلوا قتالا شديدا لم يقتتلوا مثله، ولا ليلة الهرير، إلّا أنّه كان أعجل.
وانتهى القعقاع من الوجه الذى زحف منه إلى باب الخندق، وأمر مناديا فنادى: يا معشر المسلمين، هذا أميركم قد دخل الخندق، فأقبلوا إليه، ولا يمنعكم من بينكم وبينه من دخوله، فحملوا وهم لا يشكّون أنّ هاشما فى الخندق، فإذا هم بالقعقاع، فانهزم الفرس يمنة ويسرة، واتّبعهم المسلمون، فلم يفلت منهم إلّا القليل، وقتل منهم يومئذ مائة ألف، فجلّلت القتلى المجال، وما بين يديه وما خلفه، فسميّت جلولاء بما جلّلها من قتلاهم [1] ، وسار القعقاع فى الطلب حتى بلغ خانقين، فأدرك مهران الرازىّ فقتله، وأدرك الفيرزان، فنزل وتوقّل [2] فى الجبل فنجا، وأصاب القعقاع سبايا فأرسلهنّ إلى هاشم فقسّمهنّ، فاستولدهنّ المسلمون، وممّن ينسب إلى ذلك السّبى أمّ الشّعبىّ.
قال: ولمّا بلغت الهزيمة يزدجرد سار من حلوان نحو الرّىّ، واستخلف على حلوان خسرشنوم [3] ، فلمّا وصل القعقاع قصر
[1] بعدها فى ابن الأثير: «فهى جلولاء الوقيعة» .
[2]
وقل فى الجبل: صعد، كتوقل.
[3]
ابن الأثير: «خسر سنوم» .
شيرين خرج إليه خسرشنوم، وقدم إليه الزّينبىّ دهقان حلوان، فقتله القعقاع، وهرب خسرشنوم، واستولى المسلمون على حلوان، وكان فتحها فى ذى القعدة، وبقى القعقاع بها إلى أن تحوّل سعد إلى الكوفة، فلحقه، واستخلف على حلوان قباذ، وكان أصله خراسانيّا، وكتبوا إلى عمر بالفتح، واستأذنوه فى العبور فأبى، وقال:
لوددت أنّ بين السّواد والجبل سدّا لا يخلصون إلينا ولا نخلص إليهم، حسبنا من الرّيف السّواد، إنّى آثرت سلامة المسلمين [على الأنفال][1] .
قال: وجمعت الغنائم وقسّمت بعد الخمس، فأصاب كلّ فارس تسعة آلاف، وتسعة من الدّوابّ، وقسّم الفىء على ثلاثين ألفا.
وقيل: إنّ الغنيمة كانت ثلاثين ألف ألف، وبعث سعد بالخمس إلى عمر، وهو ستّة آلاف ألف، وبعث الحساب مع زياد بن أبيه، فكلّمه عمر فيما جاء له، فوصفه له، فقال له عمر: هل تستطيع أن تقوم فى النّاس بمثل ما كلّمتنى؟ فقال: والله ما على الأرض شخص أهيب فى صدرى منك، فكيف لا أقوى على هذا مع غيرك! فقام فى النّاس فتكلّم بما أصابوا وبما صنعوا، وبما يستأنفون من من الانسياح فى البلاد.
فقال عمر: هذا الخطيب المصقع، فقال: إنّ جندنا [بالفعال][1] أطلقوا ألسنتنا.
[1] من ابن الأثير.
قال: ولمّا قدم الخمس على عمر قال: والله لا يجنّه سقف حتى أقسمه، فبات عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن الأرقم يحرسانه فى المسجد، فلمّا أصبح عمر جاء فى النّاس فكشف عنه، فلمّا جاء ونظر إلى ياقوته وزبرجده وجوهره بكى، فقال عبد الرحمن ابن عوف: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ فو الله انّ هذا لموطن شكر.
فقال عمر: [والله ما ذاك يبكينى، وبالله][1] ما أعطى الله هذا قوما إلّا تحاسدوا وتباغضوا، ولا تحاسدوا إلّا ألقى الله بأسهم بينهم.
ومنع عمر رضى الله عنه من قسمة السّواد لتعذّر ذلك بسبب الآجام والغياض، ومفيض [2] المياه، وما كان لبيوت النّار، ولسكك البرد، وما كان لكسرى ومن معه، وخاف الفتنة بين المسلمين فلم يقسّمه، ومنع من بيعه، فلا يحلّ بيع شىء من أرض السّواد ما بين حلوان والقادسيّة.
قال: واشترى جرير أرضا على شاطىء الفرات، فردّ عمر ذلك الشراء وكرهه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
[1] من ابن الأثير.
[2]
ابن الأثير: «وتبعيض المياه» .