المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر خبر أبى ذر الغفارى فى اخراجه الى الربذة - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ١٩

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء التاسع عشر

- ‌تصدير

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌الباب الثانى من القسم الخامس فى أخبار الخلفاء الراشدين

- ‌ذكر خلافة أبى بكر الصديق وشىء من أخباره وفضائله

- ‌ذكر نبذة من فضائل أبى بكر الصديق ومآثره فى الجاهلية والإسلام

- ‌ذكر صفة أبى بكر الصديق

- ‌ذكر ما ورد من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر على أمته من بعده وحجة من قال ذلك

- ‌ذكر بيعة أبى بكر الصديق رضى الله عنه وخبر السقفية، وما وقع بين المهاجرين والأنصار من التراجع فى الإمارة

- ‌ذكر ما تكلم به أبو بكر الصديق بعد بيعته وما قاله عمر بن الخطاب بعد البيعة الأولى وقبل البيعة الثانية العامة

- ‌ذكر انفاذ جيش أسامة

- ‌ذكر أخبار من ادعى النبوة من الكذابين

- ‌ذكر غزوة أبى بكر وقتاله أهل الردة وعبس وذبيان

- ‌ذكر عقد أبى بكر رضى الله عنه الألوية

- ‌ذكر خبر طليحة الأسدى وما كان من أمره وأمر من اتبعه من قيائل العرب وما آل إليه أمره بعد ذلك

- ‌ذكر خبر تميمم وأمر سجاح ابنة الحارث بن سويد

- ‌ذكر مسير خالد الى البطاح ومقتل مالك بن نويرة

- ‌ذكر خبر مسيلمة الكذاب وقومه من أهل اليمامة

- ‌ذكر الحروب الكائنة بين بين المسلمين وبين مسيلمة وبين أهل اليمامه وقتل مسيلمة

- ‌ذكر خبر ثابت بن قيس بن شماس فى مقتله

- ‌ذكر أهل البحرين ومن ارتد منهم وانضم إلى الحطم وما كان من أمرهم

- ‌ذكر مسير خالد بن الوليد الى العراق

- ‌ذكر وقعة الثنى

- ‌ذكر وقعة الولجة

- ‌ذكر وقعة أليس

- ‌ذكر وقعة فرات بادقلى وفتح الحيرة

- ‌ذكر ما كان بعد فتح الحيرة

- ‌ذكر فتح الأنبار

- ‌ذكر فتح عين التمر

- ‌ذكر خبر دومة الجندل

- ‌ثم كانت وقعة مصيخ

- ‌وقعة الثنى والزميل

- ‌ذكر وقعة الفراض

- ‌ذكر فتوح الشام

- ‌ذكر مسير خالد بن الوليد الى الشام وما فعل فى مسيره إلى أن التقى بجنود المسلمين بالشام

- ‌ذكر وقعة أجنادين

- ‌ذكر وقعة اليرموك

- ‌ذكر ما وقع فى خلافة أبى بكر غير ما ذكرناه

- ‌سنة إحدى عشرة

- ‌سنة اثنتى عشرة

- ‌ذكر وفاة أبى بكر الصديق رضى الله عنه ومدة خلافتة

- ‌ذكر نبذة من أخباره وأحواله ومناقبه رضى الله عنه

- ‌ذكر أولاد أبى بكر وأزواجه

- ‌ذكر أسماء قضاته وعماله وكتابه وحاجبه وخادمه

- ‌ذكر خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه

- ‌ذكر نبذة من فضائل عمر رضى الله عنه ومناقبه

- ‌ذكر صفة عمر رضى الله عنه

- ‌ذكر الفتوحات والغزوات فى خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه

