الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قتلة، بالسلاح والنّيران، ثم قسم ما أفاء الله عليه إلّا الخمس.
فإنه يبلّغناه، وأن يمنع أصحابه العجلة والفساد، وألّا يدخل [فيهم حشوا حتى يعرفهم ويعلم ما هم؛ لا يكونوا عيونا، ولئلّا يؤتى المسلمون من قبلهم وأن يقتصد][1] بالمسلمين، ويرفق بهم فى السير والمنزل، ويتفقدهم ولا يعجل بعضهم عن بعض، ويستوصى بالمسلمين فى حسن الصحبة ولين القول.
والله تعالى أعلم بالصواب، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على سيدنا محمد.
ذكر خبر طليحة الأسدى وما كان من أمره وأمر من اتبعه من قيائل العرب وما آل إليه أمره بعد ذلك
كان [2] خبر طليحة بن خويلد الأسدىّ؛ أسد خزيمة، أنّه ارتدّ فى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وادّعى النّبوّة، فلمّا ظهر أمره وجّه رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرار بن الأزور إلى عمّاله على بنى أسد، وأمرهم بالقيام فى أمر طليحة ومن ارتدّ معه، ونزل المسلمون بواردات، ونزل المشركون بسميراء.
فضعف أمر طليحة، وما زال المسلمون فى نماء، والمشركون فى نقصان حتى همّ ضرار بن الأزور أن يسير إلى طليحة، ولم يبق أحد
[1] زيادة من تاريخ الطبرى.
[2]
انظر تاريخ الطبرى 3: 259 وما بعدها.
إلّا أخذه سلما [1] ، فاتّفق أنّه ضرب ضربة بسيف فنباعنه، وشاعت تلك الضربة فى النّاس، وقالوا: إنّ السلاح لا يعمل فى طليحة، فبينما الناس على ذلك إذ ورد الخبر بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أمسى المسلمون من ذلك اليوم حتّى عرفوا النقصان، وكثر جمع طليحة واستطار أمره، وادّعى أنّ جبريل يأتيه، وسجع للناس الأكاذيب فكان مما أتى به قوله:«والحمام واليمام، والصّرد الصّوّام، قد ضمن قبلكم بأعوام، ليبلغنّ ملكنا العراق والشام» . وأمر طليحة الناس بترك السجود فى الصّلاة، وتبعه كثير من العرب، وكان أكثر أتباعه أسد وغطفان وطيّىء، ولما انهزمت عبس وذبيان التحقوا به ببزاخة، وأرسل طليحة إلى جديلة والغوث- وهما حيّان من طيّىء- أن ينضموا إليه، فتعجّل إليه أناس من الحيّين، وأمروا قومهم باللّحاق بهم، فقدموا على طليحة وكانوا معه. وبعث أبو بكر رضى الله عنه عدىّ بن حاتم الطّائىّ قبل توجيهه [2] خالد بن الوليد إلى قومه، وقال: أدركهم لا يؤكلوا؛ فخرج عدىّ إليهم؛ [ففتلهم فى الذّروة والغارب][3] ، وخرج خالد بن الوليد فى أثره، وأمره أبو بكر رضى الله عنه أن يبدأ بطيّىء على الأكناف؛ ثم يكون وجهه إلى البزاخة، ثم يثلّث بالبطاح، ولا يبرح إذا فرغ من قوم حتى يأذن [4] له، وأظهر أبو بكر أنّه خارج إلى خيبر ومنصبّ عليهم منها، حتى يلاقيه بالأكناف، أكناف سلمى.
[1] السلم: الاستسلام.
[2]
الطبرى: «قبل توجيه خالد» .
[3]
زيادة من تاريخ الطبرى.
[4]
الطبرى: «يتحدّث إليه» .
