المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر أهل البحرين ومن ارتد منهم وانضم إلى الحطم وما كان من أمرهم - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ١٩

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء التاسع عشر

- ‌تصدير

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌الباب الثانى من القسم الخامس فى أخبار الخلفاء الراشدين

- ‌ذكر خلافة أبى بكر الصديق وشىء من أخباره وفضائله

- ‌ذكر نبذة من فضائل أبى بكر الصديق ومآثره فى الجاهلية والإسلام

- ‌ذكر صفة أبى بكر الصديق

- ‌ذكر ما ورد من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر على أمته من بعده وحجة من قال ذلك

- ‌ذكر بيعة أبى بكر الصديق رضى الله عنه وخبر السقفية، وما وقع بين المهاجرين والأنصار من التراجع فى الإمارة

- ‌ذكر ما تكلم به أبو بكر الصديق بعد بيعته وما قاله عمر بن الخطاب بعد البيعة الأولى وقبل البيعة الثانية العامة

- ‌ذكر انفاذ جيش أسامة

- ‌ذكر أخبار من ادعى النبوة من الكذابين

- ‌ذكر غزوة أبى بكر وقتاله أهل الردة وعبس وذبيان

- ‌ذكر عقد أبى بكر رضى الله عنه الألوية

- ‌ذكر خبر طليحة الأسدى وما كان من أمره وأمر من اتبعه من قيائل العرب وما آل إليه أمره بعد ذلك

- ‌ذكر خبر تميمم وأمر سجاح ابنة الحارث بن سويد

- ‌ذكر مسير خالد الى البطاح ومقتل مالك بن نويرة

- ‌ذكر خبر مسيلمة الكذاب وقومه من أهل اليمامة

- ‌ذكر الحروب الكائنة بين بين المسلمين وبين مسيلمة وبين أهل اليمامه وقتل مسيلمة

- ‌ذكر خبر ثابت بن قيس بن شماس فى مقتله

- ‌ذكر أهل البحرين ومن ارتد منهم وانضم إلى الحطم وما كان من أمرهم

- ‌ذكر مسير خالد بن الوليد الى العراق

- ‌ذكر وقعة الثنى

- ‌ذكر وقعة الولجة

- ‌ذكر وقعة أليس

- ‌ذكر وقعة فرات بادقلى وفتح الحيرة

- ‌ذكر ما كان بعد فتح الحيرة

- ‌ذكر فتح الأنبار

- ‌ذكر فتح عين التمر

- ‌ذكر خبر دومة الجندل

- ‌ثم كانت وقعة مصيخ

- ‌وقعة الثنى والزميل

- ‌ذكر وقعة الفراض

- ‌ذكر فتوح الشام

- ‌ذكر مسير خالد بن الوليد الى الشام وما فعل فى مسيره إلى أن التقى بجنود المسلمين بالشام

- ‌ذكر وقعة أجنادين

- ‌ذكر وقعة اليرموك

- ‌ذكر ما وقع فى خلافة أبى بكر غير ما ذكرناه

- ‌سنة إحدى عشرة

- ‌سنة اثنتى عشرة

- ‌ذكر وفاة أبى بكر الصديق رضى الله عنه ومدة خلافتة

- ‌ذكر نبذة من أخباره وأحواله ومناقبه رضى الله عنه

- ‌ذكر أولاد أبى بكر وأزواجه

- ‌ذكر أسماء قضاته وعماله وكتابه وحاجبه وخادمه

- ‌ذكر خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه

- ‌ذكر نبذة من فضائل عمر رضى الله عنه ومناقبه

- ‌ذكر صفة عمر رضى الله عنه

- ‌ذكر الفتوحات والغزوات فى خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه

