الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر بيعة أبى بكر الصديق رضى الله عنه وخبر السقفية، وما وقع بين المهاجرين والأنصار من التراجع فى الإمارة
بويع أبو بكر الصّديق رضى الله عنه بالخلافة فى يوم الاثنين من شهر ربيع الأوّل، سنة إحدى عشرة من الهجرة؛ وهو اليوم الّذى مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى سقيفة [1] بنى ساعدة، وذلك قبل أن يشرع فى جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان من خبر سقيفة بنى ساعدة، أنّه لمّا توفّى رسول الله صلى الله عليه وسلم، اجتمعت الأنصار فى سقيفة بنى ساعدة، وقالوا: نولّى هذا الأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد ابن عبادة، وأخرجوا سعدا إليهم وهو مريض، فلمّا اجتمعوا قال سعد لأبيه- أو لبعض بنى عمّه: إنى لا أقدر أشكو، أى أن أسمع القوم كلهم كلامى؛ ولكن تلقّ منى قولى فأسمعهموه [2] ، فكان سعد يتكلّم ويحفظ الرجل قوله، فيرفع به صوته، فيسمع أصحابه، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: يا معشر الأنصار، إنّ لكم سابقة فى الدين، وفضيلة فى الإسلام ليست لقبيلة من العرب؛ إن محمدا صلى الله عليه وسلم لبث بضع عشرة سنة فى قومه يدعوهم إلى عبادة
[1] ك: «فى السقيفة» .
[2]
ص: «فاستمعوه» ، وخبر يوم السقيفة فى تاريخ الطبرى 3: 203- 223
الرحمن، وخلع الأوثان، فما آمن به من قومه إلّا رجال قليل؛ والله ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رسوله، ولا أن يعزّوا دينه، ولا أن يدفعوا عن أنفسهم فيما عمّوا به؛ حتى إذا أراد بكم الفضيلة؛ ساق إليكم الكرامة، وخصّكم بالنعمة، ورزقكم الإيمان به وبرسوله، والمنع له ولأصحابه، والإعزاز له ولدينه، والجهاد لأعدائه. فكنتم أشدّ الناس على عدوّه من غيركم؛ حتى استقامت العرب لأمر الله طوعا وكرها، وأعطى البعيد المقادة صاغرا داخرا [1] ؛ وحتى أثخن [2] الله لرسوله بكم الأرض، ودانت بأسيافكم له العرب.
وتوفّاه الله إليه وهو عنكم راض، وبكم قرير العين. استبدّوا بهذا الأمر دون النّاس؛ فإنه لكم دون الناس.
فأجابوه بأجمعهم، أن قد وفّقت فى الرأى، وأصبت فى القول، ولن نعدو ما رأيت؛ نولّيك هذا الأمر؛ فإنك فينا رفيع، ولصالح المؤمنين رضا.
ثم إنهم ترادّاوا الكلام، فقالوا: فإن أبت مهاجرة قريش؟ فقالوا:
نحن المهاجرون وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأولون.
ونحن عشيرته وأولياؤه؛ فعلام تنازعوننا الأمر من بعده؟ فقالت طائفة منهم: فإنا نقول إذا فمنّا أمير ومنكم أمير، ولن نرضى بدون هذا أبدا. فقال سعد بن عبادة حين سمعها: هذا أول الوهن! وأتى عمر رضى الله عنه الخبر، فأقبل إلى منزل النبىّ صلّى الله
[1] داخرا، أى ذليلا.
[2]
أثخن: أو غل.
عليه وسلّم، فأرسل إلى أبى بكر، وأبو بكر فى الدار، وعلىّ بن أبى طالب دائب فى جهاز النبىّ صلى الله عليه وسلم؛ فأرسل إلى أبى بكر، أن اخرج إلىّ؛ فأرسل إليه: إنّى مشتغل، فأرسل إليه: إنه قد حدث [1] أمر لا بدّ لك من حضوره، فخرج إليه، فقال: أما علمت أنّ الأنصار قد اجتمعت فى سقيفة بنى ساعدة، يريدون أن يولّوا هذا الأمر سعد بن عبادة؛ وأحسنهم مقالة من يقول: منّا أمير ومن قريش أمير! فخرجا [2] مسرعين نحوهم، فلقيا أبا عبيدة بن الجراح، فتماشوا إليهم ثلاثتهم، فلقيهم عاصم بن عدىّ وعويم بن ساعدة، فقالا لهم: أين تريدون؟ قالوا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار.