قال ابن الكلبىّ: وإنّما قال ذلك أبو بكر مكيدة حتى يبلغ ذلك عدوّه فيرعبهم، وكان قد أوعب [1] مع خالد الناس، فخرج خالد، فازوار عن البزاخة وجنح إلى أجأ، وقدم عدىّ بن حاتم عليهم؛ ودعاهم إلى الإسلام؛ فأجابوه بعد امتناع، وقالوا له:
أخّر عنّا الجيش حتى نستخرج من ألحق بالبزاخة منّا، فإنّا إن خالفنا طليحة وهم فى يديه قتلهم أو ارتهنهم، فاستقبل عدىّ خالدا وهو بالسّنح، فقال: يا خالد، أمسك عنى ثلاثا؛ تجتمع لك خمسمائة مقاتل تضرب بهم عدوّك؛ خير من أن تعجلهم إلى النّار.
وتشاغل بهم، ففعل وعاد إليهم وقد أرسلوا إلى إخوانهم؛ فأتوهم من بزاخة كالمدد، ولولا ذلك لم يتركوا، فعاد عدىّ بإسلامهم إلى خالد، وارتحل خالد يريد جديلة، فقال له عدىّ: إنّ طيّئا كالطائر، وإنّ جديلة أحد جناحى طيّىء، فأجّلنى لعلّ الله أن ينقذ جديلة لك كما أنقذ الغوث؛ ففعل، وأتاهم عدىّ؛ فلم يزل بهم حتى بايعوه؛ فجاء بإسلامهم، ولحق بالمسلمين منهم ألف راكب، فكان خير مولود ولد فى أرض طيّىء وأعظمه عليهم بركة.
قال هشام الكلبى: وسار خالد بن الوليد إلى طليحة، وكان أبو بكر رضى الله عنه قد جعل ثابت بن قيس على الأنصار وأمره إلى خالد، فلمّا دنا خالد من القوم، بعث عكّاشة بن محصن، وثابت ابن أقرم بن ثعلبة العجلانىّ البلوىّ حليف الأنصار [2] طليعة؛ حتى إذا
دنوا من القوم خرج طليحة وأخوه سلمة ينظران ويسألان، فلقياهما فبرز سلمة لثابت، وبرز عكّاشة لطليحة، فأما سلمة، فلم يمهل ثابتا أن قتله، ونادى طليحة أخاه حين رأى أن قد فرغ من صاحبه أن أعنّى على الرّجل [فإنّه آكل][1] ، فاعتونا على عكّاشه [2] ، فقتلاه ثم رجعا، وأقبل خالد بالناس، فمروا بثابت بن أقرم قتيلا، فلم يفطنوا له حتى وطئته المطىّ بأخفافها، فكبر ذلك على المسلمين، ثم نظروا فإذا هم بعكّاشة صريعا، فجزع لذلك المسلمون وقالوا:
قتل سيّدان من سادات المسلمين، وفارسان من فرسانهم.
قال: ثمّ التقى المسلمون بطليحة ومن معه على بزاخة، واقتتلوا أشدّ قتال، وطليحة متلفّف فى كسائه بفناء بيته يتنبّأ لهم بزعمه، وكان عيينية ابن حصن بن حذيفة الفزارىّ مع طليحة فى سبعمائة من بنى فزارة يقاتل قتالا شديدا، فلما اشتدّ القتال كرّ عيينة على طليحة، فقال: هل جاءك جبريل بعد؟ قال: لا؛ فرجع فقاتل حتى إذا ضرس [3] القتال، وهزّته الحرب كرّ عليه، فقال له: لا أبا لك! هل جاءك جبريل بعد؟ فقال: لا، فقال عيينة: حتى متى؛ قد والله بلغ منّا! ثم رجع فقاتل؛ حتى إذا بلغ كرّ عليه فقال: هل جاءك جبريل بعد؟
قال: نعم؛ قال: فما قال لك؟ قال: قال لى: «إنّ لك رحا كرحاه.