- ‌ذكر فتوح مدينة دمشق

- ‌ذكر شىء مما قبل فى أمر مدينة دمشق ومن بناها

- ‌ذكر غزوة فحل

- ‌ذكر فتح بلاد ساحل دمشق

- ‌ذكر فتح بيسان وطبرية

- ‌ذكر الوقعة بمرج الروم

- ‌ذكر فتح بعلبك وحمص وحماة وشيرز ومعرة النعمان وسلمية واللاذقية وأنطرسوس

- ‌ذكر فتح قنسرين ودخول هرقل القسطنطينية

- ‌ذكر فتح حلب وأنطاكية وغيرهما من العواصم

- ‌ذكر فتح قيسارية وحصن غزة

- ‌ذكر بيسان ووقعة أجنادين وفتح غزة

- ‌ذكر فتح بيت المقدس وهو ايلياء

- ‌ذكر خبر حمص حين قصد هرقل من بها من المسلمين

- ‌ذكر فتح الجزيرة وأرمينية

- ‌ذكر فتوح العراقين وما والاها من بلاد فارس

- ‌ذكر وقعة النمارق

- ‌ذكر وقعة السقاطية بكسكر

- ‌ذكر وقعة الجالينوس

- ‌ذكر وقعة قس الناطف

- ‌ذكر وقعة أليس الصغرى

- ‌ذكر وقعة البويب

- ‌ذكر خبر سوقى الخنافس وبغداد

- ‌ذكر خبر القادسية وأيامها

- ‌ذكر يوم أرماث

- ‌ذكر أغواث

- ‌ذكر يوم عماس، وهو اليوم الثالث

- ‌ذكر ليلة الهرير

- ‌ذكر يوم القادسية وقتل رستم وهزيمة الفرس

- ‌ذكر ما كان بعد القادسية من الحروب والأيام

- ‌يوم برس، ويوم بابل، ويوم كوثى

- ‌ذكر خبر بهرسير وهى المدينة الغربية

- ‌ذكر فتح المدائن الغربية وهى بهرسير

- ‌ذكر فتح المدائن الشرقية التى فيها إيوان كسرى

- ‌ذكر ما جمع من غنائم أهل المدائن وقسمتها

- ‌ذكر وقعة جلولاء وفتح حلوان

- ‌ذكر ولاية عتبة بن غزوان البصرة وفتحه الأبلة

- ‌ذكر فتح تكريت والموصل

- ‌ذكر فتح ما سيذان

- ‌ذكر فتح قرقيسيا

- ‌ذكر فتح الأهواز ومناذر ونهر تيرى

- ‌ذكر صلح الهرمزان وأهل تستر مع المسلمين

- ‌ذكر فتح رامهرمز

- ‌ذكر فتح السوس

- ‌ذكر مصالحة جنديسابور

- ‌ذكر انسياح الجيوش الاسلامية فى بلاد الفرس

- ‌ذكر غزوة فارس من البحرين

- ‌ذكر وقعة نهاوند وفتحها

- ‌ذكر فتح دينور والصيمرة وغيرهما

- ‌ذكر فتح همذان والماهين وغيرهما

- ‌ذكر فتح أصبهان وقم وكاشان

- ‌ذكر فتح قزوين وأبهر وزنجان

- ‌ذكر فتح الرى

- ‌ذكر فتح قومس وجرجان وطبرستان

- ‌ذكر فتح أذربيجان

- ‌ذكر فتح الباب

- ‌ذكر فتح موقان

- ‌ذكر غزو الترك

- ‌ذكر غزو خراسان

- ‌ذكر فتح شهرزور والصامغان

- ‌ذكر فتح توج

- ‌ذكر فتح اصطخر وجور وكازرون والنوبندجان ومدنية شيراز وأرّجان وسينيز وجنابا وجهرم

- ‌ذكر فتح فساودرابجرد

- ‌ذكر فتح كرمان

- ‌ذكر فتح سجستان

- ‌ذكر فتح مكران

- ‌ذكر فتح بيروذ من الأهواز

- ‌ذكر خبر سلمة بن قيس الأشجعى والأكراد

- ‌ذكر فتوح مصر وما والاها

- ‌ذكر مسير عمرو الى مصر

- ‌ذكر حصار القصر وما قيل فى كيفية الاستيلاء عليه وانتقال الروم والقبط إلى الجزيرة

- ‌ذكر ارسال المقوقس الى عمرو فى طلب الصلح وجواب عمرو له واجتماع المقوقس وعبادة بن الصامت

