الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ما ورد من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر على أمته من بعده وحجة من قال ذلك
قال الفقيه الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البرّ النمرىّ رحمه الله: استخلف [1] رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضى الله عنه على أمته من بعده؛ بما أظهر من الدلائل البينّة على محبّته فى ذلك، وبالتعريض الذى يقوم مقام التّصريح، ولم يصرّح بذلك لأنه لم يؤمر فيه بشىء.
وكان صلى الله عليه وسلم لا يصنع شيئا فى دين الله إلا بوحى، والخلافة ركن من أركان الدين.
قال: ومن الدليل الواضح [2] على ما قلنا، ما حدّثنا سعيد ابن نصر وعبد الوارث بن سفيان، قالا: حدّثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدّثنا أحمد بن زهير، قال: حدّثنا منصور بن سلمة.
وأخبرنا أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا الميمون بن حمزة الحسينىّ بمصر، قال: حدثنا الطّحاوىّ؛ قال: حدثنا المزنىّ، قال: حدّثنا الشافعىّ؛ قال: حدّثنا إبراهيم بن سعد بن أبى وقّاص عن أبيه عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال: أتت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألها عن شىء، فأمرها أن ترجع إليه.
فقالت: يا رسول الله، أرأيت إن جئت ولم أجدك؟ - تعنى الموت- فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن لم تجدينى فأت أبا بكر» .
[1] الاستيعاب 969 وما بعدها.
[2]
الاستيعاب: «الدلائل الواضحة» .
قال الشافعىّ رحمه الله: فى هذا الحديث دليل على أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر.
وقد تقدم فى السيرة النبويّة
عن عاصم، عن قتادة، قال: ابتاع النبى صلى الله عليه وسلم بعيرا من رجل إلى أجل، فقال: يا رسول، إن جئت فلم أجدك؟ - يعنى الموت-، قال: فائت أبا بكر، قال: فإن جئت فلم أجد أبا بكر؟ [يعنى][1]- بعد الموت، قال: فائت عمر، قال: إن جئت فلم أجد عمر؟ قال: إن استطعت أن تموت إذا مات عمر، فمت.
وساق أبو عمر [2] بن عبد البرّ فى أدلّته على استخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم له أحاديث الصلاة، وكونه استخلفه أن يصلّى بالناس فى مرضه.
وقد قدمنا ذكر ذلك كلّه فى خبر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وممّا يؤيد ذلك ويعضّده ما قدّمناه من
حديث عائشة رضى الله عنها، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لها:«لقد هممت- أو أردت- أن أرسل إلى أبيك، أو أخيك فأقضى أمرى، وأعهد عهدى؛ فلا يطمع فى الأمر طامع، ولا يقول القائلون، أو يتمنّى المتمنّون» ثم قال: «كلا يأبى الله ويدفع المؤمنون» ، أو «يدفع الله ويأبى المؤمنون» .
وقال بعضهم فى حديثه: «ويأبى الله إلا أبا بكر»
. وفى الحديث الآخر
عن أبى مليكة، قال: قال النبىّ صلّى الله
[1] تكملة يقتضيها السياق.
[2]
ك: «أبو بكر» وهو خطأ.
عليه وسلّم فى مرضه الذى مات فيه: «ادعوا إلىّ أبا بكر» ، فقالت عائشة: إنّ أبا بكر رجل يغلبه البكاء؛ ولكن إن شئت دعونا لك ابن الخطاب؛ قال: «ادعوا إلىّ أبا بكر، قالت: إن أبا بكر يرقّ، ولكن إن شئت دعونا لك ابن الخطاب، فقال: «إنكن صواحب يوسف، ادعوا أبا بكر وابنه؛ فليكتب؛ أن يطمع فى أمر أبى بكر طامع، أو يتمنى متمنّ» . ثم قال: «يأبى الله ذلك والمؤمنون، يأبى الله ذلك والمؤمنون!»
. قالت عائشة: فأبى الله ذلك والمؤمنون.
وفى هذا الحديث والذى قبله تصريح [1] على أنه الخليفة بعده، ودليل على أن الكتاب الّذى أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتبه، وتركه لما كثر عنده التنازع؛ إنما كان المراد به أن ينصّ على أبى بكر فى الخلافة. والله تعالى أعلم.
وروى أبو عمر بسنده إلى عبد الله بن مسعود، أنه قال: اجعلوا إمامكم خيركم؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل إمامنا خيرنا بعده.
وروى الحسن البصرىّ، عن قيس بن عباد، قال: قال لى علىّ ابن أبى طالب رضى الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض ليالى وأياما، ينادى بالصلاة فيقول:«مروا أبا بكر يصلّى بالناس» ؛ فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، نظرت، فإذا الصّلاة علم الإسلام، وقوام الدّين، فرضينا لدنيانا ما رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا، فبايعنا أبا بكر [2] .
[1] ص: «التصريح» .
[2]
الاستيعاب 971.
وكان أبو بكر رضى الله عنه يقول: أنا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك كان يدعى: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى عن ابن أبى مليكة، قال: قال رجل لأبى بكر يا خليفة الله، قال: لست خليفة الله؛ ولكن أنا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا راض بذلك.
وروى أبو عمر بسنده، عن علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه، أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبيّها أبو بكر وعمر رضى الله عنهما.
وكان علىّ رضى الله عنه يقول: سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلّى أبو بكر، وثلّث عمر، ثم خبطتنا [1] فتنة يغفر الله فيها عمّن يشاء. وقال: رحم الله أبا بكر! كان أول من جمع بين اللّوحين [2] .
وقال أبو عمر بن عبد البر: وروينا من وجوه، عن عبد الله ابن جعفر بن أبى طالب، أنه قال: ولينا أبو بكر فخير خليفة، أرحمه بنا؛ وأحناه علينا [3] .
وقال مسروق: حبّ أبى بكر وعمرو معرفة فضلهما من السنّة.
وروى عن علىّ رضى الله أنه قال: لا يفضّلنى أحد على أبى بكر وعمر إلّا جلدته جلد المفترى.
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
[1] كذا فى ك، وفى ص «خبطنا» وفى الاستيعاب:«حفتنا» .
[2]
الاستيعاب 972.
[3]
الاستيعاب 972.