الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ما جمع من غنائم أهل المدائن وقسمتها
قال: [1] وجعل سعد على الأقباض عمرو بن عمرو بن مقرّن، وعلى القسمة سلمان بن ربيعة الباهلىّ، فجمع ما فى القصر والإيوان والدور، وأحصى ما يأتيه به أهل الطّلب، ووجدوا بالمدائن قبابا تركيّة مملؤءة سلالا مختومة برصاص فيها آنية الذهب والفضّة، فكان الرجل يطوف ويبيع الذّهب بالفضّة مثلا [2] بمثل، ورأوا كافورا كثيرا فحسبوه ملحا فعجنوا به فوجدوه مرّا. وأدرك الطّلب مع زهرة جماعة من الفرس على جسر النّهروان فازدحموا عليهم، فوقع منهم بغل فى الماء فأخذه المسلمون وفيه حلية كسرى وثيابه، وخرزاته ووشاحه، ودرعه المجوهر. ولحق بعض المسلمين بغلين مع فارسين فقتلهما، وأخذ البغلين فأوصلهما إلى صاحب الأقباض، وهو يكتب ما يأتيه به النّاس، فاستوقفه حتّى ينظر ما جاء به؛ فإذا على أحدهما سفطان [3] فيهما تاج كسرى مفسّخا [4] ، وكان حمله على أسطوانتين، وفيه الجوهر، وعلى البغل الثّانى سفطان فيهما ثياب كسرى من الدّيباج المنسوج بالذّهب المنظوم بالجوهر، وغير الدّيباج منسوجا منظوما. وأدرك القعقاع فارسيّا فقتله وأخذ منه عيبتين فى إحدهما
[1] ابن الأثير 2: 358.
[2]
ابن الأثير: «متماثلين» .
[3]
السفط: وعاء كالجوالق، وفى الأصلين «يسقطان» تحريف؛ صواب من ابن الأثير.
[4]
ابن الأثير: «مرصعا» .
خمسة أسياف، وفى الأخرى ستّة أسياف، وأدرع منها درع كسرى، ومغافره وسيفه، ودرع هرقل وسيفه، ودرع شوبين وسيفه، ودرع سياوخش وسيفه، ودرع النعمان وسيفه، وبقيّة السّيوف لهرمز وقباذ وفيروز.
وكان الفرس قد استلبوا أدراع ملوك الهند والترك والرّوم وسيوفهم لمّا غزوهم، فأحضر القعقاع ذلك إلى سعد فخيّره فى الأسياف فاختار سيف هرقل، وأعطاه درع بهرام، ونفّل سائرها إلّا سيف كسرى [وسيف][1] النعمان، فبعث بهما إلى عمر بن الخطاب؛ لتسمع العرب بذلك بعد أن حسبهما فى الأخماس، وبعث بتاج كسرى وحليته وثيابه إلى عمر ليراه المسلمون.
قال: وأدرك عصمة بن خالد الضّبىّ رجلين معهما حماران، فقتل أحدهما وهرب الآخر، وأخذ الحمارين وأتى بهما إلى صاحب الأقباض، فإذا على أحدهما سفطان فى أحدهما فرس من ذهب بسرج من فضّة على ثفره ولبّته [2] الياقوت والزّبرجد، ولجام كذلك، وفارس من فضّة مكلّلة بالجوهر. وفى الآخر ناقة من فضّة عليها شليل [3] من ذهب، وكلّ ذلك منظوم بالياقوت، وعليها رجل من ذهب مكلّل بالجوهر، كان كسرى يصنعها على أسطوانتى التّاج.
وأدّى المسلمون الأمانة فى المغنم، ولما جمعت الغنائم خمّسها سعد، وقسّم ما بقى من الخمس والنّفل [4] بين الناس، وكانوا ستّين ألفا كلّهم فارس،
[1] من ص.
[2]
ابن الأثير: «ولبابه» .
[3]
الشليل: مسح من صوف أو شعر يجعل على عجز البعير من وراء الرحل.
[4]
النفل بالفتح: الغنيمة.
أصاب كلّا منهم اثنا عشر ألفا، ونفّل من الأخماس فى أهل البلاء، وقسّم المنازل بين الناس، وأحضر العيالات فأنزلهم فى الدّور، فأقاموا بالمدائن؛ حتّى نزلوا إلى الكوفة بعد فراغهم من جلولاء، وتكريت، والموصل.
قال: وأرسل سعد فى الخمس كلّ شىء يتعجّب منه العرب، وأراد أن يخرج خمس القطيف فلم تعتدل قسمته، فقال للمسلمين: هل تطيب نفوسكم بأربعة أخماسه، ونبعث به إلى أمير المؤمنين [يضعه] [1] حيث يشاء؟ قالوا: نعم، فبعث به إلى عمر.
والقطيف: بساط واحد طوله ستّون ذراعا، وعرضه مثل ذلك مقدار جريب. كانت الأكاسرة إذا ذهبت الرّياحين بعد الشّتاء شربوا عليه، فكأنّهم فى رياض، فيه طرق كالقصور، وفصوص كالأنهار، أرضه مذهبة، وخلال ذلك فصوص كالدرّ، وفى حافاته كالأرض المزروعة والمبقلة بالنّبات والورق من الحرير على قضبان الذّهب، وأزهاره الذّهب والفضّة، وثماره الجوهر وأشباه ذلك.
فلمّا وصل إلى عمر استشار المسلمين فيه، فأشاروا بقطعه، فقطّعه بينهم، فأصاب علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه قطعة منه، فباعها بعشرين ألفا، ولم تكن أجود من غيرها.
[1] زيادة من ابن الأثير.