المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر خبر مقتل عمر بن الخطاب ومدة خلافته - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ١٩

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء التاسع عشر

- ‌تصدير

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌الباب الثانى من القسم الخامس فى أخبار الخلفاء الراشدين

- ‌ذكر خلافة أبى بكر الصديق وشىء من أخباره وفضائله

- ‌ذكر نبذة من فضائل أبى بكر الصديق ومآثره فى الجاهلية والإسلام

- ‌ذكر صفة أبى بكر الصديق

- ‌ذكر ما ورد من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر على أمته من بعده وحجة من قال ذلك

- ‌ذكر بيعة أبى بكر الصديق رضى الله عنه وخبر السقفية، وما وقع بين المهاجرين والأنصار من التراجع فى الإمارة

- ‌ذكر ما تكلم به أبو بكر الصديق بعد بيعته وما قاله عمر بن الخطاب بعد البيعة الأولى وقبل البيعة الثانية العامة

- ‌ذكر انفاذ جيش أسامة

- ‌ذكر أخبار من ادعى النبوة من الكذابين

- ‌ذكر غزوة أبى بكر وقتاله أهل الردة وعبس وذبيان

- ‌ذكر عقد أبى بكر رضى الله عنه الألوية

- ‌ذكر خبر طليحة الأسدى وما كان من أمره وأمر من اتبعه من قيائل العرب وما آل إليه أمره بعد ذلك

- ‌ذكر خبر تميمم وأمر سجاح ابنة الحارث بن سويد

- ‌ذكر مسير خالد الى البطاح ومقتل مالك بن نويرة

- ‌ذكر خبر مسيلمة الكذاب وقومه من أهل اليمامة

- ‌ذكر الحروب الكائنة بين بين المسلمين وبين مسيلمة وبين أهل اليمامه وقتل مسيلمة

- ‌ذكر خبر ثابت بن قيس بن شماس فى مقتله

- ‌ذكر أهل البحرين ومن ارتد منهم وانضم إلى الحطم وما كان من أمرهم

- ‌ذكر مسير خالد بن الوليد الى العراق

- ‌ذكر وقعة الثنى

- ‌ذكر وقعة الولجة

- ‌ذكر وقعة أليس

- ‌ذكر وقعة فرات بادقلى وفتح الحيرة

- ‌ذكر ما كان بعد فتح الحيرة

- ‌ذكر فتح الأنبار

- ‌ذكر فتح عين التمر

- ‌ذكر خبر دومة الجندل

- ‌ثم كانت وقعة مصيخ

- ‌وقعة الثنى والزميل

- ‌ذكر وقعة الفراض

- ‌ذكر فتوح الشام

- ‌ذكر مسير خالد بن الوليد الى الشام وما فعل فى مسيره إلى أن التقى بجنود المسلمين بالشام

- ‌ذكر وقعة أجنادين

- ‌ذكر وقعة اليرموك

- ‌ذكر ما وقع فى خلافة أبى بكر غير ما ذكرناه

- ‌سنة إحدى عشرة

- ‌سنة اثنتى عشرة

- ‌ذكر وفاة أبى بكر الصديق رضى الله عنه ومدة خلافتة

- ‌ذكر نبذة من أخباره وأحواله ومناقبه رضى الله عنه

- ‌ذكر أولاد أبى بكر وأزواجه

- ‌ذكر أسماء قضاته وعماله وكتابه وحاجبه وخادمه

- ‌ذكر خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه

- ‌ذكر نبذة من فضائل عمر رضى الله عنه ومناقبه

- ‌ذكر صفة عمر رضى الله عنه

- ‌ذكر الفتوحات والغزوات فى خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه

- ‌ذكر فتوح مدينة دمشق

- ‌ذكر شىء مما قبل فى أمر مدينة دمشق ومن بناها

- ‌ذكر غزوة فحل

- ‌ذكر فتح بلاد ساحل دمشق

- ‌ذكر فتح بيسان وطبرية

- ‌ذكر الوقعة بمرج الروم

- ‌ذكر فتح بعلبك وحمص وحماة وشيرز ومعرة النعمان وسلمية واللاذقية وأنطرسوس

- ‌ذكر فتح قنسرين ودخول هرقل القسطنطينية

- ‌ذكر فتح حلب وأنطاكية وغيرهما من العواصم

- ‌ذكر فتح قيسارية وحصن غزة

- ‌ذكر بيسان ووقعة أجنادين وفتح غزة

- ‌ذكر فتح بيت المقدس وهو ايلياء

- ‌ذكر خبر حمص حين قصد هرقل من بها من المسلمين

- ‌ذكر فتح الجزيرة وأرمينية

- ‌ذكر فتوح العراقين وما والاها من بلاد فارس

- ‌ذكر وقعة النمارق

- ‌ذكر وقعة السقاطية بكسكر

- ‌ذكر وقعة الجالينوس

- ‌ذكر وقعة قس الناطف

- ‌ذكر وقعة أليس الصغرى

- ‌ذكر وقعة البويب

- ‌ذكر خبر سوقى الخنافس وبغداد

- ‌ذكر خبر القادسية وأيامها

- ‌ذكر يوم أرماث

- ‌ذكر أغواث

- ‌ذكر يوم عماس، وهو اليوم الثالث

- ‌ذكر ليلة الهرير

- ‌ذكر يوم القادسية وقتل رستم وهزيمة الفرس

- ‌ذكر ما كان بعد القادسية من الحروب والأيام

- ‌يوم برس، ويوم بابل، ويوم كوثى

- ‌ذكر خبر بهرسير وهى المدينة الغربية

- ‌ذكر فتح المدائن الغربية وهى بهرسير

- ‌ذكر فتح المدائن الشرقية التى فيها إيوان كسرى

- ‌ذكر ما جمع من غنائم أهل المدائن وقسمتها

- ‌ذكر وقعة جلولاء وفتح حلوان

- ‌ذكر ولاية عتبة بن غزوان البصرة وفتحه الأبلة

- ‌ذكر فتح تكريت والموصل

- ‌ذكر فتح ما سيذان

- ‌ذكر فتح قرقيسيا

- ‌ذكر فتح الأهواز ومناذر ونهر تيرى

- ‌ذكر صلح الهرمزان وأهل تستر مع المسلمين

- ‌ذكر فتح رامهرمز

- ‌ذكر فتح السوس

- ‌ذكر مصالحة جنديسابور

- ‌ذكر انسياح الجيوش الاسلامية فى بلاد الفرس

- ‌ذكر غزوة فارس من البحرين

- ‌ذكر وقعة نهاوند وفتحها

- ‌ذكر فتح دينور والصيمرة وغيرهما

- ‌ذكر فتح همذان والماهين وغيرهما

- ‌ذكر فتح أصبهان وقم وكاشان

- ‌ذكر فتح قزوين وأبهر وزنجان

- ‌ذكر فتح الرى

- ‌ذكر فتح قومس وجرجان وطبرستان

- ‌ذكر فتح أذربيجان

- ‌ذكر فتح الباب

- ‌ذكر فتح موقان

- ‌ذكر غزو الترك

- ‌ذكر غزو خراسان

- ‌ذكر فتح شهرزور والصامغان

- ‌ذكر فتح توج

- ‌ذكر فتح اصطخر وجور وكازرون والنوبندجان ومدنية شيراز وأرّجان وسينيز وجنابا وجهرم

- ‌ذكر فتح فساودرابجرد

- ‌ذكر فتح كرمان

- ‌ذكر فتح سجستان

- ‌ذكر فتح مكران

- ‌ذكر فتح بيروذ من الأهواز

- ‌ذكر خبر سلمة بن قيس الأشجعى والأكراد

- ‌ذكر فتوح مصر وما والاها

- ‌ذكر مسير عمرو الى مصر

- ‌ذكر حصار القصر وما قيل فى كيفية الاستيلاء عليه وانتقال الروم والقبط إلى الجزيرة

- ‌ذكر ارسال المقوقس الى عمرو فى طلب الصلح وجواب عمرو له واجتماع المقوقس وعبادة بن الصامت