قالا: فارجعوا. فاقضوا أمركم بينكم؛ فإنّه لم يكن إلا ما تحبون، فقالوا: لا نفعل.
قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى حديثه: فقلت: والله لنأتينّهم! قال: فأتيناهم [3] وهم مجتمعون فى سقيفة بنى ساعدة وإذا بين أظهرهم رجل مزمّل، فقلت: من هذا؟ قالوا: سعد ابن عبادة. قلت: ما شأنه؟ قالوا: وجع، فقام رجل منهم، فحمد الله وقال: أمّا بعد، فنحن الأنصار، وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر قريش رهطنا، وقد دفّت إلينا من قومكم دافّة.
قال: فلما رأيتهم يريدون أن يختزلونا من أصلنا، ويغصبونا
الأمر. وقد كنت زوّرت فى نفسى مقالة أقدّمها بين يدى أبى بكر، وكنت أدارى منه بعض الحدّ، وهو كان أوقر منى وأحلم، فلمّا أردت أن أتكلّم قال لى: على رسلك! وكرهت أن أغضبه، فقام، فحمد الله، وأثنى عليه، فما ترك شيئا زوّرت فى نفسى أن أتكلم به لو تكلمت، إلا قد جاء به، أو بأحسن منه.
وقال: أمّا بعد، يا معشر الأنصار، فإنّكم لا تذكرون منكم فضلا إلّا أنتم له أهل، وإنّ العرب لا تعرف هذا الأمر إلّا لهذا الحىّ من قريش؛ هم أوسط العرب دارا ونسبا، وإنّى قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيّهما شئتم. وأخذ بيدى وبيد أبى عبيدة بن الجراح.
يقول عمر وهو على المنبر: وإنّى والله ما كرهت من كلامه شيئا غير هذه الكلمة، أن كنت أقدّم فتضرب عنقى أحبّ إلىّ من أن أؤمّر على قوم فيهم أبو بكر.
قال: فلما قضى أبو بكر كلامه قام منهم رجل، فقال: أنا جذيلها المحكّك، وعذيقها المرجّب؛ منّا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش.
قال عمر: وارتفعت الأصوات، وكثر اللغظ، فلما أشفقت الاختلاف قلت لأبى بكر: ابسط يدك نبايعك، فبسط يده فبايعته، وبايعه المهاجرون، وبايعه الأنصار، ثمّ نزوا على سعد؛ حتى قال قائلهم: قتلتم سعد بن عبادة. فقلت: قتل الله سعدا! وإنا والله ما وجدنا أمرا هو أقوى من مبايعة أبى بكر، إنّا خشينا إن
فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة، فإما أن نبايعهم على ما نرضى، أو نخالفهم فيكون فشل.
ومن رواية عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى عمر الأنصارىّ، وذكر ما تكلّم به أبو بكر الصديق رضى الله عنه، وما قاله الأنصار، فقال بعد أن ساق ما تقدم أو نحوه، ثم قال: فبدأ أبو بكر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: إنّ الله بعث محمّدا صلى الله عليه وسلم رسولا إلى خلقه، وشهيدا على أمّته؛ ليعبدوا الله ويوحّدوه وهم يعبدون من دونه آلهة شتى، يزعمون أنّها لهم عنده شافعة، ولهم نافعة، وإنّما هى حجر منحوت، وخشب منجور.
ثم قرأ: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ
[1]
، وقالوا: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى
[2]
فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم، فخصّ الله المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه والإيمان به، والمواساة [له][3] والصبر معه، على شدّة أذى قومهم لهم، وتكذيبهم إيّاهم، وكلّ الناس لهم مخالف، وعليهم زار [4] ، فلم يستوحشوا لقلة عددهم، وشنف النّاس لهم، وإجماع قومهم عليهم، فهم أوّل من عبد الله فى الأرض، وآمن بالله والرّسول، وهم أولياؤه وعشيرته، وأحقّ الناس بهذا الأمر من بعده، ولا ينازعهم
[1] سورة يونس 18.
[2]
سورة الزمر 3.
[3]
تكملة من ص.
[4]
زار: محتقر.
ذلك إلا ظالم. وأنتم يا معشر الأنصار، أنتم من لا ينكر فضلهم فى الدّين، ولا سابقتهم العظيمة فى الإسلام، رضيكم الله أنصارا لدينه ورسوله، وجعل إليكم هجرته، وفيكم جلّة أزواجه وأصحابه، فليس بعد المهاجرين الأولين عندنا أحد بمنزلتكم، فنحن الأمراء، وأنتم الوزراء، لا تفاتون بمشورة ولا تقضى دونكم الأمور.
