الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فبلغ ذلك عمر، فأمره بنزول السّهل، وألا يشقّ على مسلم ولا معاهد، وبقى حرقوص إلى يوم صفّين، ثم صار حروريّا وشهد النّهروان مع الخوارج. والله تعالى أعلم بالصّواب، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ذكر فتح رامهرمز
قد [1] اختلف النّاس فى وقت هذا الفتح، فقيل: كان فى سنة سبع عشرة. وقيل: سنة تسع عشرة. وقيل: فى سنة عشرين.
وكان سببه أن يزدجرد وهو بمرو لم يزل يثير أهل فارس، أسفا على ما خرج من ملكهم، فتحرّكوا وتكاتبوا هم وأهل الأهواز وتعاقدوا على النّصرة، فنمى الخبر إلى حرقوص بن زهير، وجزء وسّلمى وحرملة، فكتبوا إلى عمر بن الخطّاب رضى الله عنه بذلك.
فكتب عمر إلى سعد: أن ابعث إلى الأهواز جندا كثيفا مع النّعمان ابن مقرّن وعجّل، فلينزلوا بإزاء الهرمزان ويتحقّقوا أمره.
وكتب إلى أبى موسى الأشعرى، وهو على البصرة: أن ابعث إلى الأهواز جندا كثيفا، وأمّر عليهم سهل بن عدىّ، أخا سهيل، وابعث معه البراء بن مالك وعرفجة بن هرثمة وغيرهم، وعلى أهل الكوفة والبصرة جميعا أبو سبرة بن أبى رهم.
فخرج النّعمان بن مقرّن فى أهل الكوفة، وسار إلى الأهواز على
[1] تاريخ الطبرى 4: 83، ابن الأثير 2:382.
البغال، يجنبون [1] الخيل، فخلف حرقوصا وسلمى وحرملة، وسار نحو الهرمزان وهو برامهرمز. فلمّا سمع الهرمزان بمسير النعمان إليه، بادر رجاء أن يقتطعه، فالتقيا بأربك (موضع عند الأهواز) ، واقتتلوا قتالا شديدا، فهزم الله عز وجل الهرمزان، فترك رامهرمز، ونزل تستر، وسار النعمان إلى رامهرمز فنزلها وصعد على إيذج [2] فصالحه تيرويه عليها ورجع إلى رامهرمز، وأقام بها، ووصل أهل البصرة فنزلوا سوق الأهواز، وهم يريدون رامهرمز.
فأتاهم خبر الوقعة ومسير الهرمزان إلى تستر، فساروا نحوه، وسار أيضا النّعمان وحرقوص وسلمى وحرملة وجزء، فاجتمعوا على تستر، وبها الهرمزان وجنوده من أهل فارس والجبال والأهواز، وهم فى الخنادق، وأمدّهم عمر رضى الله عنه بأبى موسى الأشعرىّ، وجعله على أهل البصرة، وعلى جميع النّاس أبو سبرة، فحاصروهم أشهرا، وأكثروا فيهم القتل.
وقتل البراء بن مالك فى هذا الحصار مائة مبارز سوى من قتل فى غير المبارزة، وقتل مثله مجزأة بن ثور وكعب بن ثور، وزاحفهم المسلمون [3] أيام تستر ثمانين زحفا يكون مرّة لهم ومرّة عليهم، فلمّا كان آخر زحف فيها، واشتدّ القتال، قال المسلمون: يا براء، اقسم على ربّك ليهزمنّهم، وكان مجاب الدّعوة فقال: اللهمّ اهزمهم لنا، واستشهدنى، فهزموهم حتى أدخلوهم
خنادقهم، ثم اقتحموها عليهم، فدخلوا مدينتهم [1] ، وأحاط بها المسلمون، فضاقت المدينة بهم. فبينما هم كذلك إذ خرج إلى النعمان رجل يستأمنه على أن يدلّه على مدخل يدخلون منه، ورمى فى ناحية أبى موسى بسهم مكتوب عليه: إن أمّنتمونى دللتكم على مكان تأتون منه المدينة، فأمّنوه فى سهم، ورمى إليهم بسهم آخر وقال: اسلكوا من قبل مخرج الماء؛ فإنّكم ستفتحونها.
فندب أبو موسى النّاس فانتدبوا، وندب النّعمان أصحابه مع الرّجل الّذى جاءهم، فالتقوا هم وأهل البصرة على مخرج الماء، فدخلوا فى السّرب، ولمّا دخلوا المدينة كبّروا وكبّر المسلمون من خارج، وفتحت الأبواب فاجتلدوا فيها، فأناموا كل مقاتل.
وقصد الهرمزان القلعة، فتحصّن بها، ولحق به جماعة، وطاف به الّذين دخلوا البلد، فنزل إليهم على حكم عمر بن الخطّاب رضى الله عنه، فأوثقوه واقتسموا ما أفاء الله عليهم، فكان قسم الفارس ثلاثة آلاف، والرّاجل ألفا.
وجاء صاحب السّهم والرّجل الذى خرج بنفسه فأمّنوهما، ومن أغلق بابه معهما.
وخرج أبو سبرة فى أثر المنهزمين إلى السّوس، فنزل عليها، ومعه النّعمان وأبو موسى، وكتبوا إلى عمر، فكتب بردّ أبى موسى إلى البصرة، فانصرف إليها، وأرسل أبو سبرة وفدا إلى عمر رضى الله عنه، فيهم: أنس بن مالك والأحنف بن قيس، ومعهم
[1] الطبرى: «وأرزوا إلى مدينتهم» .
الهرمزان فقدموا به المدينة وألبسوه كسوته من الدّيباج المذهب، وتاجه كان مكلّلا بالياقوت و [عليه][1] حليته؛ ليراه عمر والمسلمون.
فوجدوا عمر فى المسجد متوسّدا برنسه، وكان قد لبسه لوفد قدم عليه من الكوفة، فلمّا انصرفوا توسّده ونام، فجلسوا وهو نائم والدّرة فى يده.
فقال الهرمزان: أين عمر؟ فقالوا: هو ذا، فقال: أين حرسه وحجّابه؟ فقالوا: ليس له حارس ولا حاجب ولا كاتب. فقال:
ينبغى أن يكون نبيّا، قالوا: بل يعمل بعمل الأنبياء [وكثر الناس][1] .
فاستيقظ عمر واستوى جالسا، ثم نظر إليه، وقال: ألهرمزان؟
قالوا: نعم، فقال: الحمد لله الذى أذلّ بالإسلام هذا وأشباهه، فأمر بنزع ما عليه، فنزعوه وألبسوه ثوبا صفيقا [2] . فقال له عمر:
كيف رأيت عاقبة الغدر، وعاقبة أمر الله! فقال: يا عمر، إنّا وإيّاكم فى الجاهليّة، كان الله قد خلّى بيننا وبينكم [فغلبناكم]، [3] فلمّا كان الأمر معكم غلبتمونا. ثم قال له عمر: ما حجّتك وما عذرك فى انتقاضك مرّة بعد أخرى؟ قال: أخاف أن تقتلنى قبل أن أخبرك.
قال: لا تخف ذلك، واستسقى ماء، فأتى به فى قدح غليظ.
فقال: لو متّ عطشا لم أستطع أن أشرب فى مثل هذا، فأتى به فى
[1] من تاريخ الطبرى.
[2]
ثوب صفيق: ثخين كثير الغزل، ضد السخيف.
[3]
تكملة من ص.