الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله تعالى: ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا
. [1]
ولنبدأ من أخباره رضى الله عنه بذكر شىء من فضائله، والله المستعان، وعليه التّكلان.
ذكر نبذة من فضائل أبى بكر الصديق ومآثره فى الجاهلية والإسلام
كان رضى الله عنه فى الجاهلية وجيها، رئيسا من رؤساء قريش، وإليه كانت الأشناق فى الجاهلية- والأشناق الدّيات- فكان إذ حمل شيئا قالت فيه قريش: صدّقوه، وامضوا حمالته [2] وحمالة من قام معه أبو بكر، وإن احتملها غيره خذلوه ولم يصدّقوه.
وكان رضى الله عنه ممّن حرّم الخمر على نفسه، وتنزّه عنها فى الجاهليّة، وكانت أشراف قريش تختلف إليه وتزوره، وتستشيره وتقتدى برأيه، وتتربص فى الأمور المعضلة إذا غاب إلى أن يقدم، ويدلّ على ذلك ما قدّمناه فى أوائل السّيرة النبويّة من خبره مع الشيخ الكبير الأزدىّ فى سفره إلى اليمن، وما بشّره الأزدىّ به من مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنّه يعاونه على أمره، وأنّ أبا بكر رضى الله عنه لمّا رجع إلى مكّة، جاءه شيبة بن ربيعة وأبو جهل ابن هشام وأبو البخترىّ، وعقبة بن أبى معيط، ورجالات قريش
[1] سورة التوبة 40.
[2]
الحمالة بالفتح: الدية يحملها قوم عن غيرهم.
مسلمين عليه. وقولهم له: حدث أمر عظيم؛ هذا محمد بن عبد الله يزعم أنه نبىّ أرسله الله إلى الناس، ولولا أنت ما انتظرنا به؛ فإذ جئت فأنت النّهية [1] ، وقد تقدم ذكر هذه القصة فى المبشرات برسول الله صلى الله عليه وسلم [2] .
ومثل ذلك لا ينتظر به إلا من لا يمكن أن يقطع الأمر دونه.
وفى هذا أقوى دلالة على فضله وشرفه، ومكانته لديهم. وكان أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بما فيها من خير وشر.
وأما فضائله رضى الله عنه ومناقبه فى الإسلام فكثيرة جدا، قد أبانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بفضائل ومناقب، وخصّه بمزايا لم يخصّ بها غيره، وذكره فى مواطن لم يذكر فيها سواه.
وقد تقدم من ذلك جملة فى أثناء السيرة النبوية فنشير الآن إليها، ونذكر ما سواها ممّا تقف عليه إن شاء الله تعالى.
فمن فضائله التى تقدم ذكرها سابقته فى الإسلام، وأنّه رضوان الله عليه أول من أسلم من الذكور، وأول من صلّى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روى أبو عمر بن عبد البرّ بسنده إلى الشعبىّ، قال: سألت ابن عباس- أو سئل ابن عباس رضى الله عنهما: أىّ الناس كان أوّل إسلاما؟ فقال: أما سمعت قول حسان بن ثابت:
إذا تذكّرت شجوا من أخى ثقة
…
فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا [1]
خير البرية، أتقاها وأعدلها [2]
…
بعد النبىّ، وأوفاها بما حملا
الثانى التالى المحمود مشهده [3]
…
وأوّل الناس حقّا صدّق الرّسلا [4]
ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لحسان بن ثابت:
هل قلت فى أبى بكر شيئا؟ قال: نعم؛ وأنشده هذه الأبيات، وفيها بيت رابع، وهو:
وثانى اثنين فى الغار المنيف وقد
…
طاف العدوّ به إذ صعّدوا الجبلا
فسرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:«أحسنت يا حسان» .
وروى أنّ فيها بيتا خامسا، وهو:
وكان حبّ رسول الله إذ علموا [5]
…
خير البرية لم يعدل به رجلا [6]
ومما يؤيد أنه رضوان الله عليه أول من أسلم ما رواه الجريرىّ، عن أبى نضرة، قال: قال أبو بكر لعلىّ رضى الله عنهما:
أنا أسلمت قبلك
…
، فى حديث ذكره، فلم ينكر عليه.
ومن ذلك أنه رضى الله عنه فدى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه.
روى عن أسماء بنت أبى بكر الصديق رضى الله عنهما: أنها قالت، وقد قيل لها: ما أشدّ ما رأيت المشركين بلغوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كان المشركون قعودا فى المسجد الحرام، فتذكّروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يقول فى آلهتهم، فبينما هم كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم،
[1] ديوانه 299.