قال: فقام الحباب بن المنذر بن الجموح، فقال: يا معشر الأنصار، املكوا على أيديكم. فإنّ الناس فى فيئكم وفى ظلّكم، ولن يجترئ مجترئ على خلافكم، ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم؛ وأنتم أهل العزّ والثّروة، وأولو العدد والتجربة، وذوو البأس والنّجدة؛ وإنما ينظر الناس إلى ما تصنعون، فلا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم، وتنتقض [عليكم][1] أموركم، فإن أبى هؤلاء إلا ما سمعتم، فمنا أمير ومنهم أمير.
فقال عمر: هيهات! لا يجتمع اثنان فى قرن! إنه والله لا يرضى العرب أن يؤمّروكم ونبيّها صلى الله عليه وسلم من غيركم؛ ولكن العرب لا تمتنع أن تولّى أمورها من كانت النبوّة فيهم، وولىّ أمورهم منهم؛ ولنا بذلك على من أبى من العرب الحجّة الظاهرة والسلطان المبين. من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته؛ ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل، أو متجانف لإثم أو متوّرط. فى هلكة!.
فقام الحباب بن المنذر، فقال: يا معشر الأنصار، املكوا على أيديكم، ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه، فيذهبوا بنصيبكم من
[1] زيادة من تاريخ الطبرى.
هذا الأمر، فإن أبوا عليكم ما سألتموه، فأجلوهم عن هذه البلاد، وتولّوا عليهم هذه الأمور؛ فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم؛ فإنه بأسيافكم دان [1] لهذا الدّين من لم يكن يدين، أنا جذيلها المحكّك وعذيقها المرّجّب؛ أما والله لئن شئتم لنعيدنّها جذعة [2] ! فقال له عمر: إذن يقتلك الله! قال: بل إياك يقتل.
فقال أبو عبيدة: يا معشر الأنصار، إنّكم أوّل من نصر وآزر، فلا تكونوا أوّل من بدّل وغيّر.
فقال بشير بن سعد، أبو النعمان بن بشير:
يا معشر الأنصار، إنّا والله لئن كنّا أولى فضيلة فى جهاد المشركين، وسابقة فى هذا الدّين، ما أردنا به إلا رضا ربّنا، وطاعة نبيّنا صلى الله عليه وسلم، والكدح لأنفسنا؛ ما ينبغى لنا أن نستطيل بذلك على الناس، ولا نبتغى به من الدنيا عرضا، فإن الله ولىّ المنة علينا بذلك؛ ألا إن محمدا صلى الله عليه وسلم من قريش، وقومه أحقّ به وأولى. وايم الله لا يرانى الله أنازعهم هذا الأمر أبدا! فاتقوا الله ولا تخالفوهم، ولا تنازعوهم.
فقال أبو بكر رضى الله عنه: هذا عمر وأبو عبيدة، فأيّهما شئتم فبايعوا؛ فقالا: والله لا نتولّى هذا الأمر عليك، وأنت أفضل المهاجرين، وثانى اثنين إذ هما فى الغار، وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصلاة، والصّلاة أفضل دين المسلمين،
[1] دان: خضع.
[2]
جذعة: فتية.
فمن ذا ينبغى له أن يتقدّمك أو يتولّى هذا الأمر عليك! ابسط نيايعك [1] فلمّا ذهبا ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه، فناداه المنذر بن الحباب: يا بشير بن سعد، عققت عقاق [2] ! ما أحوجك [3] إلى ما صنعت! أنفست على ابن عمّك الإمارة! قال: لا والله، ولكن كرهت أن أنازع قوما [حقا][4] جعله الله لهم.
قال: ولما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد، وما تدعو إليه قريش، وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة، قال بعضهم لبعض- وفيهم أسيد بن حضير: والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرّة، لازالت لهم عليكم بذلك الفضيلة، ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيبا أبدا [فقوموا][4] فبايعوا أبا بكر. فقاموا إليه فبايعوه، وانكسر على سعد بن عبادة وعلى الخزرج ما كانوا اجتمعوا له من أمرهم.
قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى فى تاريخه: فروى عن أبى بكر بن محمد الخزاعىّ: إنّ أسلم أقبلت بجماعتها حتى تضايقت بها السكك ليبايعوا أبا بكر، فكان عمر يقول: ما هو إلّا أن رأيت أسلم، فأيقنت بالنّصر.