وحديثا لا تنساه» . قال عيينة: قد علم الله أن سيكون لك حديث لا تنساه، ونادى عيينة: يا بنى فزارة؛ هكذا فانصرفوا، فهذا
والله كذّاب، فانصرفوا وانهزم الناس فغشوا طليحة، يقولون: ماذا تأمرنا؟ وكان طليحة قد أعدّ فرسه وراحلته عنده، فلمّا غشيه النّاس قام فوثب على فرسه، وحمل امرأته النّوار على الراحلة فنجا بها، وقال للناس: من استطاع منكم أن يفعل مثل ما فعلت وينجو بأهله فليفعل، ثم سلك الجوشيّة ولحق بالشام فارفضّ جمعه، وقتل الله من قتل منهم، وأتت قبائل سليم وهوازن وفزارة وأسد وغطفان، وتلك القبائل يقولون: ندخل فيما خرجنا منه، ونؤمن بالله وبرسوله ونسلّم لحكمه فى أموالنا وأنفسنا.
فبايعهم خالد بن الوليد على الإسلام، ثمّ أقبلت بنو عامر بعد هزيمة أهل بزاخة، يقولون: ندخل فيما خرجنا منه، فبايعهم خالد على ما بايع عليه أهل البزاخة من أسد وغطفان وطيّىء قبلهم، وأعطوه بأيديهم على الإسلام.
قال أبو الحسن علىّ المعروف بابن الأثير: وكانت [1] بيعته:
عليكم عهد الله وميثاقه لتؤمننّ بالله ورسوله، ولتقيمنّ الصلاة، ولتؤتنّ الزكاة، وتبايعون على ذلك أبناءكم ونساءكم! فيقولون:
نعم، ولم يقبل من أحد [2] منهم إلا أن يأتوه بالذين حرّقوا ومثّلوا، وعدوا على المسلمين [3] فى حال ردّتهم، فأتوه بهم، فقبل منهم إلّا قرّة بن هبيرة سيّد بنى عامر ونفر معه أوثقهم، ومثّل بالذين عدوا على المسلمين فأحرقهم بالنيران بالحجارة، ورمى بهم من الجبال، ونكّسهم فى
[1] الكامل لابن الأثير 2: 236 وما بعدها.
[2]
ابن الأثير: من أسد وغطفان وطيىء وسليم» .
[3]
ابن الأثير: على الإسلام» .
الآبار [وأرسل إلى أبى بكر يعلمه ما فعل][1] ، ورضخهم، وبعث بقرّة وبالأسارى إلى أبى بكر رضى الله عنه وكتب إليه: إنّ بنى عامر أقبلت بعد إعراض، ودخلت فى الإسلام بعد تربّص، وإنّى لم أقبل من أحد سألنى شيئا حتى يجيئونى بمن عدا على المسلمين، فقتلتهم كلّ قتلة، وبعثت إليك [2] بقرّة وأصحابه.
فكتب أبو بكر إليه: ليزدك ما أنعم لله به عليك خيرا، فاتّق الله فى أمرك، فإنّ الله مع الّذين اتّقوا والّذين هم محسنون، جدّ فى أمر الله ولا تنينّ ولا تظفرنّ بأحد قتل المسلمين إلا قتلته، ونكّلت به غيره.
وكان عيينة بن حصن ممن أسر، روى عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة بن مسعود. قال: أخبرنى من نظر إلى عيينة بن حصن مجموعة يداه إلى عنقة فى حبل، ينخسه غلمان المدينة بالجريد يقولون: أى عدوّ الله، أكفرت بالله بعد إيمانك! فيقول: والله ما كنت آمنت بالله قطّ؛ حكاه أبو جعفر الطبرىّ [3] .
قال: فتجاوز أبو بكر رضى الله عنه، وحقن له دمه. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأمّا طليحة وما آل إليه أمره؛ فإنّه لحق بالشام، ثم نزل على كلب، فأسلم حين بلغه إسلام أسد وغطفان، ولم يزل فى بنى كلب حتى مات أبو بكر الصديق رضى الله عنه. وخرج فى خلافة أبى بكر
[1] زيادة من ان الأثير.
[2]
ص: «وبعث إليه» .
[3]
تاريخ الطبرى 3: 260.