- ‌ذكر فتوح مدينة دمشق

- ‌ذكر شىء مما قبل فى أمر مدينة دمشق ومن بناها

- ‌ذكر غزوة فحل

- ‌ذكر فتح بلاد ساحل دمشق

- ‌ذكر فتح بيسان وطبرية

- ‌ذكر الوقعة بمرج الروم

- ‌ذكر فتح بعلبك وحمص وحماة وشيرز ومعرة النعمان وسلمية واللاذقية وأنطرسوس

- ‌ذكر فتح قنسرين ودخول هرقل القسطنطينية

- ‌ذكر فتح حلب وأنطاكية وغيرهما من العواصم

- ‌ذكر فتح قيسارية وحصن غزة

- ‌ذكر بيسان ووقعة أجنادين وفتح غزة

- ‌ذكر فتح بيت المقدس وهو ايلياء

- ‌ذكر خبر حمص حين قصد هرقل من بها من المسلمين

- ‌ذكر فتح الجزيرة وأرمينية

- ‌ذكر فتوح العراقين وما والاها من بلاد فارس

- ‌ذكر وقعة النمارق

- ‌ذكر وقعة السقاطية بكسكر

- ‌ذكر وقعة الجالينوس

- ‌ذكر وقعة قس الناطف

- ‌ذكر وقعة أليس الصغرى

- ‌ذكر وقعة البويب

- ‌ذكر خبر سوقى الخنافس وبغداد

- ‌ذكر خبر القادسية وأيامها

- ‌ذكر يوم أرماث

- ‌ذكر أغواث

- ‌ذكر يوم عماس، وهو اليوم الثالث

- ‌ذكر ليلة الهرير

- ‌ذكر يوم القادسية وقتل رستم وهزيمة الفرس

- ‌ذكر ما كان بعد القادسية من الحروب والأيام

- ‌يوم برس، ويوم بابل، ويوم كوثى

- ‌ذكر خبر بهرسير وهى المدينة الغربية

- ‌ذكر فتح المدائن الغربية وهى بهرسير

- ‌ذكر فتح المدائن الشرقية التى فيها إيوان كسرى

- ‌ذكر ما جمع من غنائم أهل المدائن وقسمتها

- ‌ذكر وقعة جلولاء وفتح حلوان

- ‌ذكر ولاية عتبة بن غزوان البصرة وفتحه الأبلة

- ‌ذكر فتح تكريت والموصل

- ‌ذكر فتح ما سيذان

- ‌ذكر فتح قرقيسيا

- ‌ذكر فتح الأهواز ومناذر ونهر تيرى

- ‌ذكر صلح الهرمزان وأهل تستر مع المسلمين

- ‌ذكر فتح رامهرمز

- ‌ذكر فتح السوس

- ‌ذكر مصالحة جنديسابور

- ‌ذكر انسياح الجيوش الاسلامية فى بلاد الفرس

- ‌ذكر غزوة فارس من البحرين

- ‌ذكر وقعة نهاوند وفتحها

- ‌ذكر فتح دينور والصيمرة وغيرهما

- ‌ذكر فتح همذان والماهين وغيرهما

- ‌ذكر فتح أصبهان وقم وكاشان

- ‌ذكر فتح قزوين وأبهر وزنجان

- ‌ذكر فتح الرى

- ‌ذكر فتح قومس وجرجان وطبرستان

- ‌ذكر فتح أذربيجان

- ‌ذكر فتح الباب

- ‌ذكر فتح موقان

- ‌ذكر غزو الترك

- ‌ذكر غزو خراسان

- ‌ذكر فتح شهرزور والصامغان

- ‌ذكر فتح توج

- ‌ذكر فتح اصطخر وجور وكازرون والنوبندجان ومدنية شيراز وأرّجان وسينيز وجنابا وجهرم

- ‌ذكر فتح فساودرابجرد

- ‌ذكر فتح كرمان

- ‌ذكر فتح سجستان

- ‌ذكر فتح مكران

- ‌ذكر فتح بيروذ من الأهواز

- ‌ذكر خبر سلمة بن قيس الأشجعى والأكراد

- ‌ذكر فتوح مصر وما والاها

- ‌ذكر مسير عمرو الى مصر

- ‌ذكر حصار القصر وما قيل فى كيفية الاستيلاء عليه وانتقال الروم والقبط إلى الجزيرة

- ‌ذكر ارسال المقوقس الى عمرو فى طلب الصلح وجواب عمرو له واجتماع المقوقس وعبادة بن الصامت

