الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ثلاثين
ذكر عزل الوليد بن عقبة عن الكوفة وولاية سعيد بن العاص
فى هذه السنة [1] ، عزل عثمان رضى الله عنه الوليد بن عقبة عن الكوفة، واستعمل عليها سعيد بن العاص، وكان سبب عزله أنّ أهل الكوفة نسبوه أنّه يشرب الخمر، وذكروا ذلك لعثمان، فاستدعاه وطلب من ذكر ذلك عنه، فقال: أتشهدون أنّه يشرب الخمر؟ فقالوا لا، قال فكيف قلتم عنه إنّه شربها؟ فقالوا اعتصرناها من لحيته، وهو يقئ الخمر، فأمر بجلده، فجلده عبد الله بن جعفر بن أبى طالب أربعين.
وقيل: إنّ الوليد مكر وصلّى بأهل الصّبح أربعا، ثم التفت إليهم وقال: أأزيدكم؟ فقال ابن مسعود: ما زلنا [معك [2]] فى زيادة منذ اليوم، فقال الحطيئة:
شهد الحطيئة يوم يلقى ربّه
…
أنّ الوليد أحقّ بالعذر [3]
نادى وقد تمّت صلاتهم
…
أأزيدكم؟ سكرا وما يدرى [4]
فأبوا أبا وهب ولو أذنوا
…
لقرنت بين الشّفع والوتر
وقال أيضا:
تكلّم فى الصّلاة وزاد فيها
…
علانية وجاهر بالنّفاق [1]
ومجّ الخمر فى سنن المصلّى
…
ونادى والجميع إلى افتراق
أزيدكم على أن تحمدونى
…
فما لكم وما لى من خلاق!
قالوا: ولمّا استعمل سعيد بن العاص، قال بعض شعرائهم:
فررت من الوليد إلى سعيد
…
كأهل الحجر إذ جزعوا فباروا [1]
يلينا من قريش كلّ يوم
…
أمير محدث أو مستشار
لنا نار نخوّفها فنخشى
…
وليس لهم ولا يخشون نار
قال: واستعمل عثمان سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أميّة وهو والد عمرو بن سعيد الأشدق، فسار إلى الكوفة ومعه من كان فد شخص من أهل الكوفة مع الوليد، فلمّا وصلها صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: والله لقد بعثت إليكم وإنى لكارة؛ ولكنّى لم أجد بدّا إذ أمرت أن أأتمر. ألا إنّ الفتنة قد أطلعت خطمها وعينيها، وو الله لأضربنّ وجهها حتّى أقمعها أو تعيينى، وإنّى لرائد نفسى اليوم. ونزل.
وسأل عن أهل الكوفة، فعرف حال أهلها، فكتب إلى عثمان:
إنّ أهل الكوفة قد اضطرب أمرهم، وغلب أهل الشرف منهم والبيوتات والسابقة، والغالب على تلك البلاد روادف قدمت، وأعراب لحقت حتى لا ينظر إلى ذى شرف ولا بلاء من نازلتها ولا نابتتها.
فكتب إليه عثمان: أمّا بعد، ففضّل أهل السّابقة والقدمة،
[1] الاستيعاب 1555.
ممّن فتح الله عليه تلك البلاد؛ وليكن من نزلها غيرهم تبعا لهم إلّا أن يكونوا تثاقلوا عن الحق، وتركوا القيام به، وقام به هؤلاء. واحفظ لكلّ منزلته، وأعطهم جميعا بقسطهم من الحقّ، فإنّ المعرفة بالناس بها يصاب العدل.
فأرسل سعيد إلى أهل الأيام والقادسيّة، فقال: أنتم وجوه النّاس، والوجه ينبى عن الجسد، فأبلغونا حاجة ذى الحاجة.
وأدخل معهم من يحتمل من اللّواحق والرّوادف، وجعل القرّاء فى سمره، ففشت القالة فى أهل الكوفة.
فكتب سعيد إلى عثمان بذلك، فجمع النّاس وأخبرهم بما كتب، فقالوا له: أصبت لا تطمعهم، هم ليسوا له بأهل؛ فإنّه إذا نهض فى الأمور من ليس لها بأهل لها لم يحتملها وأفسدها.
فقال عثمان: يا أهل المدينة، استعدّوا واستمسكوا، فقد دبّت إليكم الفتن. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصّواب، وإليه المرجع والمآب.