الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر خبر مقتل عمر بن الخطاب ومدة خلافته
قد [1] اختلف فى تاريخ مقتله رضى الله عنه، فقال الواقدىّ:
لثلاث بقين من ذى الحجّة سنة ثلاث وعشرين. وقال الزّبير: لأربع بقين من ذى الحجّة.
وروى عن معدان بن أبى طلحة اليعمرىّ، قال: قتل عمر يوم الأربعاء لأربع بقين من ذى الحجّة.
وكانت خلافته رضى الله تعالى عنه عشر سنين ونصفا وخمس ليال، وعمره ثلاث وستّون سنة على الصّحيح.
وقتله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة؛ وذلك أنّ عمر رضى الله عنه خرج يوما يطوف فى الأسواق، فلقيه أبو لؤلؤة فيروز- وكان نصرانيّا، وقيل: مجوسيّا- وقد ذكرنا ما كان يقوله لمّا قدم سبى نهاوند: أكل عمر كبدى، فلمّا لقيه قال: يا أمير المؤمنين، أعدنى على المغيرة بن شعبة؛ فإنّه يكلّفنى خراجا كثيرا، قال: كم يحمّلك؟ قال: مائة درهم فى الشّهر. وقيل: إنّه قال: درهمان فى كلّ يوم، قال: وما صناعتك؟ قال: نجّار نقّاش حدّاد. قال: فما أرى خراجك كثيرا على ما تصنع من الأعمال، وقد بلغنى أنّك تقول:
لو أردت أن أصنع رحا تطحن بالرّيح لفعلت. قال: نعم، قال:
[1] انظر خبر؟؟؟ مقتله رضى الله عنه فى تاريخ ابن الأثير 3: 26 وما بعدها.
فاعمل لى رحا. قال: إن سلمت لأعملنّ لك رحا يتحدّث بها أهل المشرق والمغرب.
فقال عمر: قد أوعدنى العلج الآن، ثم انصرف عمر إلى منزله.
فلمّا كان من الغد جاء كعب الأحبار إلى عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، اعهد فإنّك ميّت فى ثلاث، قال: وما يدريك؟ قال:
أجده فى كتاب التوارة، قال عمر: إنّك لتجد عمر بن الخطّاب فى لتّوراة؟ قال: اللهم لا؛ ولكنّى أجد صفتك وحليتك. قال: وعمر لا يجد وجعا، ثم جاءه من الغد وقال: بقى يومان، ثم جاءه من غد الغد وقال: قد مضى يومان، وقد بقى يوم.
فلمّا أصبح خرج عمر إلى الصّلاة، وكان يوكّل بالصفوف رجلا، فإذا استوت كبّر، ودخل أبو لؤلؤة فى النّاس، وفى يده خنجر له رأسان، نصابه فى وسطه، فضرب عمر ستّ ضربات، إحداهنّ تحت سرّته، وهى الّتى قتلته، وقتل معه كليب بن البكير اللّيثىّ وجماعة غيره.
روى أنه طعن معه اثنا عشر رجلا، وقيل: ثلاثة عشر، مات منهم ستّة، فلمّا وجد عمر حرّ السّلاح سقط، وأمر عبد الرّحمن ابن عوف فصلّى بالنّاس وهو طريح، فاحتمل، فأدخل بيته ودعا عبد الرّحمن، فقال: إنّى أريد أن أعهد إليك، قال: أتشير علىّ بذلك؟ قال: عمر: اللهمّ لا، فقال: والله لا أدخل فيه أبدا.
قال: فهبنى صمتا؛ حتّى أعهد إلى النّفر الّذين توفّى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، ثم دعا عليّا، وعثمان.
والزّبير، وسعدا، وقال: انتظروا أخاكم طلحة ثلاثا، فإنّ جاء وإلّا فاقضوا أمركم.
أنشدك الله يا علىّ، إن وليت من أمور النّاس شيئا على ألّا تحمل بنى هاشم على رقاب النّاس.
أنشدك الله يا عثمان، إن وليت من أمور النّاس شيئا ألّا تحمل بنى أبى معيط على رقاب النّاس.
أنشدك الله يا سعد إن وليت من أمور النّاس شيئا ألّا تحمل أقاربك على رقاب النّاس.
قوموا فتشاوروا، ثم اقضوا أمركم، وليصلّ بالنّاس صهيب، ثم دعا أبا طلحة الأنصارىّ فقال: قم على بابهم فلا تدع أحدا يدخل إليهم، وأوص الخليفة من بعدى بالأنصار الّذين تبوّءوا الدّار والإيمان، أن يحسن إلى محسنهم، وأن يعفو عن مسيئهم، وأوص الخليفة بالعرب؛ فإنّهم مادّة الإسلام، أن تؤخذ من صدقاتهم حقّها، فتوضع فى فقرائهم، وأوص الخليفة بذمّة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوفى لهم بعهدهم.
اللهمّ هل بلّغت! لقد تركت الخليفة من بعدى على أنقى من الرّاحة، ثم قال لابنه عبد الله: انظر من قتلنى؟ فقال: قتلك أبو لؤلؤة، فقال: الحمد لله الّذى لم يجعل منيّتى على يد رجل [ما][1] سجد لله سجدة واحدة، وأرسل عبد الله ابنه إلى عائشة، فاستأذنها
[1] من ص.
أن يدفن مع النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر رضى الله عنه، ثم قال:
يا عبد الله، إن اختلف القوم فكن مع الأكثر، فإن تساووا فكن مع الحزب الّذى فيه عبد الرّحمن بن عوف.