[2]
الديوان: «أتقاها وأرأفها» .
[3]
الديوان: «المحمود شيمته» .
[4]
الديوان: «وأول الناس طرا» .
[5]
الديوان: «قد علموا» .
[6]
الاستيعاب 3: 963- 965.
فقاموا إليه، وكانوا إذا سألوه عن شىء صدقهم، فقالوا: ألست تقول فى آلهتنا كذا وكذا؟ قال: بلى، قال: فتشبّثوا به بأجمعهم، فأتى الصّريخ إلى أبى بكر، فقيل له: أدرك صاحبك، فخرج أبو بكر حتى دخل المسجد، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس مجتمعون عليه، فقال: ويلكم! أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ
[1]
! فلهوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبلوا يضربونه. قالت: فرجع إلينا فجعل لا يمسّ شيئا من غدائره إلا جاء معه وهو يقول: تباركت يا ذا الجلال والإكرام.
ومنها، أنه رضى الله عنه أنفق على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يملكه، طيّبة بذلك نفسه.
روى عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: أسلم أبو بكر وله أربعون ألفا، أنفقها كلّها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفى سبيل الله.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نفعنى مال مثل ما نفعنى مال أبى بكر»
. ومن رواية أخرى عنه قال: أسلم أبو بكر يوم أسلم وله أربعون ألف دينار، وأعتق سبعة كلّهم يعذّب فى الله، أعتق بلالا، وعامر ابن فهيرة، وزنّيرة، والنّهدية [2] وابنتها، وجارية بنى نوفل، وأم عبيس. وقد تقدّم خبرهم فى السيرة النبوية.
ومنها، أنه رضى الله عنه أسلم على يديه بدعائه نصف العشرة
[1] سورة غافر 28.
[2]
ص: «والهدية» .
المشهود لهم بالجنة، وهم: الزّبير بن العوّام، وعثمان بن عفّان، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبى وقّاص، رضوان الله عليهم أجمعين.
وأسلم أبواه، وصحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسلم بنوه كلّهم، وصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأبوه أبو قحافة، وابنه عبد الرحمن بن أبى بكر، وابن ابنه محمد ابن عبد الرحمن، وليست هذه المنقبة لأحد من الصحابة غيره.
ومن ذلك أنه رضى الله عنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الغار، ورفيقه فى هجرته، وناهيك بهما! وسمّاه عز وجل فى كتابه:«صاحبه» . فقال تعالى: إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا
[1]
.
روى عن على بن أبى طالب رضى الله عنه، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج أبو بكر معه؛ لم يأمن على نفسه غيره حتى دخلا الغار.
وعن حبيب بن أبى ثابت فى قوله تعالى: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ
[2]
. قال: على أبى بكر؛ فأمّا النبىّ صلى الله عليه وسلم فقد كانت عليه السّكينة.
وعن أبى هريرة رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبى بكر: «أنت صاحبى على الحوض، وصاحبى فى الغار»
. وعن سفيان بن عيينة، قال: عاتب الله عز وجل المسلمين
[1] سورة التوبة 40.
كلّهم فى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلّا أبا بكر، فإنه خرج من المعاتبة، قال الله تعالى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ.
ومن فضائله ومزاياه رضى الله عنه، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمه للصّلاة [1] بالمسلمين فى حياته، وأمر بسدّ الأبواب الشارعة إلى المسجد، إلّا باب أبى بكر، وقد تقدّم ذلك [2] .
ومنها ما
روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال:«رأيت فى المنام أنّى وزنت بأمّتى فرجحت، ثم وزن أبو بكر فرجح، ثمّ وزن عمر فرجح»
. وهذا دليل على أنه رضوان الله عليه أرجح من الأمة أكثر من مرتين، فإنه رجح الأمة، وعمر رضى الله عنه فيهم، ورجح عمر الأمة. ورؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم حقّ لا محالة.
وروى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال: ما سابقت أبا بكر إلى خير قطّ. إلّا سبقنى إليه؛ ولوددت أنى شعرة فى صدر أبى بكر.
وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما، أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم أمر بالصدقة، قال عمر بن الخطاب وكان عندى مال كثير.