- ‌ذكر مسير عمرو لقتال الروم وما كان من الحروب بينهم إلى أن فتحت الإسكندرية

- ‌ذكر الفتح الثانى وما وجد بالاسكندرية وعدة من ضربت عليه الجزية

- ‌ذكر من قال ان مصر فتحت عنوة

- ‌ذكر أخبار الاسكندرية وبنائها وما اتفق فى ذلك من الأعاجيب

- ‌ذكر تحول عمرو بن العاص من الاسكندرية إلى الفسطاط- واختطاطه

- ‌ذكر خبر أصل النيل وكيف كانت عادة القبط وإبطال عمرو تلك العادة

- ‌ذكر ما قرر فى أمر الجزية من الخراج

- ‌ذكر خبر المقطم

- ‌ذكر خبر خليج أمير المؤمنين

- ‌ذكر الخبر عن فتح الفيوم

- ‌ذكر فتح زويلة وطرابلس الغرب وبرقة وحصن سبرت

- ‌ذكر الغزوات إلى أرض الروم

- ‌ذكر ما اتفق فى خلافة عمر بن الخطاب غير الفتوحات والغزوات

- ‌ذكر فرض العطاء وعمل الديوان

- ‌ذكر بناء الكوفة والبصرة

- ‌ذكر عزل خالد بن الوليد

- ‌ذكر بناء المسجد الحرام

- ‌ذكر عزل المغيرة بن شعبة

- ‌سبب ولاية كعب بن سور قضاء البصرة

- ‌ذكر القحط وعام الرمادة

- ‌ذكر طاعون عمواس وتسمية من مات فيه

- ‌ذكر قدوم عمر الى الشام بعد الطاعون

- ‌ذكر اجلاء يهود خيبر منها

- ‌ذكر عزل سعد بن أبى وقاص عن الكوفة ومن ولى بعده فى هذه السنة

- ‌ذكر خبر مقتل عمر بن الخطاب ومدة خلافته

- ‌ذكر قصة الشورى

- ‌ذكر أولاد عمر بن الخطاب رضى الله عنه وعنهم وأزواجه

- ‌ذكر عمال عمر رضى الله عنه وعنهم على الامصار

- ‌كتابه

- ‌قضاته

- ‌ذكر خلافة عثمان بن عفان رضى الله عنه

- ‌ذكر صفته ونبذة من فضائله

- ‌ذكر بيعة عثمان رضى الله عنه

- ‌ذكر الفتوحات والغزوات فى خلافة عثمان

- ‌ذكر خلاف أهل الاسكندرية

- ‌ذكر غزو ارمينية وغيرها وما وقع من الصلح

- ‌ذكر غزو معاوية الروم

- ‌ذكر فتح كابل

- ‌ذكر غزو افريقية وفتحها

- ‌ذكر فتح جزيرة قبرس

- ‌ذكر نقض أهل فارس وغيرهم وفتح إصطخر ودرابجرد

- ‌ذكر غزو طبرستان

- ‌ذكر غزو الصوارى

- ‌ذكر مقتل يزدجرد آخر ملوك بنى ساسان

- ‌ذكر فتح خراسان

- ‌ذكر فتح كرمان

- ‌ذكر فتح سجستان وكابل وغيرها

- ‌ذكر خروج قارن ببلاد خراسان وقتله

- ‌ذكر ما وقع فى خلافة عثمان غير الغزوات والفتوحات على حكم السّنين

- ‌سنة أربع وعشرين

- ‌سنة خمس وعشرين

- ‌سنة ست وعشرين

- ‌سنة سبع وعشرين

- ‌سنة ثمان وعشرين

- ‌سنة تسع وعشرين

- ‌ذكر عزل أبى موسى الأشعرى عن البصرة وعثمان بن العاص عن عمان والبحرين واستعمال عبد الله بن عامر على ذلك

- ‌ذكر الزيادة فى مسجد النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر اتمام عثمان الصلاة وما تكلم الناس به فى ذلك

- ‌سنة ثلاثين

- ‌ذكر عزل الوليد بن عقبة عن الكوفة وولاية سعيد بن العاص

- ‌ذكر جمع القرآن

- ‌ذكر سقوط خاتم النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر خبر أبى ذر الغفارى فى اخراجه الى الربذة