- ‌ذكر مسير عمرو لقتال الروم وما كان من الحروب بينهم إلى أن فتحت الإسكندرية

- ‌ذكر الفتح الثانى وما وجد بالاسكندرية وعدة من ضربت عليه الجزية

- ‌ذكر من قال ان مصر فتحت عنوة

- ‌ذكر أخبار الاسكندرية وبنائها وما اتفق فى ذلك من الأعاجيب

- ‌ذكر تحول عمرو بن العاص من الاسكندرية إلى الفسطاط- واختطاطه

- ‌ذكر خبر أصل النيل وكيف كانت عادة القبط وإبطال عمرو تلك العادة

- ‌ذكر ما قرر فى أمر الجزية من الخراج

- ‌ذكر خبر المقطم

- ‌ذكر خبر خليج أمير المؤمنين

- ‌ذكر الخبر عن فتح الفيوم

- ‌ذكر فتح زويلة وطرابلس الغرب وبرقة وحصن سبرت

- ‌ذكر الغزوات إلى أرض الروم

- ‌ذكر ما اتفق فى خلافة عمر بن الخطاب غير الفتوحات والغزوات

- ‌ذكر فرض العطاء وعمل الديوان

- ‌ذكر بناء الكوفة والبصرة

- ‌ذكر عزل خالد بن الوليد

- ‌ذكر بناء المسجد الحرام

- ‌ذكر عزل المغيرة بن شعبة

- ‌سبب ولاية كعب بن سور قضاء البصرة

- ‌ذكر القحط وعام الرمادة

- ‌ذكر طاعون عمواس وتسمية من مات فيه

- ‌ذكر قدوم عمر الى الشام بعد الطاعون

- ‌ذكر اجلاء يهود خيبر منها

- ‌ذكر عزل سعد بن أبى وقاص عن الكوفة ومن ولى بعده فى هذه السنة

- ‌ذكر خبر مقتل عمر بن الخطاب ومدة خلافته

- ‌ذكر قصة الشورى

- ‌ذكر أولاد عمر بن الخطاب رضى الله عنه وعنهم وأزواجه

- ‌ذكر عمال عمر رضى الله عنه وعنهم على الامصار

- ‌كتابه

- ‌قضاته

- ‌ذكر خلافة عثمان بن عفان رضى الله عنه

- ‌ذكر صفته ونبذة من فضائله

- ‌ذكر بيعة عثمان رضى الله عنه

- ‌ذكر الفتوحات والغزوات فى خلافة عثمان

- ‌ذكر خلاف أهل الاسكندرية

- ‌ذكر غزو ارمينية وغيرها وما وقع من الصلح

- ‌ذكر غزو معاوية الروم

- ‌ذكر فتح كابل

- ‌ذكر غزو افريقية وفتحها

- ‌ذكر فتح جزيرة قبرس

- ‌ذكر نقض أهل فارس وغيرهم وفتح إصطخر ودرابجرد

- ‌ذكر غزو طبرستان

- ‌ذكر غزو الصوارى

- ‌ذكر مقتل يزدجرد آخر ملوك بنى ساسان

- ‌ذكر فتح خراسان

- ‌ذكر فتح كرمان

- ‌ذكر فتح سجستان وكابل وغيرها

- ‌ذكر خروج قارن ببلاد خراسان وقتله

- ‌ذكر ما وقع فى خلافة عثمان غير الغزوات والفتوحات على حكم السّنين

- ‌سنة أربع وعشرين

- ‌سنة خمس وعشرين

- ‌سنة ست وعشرين

- ‌سنة سبع وعشرين

- ‌سنة ثمان وعشرين

- ‌سنة تسع وعشرين

- ‌ذكر عزل أبى موسى الأشعرى عن البصرة وعثمان بن العاص عن عمان والبحرين واستعمال عبد الله بن عامر على ذلك

- ‌ذكر الزيادة فى مسجد النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر اتمام عثمان الصلاة وما تكلم الناس به فى ذلك

- ‌سنة ثلاثين

- ‌ذكر عزل الوليد بن عقبة عن الكوفة وولاية سعيد بن العاص

- ‌ذكر جمع القرآن

- ‌ذكر سقوط خاتم النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر خبر أبى ذر الغفارى فى اخراجه الى الربذة

- ‌سنة احدى وثلاثين

- ‌سنة اثنتين وثلاثين

- ‌ذكر وفاة عبد الرحمن بن عوف وشىء من أخباره ونسبه

- ‌سنة ثلاث وثلاثين ذكر خبر من سار من أهل الكوفة إلى الشام وما كان من أمرهم

- ‌سنة أربع وثلاثين ذكر خبر يوم الجرعة وعزل سعيد وخروجه عن الكوفة واستعمال أبى موسى الأشعرىّ

