الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا يظنّ إلّا أنّ رأى بكر على مثل رأى عمر فيه، حتى دخل على أبى بكر فأخبره الخبر، فاعتذر إليه، فعذره أبو بكر وتجاوز عنه ما كان فى حربه تلك.
وخرج خالد حين رضى عنه أبو بكر وعمر جالس فى المسجد، فقال: هلمّ إلىّ يابن أمّ شملة؛ فعرف عمر أن أبا بكر قد رضى عنه فلم يكلّمه، ودخل بيته.
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبى، ونعم الوكيل.
ذكر خبر مسيلمة الكذاب وقومه من أهل اليمامة
كان [1] من خبر مسيلمة أنّه لما قدم وفد بنى حنيفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كما قدّمناه فى السيرة النبوية فى أخبار الوفود، وكان مسيلمه فى رحالهم، فلمّا أجازهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالوا: يا رسول الله، خلّفنا صاحبا لنا فى رحالنا يبصرها لنا، وفى ركابنا يحفظها علينا؛ فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما أمر لأصحابه، وقال:«ليس بشرّكم مكانا لحفظه ركابكم ورحالكم» ، فقيل ذلك لمسيلمة. فقال: عرف أنّ الأمر إلىّ من بعده.
ثم ادّعى النبوّة بعد ذلك، وكان الرّجّال [2] بن عنفوة قد هاجر إلى
[1] تاريخ الطبرى 3: 281 وما بعدها.
[2]
ك «الرحال» ، بالحاء، صوابه من ص وتاريخ الطبرى.
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتعلّم القرآن من أبىّ بن كعب، وفقه فى الدّين، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم معلّما لأهل اليمامة، وليشغب على مسيلمة؛ ويشدّد من أمر المسلمين، وكان أعظم فتنة على بنى حنيفة من مسيلمة، شهد له أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه قد أشرك معه؛ فصدّقوه واستجابوا له، وأمروه بمكاتبة النبىّ صلى الله عليه وسلم، ووعدوه إن هو لم يقبل أن يعينوه عليه.
وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ والأمر على ذلك، فقويت شوكة مسيلمة، واشتدّ أمره، وكثرت جموعه، وتمكّن الرّجّال بن عنفوة من مسيلمة، وعظم شانه عنده، فكان لا يخالفه فى أمر ولا يقول شيئا إلا تابعه عليه، وكان مسيلمة يصانع كلّ أحد ممّن اتّبعه، ويتابعه على رأيه، ولا يبالى أن يطّلع الناس منه على قبيح، وضرب حرما باليمامة؛ فكان محرّما، فوقع ذلك الحرم فى الأحاليف، (أفخاذ من بنى أسيّد كانت دارهم اليمامة) ، فصار مكان دارهم الحرم، والأحاليف: سبحان ونمارة، وبنو جروة، فكانوا يغيرون على ثمار أهل اليمامة، فإن نذروا [1] بهم فدخلوا الحرم أحجموا عنهم، وإن لم ينذروا بهم فذاك ما يريدون؛ فكثر ذلك منهم، حتى استعدوا عليهم مسييلمة، فقال: انظروا الذى يأتى من السماء فيكم وفيهم، ثم قال لهم: «والليل الأطحم [2] ، والذئب الأدلم [3] ، ما انتهكت
[1] نذروا: علموا.
[2]
الطحمة: سواد الليل.
[3]
الأدلم: الأسود الطويل.
أسيّد من محرم» ، ثم عادوا للغارة والعدوى [1]، فقال: انتظروا الّذى يأتينى. ثم قال: «والليل الدّامس، والذئب الهامس [2] ، ما قطعت أسيّد من رطب ولا يابس» ؛ فقالوا: أمّا النخيل فمرطبة [3] وقد جدّوها [4] ، وأمّا الجدران فيابسة وقد هدموها، فقال:
اذهبوا وارجعوا فلا حقّ لكم.
وكان فيما يقرؤه لهم فيهم: إنّ بنى تميم قوم طهر لقاح [5] ، لا مكروه عليهم ولا إتارة، نجاورهم ما حيينا بإحسان، نمنعهم من كلّ إنسان، فإذا متنا فأمرهم إلى الرحمن» .
وكان يقول: والشّاء وألوانها، وأعجبها السّود وألبانها، والشاة السوداء، واللبن الأبيض؛ إنّه لعجب [محض][6] ، وقد حرّم المذق، فما لكم تمجّعون [7] !.
وكان يقول: «يا ضفدع ابنة ضفدع، نقّى ما تنقّين، أعلاك فى الماء وأسفلك فى الطين، لا الشارب تمنعين، ولا الماء تكدّرين» .
وقال أيضا: «والمبذّرات زرعا، والحاصدات حصدا، والزّارعات قمحا، والطّاحنات طحنا، والخابزات خبزا، والثّاردات ثردا [8] ، واللّاقمات لقما، إهالة وسمنا، لقد فضّلّتم على الوبر،
[1] العدوى: العدوان والظلم.
[2]
الذئب الهامس: الشديد.
[3]
الطبرى: مرطبة.
[4]
جدوها: قطعوها.
[5]
قوم لقاح: لم يدينوا الملوك.
[6]
زيادة من الطبرى.
[7]
الطبرى: «لا تمجعون» .
[8]
ثرد الخبز: فتنة ثم بله بمرق.
وما سبقكم أهل المدر؛ ريفكم فامنعوه، والمعترّ فآووه [1] ، والباغى فناوئوه» .
قالوا: وأتته امرأة فقالت: إنّ نخلنا لسحق [2] ، وإن آبارنا لجرز [3] فادعى الله لمائنا ونخلنا، كما دعا محمّد لأهل هزمان، ففعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا للنخل، وتمضمض من الماء، ومجّه فى الآبار، فيبست النخل، وغارت الآبار.
وقيل: إنّه نزل على أولاد بنى حنيفة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمرّ بيده على رءوسهم، وحنّكهم، فقرع ولثغ من فعل به ذلك، وظهر ذلك كلّه بعد مهلكه.
قالوا: وجاء طلحة النّمرىّ، فقال: أين مسيلمة؟ فقالوا:
مه رسول الله! فقال: لا، حتى أراه، فلما جاءه قال: أنت مسيلمة؟ قال: نعم، قال: من يأتيك؟ قال: رحمن. قال: أفى نور أو فى ظلمة؟ فقال: فى ظلمة، فقال: أشهد أنّك كذّاب، وأنّ محمدا صادق، ولكنّ كذّاب ربيعة أحبّ إلىّ من صادق مضر.
والله سبحانه أعلم، وصلّى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.
[1] المعتر: الفقير.
[2]
سحق: جمع سحوق؛ وهى الطويلة من النخل.
[3]
لجرز: الأرض جدية.