يا عبد الله، ائذن للنّاس، فدخل عليه المهاجرون والأنصار، فجعلوا يسلّمون عليه، فيقول لهم: هذا عن ملإ منكم؟
فيقولون: معاذ الله! ودخل كعب الأحبار مع النّاس، فلما رآه عمر رضى الله تعالى عنه قال:
وأوعدنى كعب ثلاثا أعدّها
…
ولا شكّ أنّ القول ما قاله كعب
وما بى حذار الموت إنّى لميّت
…
ولكن حذار الذّنب يتبعه الذّنب
قال: ولمّا طعن أبو لؤلؤة عمر، ومن طعن معه، رمى عليه رجل من أهل العراق برنسا، ثم نزل عليه، فلمّا رأى أنّه لا يستطيع أن يتحرّك، وجأ نفسه فقتلها.
قال أبو عمر بن عبد البرّ: ومن أحسن شىء يروى فى مقتل عمر وأصحّه ما رواه بسنده إلى عمرو بن ميمون، قال:[1] شهدت عمر يوم طعن ومات، وما منعنى أن أكون فى الصّفّ المقدّم إلّا هيبته- وكان رجلا مهيبا- فكنت فى الصّفّ الّذى يليه، فأقبل عمر، فعرض له أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، ففاجأ عمر قبل أن تستوى الصّفوف، ثم طعنه ثلاث طعنات، فسمعت عمر وهو يقول:
دونكم الكلب فإنّه قد قتلنى، وماج النّاس وأسرعوا إليه، فجرح
[1] الاستيعاب 1153.
ثلاثة عشر رجلا، فانكفأ عليه رجل من خلفه فاحتضنه، وحمل عمر، فماج النّاس بعضهم فى بعض حتّى قال قائل: الصّلاة يا عباد الله، طلعت الشمس.
فقدّموا عبد الرّحمن بن عوف فصلّى بنا بأقصر سورتين فى القرآن، (إذا جاء نصر الله والفتح) و (إنّا أعطيناك الكوثر) ، واحتمل عمر، ودخل النّاس عليه، فقال: يا عبد الله بن عبّاس، اخرج فناد فى النّاس: أعن ملإ منكم هذا؟ فخرج ابن عبّاس، فقال:
أيّها النّاس، إنّ أمير المؤمنين يقول: أعن ملأ منكم هذا؟ فقالوا:
معاذ الله! والله ما علمنا ولا اطّلعنا. وقال: ادعوا إلىّ الطبيب فدعى الطبيب فقال: أىّ الشّراب أحبّ إليك؟ فقال: النّبيذ، فسقى نبيذا فخرج من بعض طعناته، فقال النّاس: هذا دم، هذا صديد، فقال: اسقونى لبنا، فسقى لبنا، فخرج من الطّعنة، فقال له الطّبيب: لا أرى أن تمسى، فما كنت فاعلا فافعل.
وروى أبو عمر أيضا بسنده إلى عوف بن عوف بن مالك الأشجعىّ:
أنّه [1] رأى فى المنام، كأنّ النّاس جمعوا، فإذا فيهم [رجل][2] فرعهم فهو فوقهم بثلاثة أذرع.
قال: فقلت: من هذا؟ فقالوا: عمر. قلت: ولم؟ قالوا:
لأنّ فيه ثلاث خصال، لأنّه لا يخاف فى الله لومة لائم، وأنّه خليفة مستخلف، وأنّه شهيد مستشهد.
قال: فأتى أبو بكر فقصّها عليه، فأرسل إلى عمر فدعاه ليبشّره،
[1] الاستيعاب 1156.
[2]
من الاستيعاب.
فجاء عمر فقال لى أبو بكر: اقصص، قال: فلمّا بلغت خليفة مستخلف، زبرنى [1] عمر وانتهرنى، وقال: اسكت، تقول هذا وهو حىّ! قال: فلمّا كان هذا بعد، وولى عمر، مررت بالمسجد وهو على المنبر، فدعانى وقال: اقصص علىّ رؤياك، فقصصتها، فلمّا قلت: إنّه لا يخاف فى الله لومة لائم قال: إنّى لأرجو أن يجعلنى الله منهم، قال فلمّا قلت:«خليفة مستخلف» قال: قد استخلفنى الله، وأسأله أن يعيننى على ما ولّانى، فلما أن ذكرّت:«شهيد مستشهد» ، قال: أنّى لى بالشّهادة وأنا بين أظهركم تغزون ولا أغزو! ثم قال:
بلى يأتى الله بها إن شاء، يأتى الله بها إن شاء [2] .
وقد روى معمر عن الزّهرى، عن سالم، عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهم: أنّ النّبىّ صلى الله عليه وسلم رأى على عمر قميصا أبيض، فقال: أجديد قميصك هذا، أم غسيل؟ قال: بل غسيل.
قال: «البس جديدا، وعش حميدا، ومت شهيدا، ويرزقك الله قرّة عين فى الدّنيا والآخرة» ، قال: وإيّاك يا رسول الله.
وروى عن عائشة رضى الله عنها، قالت: ناحت الجنّ على عمر قبل أن يقتل بثلاث، فقالت:
أبعد قتيل بالمدينة أظلمت
…
له الأرض تهتزّ العضاه بأسوق
[1] زبرنى: نهرنى.
[2]
الاستيعاب 1156.
جزى الله خيرا من إمام وباركت
…
يد الله فى ذاك الأديم الممزّق
فمن يسع أو يركب جناحى نعامة
…
ليدرك ما قدّمت بالأمس يسبق
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها
…
بوائق من أكمامها لم تفتّق
وما كنت أخشى أن تكون وفاته
…
بكفّ سبنتى أزرق العين مطرق [1]
والله سبحانه وتعالى أعلم.
[1] السبنتى: النمر.