الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى القسطنطينية، ولمّا سار علا نشزا، ثم التفت إلى الشّام.
فقال: سلام عليك يا سوريّه، سلام لا اجتماع بعده ولا يعود إليك رومىّ أبدا إلا خائفا، حتى يولد الولد المشئوم وليته لا يولد، فما أحلى فعله، وأمرّ فتنته على الرّوم. ثم سار وأخذ أهل الحصون التّى بين إسكندونه وطرسوس معه لئلّا يسير المسلمون فى عمارة ما بين أنطاكية وبلاد الروم، وخلت تلك الحصون وشتّتها هرقل، فكان المسلمون إذا مرّوا بها لا يجدون بها أحدا، وربّما كمن عندها الرّوم، فأصابوا غرّة ممّن يتخلف من المسلمين، فاحتاط المسلمون لذلك.
والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المّآب.
ذكر فتح حلب وأنطاكية وغيرهما من العواصم
وهى [1] سرمين، وقورس، وتلّ عزاز، ومنبج، ودلوك، ورعبان وبالس، وقاصرين، وجرجومة، ودرب بغراس، ومرعش، وحصن الحدث. قال: ولما فرغ أبو عبيدة من قنّسرين سار إلى حلب فبلغه أنّ أهل قنّسرين مضوا، وغدروا، فوجّه إليهم السّمط الكندىّ فحصرهم وفتحها، ووصل أبو عبيدة إلى حاضر حلب، وهو قريب منها يجمع أصنافا من العرب، فصالحهم على الجزية، ثم أسلموا بعد ذلك، وأتى حلب وعلى مقدّمته عياض بن الفهرىّ، فتحصّن أهلها، وحصرهم المسلمون، فلم يلبثوا أن طلبوا الصّلح والأمان على أنفسهم وأولادهم ومدينتهم وحصنهم وكنائسهم، فأعطوا ذلك، واستثنى عليهم موضع المسجد.
[1] تاريخ بن الأثير 2: 344.
وكان عياض بن غنم هو الذى صالح، فأجاز أبو عبيدة ذلك وقيل: صولحوا على أن يقاسموا منازلهم وكنائسهم، وقد قيل:
إنّ أبا عبيدة لم يصادف بحلب أحدا؛ لأنّ أهلها انتقلوا إلى أنطاكية، وتراسلوا فى الصّلح، فلمّا تم الصّلح رجعوا، وسار أبو عبيدة من حلب إلى أنطاكية، وقد تحصّن بها خلق كثير من قنّسرين وغيرها، فلما فارقها لقيه جمع العدوّ فهزمهم، وألجأهم إلى المدينة، وحصرها من نواحيها، فصالحوه على الجزية أو الجلاء، فجلا بعضهم وأقام بعضهم ثم نقضوا، فوجّه إليهم عياض بن غنم وحبيب بن مسلمة، ففتحاها على الصّلح الأول.
وكانت أنطاكية عظيمة الذّكر عند المسلمين، فلما فتحت كتب عمر إلى أبى عبيدة أن يرتّب جماعة من المسلمين بها مرابطة، ولا يحبس عنهم العطاء.
وبلغ أبا عبيدة أنّ جمعا من الرّوم بين معّرة مصرين وحلب، فسار إليهم فهزمهم، وقتل عدة من البطارقة، وسبى وغنم، وفتح معرّة مصرين على مثل صلح حلب، وجالت خيوله، فبلغت بوقة، وفتحت قرى الجومه وسرمين وتبرين، وغلبوا على جميع أرض قنّسرين وأنطاكية.
ثم أتى أبو عبيدة حلب، وقد التاث أهلها، فلم يزل بهم حتى أذعنوا وفتحوا المدينة، وسار يريد قورس، وعلى مقدّمته عياض ابن غنم، فلقيه راهب من أهلها، فسأله الصلح، فبعث به إلى أبى عبيدة، فصالحه على صلح أنطاكية، وبثّ خيله، فغلبوا على جمع أرض قورس، وفتح تلّ عزاز.
وكان سلمان بن ربيعة الباهلىّ فى جيش أبى عبيدة، فنزل فى حصن بقورس، يعرف بحصن سلمان، ثمّ سار أبو عبيدة إلى منبج، وعياض على مقدّمته، فلحقه، وقد صالح أهلها على مثل صلح أنطاكية، وسيّره إلى ناحية دلوك ورعبان، فصالحه أهلها على مثل صلح أهل منبح، واشترط عليهم أن يخبروا المسلمين بخبر الرّوم.
وولّى أبو عبيدة كلّ كورة فتحها عاملا، وضمّ إليه جماعة، وشحن النواحى المخوفة، وسار إلى بالس، وبعث جيشا مع حبيب ابن مسلمة إلى قاصرين فصالحه أهلها على الجزية والجلاء، فجلا أكثرهم إلى بلاد الرّوم، وأرض الجزيرة، واستولى المسلمون على الشام من هذه النّاحية إلى الفرات، وعاد أبو عبيدة إلى جهة فلسطين وكان بجبل اللّكام مدينة يقال لها: جرجومة، ففتحها حبيب من أنطاكيه صلحا على أن يكونوا أعوانا للمسلمين، وسيّر أبو عبيدة جيشا مع ميسرة بن مسروق العبسىّ، فسلكوا درب بغراس من أعمال أنطاكية إلى بلاد الروم، وهو أوّل من سلكه، فلقى جمعا من الرّوم، ومعهم عرب من غسّان [وتنوخ][1] وإياد يريدون اللّحاق بهرقل فأوقع بهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة. وسيرّ جيشا آخر إلى مرعش مع خالد بن الوليد، ففتحها بالأمان على إجلاء أهلها، فجلاهم وأخربها، وسيّر جيشا مع حبيب بن مسلمة إلى حصن الحدث ففتحه؛ وإنما سمّى الحدث لأنّ المسلمين لقوا عليه غلاما حدثا، فقاتلهم فى أصحابه، فقيل: درب الحدث. وقيل: لأنّ المسلمين أصيبوا به فسمّىّ بذلك، وكان بنو أميّة يسمّونه درب السّلامة، والله أعلم.
[1] من ص.