قال عبد الله بن عبد الرحمن: فأقبل النّاس من كلّ جانب يبايعون أبا بكر، وكادوا يطئون سعد بن عبادة، فقال ناس من أصحاب سعد:
اتقوا سعدا لا تطئوه، فقال عمر: اقتلوه، اقتلوه، قتله الله! ثم قام
على رأسه فقال: لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضوك [1] ؛ فأخذ قيس بن سعد بلحية عمر، ثم قال: والله لو حصصت منها شعرة ما رجعت وفى فيك واضحة [2] .
فقال أبو بكر: مهلا يا عمر، الرفق هاهنا أبلغ! فأعرض عنه عمر؛ وقال سعد: أما والله لو أنّ بى من قوتى ما أقوى على النهوض لسمعتم منى فى أقطارها وسككها زئيرا يجحرك [3] وأصحابك.
أما والله إذا لألحقنّك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع. احملونى عن هذا المكان، فحملوه فأدخلوه داره، وترك أياما ثم بعث إليه أن أقبل فبايع؛ فقد بايع الناس وبايع قومك؛ فقال: أما والله حتّى أرميكم بما فى كنانتى من نبل، وأخضب منكم سنان رمحى، وأضربكم بسيفى ما ملكته يدى، وأقاتلكم بأهل بيتى ومن أطاعنى من قومى، فلا أفعل وايم الله: لو أن الجنّ اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربى وأعلم ما حسابى.
فلما أتى أبو بكر بذلك قال له عمر: لا تدعه حتى يبايع؛ فقال له بشير بن سعد: إنه قد لجّ [وأبى][4] وإنه ليس يبايعكم حتى يقتل، وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده وأهل بيته وطائفة من عشيرته. فاتركوه، فليس تركه يضارّكم، إنما هو رجل واحد. فتركوه، وقبلوا مشورة بشير بن سعد، واستنصحوه
[1] أى تزال عن موضعها، وفى الطبرى:«عضدك» .
[2]
الواضحة من الأسنان: التى تبدو عند الضحك.
[3]
يجحرك وأصحابك، أى يدخلكم المضايق.
[4]
زيادة من تاريخ الطبرى.
لما بدا لهم منه؛ فكان سعد بن عبادة لا يصلّى بصلاتهم، ولا يجمع معهم، ويحجّ ولا يفيض معهم بإفاضتهم، فلم يزل كذلك حتى هلك أبو بكر الصديق رضى الله عنه.
وعن الضّحاك بن خليفة، أنّ سعد بن عبادة بايع.
وعن جابر، قال: قال سعد بن عبادة يومئذ لأبى بكر: إنّكم يا معشر المهاجرين حسدتمونى على الإمارة، وإنّك وقومى أجبرتمونى على البيعة؛ فقال أبو بكر: إنّا لو أجبرناك على الفرقة فصرت إلى الجماعة كنت فى سعة، ولكنّا أجبرناك على الجماعة فلا إقالة فيها؛ لئن نزعت يدا من طاعة، أو فرّقت جماعة لأضربنّ الذى فيه عيناك.
وحكى أبو عمر بن عبد البرّ رحمه الله؛ أنّ عمر رضى الله عنه قال: نشدتكم الله! هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلّى بالناس! فقالوا: اللهمّ نعم، قال:
فأيّكم تطيب نفسه أن يزيله عن مقام أقامه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقالوا: كلنا لا تطيب نفسه، ونستغفر الله. وبايعوه [1] .
قال: ثم بويع البيعة العامة يوم الثلاثاء من غد ذلك اليوم، وتخلّف عن بيعته سعد بن عبادة، وطائفة من الخزرج، وفرقة من قريش، ثم بايعوه بعد غير سعد.
[1] الاستيعاب 970.
وقيل: إنه لم يتخلّف عن بيعته يومئذ أحد من قريش.
وقيل: تخلّف عنه من قريش: علىّ، والزّبير، وطلحة، وخالد ابن سعد بن العاص. ثم بايعوه بعد.
وقد قيل: إن علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه لم يبايعه إلا بعد موت فاطمة رضى الله عنها، ثم لم يزل سامعا مطيعا له؛ يثنى عليه ويفضّله.
وقيل: إنه تخلّف علىّ وبنو هاشم والزّبير وطلحة عن البيعة، وقال الزّبير: لا أغمد سيفى حتى يبايع علىّ، فقال عمر:
خذوا سيفه، فاضربوا به الحجر؛ ثم أتاهم عمر فأخذهم للبيعة.
