الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر وفاة عبد الرحمن بن عوف وشىء من أخباره ونسبه
هو أبو محمّد عبد الرحمن بن عوف بن الحارث بن زهرة بن كلاب ابن مرّة بن كعب بن لؤىّ بن غالب القرشىّ الزّهرىّ.
وكان اسمه فى الجاهليّة عبد عمرو، وقيل: عبد الكعبة، فسمّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرّحمن.
وأمّه الشفاء بنت عوف بن عبد الحارث بن زهرة.
ولد بعد عام الفيل بعشر سنين، وأسلم قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وكان من المهاجرين الأوّلين، جمع الهجرتين جميعا؛ إلى أرض الحبشة، ثم قدم قبل الهجرة مهاجرا [1] إلى المدينة، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنّة، وأحد السّتّة الّذين جعل عمر رضى الله عنه الشّورى فيهم.
وشهد عبد الرحمن بدرا، والمشاهد كلّها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دومة الجندل، وعمّمه بيده، وأسدلها بين كتفيه، وقال له: سر باسم الله، وأوصاه بوصايا الأمراء، ثم قال: إن فتح الله عليك فتزوّج بنت ملكهم أو شريفهم.
وكان الأصبغ بن ثعلبة بن ضمضم الكلبىّ شريفهم، فتزوّج عبد الرحمن ابنته تماضر بنت الأصبغ، فهى أمّ أبى سلمة الفقيه
ابن عبد الرحمن، وكان له من الولد سالم الأكبر، مات قبل الإسلام، وإبراهيم، وحميد، وإسماعيل، وعروة قتل بإفريقيّة، وسالم الأصغر، وأبو بكر، وعبد الله الأكبر قتل بإفريقيّة، والقاسم، وعبد الله الأصغر، هو أبو سلمة الفقيه، وعبد الرحمن بن عبد الرحمن، ومصعب، وعثمان، ومحمد، [ومعن][1] وزيد، وأمّ القاسم ولدت فى الجاهلية، وجويرية، وهم لأمّهات أولاد شتّى ذكرهنّ الزّبير بن بكّار.
ولعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه، فضائل كثيرة، ومناقب جمّة؛ منها أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى خلفه فى سفر.
وروى عنه صلى الله عليه وسلم. أنّه قال: «عبد الرحمن ابن عوف سيّد من سادات المسلمين»
. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عبد الرحمن بن عوف أمين فى السماء، وأمين فى الأرض»
. وكان رضى الله عنه رجلا طويلا، أجنأ [2] ، أبيض مشربا بحمرة، حسن الوجه، رقيق البشرة، لا يغيّر لحيته ولا رأسه.
وروى عن سهلة بنت عاصم زوجته قالت: كان عبد الرحمن أبيض أعين [3] ، أهدب الأشفار [4] ، أقنى [5] ، طويل النّابين
[1] من ص.
[2]
رجل أجنأ: أشرف كاهله على صدره.
[3]
أعين: واسع العين.
[4]
الشفر: أصل منبت العين فى الجفن.
[5]
قنا الأنف: ارتفاع أعلاه واحد يداب وسطه.
الأعليين، وربّما أدميا شفته، له جمّة [1] ، ضخم الكفّين، غليظ الأصابع، جرح [يوم أحد][2] إحدى وعشرين جراحة، وجرح فى رجله، فكان يعرج منها.
وقال أبو عمر بن عبد البرّ [3] : كان عبد الرّحمن تاجرا مجدودا [4] فى التّجارة وكسب مالا كثيرا، وخلّف ألف بعير، وثلاثة آلاف شاة، ومائة فرس ترعى بالبقيع، وكان يزرع بالجرف على عشرين ناضحا [5] فكان يأخذ من ذلك قوت أهله سنة، وخلّف مالا كثيرا جدا.
روى عمرو بن دينار، عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف قال: صالحنا امرأة عبد الرحمن بن عوف التّى طلّقها فى مرضه عن ثلث الثّمن، بثلاث وثمانين ألفا.
وروى غيره أنّها صولحت بذلك على ربع الثمن من ميراثه.
وحكى ابن الأثير فى تاريخه الكامل: أن عبد الرّحمن بن عوف رضى الله عنه أوصى لكلّ رجل بقى من أهل بدر بأربعمائة دينار، وكان عدّتهم يومئذ مائة رجل، وقسّم ماله على ستّة عشر سهما، فكان كلّ سهم ثمانين وألف دينار.
وقال أبو عمر: وروى أنّه أعتق فى يوم واحد ثلاثين عبدا. ولمّا حضرته الوفاه بكى بكاء شديدا، فسئل عن بكائه فقال: إنّ مصعب
[1] الجمة: مجتمع الشعر.
[2]
من ص.
[3]
الاستيعاب 847 وما بعدها.
[4]
مجدودا: محظوظا.
[5]
الناضح: البعير يستقى عليه.
ابن عمير كان خيرا منّى، توفّى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن له ما يكفّن فيه، وإنّ حمزة بن عبد المطلب كان خيرا منّى لم نجد له كفنا، وإنّى أخشى أن أكون ممن عجّلت له طيّباته فى حياته الدنيا، أو أخاف أن أحتبس [1] عن أصحابى بكثرة مالى.
وقد تقدّم أن هذا المال الّذى اكتسبه كان ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكانت وفاته رضى الله عنه بالمدينة. فى هذه السّنة.
وقيل: فى سنة إحدى وثلاثين، وصلّى عثمان رضى الله عنه عليه بوصيّة منه، ودفن بالبقيع.
واختلف فى مبلغ سنّة، فقيل: توفّى وهو ابن خمس وسبعين، وقيل: اثنتين وسبعين، وقيل: ثمان وسبعين. والله أعلم.
[1] ك: «أحبس» .