الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر فرض العطاء وعمل الديوان
سنة خمس عشرة: وفى هذه السنة فرض عمر رضى الله عنه للمسلمين الفروض، ودوّن الدّواوين، وأعطى العطايا على السّابقة فى الإسلام لا على البيوت.
قال: ولمّا فرض العطايا أعطى صفوان بن أميّة والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو فى أهل الفتح أقلّ ممّا أعطى من قبلهم، فامتنعوا من أخذه، وقالوا: لا نعترف أن يكون أحد أكرم منّا، فقال:
إنّى إنّما أعطيتهم على السّابقة فى الإسلام لا فى الأحساب، فقالوا:
نعم إذن، وأخذوا.
وخرج الحارث وسهيل بأهليهما نحو الشّام، فلم يزالا مجاهدين حتّى أصيبا فى بعض تلك الدّروب. وقيل: ماتا فى طاعون عمواس.
وقيل: لمّا أراد عمر وضع الدّيوان، قال له علىّ بن أبى طالب، كرّم الله وجهه وعبد الرّحمن بن عوف رضى الله تعالى عنهم: ابدأ بنفسك. فقال: لا، بل أبدأ بعمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمّ الأقرب فالأقرب. ففرض للعبّاس، وبدأ به، وجعل له خمسة وعشرين ألفا، [وقيل: فرض له اثنى عشر ألفا] [1] ثم فرض لأهل بدر لكلّ منهم خمسة آلاف، وألحق بهم أربعة لم يكونوا منهم، وهم: الحسن والحسين أبو ذرّ وسلمان [2] رضى الله تعالى عنهم.
[1] من ص.
[2]
ك: «وعثمان» .
وفرض لمن بعد بدر إلى الحديبية لكلّ منهم أربعة آلاف، وفرض لمن بعد الحديبية إلى قتال الرّدّة، لكل منهم ثلاثة آلاف، كان منهم من شهد الفتح.
وفرض لأهل الأيّام قبل القادسيّة، وأهل الشّام، فى ألفين ألفين.
وفرض لأهل البلاء منهم فى ألفين وخمسمائة، فقيل له: لو ألحقت أهل القادسيّة بأهل الأيام! قال: لم أكن لألحقهم بدرجة من لم يدركوا.
وقيل له: قد سوّيت من بعدت داره بمن قربت داره، وقاتلهم عن فنائه، فقال: من قربت داره أحقّ بالزّيادة، لأنّهم كانوا ردءا للحتوف، وشجى؟؟؟ للعدوّ، فهلّا قال المهاجرون مثل قولكم حين سوّينا بين السابقين منهم والأنصار! فقد كانت نصرة الأنصار بفنائهم، وهاجر إليهم المهاجرون من بعد. والله أعلم.
وفرض لمن بعد القادسيّة واليرموك ألفا ألفا.
وفرض للرّوادف الّتى فى خمسمائة خمسمائة، وللرّوادف الثلث فى ثلاثمائة، سوّى كلّ طبقة فى العطاء، قويّهم وضعيفهم، عربيّهم وعجميّهم. وفرض للرّوادف الربع فيها فى مائتين وخمسين.
وفرض لمن بعدهم وهم أهل هجر والعباد على مائتين.
وأعطى نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم رضى الله عنهن عشرة آلاف عشرة آلاف إلّا من جرى عليها الملك. فقال نسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفضّلنا عليهنّ فى القسمة، فسوّ بيننا؛ ففعل، وفضّل عائشة
رضى الله عنها بألفين لمحبّة رسول الله صلى الله عليه وسلم إيّاها، فلم تأخذها.
وجعل لنساء أهل بدر خمسمائة خمسمائة، ونساء من بعدهم إلى الحديبية أربعمائة أربعمائة، ونساء من بعدهم إلى الأيّام ثلاثمائة ثلاثمائة، ونساء أهل القادسيّة مائتين مائتين، ثم سوّى بين النّساء بعد ذلك.
وجعل الصبيان سواء على مائة مائة، ثم جمع ستّين مسكينا وأطعمهم الخبز، فأحصوا ما أكلوا، فوجدوه يخرج من جريبين، ففرض لكلّ إنسان منهم ولعياله جرييين فى الشّهر.