- ‌ذكر ابتداء الخلاف على عثمان

- ‌ذكر كلام على لعثمان وجوابه له

- ‌ذكر ارسال عثمان الى الأمصار ليأتوه بأخبار عماله

- ‌سنة خمس وثلاثين

- ‌ذكر مقتل عثمان رضى الله عنه

- ‌ذكر أزواج عثمان وأولاده

- ‌كتابه وقضاته وحجابه وأصحاب شرطته

- ‌ذكر عماله على الأمصار فى سنة مقتله

- ‌ذكر شىء مما رثى به عثمان من الشعر

- ‌فهرس الجزء التاسع عشر

الفصل: ‌ذكر خبر أبى ذر الغفارى فى اخراجه الى الربذة

‌ذكر خبر أبى ذر الغفارى فى اخراجه الى الربذة

وما تكلم الناس به فى ذلك ووفاة أبى ذر رضى الله عنه وفى [1] سنة ثلاثين أخرج عثمان رضى الله عنه أباذرّ الغفارىّ، واسمه جندب بن جنادة.

وقد ذكر فى سبب ذلك أمور كثيرة، منها ما أورده أبو أحمد يحيى بن جابر البلاذرىّ، فى كتاب «جمل أنساب الأشراف» وغيره.

قال البلاذرىّ: لمّا أعطى عثمان رضى الله عنه مروان بن الحكم ما أعطاه، وأعطى الحارث بن الحكم بن أبى العاص- وهو أخو مروان- ثلاثمائة ألف درهم، وأعطى زيد بن ثابت الأنصارى مائة ألف درهم، جعل أبو ذرّ يقول: بشّر الكافرين بعذاب أليم: ويتلو قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ..

[2]

الآية.

فرفع مروان ذلك إلى عثمان، فأرسل إلى أبى ذرّ، أن انته عمّا يبلغنى عنك، فقال: أينهانى عثمان عن قراءة كتاب الله، وعيب من ترك أمر الله! فو الله لأن أرضى الله بسخط عثمان أحبّ إلىّ من أن أسخط الله برضاه، فأغضب ذلك عثمان، وصبر وكفّ عنه، ثم قال عثمان يوما: أيجوز للإمام أن يأخذ من المال، فإذا أيسر قضى؟ فقال

[1] تاريخ ابن الأثير 3: 56 وما بعدها.

[2]

سورة التوبة 34.

ص: 442

كعب الأحبار: لا بأس بذلك. فقال أبو ذرّ: يابن اليهوديّين أتعلّمنا ديننا! فقال عثمان: ما أكثر ذاك لى وأولعك بأصحابى! الحق بمكتبك، وكان مكتبه بالشّام، إلا أنّه كان يقدم حاجّا، ويسأل عثمان الإذن له فى مجاورة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذن له فى ذلك.

وقيل: إنّه إنّما صار إلى الشام لأنّه [رأى البناء قد بلغ سلعا، فقال لعثمان:

إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا بلغ البناء [سلعا] [1] فالهرب»

، فأذن لى آتى الشّام فأغزو هناك. فأذن له، فكان أبو ذرّ ينكر على معاوية أشياء يفعلها، فبعث إليه معاوية ثلاثمائة دينار، فقال: إن كانت صلة فلا حاجة لى فيها. وبنى معاوية الخضراء بدمشق، فقال: يا معاوية، إن كانت هذه من مال الله فهى الخيانة، وإن كانت من مالك فهى الإسراف، فسكت معاوية.

وكان أبو ذرّ يقول: والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها، والله ما هى فى كتاب الله، ولا سنّة نبيّه، والله إنّى لأرى حقا يطفأ، وباطلا يحيا، وصادقا مكذّبا، وأثرة بغير تقى.

فقال حبيب بن مسلمة لمعاوية: إن أبا ذرّ مفسد عليك الشّام، فتدارك أهله إن كانت لك بهم حاجة.

فكتب معاوية إلى عثمان، فكتب إليه عثمان:

أمّا بعد، فاحمل جندبا إلىّ على أغلظ مركب وأوعره.