فقلت: والله لأفضلنّ أبا بكر هذه المرّة، فأخذت نصف مالى وتركت نصفه، فأتيت به النبىّ صلى الله عليه وسلم، فقال:«هذا مال كثير، فما تركت لأهلك» ؟ قال: تركت لهم نصفه؛ وجاء أبو بكر بمال كثير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما تركت لأهلك» ؟ قال: تركت لهم الله ورسوله.
[1] ص: «فى الصلاة» .
[2]
ص: «ذكر ذلك» .
وفى رواية: قلت: لا أسابقك إلى شىء أبدا.
وعن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما فى قوله عز وجل: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى
[1]
؛ نزلت فى أبى بكر الصديق رضى الله عنه.
وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما، قال: كنت عند النبىّ صلى الله عليه وسلم، وعنده أبو بكر الصديق، وعليه عباءة قد خلّها [2] فى صدره بخلال، فنزل عليه جبريل، فقال: يا محمد، مالى أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلّها فى صدره بخلال! فقال:«يا جبريل، أنفق ماله علىّ قبل الفتح» ، قال: فإنّ الله عز وجل يقرأ عليك السّلام، ويقول: قل له: أراض أنت علىّ فى فقرك هذا، أم ساخط؟
فقال أبو بكر: أسخط على ربّى! أنا عن ربّى راض، أنا عن ربى راض، أنا عن ربى راض.
وعن ابن عبّاس رضى الله عنهما، عن النبىّ صلى الله عليه وسلم، قال: هبط علىّ جبريل وعليه طنفسة، وهو متخلّل بها، فقلت:
يا جبريل، لم نزلت إلىّ فى مثل هذا الزّىّ [3] ؟ قال إنّ الله أمر الملائكة أن تتخلّل فى السماء كتخلل أبى بكر فى الأرض.
وعن أبى هريرة رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبح منكم صائما اليوم؟» قال أبو بكر رضى الله عنه: أنا، قال:«من أطعم اليوم مسكينا؟» قال أبو بكر: أنا،
[1] سورة الليل 5، 6.
[2]
خلها فى صدره، يريد ربطها فى صدره.
[3]
ك: «الرى» تحريف.
قال: «من عاد اليوم مريضا؟» قال أبو بكر: أنا، فقال:«من شهد اليوم منكم جنازة؟» [فقال أبو بكر: أنا][1]، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما اجتمعت هذه الخصال فى رجل قطّ إلّا دخل الجنة»
. وعن ابن أبى أوفى، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل على أبى بكر وقال:«إنى لأعرف اسم رجل واسم أبيه، واسم أمّه؛ إذا دخل الجنّة لم تبق غرفة من غرفها، ولا شرفة من شرفها إلا قال: مرحبا مرحبا!» ، فقال سلمان: إن هذا لغير خائب» : فقال: «ذاك أبو بكر بن أبى قحافة»
. وعن سلمان بن يسار، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبو بكر وعمر خير الأرض إلّا أن يكون نبيا»
. قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الخير ثلاثمائة وستون خصلة، إذا أراد الله بعبد خيرا جعل فيه واحدة منهنّ يدخل بها الجنة» ، قال: فقال أبو بكر: يا رسول الله، هل فىّ شىء منهنّ؟ قال:«نعم، جميعا من كلّ»
. وعن أبى هريرة رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتانى جبريل فأخذ بيدى، فأرانى باب الجنّة الذى تدخل منه [2] أمّتى، فقال أبو بكر: وددت أنى كنت معك حتى أنظر إليه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنك يا أبا بكر أوّل من يدخل الجنّة من أمّتى»
. وعن أبى أمامة قال: استطال أبو بكر ذات يوم على عمر، فقام
[1] تكملة من ص
[2]
ص: عنه.
عمر مغضبا، فقام أبو بكر فأخذ بطرف ثوبه، فجعل يقول: ارض عنى، اعف عنّى، عفا الله عنك! حتى دخل عمر الدّار وأغلق الباب دون أبى بكر ولم يكلّمه؛ فبلغ ذلك النبىّ صلى الله عليه وسلم فغضب لأبى بكر، فلمّا صلّى الظهر جاء عمر، فجلس بين يديه، فصرف النبىّ صلى الله عليه وسلم وجهه عنه، فتحوّل يمينا فصرف وجهه عنه، فلمّا رأى ذلك ارتعد وبكى، ثم قال: يا رسول الله، قد أرى إعراضك عنى، وقد علمت أنك لم تفعل هذا إلّا لأمر قد بلغك عنى، موجدة علىّ فى نفسك [1] ، وما خير حياتى وأنت علىّ ساخط، وفى نفسك علىّ شىء! فقال:«أنت القائل لأبى بكر كذا وكذا، ثم يعتذر إليك فلا تقبل منه!» ثم قام النبىّ صلى الله عليه وسلم، فقال: «إنّ الله عز وجل بعثنى إليكم جميعا، فقلتم:
كذبت، وقال صاحبى: صدقت؛ فهل أنتم تاركون لى صاحبى! فهل أنتم تاركون لى صاحبى! فهل أنتم تاركون لى صاحبى!» ثلاثا.