وقال عمر رضى الله عنه قبل موته: لقد هممت أن أجعل العطاء أربعة آلاف أربعة آلاف، [ألف][1] يجعلها الرجل فى أهله، وألف يتزوّدها معه، وألف يتجهّز بها، وألف يرتفق بها، فمات قبل أن يفعل.
وقال له رجل عند فرض العطاء: يا أمير المؤمنين، لو [كنت] [1] تركت فى بيوت الأموال عدّة لكون إن كان فقال: كلمة ألقاها الشيطان على فيك. وقانى الله شرّها، وهى فتنة لمن بعدى، بل أعدّ لهم ما أعدّ الله ورسوله، [طاعة الله ورسوله][1] ، هما عدّتنا الّتى بهما أفضينا إلى ما ترون؛ فإذا كان المال ثمن دين أحدكم هلكتم.
وقال عمر رضى الله عنه للمسلمين: إنّى كنت امرأ تاجرا [2]
[1] من ص.
[2]
ك: «تجرا» .
يغنى الله عيالى بتجارتى، وقد شغلتمونى بأمركم هذا، فما ترون أنّه يحلّ لى فى هذا المال؟ فأكثر القوم، وعلىّ رضى الله عنه ساكت، فقال: ما تقول يا علىّ؟ فقال: ما أصلحك وأصلح عيالك بالمعروف، ليس لك غيره. فقال القوم: القول ما قال علىّ. فأخذ قوته [1] ، واشتدت حاجة عمر رضى الله عنه. فاجتمع نفر [2] من الصّحابة منهم عثمان، وعلىّ، وطلحة، والزبير، فقالوا: لو قلنا لعمر فى زيادة يزيدها إيّاه فى رزقه؟ فقال عثمان رضى الله عنه: هلمّوا فلنستبرئ ما عنده من وراء وراء. فأتوا حفصة ابنته فأعلموها الحال، واستكتموها ألّا تخبر بهم عمر.
فلقيت عمر فى ذلك، فغضب وقال: من هؤلاء لأسؤنّهم؟ قالت:
لا سبيل إلى علمهم. قال: أنت بينى وبينهم، ما أفضل ما اقتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيتك من الملبس؟ قالت: ثوبين ممشّقين كان يلبسهما للوفد والجمع، قال: فأىّ الطعام ناله عندك أرفع؟ قالت: خبزنا خبز شعير، فصببنا عليه وهو حارّ أسفل عكّة [2] لنا، فجعلتها دسمة حلوة، فأكل منها. فقال:
أىّ بسط كان يبسط عندك كان أوطأ؟ قالت: كساء ثخين كنّا نرقعه برقعة فى الصّيف فإذا كان الشتاء بسطنا نصفه، وتدثّرنا بنصفه، قال: يا حفصة، فأبلغيهم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
[1] ك: «قوة» ، تحريف.
[2]
ك: «رجالا» .
[3]
العكة: إناء يوضع فيه السمن.
قدّر فوضع الفضول مواضعها، وتبلّغ بالتّرجية، فو الله لأضعنّ الفضول مواضعها، ولأتبلّغنّ بالترجية؛ وإنّما مثلى ومثل صاحبىّ كثلاثة سلكوا طريقا، فمضى الأول وقد تزوّد فبلغ المنزل، وتبعه الآخر فسلك طريقه فأفضى إليه، ثم اتّبعه الثالث؛ فإن لزم طريقهما ورضى بزادهما لحق [1] بهما، وإن سلك غير طريقهما لم يجامعهما.
سنة ست عشرة: وفى هذه السّنة حجّ عمر رضى الله عنه بالنّاس، وفيها غرّب [2] عمر رضى الله عنه أبا محجن الثّقفىّ إلى ناصع.
وفيها حمى الرّبذة بخيل المسلمين.
وفيها ماتت مارية أمّ إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلّى عليها عمر، ودفنها بالبقيع؛ وذلك فى المحرّم.
وفيها كتب عمر التّاريخ بمشورة علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه.
وفيها حجّ عمر بالنّاس، واستخلف على المدينة زيد بن ثابت.
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبى ونعم الوكيل.
[1] ك: «لزم» .
[2]
ك: «عذب» .