[1] من ص.

ص: 443

فوجّه معاوية مع أبى ذرّ من سار معه الليل والنهار، فلمّا قدم المدينة جعل يقول:[تستعمل][1] الصّبيان، وتحمى الحمى، وتقرّب أولاد الطّلقاء! فبعث إليه عثمان: الحق بأىّ أرض شئت. فقال: بمكّة؟ فقال:

لا، قال: فبيت المقدس؟ قال: لا، فبأحد المصرين؟ قال:

لا، قال: ولكنى مسيّرك إلى الرّبذة، فسيّره إليها، فلم يزل بها حتّى مات.

وذكر البلاذرى فيما حكاه كلاما كثيرا، وقع بين عثمان بن عفّان وعلىّ بن أبى طالب رضى الله عنهما بسبب ذلك أغضينا عن ذكره وحكى أنّ أبا ذرّ بلغه أنّ معاوية يقول: إنّ المال مال الله، ألا إنّ كلّ شىء فلله، وأنّه يريد أن يحتجبه دون الناس، ويمحو اسم المسلمين: فأتاه أبو ذرّ فقال: ما يدعوك إلى أن تسمّى مال المسلمين.

مال الله! فقال: يرحمك الله يا أبا ذرّ! ألسنا عباد الله، والمال ماله، قال: فلا تقله، قال: سأقول مال المسلمين.

وكان أبو ذرّ يذهب إلى أنّ المسلم لا ينبغى أن يكون فى ملكه أكثر من قوت يومه وليلته إلّا شىء ينفقه فى سبيل الله أو يعدّه لغريم، ويأخذ بظاهر القرآن: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ

[2]

الآية، وكان يقوم بالشام ويقول: يا معشر

[1] من ص.

[2]

سورة التوبة 34.

ص: 444

الأغنياء، واسوا الفقراء، بشّروا الّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها فى سبيل الله بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم. فما زال حتى ولع الفقراء بمثل ذلك، وأوجبوه على الأغنياء.

وشكا الأغنياء ما يلقون منهم إلى معاوية، فأرسل معاوية إليه بألف دينار فى جنح اللّيل، فأنفقها، فلمّا صلّى معاوية الصّبح دعا معاوية رسوله الذى أرسله إليه، فقال: اذهب إلى أبى ذرّ، فقل له:

أنقذ جسدى من عذاب معاوية، فإنه أرسلنى إلى غيرك، وأنّى أخطأت بك، ففعل ذلك. فقال له أبو ذرّ. يا بنىّ، قل له: والله ما أصبح عندنا من دنانيرك دينار، ولكن أخّرنا ثلاثة أيّام حتّى نجمعها.

فلمّا رأى معاوية أنّ فعله صدّق قوله كتب إلى عثمان: إنّ أباذرّ قد ضيّق علىّ، وقد كان كذا وكذا، الّذى يقوله الفقراء.

فكتب إليه عثمان: إنّ الفتنة قد أخرجت خطمها وعينيها، ولم يبق إلّا أن تشب، فلا تنكإ القرح، وجهّز أبا ذرّ، وابعث معه دليلا، وكفكف النّاس ونفسك ما استطعت.

فبعث له بأبى ذرّ، فلمّا قدم المدينة ورأى المجالس فى أصل جبل سلع قال، بشّر أهل المدينة بغارة شعواء، وحرب مذكار [1] ودخل على عثمان فقال له: ما بال أهل الشّام يشكون ذرب [2]

[1] مذكار: قوية.

[2]

ذرب اللسان: حدته.

ص: 445

لسانك؟ فأخبره. فقال: يا أبا ذرّ، علىّ أن أقضى ما علىّ، وأن أدعو الرّعيّة إلى الاجتهاد والاقتصاد، وما علىّ أن أجبرهم على الزّهد.