- ‌ذكر مسير عمرو لقتال الروم وما كان من الحروب بينهم إلى أن فتحت الإسكندرية

- ‌ذكر الفتح الثانى وما وجد بالاسكندرية وعدة من ضربت عليه الجزية

- ‌ذكر من قال ان مصر فتحت عنوة

- ‌ذكر أخبار الاسكندرية وبنائها وما اتفق فى ذلك من الأعاجيب

- ‌ذكر تحول عمرو بن العاص من الاسكندرية إلى الفسطاط- واختطاطه

- ‌ذكر خبر أصل النيل وكيف كانت عادة القبط وإبطال عمرو تلك العادة

- ‌ذكر ما قرر فى أمر الجزية من الخراج

- ‌ذكر خبر المقطم

- ‌ذكر خبر خليج أمير المؤمنين

- ‌ذكر الخبر عن فتح الفيوم

- ‌ذكر فتح زويلة وطرابلس الغرب وبرقة وحصن سبرت

- ‌ذكر الغزوات إلى أرض الروم

- ‌ذكر ما اتفق فى خلافة عمر بن الخطاب غير الفتوحات والغزوات

- ‌ذكر فرض العطاء وعمل الديوان

- ‌ذكر بناء الكوفة والبصرة

- ‌ذكر عزل خالد بن الوليد

- ‌ذكر بناء المسجد الحرام

- ‌ذكر عزل المغيرة بن شعبة

- ‌سبب ولاية كعب بن سور قضاء البصرة

- ‌ذكر القحط وعام الرمادة

- ‌ذكر طاعون عمواس وتسمية من مات فيه

- ‌ذكر قدوم عمر الى الشام بعد الطاعون

- ‌ذكر اجلاء يهود خيبر منها

- ‌ذكر عزل سعد بن أبى وقاص عن الكوفة ومن ولى بعده فى هذه السنة

- ‌ذكر خبر مقتل عمر بن الخطاب ومدة خلافته

- ‌ذكر قصة الشورى

- ‌ذكر أولاد عمر بن الخطاب رضى الله عنه وعنهم وأزواجه

- ‌ذكر عمال عمر رضى الله عنه وعنهم على الامصار

- ‌كتابه

- ‌قضاته

- ‌ذكر خلافة عثمان بن عفان رضى الله عنه

- ‌ذكر صفته ونبذة من فضائله

- ‌ذكر بيعة عثمان رضى الله عنه

- ‌ذكر الفتوحات والغزوات فى خلافة عثمان

- ‌ذكر خلاف أهل الاسكندرية

- ‌ذكر غزو ارمينية وغيرها وما وقع من الصلح

- ‌ذكر غزو معاوية الروم

- ‌ذكر فتح كابل

- ‌ذكر غزو افريقية وفتحها

- ‌ذكر فتح جزيرة قبرس

- ‌ذكر نقض أهل فارس وغيرهم وفتح إصطخر ودرابجرد

- ‌ذكر غزو طبرستان

- ‌ذكر غزو الصوارى

- ‌ذكر مقتل يزدجرد آخر ملوك بنى ساسان

- ‌ذكر فتح خراسان

- ‌ذكر فتح كرمان

- ‌ذكر فتح سجستان وكابل وغيرها

- ‌ذكر خروج قارن ببلاد خراسان وقتله

- ‌ذكر ما وقع فى خلافة عثمان غير الغزوات والفتوحات على حكم السّنين

- ‌سنة أربع وعشرين

- ‌سنة خمس وعشرين

- ‌سنة ست وعشرين

- ‌سنة سبع وعشرين

- ‌سنة ثمان وعشرين

- ‌سنة تسع وعشرين

- ‌ذكر عزل أبى موسى الأشعرى عن البصرة وعثمان بن العاص عن عمان والبحرين واستعمال عبد الله بن عامر على ذلك

- ‌ذكر الزيادة فى مسجد النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر اتمام عثمان الصلاة وما تكلم الناس به فى ذلك

- ‌سنة ثلاثين

- ‌ذكر عزل الوليد بن عقبة عن الكوفة وولاية سعيد بن العاص

- ‌ذكر جمع القرآن

- ‌ذكر سقوط خاتم النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر خبر أبى ذر الغفارى فى اخراجه الى الربذة

- ‌سنة احدى وثلاثين

- ‌سنة اثنتين وثلاثين

- ‌ذكر وفاة عبد الرحمن بن عوف وشىء من أخباره ونسبه

- ‌سنة ثلاث وثلاثين ذكر خبر من سار من أهل الكوفة إلى الشام وما كان من أمرهم

- ‌سنة أربع وثلاثين ذكر خبر يوم الجرعة وعزل سعيد وخروجه عن الكوفة واستعمال أبى موسى الأشعرىّ

- ‌ذكر ابتداء الخلاف على عثمان

- ‌ذكر كلام على لعثمان وجوابه له

- ‌ذكر ارسال عثمان الى الأمصار ليأتوه بأخبار عماله

- ‌سنة خمس وثلاثين

- ‌ذكر مقتل عثمان رضى الله عنه

- ‌ذكر أزواج عثمان وأولاده

- ‌كتابه وقضاته وحجابه وأصحاب شرطته

- ‌ذكر عماله على الأمصار فى سنة مقتله

- ‌ذكر شىء مما رثى به عثمان من الشعر

- ‌فهرس الجزء التاسع عشر

الفصل: ‌ذكر أهل البحرين ومن ارتد منهم وانضم إلى الحطم وما كان من أمرهم

وحدّث أبا بكر برؤياه، فأجاز وصيّته [من بعد موته][1] .

قال: ولا نعلم أحدا أجيزت وصيّته بعد موته غير ثابت بن قيس رحمه الله تعالى.

