الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر عقد أبى بكر رضى الله عنه الألوية
وتجهيزه الجيوش لقتال أهل الردة وما كاتب به من ارتد وما عهد.
قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبرىّ رحمه الله فى تاريخه [1] ما مختصره ومعناه: لما رجع أبو بكر رضى الله عنه إلى المدينة، وأراح أسامة وجنده ظهرهم [وجمّوا][2] ، وقد جاءت صدقات كثيرة تفضل عنهم، قطع أبو بكر البعوث وعقد الألوية، فعقد أحد عشر لواء:
عقد لخالد بن الوليد، وأمره بطليحة؛ فإذا فرغ سار إلى مالك ابن نويرة بالبطاح إن أقام له.
وعقد لعكرمة وأمره بمسيلمة الكذّاب باليمامة.
وعقد للمهاجر بن أبى أميّة، وأمره بجنود العنسى ومعونة الأبناء على قيس بن المكشوخ، ومن أعانه من أهل اليمن عليهم، ثم يمضى إلى كندة بحضرموت.
وعقد لخالد بن سعيد بن العاص، وبعثه إلى الحمقتين من مشارف الشام.
وعقد لعمرو بن العاص وأرسله إلى جماع قضاعة ووديعة والحارث.
وعقد لحذيفة بن محصن الغلفانىّ، وأمره بأهل دبا.
[1] تاريخ الطبرى 3: 249 وما بعدها.
[2]
زيادة من تاريخ الطبرى.
ابن هرثمة، وأمره بمهرة وأمرهما أن يجتمع كل واحد منها فى عمله.
وبعث شرحبيل بن حسنة فى أثر عكرمة بن أبى جهل وقال:
إذا فرغ من اليمامة فالحق بقضاعة؛ وأنت على خيلك تقاتل أهل الرّدّة.
وعقد لمعن بن حاجز- ويقال: لطريفة بن حاجز- وأمره ببنى سليم ومن معهم من هوازن.
وعقد لسويد بن مقرّن؛ وأمره بتهامة اليمن.
وعقد للعلاء بن الحضرمىّ، وأمره بالبحرين.
ففصلت الأمراء من ذى القصّة، ولحق بكلّ أمير جنده، وعهد إلى كلّ أمير منهم، وكتب رضى الله عنه إلى سائر من ارتد نسخة واحدة، وهى:
بسم الله الرّحمن الرّحيم من أبى بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من بلغه كتابى هذا من عامّة أو خاصة. أقام على إسلامه أو رجع عنه.
سلام على من اتبع الهدى، ولم يرجع بعد الهدى إلى الضّلالة والعمى، فإنى أحمد الله إليكم الذى لا إله إلّا هو، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمدا عبده ورسوله، وأقرّ بما جاء به.
أما بعد؛ فإنّ الله أرسل محمدا بالحقّ من عنده إلى خلقه بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا؛ لينذر من كان حيّا.
ويحقّ القول على الكافرين، فهدى الله للحقّ من أجاب إليه، وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإذنه من أدبر عنه؛ حتّى صار إلى الإسلام طوعا وكرها، ثم توفّى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نفذ لأمر الله، ونصح لأمّته، وقضى الذى عليه.
وكان الله قد بيّن له ذلك ولأهل الإسلام فى الكتاب الذى أنزله؛ فقال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ
[1]
، وقال: وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ
[2]
، وقال للمؤمنين:
وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ
. [3]
فمن كان إنما يعبد محمدا، صلى الله عليه وسلم؛ فإنّ محمدا قد مات، ومن كان إنّما يعبد الله وحده لا شريك له، فإنّ الله له بالمرصاد، حىّ قيّوم لا يموت، ولا تأخذه سنة ولا نوم، حافظ لأمره، منتقم من عدوّه، يجزيه.
وإنى أوصيكم بتقوى الله، وحظّكم ونصيبكم من الله، وما جاء به نبيكم، وأن تهتدوا بهداه، وأن تعتصموا بدين الله، فإنّ كل من لم يهده الله ضالّ، وكل من لم يعافه الله مبتلى، وكل من لم يعنه الله مخذول.
فمن هداه الله كان مهتديا، ومن أضلّه الله كان ضالّا، فإنّه قال
[1] سورة الزمر 30.
[2]
سورة الأنبياء 34.
[3]
سورة آل عمران 144.
مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً
[1]
.
ولم يقبل منه فى الدّنيا عمل حتى يقرّبه، ولم يقبل له فى الآخرة صرف ولا عدل.
وقد بلغنى رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أنّ أقرّ بالإسلام، وعمل به اغترارا بالله وجهالة بأمره، وإجابة للشيطان.
وقال الله جلّ ثناؤه: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ، أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا
. [2]
وقال: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ
[3]
.
وإنّى بعثت إليكم فلانا فى جيش من المهاجرين والأنصار والتّابعين لهم بإحسان، وأمرته ألّا يقاتل أحدا ولا يقتله حتى يدعوه إلى داعية الله، فمن استجاب له وأقرّ وكفّ، وعمل صالحا قبل منه، وأعانه عليه، ومن أبى أمرت أن يقاتله على ذلك، ثم لا يبقى على أحد منهم قدر عليه، وأن يحرقهم بالنيران ويقتلهم كل قتلة، ويسبى النساء والذرارىّ، ولا يقبل من أحد إلا الإسلام.
فمن اتّبعه فهو خير له، ومن تركه فلن يعجز الله، وقد أمرت رسولى أن يقرأ كتابى فى كلّ مجمع لكم.
والدّاعية الأذان؛ فإذا أذّن المسلمون فأذّنوا كفّوا عنهم، وإن لم
[1] سورة الكهف 17.
[2]
سورة الكهف 50.
[3]
سورة فاطر 6.
يؤذّنوا عاجدوهم؛ وإن أذّنوا اسألوهم ما علّتهم، فإن أبوا عاجلوهم، وإن أقرّوا قبل منهم وحملهم على ما ينبغى لهم.
قال: فنفذت الرّسل بالكتب أمام الجنود، وخرجت الأمراء ومعهم العهود.
بسم الله الرحمن الرحيم هذا عهد من أبى بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلان؛ حين بعثه فيمن بعث لقتال من رجع عن الإسلام؛ عهد [1] إليه أن يتّقى الله ما استطاع فى أمره كلّه؛ سرّه وعلانيته، وأمره بالجدّ فى الله ومجاهدة من تولّى عنه، ورجع عن الإسلام، فإن أجابوه أمسك عنهم، وإن لم يجيبوه شنّ غارته عليهم حتى يقرّوا له، ثم ينبّئهم بالّذى عليهم والذى لهم، ويأخذ ما عليهم، ويعطيهم الذى لهم؛ لا ينظرهم، ولا يردّ المسلمين عن قتال عدوّهم، فمن أجاب إلى أمر الله وأقرّ له قبل ذلك منه، وأعانه عليه بالمعروف [وإنّما يقاتل من كفر بالله على الإقرار بما جاء من عند الله][2] ، وإذا أجاب الدّعوة لم يكن عليه سبيل، وكان الله حسيبه فيما استسر به، ومن لم يجب داعية الله قتل وقوتل حيث كان، وحيث بلغ مراغمه [3] ؛ لا يقبل من أحد شيئا أعطاه إلّا الإسلام، فمن أجابه وأقرّ قبل منه وعلّمه، ومن أبى قاتله؛ فإن أظهره الله [عليه][2] قتل منهم كلّ
[1] الطبرى: «وعهد إليه» .
[2]
زيادة من تاريخ الطبرى.
[3]
المراغم: المهرب والمذهب ولحصن.