فقال أبو ذرّ: لا ترضوا من الأغنياء حتّى يبذلوا المعروف، ويحسنوا إلى الجيران والإخوان، ويصلوا القرابات [1]، فقال:

كعب الأحبار- وكان حاضرا: من أدّى الفريضة فقد قضى ما عليه، فضربه أبو ذرّ فشجّه، وقال: يابن اليهوديّة، ما أنت وما ها هنا! فاستوهب عثمان كعبا شجّته، فوهبه، فقال أبو ذرّ لعثمان:

تأذن لى فى الخروج من المدينة؛ فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنى بالخروج منها إذا بلغ البناء سلعا؟ فأذن له، فبلغ الرّبذة [2] ، وبنى بها مسجدا، وأقطعه عثمان صرمة [3] من الإبل، وأعطاه مملوكين، وأجرى عليه فى كلّ يوم عطاء، وكذلك أجرى على رافع بن حديج، وكان قد خرج أيضا من المدينة لشىء سمعه.

قال: وكان أبو ذرّ يتعاهد المدينة مخافة أن يعود أعرابيّا، وأخرج معاوية إليه أهله، فخرجوا ومعهم جراب يثقل يد الرّجل، فقال:

انظروا إلى هذا الّذى يزهّد فى الدّنيا ما عنده؟ فقالت امرأته: والله ما هو دينار ولا درهم ولكنّها فلوس كان إذا خرج عطاؤه ابتاع منه فلوسا [4] لحوائجنا.

وروى البخارىّ رحمه الله فى صحيحه بسنده إلى زيد بن وهب، قال: مررت بالرّبذة، فإذا أنا بأبى ذرّ- رضى الله عنه، فقلت له:

[1] ك: «القرابة» .

[2]

ك: «فنزل الربذة» .

[3]

الصرمة: القطعة من الإبل ما بين العشرين إلى الثلاثين.

[4]

كذا فى الأصلين، ولعلها:«فئوسا» .

ص: 446

ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت فى الشّام، فاختلفت أنا ومعاوية فى الّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها فى سبيل الله. قال معاوية: نزلت فى أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم، فكان بينى وبينه فى ذاك [كلام][1] ، وكتب إلى عثمان رضى الله عنه يشكونى، فكتب إلىّ عثمان أن اقدم المدينة، فقدمتها، فكثر علىّ النّاس حتّى كأنّهم لم يرونى قبل ذلك، فذكرت ذلك لعثمان رضى الله عنه فقال لى: إن شئت تنحّيت فكنت قريبا؛ فذلك الّذى أنزلنى هذا المنزل، ولو أمّروا علىّ حبشيّا لسمعت وأطعت.

وأقام أبو ذرّ بالرّبذة إلى سنة اثنتين وثلاثين، فمات بها رضى الله عنه، ولمّا حضرته الوفاة قال لابنته: استشرفى يا بنيّة، هل ترين أحدا؟ قالت: لا، قال: فما جاءت ساعتى بعد، ثم أمرها فذبحت شاة ثم طبختها، ثم قال: إذا جاءك الّذين يدفنوننى- فإنّه سيشهدنى قوم صالحون- فقولى لهم: يقسم عليكم أبو ذرّ ألّا تركبوا حتى تأكلوا؛ فلمّا نضجت قدرها قال لها: انظرى، هل ترين أحدا؟ قالت: نعم، هؤلاء ركب. قال: استقبلى الكعبة، ففعلت. فقال: بسم الله، وبالله، وعلى ملّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات. فخرجت ابنته، فتلقّتهم [2] وقالت: رحمكم الله،

[1] من ص.

[2]

ص: «فلقيتهم» .

ص: 447

اشهدوا أبا ذرّ قالوا: وأين هو؟ فأشارت إليه، قالوا: نعم، ونعمة عين، لقد أكرمنا الله بذلك.

وكان فيهم ابن سعود- رضى الله عنه- فبكى، وقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال «يموت وحده، ويبعث وحده»

. فغسّلوه وكفّنوه، وصلّوا عليه ودفنوه، فقالت لهم ابنته:

إنّ أبا ذرّ يقرأ عليكم السّلام، وأقسم ألّا تركبوا حتّى تأكلوا، ففعلوا، وحملوا أهله معهم حتّى أقدموهم مكّة، ونعوه إلى عثمان، فضمّ ابنته إلى عياله.

وقيل: كانت وفاته فى سنة إحدى وثلاثين.

وقيل: إنّ ابن مسعود لم يحمل أهل أبى ذرّ معه، إنّما تركهم حتّى قدم على عثمان بمكّة فأعلمه بموته، فجعل عثمان طريقه عليهم، فحملهم معه.

ص: 448