الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر صفة عمر رضى الله عنه
قد اختلف الناس فى صفة عمر رضى الله عنه؛ فقيل: كان شديد الأدمة [1] طوالا أكثّ اللحية، أصلع أعسر يسرا، يعمل بيديه جميعا، يخضب بالحناء والكتم [2] ، هكذا وصفه زرّ بن حبيش وغيره بأنّه كان شديد الأدمة.
قال أبو عمر: وهو الأكثر عند أهل العلم بأيّام الناس وسيرهم وأخبارهم.
قال [3] : ووصفه أبو رجاء العطاردىّ- وكان مغفلا- فقال:
كان عمر طويلا جسيما أصلع شديد الصّلع، أبيض شديد حمرة العينين، فى عارضيه خفّة، سبلته [4] كثيرة الشعر، فى أطرافها صهبة [5] .
وذكر الواقدىّ من حديث عاصم بن عبيد الله بن عمر عن، أبيه، قال: إنّما جاءتنا الأدمة من قبل أخوالى بنى مظعون، قال:
وكان أبيض، لا يتزوج إلا لطلب الولد.
قال أبو عمر: وعاصم بن عبيد الله لا يحتجّ بحديثه، ولا بأحاديث الواقدىّ. قال: زعم الواقدىّ أنّ سمرة عمر وأدمته
[1] الأدمة: السمرة.
[2]
الكتم: نبت يخلط بالحناء ويخضب به الشعر.
[3]
الاستيعاب 1144: وما بعدها.
[4]
السبلة: ما على الشارب من الشعر.
[5]
الصهب، محركة والصهبة: حمرة أو شقرة فى الشعر.
إنّما جاءت من أكله الزّيت عام الرّمادة [1] قال: وهذا منكر من القول.
وأصحّ ما فى هذا الباب حديث سفيان الثّورىّ، عن عاصم بن بهدلة، عن زرّ بن حبيش، قال: رأيت عمر شديد الأدمة. وقال أنس: كان أبو بكر يخضب بالحناء والكتم، وكان عمر يخضب بالحناء بحتا.
وعن مجاهد أنّ عمر كان لا يغيّر شيبه.
وقال هلال بن عبد الله: رأيت عمر بن الخطّاب رضى الله عنه، رجلا آدم ضخما كأنّه من رجال سدوس، فى رجليه روح [2] .
وقال بعضهم فى صفته: كان طويلا من النّاس كراكب الجمل، أمهق [3] أصلع.
استخلفه أبو بكر رضى الله عنه قبل وفاته؛ وذلك أنه لمّا نزل به الموت دعا عبد الرحمن بن عوف. فقال: أخبرنى عن عمر، فقال: إنّه أفضل من رأيك فيه إلّا أنّ فيه غلظة؛ فقال أبو بكر: ذلك لأنّه يرانى رقيقا، ولو أفضى الأمر إليه لترك كثيرا ممّا هو عليه، وقد رمقته، فكنت إذا غضبت على رجل أرانى الرّضا عنه، وإذا لنت له أرانى الشّدة عليه. ودعا عثمان فقال له: أخبرنى عن عمر، فقال:
سريرته خير من علانيته، وليس فينا مثله. فقال أبو بكر لهما:
[1] قال فى القاموس: عام الرمادة فى أيام عمر هلكت فيه الناس والأموال.
[2]
قال فى القاموس: «الروح، بالتحريك: وسعة فى الرجلين دون الفجح، وكان عمر رضى الله عنه أروح» .
[3]
الأمهق: الأبيض كالجص لا يخالطه حمرة، وليس بنير.
لا تذكرا مما قلت لكما شيئا، ولو تركته ما عدوت عثمان، ولا أدرى لعله تارك، والخيرة له ألّا يلى من أموركم شيئا، ولوددت أنّى كنت من أموركم خلوا، وكنت فيمن مضى من سلفكم.
ودخل طلحة على أبى بكر فقال: استخلفت على الناس عمر، وقد رأيت [1] ما يلقى الناس منه وأنت معه، فكيف به إذا خلا بهم! وأنت لاق ربّك فسائلك عن رعيّتك؛ فقال: أجلسونى؛ فأجلسوه، فقال: بالله تفرّقنى، أو بالله تخوّفنى! إذا لقيت ربّى فساءلنى قلت:
استخلفت على أهلك خير أهلك. ثم أحضر أبو بكر عثمان بن عفان خاليا، فقال: اكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر بن أبى قحافة إلى المسلمين؛ أمّا بعد- ثم أغمى عليه- فكتب عثمان: أما بعد؛ فقد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ولم آلكم خيرا، ثم أفاق أبو بكر فقال: اقرأ علىّ، فقرأ عليه، فكبرّ أبو بكر وقال: خفت أن يختلف الناس إن متّ فى غشيتى، قال: نعم، قال: جزاك الله خيرا عن الإسلام وأهله. فلمّا كتب العهد أمر به أن يقرأ على النّاس، فجمعهم، وأرسل الكتاب مع مولى له، ومعه عمر، فكان عمر يقول للناس: أنصتوا واسمعوا لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنّه لم يألكم نصحا، فسكت النّاس، فلما قرئ عليهم الكتاب سمعوا وأطاعوا.
وكان أبو بكر قد أشرف على الناس، وقال: أترضون بمن
[1] ك: «وقد لقيت» .
استخلفت عليكم؟ فإنّى ما استخلفت ذا قرابة، وإنّى قد استخلفت عليكم عمر، فاسمعوا له وأطيعوا، وإنّى والله ما ألوت من جهد الرأى، فقالوا: سمعنا وأطعنا، ثم أحضر أبو بكر عمر، فقال: قد استخلفتك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوصاه بتقوى الله، ثم قال: يا عمر؛ إنّ لله حقّا باللّيل لا يقبله فى النّهار، وحقّا فى النّهار لا يقبله فى الليل، وإنه لا يقبل نافلة حتى تؤدّى الفريضة، ألم تر يا عمر أنّما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتّباعهم الحقّ وثقله عليهم! وحقّ الميزان لا يوضع فيه غدا حقّ إلّا أن يكون ثقيلا! ألم تر يا عمر أنّما خفّت موازين من خفّت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل، وخفّته عليهم، وحقّ الميزان لا يوضع فيه غدا باطل إلّا أن يكون خفيفا! ألم تر يا عمر أنّما نزلت آية الرخاء مع آية الشّدة، وآية الشدّة مع آية الرّخاء ليكون المؤمن راغبا راهبا؛ لا يرغب رغبة يتمنى فيها على الله ما ليس له، ولا يرهب رهبة يلقى فيها بيديه! ألم تر يا عمر أنما ذكر الله أهل النار بأسوإ أعمالهم، فإذا ذكرتهم قلت: إنّى لأرجو ألّا أكون منهم، وأنه إنما ذكر أهل الجنة بأحسن أعمالهم لأنّه تجاوز [1] لهم ما كان من شىء، فإذا ذكرتهم قلت: أين عملى من أعمالهم! فإن حفظت وصيتى، فلا يكون غائب أحبّ إليك من الموت، ولست بمعجزه.
وتوفّى أبو بكر رضى الله عنه، فلما دفن صعد عمر المنبر، فخطب النّاس ثم قال: إنّما مثل العرب مثل جمل أنف [2]
[1] ك: «تجاوزتم لهم» .
[2]
الجمل الأنف: المأنوف. وفى نهاية ابن الأثير: وهو الذى عقر الخشاش أنفه فهو لا يمتنع على قائده للوجع الذى به. وقيل: الذلول» .