وقيل: إنّ عليّا لما سمع ببيعة أبى بكر خرج فى قميص، ما عليه إزار ولا رداء، عجلا حتى بايعه، ثم استدعى إزاره ورداءه.
وحكى محمد بن إسحاق رحمه الله؛ عن عبد الله بن أبى بكر، أنّ خالد بن سعيد بن العاص قدم من اليمن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتربّص ببيعته لأبى بكر شهرين، وكان يقول:
قد أمّرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعزلنى، ثم بايع أبا بكر.
فلمّا بعث أبو بكر الجنود إلى الشام، كان أول من بعث على ربع منها خالد بن سعيد، فلم يزل به عمر حتى عزله، وأمّر يزيد ابن أبى سفيان، وكان عمر رضى الله عنه قد اضطغن عليه تأخره عن بيعة أبى بكر.
وعن عكرمة، قال: لمّا بويع لأبى بكر تخلّف عن بيعته علىّ، وجلس فى بيته، فلقيه عمر، فقال: تخلّفت عن بيعة أبى بكر،
فقال: إنّى أكتب بيمين حين قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ألّا أرتدى برداء إلّا إلى الصلاة المكتوبة؛ حتى أجمع القرآن؛ فإنى خشيت أن ينفلت، ثم خرج فبايع.
وعن مالك بن مغول [1] ، عن ابن أبجر، قال: لما بويع لأبى بكر الصديق جاء أبو سفيان بن حرب إلى علىّ، فقال: غلبكم على هذا الأمر أرذل بيت فى قريش! أما والله لأملأنّها خيلا ورجلا! فقال له علىّ: ما زلت عدوّ الإسلام وأهله، فما ضرّ ذلك الإسلام وأهله شيئا.
إنّا رأينا أبا بكر لها أهلا. ورواه عبد الرزاق، عن ابن المبارك.
وروى أبو عمر بن عبد البر بسنده، عن زيد بن أسلم، عن أبيه:
أن عليّا والزبير كانا حين بويع [2] لأبى بكر يدخلان على فاطمة فيشاورانها فى أمرهم، فبلغ ذلك عمر، فدخل عليها فقال: يا بنت رسول الله، ما كان من الخلق أحد أحبّ إلينا من أبيك، وما أحد أحبّ إلينا بعده منك، وقد بلغنى أن هؤلاء النّفر يدخلون عليك، ولئن بلغنى لأفعلنّ ولأفعلنّ! ثم خرج وجاءوها فقالت لهم: إن عمر قد جاءنى وحلف إن عدتم ليفعلنّ، وايم الله ليفينّ بها، فانظروا فى أمركم، ولا تنظروا إلىّ؛ فانصرفوا ولم يرجعوا حتى بايعوا لأبى بكر. رضى الله عنهم أجمعين [3] .
وهذا الحديث يردّ قول من زعم أن علىّ بن أبى طالب لم يبايع إلا بعد وفاة فاطمة رضى الله عنها.
[1] ص: «معول» .
[2]
ص: «بايع» .
[3]
الاستيعاب 975.
ولما بويع لأبى بكر رضى الله عنه، قال ابن [أبى] [1] عزّة القرشى الجمحىّ:
شكرا لمن هو بالثّناء خليق
…
ذهب الّلجاج وبويع الصّدّيق
من بعد ما ذهبت بسعد بغله
…
ورجا رجاء دونه العيّوق
جاءت به الأنصار عاصب رأسه
…
فأتى به الصديق والفاروق [2]
وأبو عبيدة والّذين إليهم
…
نفس المؤمّل للبقاء تتوق
كنّا نقول لها علىّ والرضا
…
عمر وأولاهم بتلك عتيق
فدعت قريش باسمه فأجابها
…
إنّ المنوّة باسمه الموثوق
وروى عن سعيد بن المسيّب، قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجّت مكة، فسمع أبو قحافة، فقالوا:
ما هذا؟ فقالوا: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا:
أمر جلل، فمن ولى بعده؟ قالوا: ابنك، قال: فهل رضيت بذلك بنو عبد مناف وبنو المغيرة؟ قالوا: نعم. قال: لا مانع لما أعطى الله، ولا معطى لما منع الله. والله تعالى أعلم، والحمد لله وحده، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
[1] من الاستيعاب 976.
[2]
ص: «فأتاهم الصديق» .