- ‌سنة احدى وثلاثين

- ‌سنة اثنتين وثلاثين

- ‌ذكر وفاة عبد الرحمن بن عوف وشىء من أخباره ونسبه

- ‌سنة ثلاث وثلاثين ذكر خبر من سار من أهل الكوفة إلى الشام وما كان من أمرهم

- ‌سنة أربع وثلاثين ذكر خبر يوم الجرعة وعزل سعيد وخروجه عن الكوفة واستعمال أبى موسى الأشعرىّ

- ‌ذكر ابتداء الخلاف على عثمان

- ‌ذكر كلام على لعثمان وجوابه له

- ‌ذكر ارسال عثمان الى الأمصار ليأتوه بأخبار عماله

- ‌سنة خمس وثلاثين

- ‌ذكر مقتل عثمان رضى الله عنه

- ‌ذكر أزواج عثمان وأولاده

- ‌كتابه وقضاته وحجابه وأصحاب شرطته

- ‌ذكر عماله على الأمصار فى سنة مقتله

- ‌ذكر شىء مما رثى به عثمان من الشعر

- ‌فهرس الجزء التاسع عشر

الفصل: ‌ذكر خبر مقتل عمر بن الخطاب ومدة خلافته

‌ذكر خبر مقتل عمر بن الخطاب ومدة خلافته

قد [1] اختلف فى تاريخ مقتله رضى الله عنه، فقال الواقدىّ:

لثلاث بقين من ذى الحجّة سنة ثلاث وعشرين. وقال الزّبير: لأربع بقين من ذى الحجّة.

وروى عن معدان بن أبى طلحة اليعمرىّ، قال: قتل عمر يوم الأربعاء لأربع بقين من ذى الحجّة.

وكانت خلافته رضى الله تعالى عنه عشر سنين ونصفا وخمس ليال، وعمره ثلاث وستّون سنة على الصّحيح.

وقتله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة؛ وذلك أنّ عمر رضى الله عنه خرج يوما يطوف فى الأسواق، فلقيه أبو لؤلؤة فيروز- وكان نصرانيّا، وقيل: مجوسيّا- وقد ذكرنا ما كان يقوله لمّا قدم سبى نهاوند: أكل عمر كبدى، فلمّا لقيه قال: يا أمير المؤمنين، أعدنى على المغيرة بن شعبة؛ فإنّه يكلّفنى خراجا كثيرا، قال: كم يحمّلك؟ قال: مائة درهم فى الشّهر. وقيل: إنّه قال: درهمان فى كلّ يوم، قال: وما صناعتك؟ قال: نجّار نقّاش حدّاد. قال: فما أرى خراجك كثيرا على ما تصنع من الأعمال، وقد بلغنى أنّك تقول:

لو أردت أن أصنع رحا تطحن بالرّيح لفعلت. قال: نعم، قال:

[1] انظر خبر؟؟؟ مقتله رضى الله عنه فى تاريخ ابن الأثير 3: 26 وما بعدها.

ص: 371

فاعمل لى رحا. قال: إن سلمت لأعملنّ لك رحا يتحدّث بها أهل المشرق والمغرب.

فقال عمر: قد أوعدنى العلج الآن، ثم انصرف عمر إلى منزله.

فلمّا كان من الغد جاء كعب الأحبار إلى عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، اعهد فإنّك ميّت فى ثلاث، قال: وما يدريك؟ قال:

أجده فى كتاب التوارة، قال عمر: إنّك لتجد عمر بن الخطّاب فى لتّوراة؟ قال: اللهم لا؛ ولكنّى أجد صفتك وحليتك. قال: وعمر لا يجد وجعا، ثم جاءه من الغد وقال: بقى يومان، ثم جاءه من غد الغد وقال: قد مضى يومان، وقد بقى يوم.

فلمّا أصبح خرج عمر إلى الصّلاة، وكان يوكّل بالصفوف رجلا، فإذا استوت كبّر، ودخل أبو لؤلؤة فى النّاس، وفى يده خنجر له رأسان، نصابه فى وسطه، فضرب عمر ستّ ضربات، إحداهنّ تحت سرّته، وهى الّتى قتلته، وقتل معه كليب بن البكير اللّيثىّ وجماعة غيره.

