الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر كلام على لعثمان وجوابه له
قال [1] : ولمّا اجتمع الناس إلى علىّ رضى الله عنه، وكلّموه، دخل إلى عثمان فقال: إن الناس ورائى، وقد كلّمونى فيك، والله ما أدرى ما أقول لك، ولا أعرف شيئا تجهله، ولا أدلّك على أمر لا تعرفه، إنك لتعلم ما نعلم، ما سبقناك إلى شىء فنخبرك عنه، ولا خلونا بشىء فنبلّغك، وما خصصنا بأمر دونك، وقد رأيت وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمعت منه، ونلت صهره، وما ابن أبى قحافة بأولى بالعمل منك، ولا ابن الخطاب بأولى بشىء من الخير منك وأنت أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رحما، ولقد نلت من صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم ينالا، ولا سبقاك [2] إلى شىء، فالله، الله فى نفسك، فإنك والله ما تبصّر عن عمى، وما تعلّم من جهالة، وإن الطريق لواضح بيّن، وإن أعلام الدّين لقائمة.
اعلم يا عثمان أنّ أفضل عباد الله [عند الله][3] إمام عادل، هدى وهدى، وأقام سنة معلومة، وأمات بدعة مكروهة [4] ، فو الله إنّ كلّا لبيّن، وإن السّنن [5] لقائمة لها أعلام، وإنّ البدع لقائمة لها أعلام، وإن شرّ الناس عند الله إمام جائر ضلّ وأضلّ [6] ، فأمات سنة معلومة
[1] الطبرى 4: 336، وما بعدها، ابن الأثير 3: 76، 77.
[2]
ك: «سقناك» .
[3]
من ص والطبرى.
[4]
ك: «متروكة» ، وكذلك الطبرى.
[5]
ك: «السنة» .
[6]
الطبرى: «وضل به» .
وأحيا بدعة متروكة، وإنّى أحذّرك الله وسطواته ونقماته، فإن عذابه شديد أليم، وأحذّرك أن تكون إمام هذه الأمة الذى [1] ، يقتل فيفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة، وتلبس أمورها وتتركهم شيعا؛ لا يبصرون الحق لعلوّ الباطل، يموجون فيها موجا، ويمرجون فيها مرجا.
فقال عثمان: قد علمت والله ليقولنّ الّذى قلت، أما والله لو كنت مكانى ما عنّفتك ولا أسلمتك، ولا عبت عليك، ولا جئت منكرا، أن وصلت رحما، وسددت خلّة، وآويت ضائعا، وولّيت شبيها بمن كان عمر ولىّ. أنشدك الله يا علىّ، هل تعلم أنّ المغيرة بن شعبة ليس هناك! قال: نعم، قال: فتعلم أنّ عمر ولّاه؟ قال:
نعم، قال: فلم تلومنى أن ولّيت ابن عامر فى رحمه وقرابته؟
قال علىّ: إنّ عمر كان يطأ على صماخ من ولّى إن بلغه عنه حرف جلبه، ثم بلغ به أقصى العقوبة، وأنت لا تفعل، ضعفت ورفقت على أقربائك.
قال عثمان: وهم أقرباؤك أيضا. قال: أجل، إنّ رحمهم منّى لقريبة؛ ولكنّ الفضل فى غيرهم.
قال عثمان: هل تعلم أنّ عمر ولّى معاوية، فقد ولّيته؟ قال علىّ:
أنشدك الله! هل تعلم أنّ معاوية كان أخوف لعمر من يرفأ (غلام له) ؟
قال: نعم، قال: فإنّ معاوية يقطع الأمور دونك، ويقول للنّاس: هذا أمر عثمان، وأنت تعلم ذلك، فلا تغيّر عليه.
[1] الطبرى: «المقتول» .
ثمّ خرج علىّ من عنده، وخرج عثمان على أثره، فجلس على المنبر ثم قال:
أمّا بعد، فانّ لكلّ شىء آفة، ولكلّ أمر عاهة، وإنّ آفة هذه الأمّة، وعاهة هذه النّعمة، طعّانون يرونكم ما تحبّون، يسترون عنكم ما تكرهون، ويقولون لكم ويقولون، أمثال النّعام، يتبعون أوّل ناعق، أحبّ مواردها إليها البعيد، لا يشربون إلّا نغصا، ولا يردون [1] إلّا عكرا، لا يقوم لهم رائد، وقد أعيتهم الأمور [2] ، ألا فقد عبتم علىّ والله بما أقررتم لابن الخطّاب بمثله؛ ولكنّه وطئكم برجله، وضربكم بيده، وقمعكم بلسانه، فدنتم له على ما أحببتم أو كرهتم، ولنت لكم، وأوطأتكم كتفى، وكففت يدى ولسانى عنكم، فاجترأتم علىّ. أما والله لأنا أعزّ نفرا، وأقرب ناصرا، وأكثر عددا، وأحرى أن قلت هلمّ أتى إلىّ، ولقد أعددت لكم أقرانكم، وأفضلت عليكم فضولا، وكشرت لكم عن نابى، وأخرجتم منّى خلقا لم أكن أحسنه، ومنطقا لم أنطق به، فكفّوا عنّى ألسنتكم وطعنكم وعيبكم على ولاتكم، فإنّى قد كففت [3] عنكم من لو كان هو الذّى يكلّمكم لرضيتم منه بدون منطقى هذا، ألا فما تفقدون من حقّكم؟ والله ما قصّرت عن بلوغ ما بلغ من كان قبلى، ولم يكونوا يختلفون عليه.
فقام مروان بن الحكم فقال: إن شئتم حكّمنا والله بيننا وبينكم السيف، نحن والله وأنتم كما قال الشاعر:
فرشنا لكم أعرأضنا فنبت بكم
…
مغارسكم تبنون فى دمن الثّرى
فقال له عثمان: اسكت لاسكّت، دعنى وأصحابى، ما منطقك فى هذا؟ ألم أتقدّم إليك ألّا تنطق! فسكت مروان، ونزل عثمان [1]
[1] بعدها فى ابن الأثير 3: 77 «عن المنبر، فاشتد قول الناس وعظم، وزاد تألبهم عليه» .