فقام عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله، رضيت بالله ربّا.
وبالإسلام دينا، وبمحمّد نبيا. فقام أبو بكر فقال: والله لأنا بدأته، ولأنا كنت أظلم، فأقبل عمر على أبى بكر فقال: ارض عنى رضى الله عنك، فقال أبو بكر: يغفر الله لك! فذهب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبه.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد هممت أن أبعث رجالا من أصحابى إلى ملوك الأرض يدعونهم إلى الإسلام كما بعث عيسى بن مريم الحواريّين» .
[1] كذا فى ص وفى ك: «نفسى» .
قالوا: يا رسول الله، أفلا تبعث أبا بكر وعمر فهما أبلغ! فقال:«لا غنى لى عنهما؛ إنما منزلتهما من الدّين منزلة السمع والبصر من الجسد»
. وعن أبى أروى الدّوسىّ، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا، فطلع أبو بكر وعمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الحمد لله الذى أيّدنى بكما»
. وعن علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبى بكر: «يا أبا بكر، إنّ الله أعطانى ثواب من آمن بى منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة، وإن الله أعطاك يأبا بكر ثواب من آمن بى منذ بعثنى إلى يوم تقوم الساعة»
وعن أبى سعيد الخدرىّ رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لى وزيران من أهل السماء: جبريل وميكائيل، ووزيران من أهل الأرض: أبو بكر وعمر»
. وعن ابن عبّاس رضى الله عنهما: أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال لأبى بكر [وعمر][1] : «ألا أخبر كما بمثلكما من الملائكة، ومثلكما فى الأنبياء؟ أمّا مثلك أنت يا أبا بكر فى الملائكة فمثل ميكائيل، ينزل بالرحمة، ومثلك أيضا فى الأنبياء كمثل إبراهيم إذ كذّبه قومه، وصنعوا به ما صنعوا، فقال: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
[2]
. ومثلك يا عمر فى الملائكة كمثل جبريل، ينزل بالبأس والشدّة والنّقمة على أعداء الله؛ ومثلك فى الأنبياء كمثل نوح إذ قال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً
[3]
[2] تكملة من ص.
[1]
سورة إبراهيم 36.
[3]
سورة نوح 26.
وعن عمّار بن ياسر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتانى جبريل آنفا، فقلت له: يا جبريل، حدّثنى بفضائل عمر ابن الخطاب فى السماء. فقال: يا محمد، لو حدّثتك بفضائل عمر بن الخطاب فى السّماء مثل ما لبث نوح فى قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ما نفدت فضائل عمر، وإنّ عمر حسنة من حسنات أبى بكر»
. وعن أبى هريرة رضى الله عنه، قال: هبط جبريل على النبىّ صلى الله عليه وسلم فوقف ثلاثا يناجيه؛ فمرّ أبو بكر الصديق فقال جبريل: يا محمّد، هذا ابن أبى قحافة؛ قال: يا جبريل، وتعرفونه فى السماء؟ قال: إى والذى بعثك بالحقّ؛ لهو أشهر فى السماء منه فى الأرض، وإن اسمه فى السماء للحليم» .
وعن ابن عمر رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه سلم: «لو وزن إيمان أبى بكر بإيمان أهل الأرض لرجح»
. وعن عبد الرحمن بن أبى بكر؛ أنّه كان يوم بدر مع المشركين، فلمّا أسلم قال لأبيه: لقد اهتدفت [1] لى يوم بدر، فصرفت، عنك ولم أقتلك؛ فقال أبو بكر: لكنّك لو اهتدفت لى لم أنصرف [2] عنك.
وعن ابن غنم، أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال لأبى بكر، وعمر:«لو اجتمعتما فى مشورة ما خالفتكما»
. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أتانى جبريل فقال: يا محمّد، إنّ الله يأمرك أن تستشير أبا بكر» .
[1] ك: «اهتديت» .
[2]
ص: «أصرف» .
