الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى مكة معتمرا، ومرّ بجنبات المدينة. فقيل لأبى بكر هذا:
طليحة، فقال: ما أصنع به؟ خلّوا عنه، فقد هداه الله للإسلام.
فمضى نحو مكة، فقضى عمرته، ثم أتى عمر بن الخطاب رضى الله عنه للبيعة حين استخلف: فقال له عمر: أنت قاتل عكّاشة وثابت! والله لا أحبّك أبدا؛ فقال: يا أمير المؤمنين ما تنقم من رجلين أكرمهما الله بيدىّ، ولم يهنّى بأيديهما! فبايعه عمر ورجع إلى دار قومه فأقام حتى خرج إلى العراق.
ذكر خبر تميمم وأمر سجاح ابنة الحارث بن سويد
كان [1] من خبر بنى تميم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته فرّق عمّاله فيهم، فكان الزّبرقان بن بدر على الرّباب وعوف والأبناء؛ وكان سهم بن منجاب وقيس بن عاصم على مقاعس والبطون، وصفوان بن صفوان وسبرة بن عمرو على بنى عمرو، هذا على بهدى، وهذا على خضّم (قبيلتين من بنى تميم) ، ووكيع بن مالك ومالك بن نويرة على بنى حنظلة، هذا على بنى مالك، وهذا على بنى يربوع.
فأمّا صفوان فإنّه لما أتاه الخبر بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب إلى أبى بكر الصّديق رضى الله عنه بصدقات بنى عمرو وما ولى منها وبما ولى سبرة، وأقام سبرة فى قومه لحدث إن ناب.
وأمّا قيس بن عاصم فإنه قسّم ما وليه من الصّدقات فى مقاعس والبطون؛ وإنّما فعل ذلك مخالفة للزّبرقان.
[1] تاريخ الطبرى 3: 267 وما بعدها.
وأمّا الزبرقان فإنّه أتبع صفوان بالصّدقات التى أخذها ممّن كانت تليه، وقدم بها إلى المدينة على أبى بكر وهو يقول ويعرّض بقيس بن عاصم:
وفيت بأذواد الرّسول وقد أبت
…
سعاة فلم يردد بعيرا مجيرها
ثم ندم قيس بن عاصم على ما كان منه، فلما أظلّه العلاء بن الحضرمىّ تلقّاه بالصّدقة، وخرج معه؛ وقال فى ذلك:
أبلغا عنّى قريشا رسالة
…
إذا ما أتتها بيّنات الودائع
قال: وتشاغل الناس فى تلك الحال بعضهم ببعض، ونشب الشّرّ، فتشاغلت عوف والأبناء بالبطون والرّباب بمقاعس، وتشاغلت عمرو وخضّم بمالك وبهدى بيربوع؛ فبينا الناس فى بلاد تميم على ذلك قد شغل بعضهم بعضا، فمسلمهم بإزاء من قدّم رجلا وأخّر أخرى، وتربّص وارتاب؛ إذ فجئتهم سجاح ابنة الحارث، قد أقبلت من الجزيرة؛ وكانت ورهطها فى بنى تغلب، فأتت تقود أفناء ربيعة، معها الهذيل بن عمران فى بنى تغلب، وعقّة بن هلان فى النّمر، وزياد بن فلان فى إياد، والسّليل بن قيس فى بنى شيبان، فأتاهم أمر دهىّ؛ هو أعظم مما فيه الناس؛ لهجومها عليهم، ولما هم فيه من اختلاف الكلمة والتشاغل بما بينهم. وكانت سجاح ابنة الحارث ابن سويد بن عقفان هى وبنو أبيها بنو عقفان فى بنى تغلب، فاستجاب لها الهذيل، وترك النّصرانية، فراسلت مالك بن نويرة ودعته إلى الموادعة، فأجابها وحملها على أحياء بنى تميم، فقالت: نعم
فشأنك بمن رأيت، فإنما أنا امرأة من بنى يربوع، فإن كان ملك فالملك ملككم. وأرسلت إلى بنى مالك وحنظلة تدعوهم إلى الموادعة.
فخرج عطارد بن حاجب، وسروات بنى مالك، حتى نزلوا فى بنى العنبر على سبرة بن عمرو هرّابا، وخرج أشباههم من بنى يربوع حتى نزلوا على الحصين بن نيار فى بنى مازن، وقد كرهوا ما صنع مالك، فلما جاءت رسلها إلى بنى مالك تطلب الموادعة أجابها إلى ذلك وكيع بن مالك، فاجتمع وكيع ومالك بن نويرة وسجاح، وقد وادع بعضهم بعضا، واجتمعوا على قتال الناس، وقالوا: بمن نبدأ؟ بخضّم أم ببهدى، أم بعوف والأبناء، أم بالرّباب؟ وكفّوا عن قيس بن عاصم لما رأوا من تردّده وطمعوا فيه. فقالت سجاح:
«أعدّوا الركاب، واستعدّوا للنّهاب، ثم أغيروا على الرّباب، فليس دونهم حجابّ» ، وصمدت سجاح للأحفار حتى تنزل بها، وقالت لهم:«إنّ الدّهناء حجاز بنى تميم، ولن تعدو الرّباب، إذا شدّها المصاب، أن تكون بالدّجانى والدّهانى، فلينزلها بعضكم» .
فتوجّه مالك بن نويرة إلى الدّجانى فنزلها، وسمعت بهذا الرّباب، فاجتمعوا لها: ضبّتها وعبد مناتها، فولى وكيع وبشر بنى بكر بن ضبّة، وولى ثعلبة بن سعد عقّة، وولى عبد مناة الهذيل، فالتقى وكيع وبشر وبنو بكر من بنى ضبّة فهزما، وأسر سماعة ووكيع وقعقاع، وقتلت قتلى كثيرة، فاجتمع بعد ذلك رؤساء أهل الجزيرة، وقالوا لسجاح: ماذا تأمريننا؛ فقد صالح مالك ووكيع قومهما فلا ينصروننا؟ فقالت: اليمامة؛ فقالوا: إنّ شوكة أهل اليمامة شديدة، وقد غلظ أمر مسيلمة فقالت: «عليكم باليمامة، ودفّوا
دفيف الحمامة [1] ، فإنها غزوة صرّامة، ولا يلحقكم بعدها ملامة» ، فنهدت [2] لبنى حنيفة، وبلغ ذلك مسيلمة فهابها، وخاف إن هو شغل بها أن يدهمه شرحبيل بن حسنة والقبائل، فأهدى لها، ثم أرسل إليها يستأمنها على نفسه حتى يأتيها.
فأنزلت الجنود على الأمواه له وأمّنته، فجاءها فى أربعين من بنى حنيفة. وكانت سجاح راسخة فى النّصرانية، قد علمت من علم نصارى تغلب، فقال لها مسيلمة: لنا نصف الأرض، وكان لقريش نصفها لو عدلت، وقد ردّ الله عليك النصف الذى ردّت قريش، فحباك [3] به، وكان لها لو قبلت؛ فقالت:«لا يردّ النّصف إلّا من حنف، فاحمل النّصف إلى خيل تراها كالسّهف» .
وقيل: إنّ مسيلمة لما نزلت به سجاح أغلق الحصن دونها.
فقالت له: انزل. قال: فنحّى عنك أصحابك، ففعلت. فقال مسيلمة: اضربوا لها قبّة وجمّروها لعلها تذكر الباه، ففعلوا، فلمّا دخلت القّبّة نزل مسيلمة. فقال لأصحابه: ليقف ها هنا عشرة،
[1] الدقيف: تحريك الجناحين والرجلين.
[2]
نهدت: نهضت.
[3]
ك: «فحياك» .
ثمّ دارسها. فقالت: ما أوحى إليك؟ فقال: «ألم تر إلى ربّك كيف فعلى بالحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق [1] وحشى» قالت: وماذا أيضا؟ قال: أوحى إلىّ «إنّ الله خلق النساء أفراجا، وجعل الرجال لهن أزواجا، فنولج فيهنّ قعسا إيلاجا، ثم نخرجها إذا شئنا إخراجا، فينتجن لنا سخالا إنتاجا» . قالت: أشهد أنّك نبىّ. قال: هل لك أن أتزوّجك، وأذلّ [2] بقومى وقومك العرب؟ قالت: نعم، فقال:
الا قومى إلى النّيك
…
فقد هيّى لك المضجع
فإن شئت ففى البيت
…
وإن شئت ففى المخدع
وإن شئت سلقناك [3]
…
وإن شئت على أربع
وإن شئت بثلثيه
…
وإن شئت به أجمع
قالت: بل به أجمع. قال: بذلك أوحى إلىّ، فأقامت عنده ثلاثة أيام، ثم انصرفت إلى قومها. فقالوا لها: ما عندك؟ قالت:
كان على حقّ، فاتّبعته فتزوّجته، قالوا: هل أصدقك شيئا؟ قالت:
لا. قالوا: فارجعى إليه، فقبيح على مثلك أن ترجع بغير صداق، فرجعت. فلما رآها مسيلمة أغلق الحصن وقال: مالك؟ قالت:
أصدقنى صداقا. قال: من مؤذّنك؟ قالت: شبث بن ربعىّ.
قال: علىّ به، فأتاه. فقال: ناد فى أصحابك: إنّ مسيلمة رسول الله قد وضع عنكم صلاتين مما أتاكم به محمّد: صلاة الفجر، وصلاة العشاء الآخرة.
[1] الصفاق: الجلد الأسفل الذى تحت الجلد الذى عليه الشعر.
[2]
الطبرى: «فآكل» .
[3]
سلق الجارية: بسطها وجامعها، وفى ص: «صلقناك، وهما بمعنى.
قال: وكان من أصحابها الزّبرقان بن بدر وعطارد بن حاجب ونظراؤهم. فقال: إنّ عامّة بنى تميم بالرّمل لا يصلّونها، فانصرفت سجاح ومعها أصحابها، فقال عطارد بن حاجب:
أمست نبيّتنا أنثى نطيف بها
…
وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا
وقيل: إنّها صالحت مسيلمة على أن يحمل لها النّصف من غلّات اليمامة: وأبت إلا السنة المقبلة يسلفها، فأعطى لها النصف وقال: خلّفى على السّلف من يجمعه لك، وانصرفى أنت بنصف العام، فانصرفت بالنّصف إلى الجزيرة، وخلّفت الهذيل وعقّة وزيادا؛ لينجزوا النّصف الثانى، فلم يفجأهم إلا دنوّ خالد بن الوليد، فارفضّوا.
وكان من أمر مسيلمة وقتله ما نذكره بعد إن شاء الله تعالى.
قال: ولم تزل سجاح بالجزيرة فى أخوالها من بنى تغلب حتى نقلهم معاوية بن أبى سفيان عام الجماعة، وجاءت معهم وحسن إسلامها وإسلامهم، وانتقلت إلى البصرة وماتت بها.
وقيل: بل لمّا قتل مسيلمة سارت إلى أخوالها بالجزيرة، فماتت عندهم، ولم يسمع لها بذكر، والله تعالى أعلم.
قال أبو جعفر الطبرىّ رحمه الله: وخرج [1] الزّبرقان والأقرع إلى أبى بكر؛ وقالا: اجعل لنا خراج البحرين؛ ونضمن لك ألّا يرجع من قومنا أحد، ففعل. وكتب الكتاب، وكان الذى يختلف بينهم طلحة بن عبيد الله، وأشهد شهودا، منهم عمر بن الخطاب،
[1] تاريخ الطبرى 3: 275.
فلما أتى عمر بالكتاب فنظر فيه لم يشهد، ثم قال: لا والله ولا كرامة! ومزّقه ومحاه، فغضب طلحة، وأتى أبا بكر، فقال:
أنت الأمير أم عمر؟ فقال: عمر؛ غير أن الطاعة لى، فسكت.
وشهد الزّبرقان والأقرع مع خالد المشاهد كلّها حتى اليمامة، ثم مضى الأقرع ومعه شرحبيل إلى دومة الجندل.