روى أنه طعن معه اثنا عشر رجلا، وقيل: ثلاثة عشر، مات منهم ستّة، فلمّا وجد عمر حرّ السّلاح سقط، وأمر عبد الرّحمن ابن عوف فصلّى بالنّاس وهو طريح، فاحتمل، فأدخل بيته ودعا عبد الرّحمن، فقال: إنّى أريد أن أعهد إليك، قال: أتشير علىّ بذلك؟ قال: عمر: اللهمّ لا، فقال: والله لا أدخل فيه أبدا.

قال: فهبنى صمتا؛ حتّى أعهد إلى النّفر الّذين توفّى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، ثم دعا عليّا، وعثمان.

ص: 372

والزّبير، وسعدا، وقال: انتظروا أخاكم طلحة ثلاثا، فإنّ جاء وإلّا فاقضوا أمركم.

أنشدك الله يا علىّ، إن وليت من أمور النّاس شيئا على ألّا تحمل بنى هاشم على رقاب النّاس.

أنشدك الله يا عثمان، إن وليت من أمور النّاس شيئا ألّا تحمل بنى أبى معيط على رقاب النّاس.

أنشدك الله يا سعد إن وليت من أمور النّاس شيئا ألّا تحمل أقاربك على رقاب النّاس.

قوموا فتشاوروا، ثم اقضوا أمركم، وليصلّ بالنّاس صهيب، ثم دعا أبا طلحة الأنصارىّ فقال: قم على بابهم فلا تدع أحدا يدخل إليهم، وأوص الخليفة من بعدى بالأنصار الّذين تبوّءوا الدّار والإيمان، أن يحسن إلى محسنهم، وأن يعفو عن مسيئهم، وأوص الخليفة بالعرب؛ فإنّهم مادّة الإسلام، أن تؤخذ من صدقاتهم حقّها، فتوضع فى فقرائهم، وأوص الخليفة بذمّة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوفى لهم بعهدهم.

اللهمّ هل بلّغت! لقد تركت الخليفة من بعدى على أنقى من الرّاحة، ثم قال لابنه عبد الله: انظر من قتلنى؟ فقال: قتلك أبو لؤلؤة، فقال: الحمد لله الّذى لم يجعل منيّتى على يد رجل [ما][1] سجد لله سجدة واحدة، وأرسل عبد الله ابنه إلى عائشة، فاستأذنها

[1] من ص.

ص: 373

أن يدفن مع النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر رضى الله عنه، ثم قال:

يا عبد الله، إن اختلف القوم فكن مع الأكثر، فإن تساووا فكن مع الحزب الّذى فيه عبد الرّحمن بن عوف.

يا عبد الله، ائذن للنّاس، فدخل عليه المهاجرون والأنصار، فجعلوا يسلّمون عليه، فيقول لهم: هذا عن ملإ منكم؟

فيقولون: معاذ الله! ودخل كعب الأحبار مع النّاس، فلما رآه عمر رضى الله تعالى عنه قال:

وأوعدنى كعب ثلاثا أعدّها

ولا شكّ أنّ القول ما قاله كعب

وما بى حذار الموت إنّى لميّت

ولكن حذار الذّنب يتبعه الذّنب

قال: ولمّا طعن أبو لؤلؤة عمر، ومن طعن معه، رمى عليه رجل من أهل العراق برنسا، ثم نزل عليه، فلمّا رأى أنّه لا يستطيع أن يتحرّك، وجأ نفسه فقتلها.

قال أبو عمر بن عبد البرّ: ومن أحسن شىء يروى فى مقتل عمر وأصحّه ما رواه بسنده إلى عمرو بن ميمون، قال:[1] شهدت عمر يوم طعن ومات، وما منعنى أن أكون فى الصّفّ المقدّم إلّا هيبته- وكان رجلا مهيبا- فكنت فى الصّفّ الّذى يليه، فأقبل عمر، فعرض له أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، ففاجأ عمر قبل أن تستوى الصّفوف، ثم طعنه ثلاث طعنات، فسمعت عمر وهو يقول:

دونكم الكلب فإنّه قد قتلنى، وماج النّاس وأسرعوا إليه، فجرح

[1] الاستيعاب 1153.