وعن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المسجد ومعه المهاجرون والأنصار، ما أحد منهم يرفع رأسه من حبوته إلا أبو بكر وعمر، فإنّه كان يبتسم إليهما ويبتسمان إليه.
وعن الزّبير بن العوّام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك: «اللهمّ بارك لأمّتى فى أصحابى، فلا تسلبهم البركة، وبارك لأصحابى فى أبى بكر، فلا تسلبه البركة، واجمعهم عليه، ولا تشتّت أمره؛ فإنه لم يزل يؤثر أمرك على أمره. اللهم أعن عمر ابن الخطاب، وصبّر عثمان بن عفّان، ووفّق علىّ بن أبى طالب، وثبّت الزبير، واغفر لطلحة، وسلّم سعدا، ووقّر عبد الرحمن، وألحق بى [1] السّابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان.
وقيل: لمّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجّة الوداع صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:«يأيّها الناس، إنّ أبا بكر لم يسؤنى قطّ، فاعرفوا ذلك له. يأيّها الناس، إنّى راض عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلىّ بن أبى طالب، وطلحة ابن عبيد الله والزّبير بن العوام وسعد بن مالك وعبد الرحمن ابن عوف والمهاجرين الأولين، فاعرفوا ذلك لهم. يأيّها الناس، إنّ الله قد غفر لأهل بدر والحديبية. يأيّها الناس، احفظونى فى أحبابى وأصهارى وفى أصحابى، لا يطلبنّكم الله بمظلمة أحد منهم، فإنها ليست فيما يوهب. يأيّها النّاس، ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين، إذا مات الرجل، فلا تقولوا فيه إلا خيرا»
، ثم نزل صلى الله عليه وسلم.
[1] ك: «فى» تحريف.
وعن عمرو بن العاص، أنّه أتى النبىّ صلى الله عليه وسلم، فقال: أىّ الناس أحب إليك يا رسول الله؟ قال: عائشة، قال: من الرجال، قال: أبوها. قال: ثم من؟ قال: عمر
. وعن عبد الله بن أبى أوفى، قال: كنّا مع النبىّ صلى الله عليه وسلم، فقال:«إنّى مشتاق إلى إخوانى» ، فقلنا: أو لسنا إخوانك يا رسول الله! قال: «كلّا، أنتم أصحابى وإخوانى» ، فجاء أبو بكر الصديق، فقال عمر: إنه قال: «إنى لمشتاق إلى إخوانى، فقلنا:
ألسنا إخوانك؟ فقال: لا، إخوانى قوم يؤمنون بى ولم يرونى.
فقال النبى صلى الله عليه وسلم: «ألا تحبّ قوما بلغهم أنّك تحبنى فأحبوك لحبّك إياى، فأحبهم الله» !
وعنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم متّكئا على علىّ، وإذا أبو بكر وعمر قد أقبلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
. وعن أنس بن مالك رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حبّ أبى بكر وشكره واجب على أمتى»
. وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حبّ أبى بكر وعمر إيمان، وبغضهما كفر»
. وعن ابن عمر رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لمّا ولد أبو بكر الصّديق أقبل الله تعالى على جنّة عدن، فقال: وعزّتى وجلالى لا أدخلك إلّا من يحبّ هذا المولود»
- يعنى أبا بكر.
وعن أبى هريرة رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ فى السماء الدنيا ثمانين ألف ملك يستغفرون الله تعالى لمن أحبّ أبا بكر وعمر؛ وفى السماء الثانية ثمانين ألف ملك يلعنون من أبغض أبا بكر وعمر»
وعن ابن عمر رضى الله عنهما، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد بين أبى بكر وعمر، وهو معتمد عليهما، فقال:
. وعن عائشة رضى الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوّل من يعطى كتابه من هذه الأمّة أبو بكر؛ الناس كلهم يحاسبون إلا أبا بكر»
. وعن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تأتى الملائكة بأبى بكر الصديق مع النبيّين والصّدّيقين تزفّه إلى الجنة زفّا»
. وعن ثابت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوّل من يعطى كتابه من هذه الأمّة عمر بن الخطاب، وله شعاع كشعاع الشمس» فقيل له: فأين أبو بكر يا رسول الله؟ قال: «هيهات! زفّته الملائكة إلى الجنة»
. وعن أنس بن مالك رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كأنّى بك يا أبا بكر على باب الجنّة تشفع لأمّتى»
. وعن ابن عباس رضى الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد من تحت العرش: