الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ولاية عتبة بن غزوان البصرة وفتحه الأبلة
قد اختلف المؤرّخون فى وقت ولايته البصرة، وهل كانت من قبل عمر بن الخطّاب أو من قبل سعد بن أبى وقّاص بأمر عمر. فأمّا من يقول: إنّ ولايته من قبل عمر، فإنّه جعلها فى سنة أربع عشرة، وأنّ نزوله البصرة كان فى شهر ربيع الأوّل أو الآخر، بعثه عمر إليها، وكان بالبصرة قطبة بن قتادة السّدوسىّ يغير بتلك النّواحى، كما يغير المثنّى بالحيرة، فكتب إلى عمر يعلمه مكانه؛ وأنه لو كان معه عدد يسير لظفر بمن قبله من العجم، فنفاهم عن بلادهم. فكتب إليه عمر يأمره بالمقام والحذر، ووجّه إليه شريح بن عامر أحد بنى سعد بن بكر، فأقبل إلى البصرة ونزل بها قطبة، ومضى إلى الأهواز حتى انتهى إلى دارس، وفيها مسلحة الأعاجم، فقتلوه.
فبعث عمر عتبة بن غزوان، وقال له: إنّى قد استعملتك على أرض الهند وهى حومة من حومات العدوّ، وأرجو أن يكفيك الله ما حولها، ويعينك عليها. وقد كتبت إلى العلاء بن الحضرمىّ أن يمدّك بعرفجة بن هرثمة، وهو ذو مجاهدة ومكايدة للعدو، فإذا قدم عليك فاستشره وادع إلى الله، فمن أجابك فاقبل منه، ومن أبى فالجزية، وإلّا فالسّيف، وأوصاه ثم قال له: انطلق أنت ومن معك؛ حتى إذا كنتم فى [أقصى][1] أرض العرب، وأدنى أرض العجم فأقيموا.
[1] من ص.
فسار عتبة ومن معه حتى إذا كانوا بالمربد [1] تقدّموا حتّى بلغوا حيال الجسر، فنزلوا، فبلغ صاحب الفرات خبرهم، فأقبل فى أربعة آلاف، فالتقوا فقاتلهم، عتبة بعد الزّوال وهو فى خمسمائة، فقتلهم أجمعين، ولم يبق إلّا صاحب الفرات، فأخذ أسيرا.
وأمّا من يقول: إنّ سعد بن أبى وقّاص أرسله، فقال: إنّ البصرة مصّرت فى سنة ستّ عشرة بعد جلولاء وتكريت، فأرسله سعد إليها بأمر عمر، وإنّ عتبة لمّا نزل البصرة أقام بها نحو شهر، فخرج إليه أهل الأبلّة، وكان بها خمسمائة أسوار [2] يحمونها، وكانت مرفأ السّفن من الصّين، فقاتلهم عتبة فهزمهم؛ حتّى دخلوا المدينة، ورجع عتبة إلى عسكره، وألقى الله الرّعب فى قلوب الفرس، فخرجوا عن المدينة وحملوا ما خفّ، وعبروا الماء، وأخلوا المدينة ودخلها المسلمون وأصابوا متاعا وسلاحا وسبيا، فاقتسموه بعد أن خمّسه عتبة، وكان المسلمون ثلاثمائة، وكان فتحها فى شهر رجب أو شعبان، ثم نزل موضع مدينة الرّزق، وخطّ موضع المسجد، وبناه بالقصب. وكان أوّل مولود ولد بالبصرة عبد الرحمن بن أبى بكرة، فلمّا ولد نحر أبوه جزورا فكفتهم لقلّة الناس، ثم جمع الله أهل دستميسان، فلقيهم عتبة فهزمهم وأخذ مرزبانها أسيرا، وأخذ قتادة منطقته فبعث بها إلى عمر مع أنس بن حجيّة. فقال له عمر: كيف النّاس؟ فقال: انهالت عليهم الدّنيا، فهم يهيلون الذّهب والفضّة، فرغّب النّاس فى البصرة فأتوها، واستعمل عتبة مجاشع بن مسعود على جماعة وسيّرهم إلى
[1] المربد: سوق بالبصرة.
[2]
الأسوار، بضم الهمزة، الفارس من فرسان العجم، وجمعه أساورة.