ص: 374

ثلاثة عشر رجلا، فانكفأ عليه رجل من خلفه فاحتضنه، وحمل عمر، فماج النّاس بعضهم فى بعض حتّى قال قائل: الصّلاة يا عباد الله، طلعت الشمس.

فقدّموا عبد الرّحمن بن عوف فصلّى بنا بأقصر سورتين فى القرآن، (إذا جاء نصر الله والفتح) و (إنّا أعطيناك الكوثر) ، واحتمل عمر، ودخل النّاس عليه، فقال: يا عبد الله بن عبّاس، اخرج فناد فى النّاس: أعن ملإ منكم هذا؟ فخرج ابن عبّاس، فقال:

أيّها النّاس، إنّ أمير المؤمنين يقول: أعن ملأ منكم هذا؟ فقالوا:

معاذ الله! والله ما علمنا ولا اطّلعنا. وقال: ادعوا إلىّ الطبيب فدعى الطبيب فقال: أىّ الشّراب أحبّ إليك؟ فقال: النّبيذ، فسقى نبيذا فخرج من بعض طعناته، فقال النّاس: هذا دم، هذا صديد، فقال: اسقونى لبنا، فسقى لبنا، فخرج من الطّعنة، فقال له الطّبيب: لا أرى أن تمسى، فما كنت فاعلا فافعل.

وروى أبو عمر أيضا بسنده إلى عوف بن عوف بن مالك الأشجعىّ:

أنّه [1] رأى فى المنام، كأنّ النّاس جمعوا، فإذا فيهم [رجل][2] فرعهم فهو فوقهم بثلاثة أذرع.

قال: فقلت: من هذا؟ فقالوا: عمر. قلت: ولم؟ قالوا:

لأنّ فيه ثلاث خصال، لأنّه لا يخاف فى الله لومة لائم، وأنّه خليفة مستخلف، وأنّه شهيد مستشهد.

قال: فأتى أبو بكر فقصّها عليه، فأرسل إلى عمر فدعاه ليبشّره،

[1] الاستيعاب 1156.

[2]

من الاستيعاب.

ص: 375

فجاء عمر فقال لى أبو بكر: اقصص، قال: فلمّا بلغت خليفة مستخلف، زبرنى [1] عمر وانتهرنى، وقال: اسكت، تقول هذا وهو حىّ! قال: فلمّا كان هذا بعد، وولى عمر، مررت بالمسجد وهو على المنبر، فدعانى وقال: اقصص علىّ رؤياك، فقصصتها، فلمّا قلت: إنّه لا يخاف فى الله لومة لائم قال: إنّى لأرجو أن يجعلنى الله منهم، قال فلمّا قلت:«خليفة مستخلف» قال: قد استخلفنى الله، وأسأله أن يعيننى على ما ولّانى، فلما أن ذكرّت:«شهيد مستشهد» ، قال: أنّى لى بالشّهادة وأنا بين أظهركم تغزون ولا أغزو! ثم قال:

بلى يأتى الله بها إن شاء، يأتى الله بها إن شاء [2] .

وقد روى معمر عن الزّهرى، عن سالم، عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهم: أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم رأى على عمر قميصا أبيض، فقال: أجديد قميصك هذا، أم غسيل؟ قال: بل غسيل.

قال: «البس جديدا، وعش حميدا، ومت شهيدا، ويرزقك الله قرّة عين فى الدّنيا والآخرة» ، قال: وإيّاك يا رسول الله.

وروى عن عائشة رضى الله عنها، قالت: ناحت الجنّ على عمر قبل أن يقتل بثلاث، فقالت:

أبعد قتيل بالمدينة أظلمت

له الأرض تهتزّ العضاه بأسوق

[1] زبرنى: نهرنى.

[2]

الاستيعاب 1156.

ص: 376

جزى الله خيرا من إمام وباركت

يد الله فى ذاك الأديم الممزّق

فمن يسع أو يركب جناحى نعامة

ليدرك ما قدّمت بالأمس يسبق

قضيت أمورا ثم غادرت بعدها

بوائق من أكمامها لم تفتّق

وما كنت أخشى أن تكون وفاته

بكفّ سبنتى أزرق العين مطرق [1]

والله سبحانه وتعالى أعلم.

[1] السبنتى: النمر.

ص: 377