‌ذكر أهل البحرين ومن ارتد منهم وانضم إلى الحطم وما كان من أمرهم

والحطم اسمة شريح بن ضبيعة. قال أبو عبيدة فى سبب تسميته بالحطم: إنّه [2] كان غزا اليمن فى جموع جمعها من ربيعة، فغنم وسبى بعد حرب كانت بينه وبين كندة، أسر فيها فرعان ابن مهدىّ بن معدى كرب عمّ الأشعث بن قيس، وأخذ على طريق مفازة؛ فضلّ بهم دليلهم، ثم هرب منهم، ومات فرعان عطشا، وهلك منهم ناس كثيرون بالعطش، وجعل شريح يسوق بأصحابه سوقا حثيثا حتى نجوا، ووردوا الماء؛ فقال فيه رشيد بن رميض هذه الأبيات:

بات يقاسيها غلام كالزّلم

نام الحداة وابن هند لم ينم

هذا أوان الشّدّ فاشتدّى زيم

قد لفّها الليل بسوّاق حطم

خدلّج الساقين خفّاق القدم

ليس براعى إبل ولا غنم

ولا بجزّار على ظهر وضم

فلقّب يومئذ الحطم لذلك.

[1] زيادة من الاستيعاب:

[2]

ك: «أنه كان عن اليمن فى جموع جمعها» ، والمثبت من ص.

ص: 98

قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى رحمه الله: كان [1] من حديث أهل البحرين أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتكى هو والمنذر ابن ساوى فى شهر واحد، ثم مات المنذر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقليل، وارتدّ [2] بعده أهل البحرين، فأما عبد القيس ففاءت، وأمّا بكر فتمّت على الردّة، وكان الذى ثنى عبد القيس الجارود بن المعلّى. وقيل فيه: الجارود بن عمرو بن حبيش بن يعلى [3] ، واسمه- فيما يقال- بشر بن عمرو، وإنّما قيل له الجارود؛ لأنّه أغار فى الجاهلية على بكر بن وائل، فأصابهم فجرّدهم.

- وهذه الزيادة فى اسم الجارود عن غير الطبرى- قال أبو جعفر: وكان الجارود قد قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان نصرانيّا فأسلم، ومكث بالمدينة حتى فقه، ثم رجع إلى قومه فكان فيهم؛ فلم يلبث إلا قليلا حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقالت عبد القيس: لو كان محمد نبيّا لما مات؛ وارتدّوا؛ فبعث إليهم فجمعهم، وقال: يا معشر عبد القيس؛ إنّى سائلكم عن أمر فأخبرونى به إن علمتموه، ولا تجيبونى إن لم تعلموا؛ قالوا: سل عمّا بدا لك. قال: تعلمون أنّه كان لله تعالى أنبياء فيما مضى؟ قالوا: نعم، قال: ترونه أو تعلمونه؟ قالوا:

لا، بل نعلمه. قال: فما فعلوا؟ قالوا: ماتوا؛ قال: فإنّ محمدا صلى الله عليه وسلم مات كما ماتوا، وأنا أشهد أنّ لا إله إلّا الله،

[1] تاريخ الطبرى 3: 301 وما بعدها، الأغانى 15:255.

[2]

ص: «وارتدت» .

[3]

ص: «حنش بن يعلى» .

ص: 99

وأن محمدا عبده ورسوله؛ قالوا: ونحن نشهد أنّ لا إله إلّا الله، وأنّ محمدا عبده ورسوله، وأنّك ضف؟؟؟ سيدنا وألنا؟؟؟.

وثبتوا على إسلامهم وخلّوا بين سائر ربيعة وبين المنذر بن ساوى، فكان المنذر مشتغلا بهم حياته، فلمّا مات حصر أصحابه فى مكانين، فكانوا كذلك حتى أنقذهم [1] العلاء بن الحضرمىّ.

قال: ولما ارتدّت ربيعة ومن تابعها. قالوا: نردّ الملك فى آل المنذر، فملّكوا المنذر بن النّعمان بن المنذر، وكان يسمّى الغرور، فكان يقول بعد ذلك حين أسلم الناس وغلبهم السيف: لست بالغرور، ولكنى المغرور [2] .

قال: ولمّا مات النبىّ صلى الله عليه وسلم خرج الحطم بن ضبيعة أخو قيس بن ثعلبة فيمن اتّبعه من بكر بن وائل على الرّدة، ومن تأشّب [3] إليه من غير المرتدّين؛ ممّن لم يزل كافرا حتى نزل القطيف [4] وهجر، وبعث بعثا إلى دارين، فأقاموا به ليجعل عبد القيس بينه وبينهم، وكانوا مخالفين لهم، يمدّون المنذر والمسلمين، وأرسل إلى الغرور ابن أخى [5] النعمان بن المنذر، فبعثه إلى جؤاثى، وقال له:

اثبت، فإنّى إن ظفرت ملّكتك بالبحرين حتى تكون كالنّعمان بالحيرة، وبعث إلى جواثى فحصرهم، وألحّوا عليهم، وفى المسلمين المحصورين رجل من صالحى المسلمين. يقال له: عبد الله بن حذف،

[1] ص: «أنقدهم» تحريف.

[2]

ك: «الفرور» .

[3]

تأشب: تجمع إليه من هنا وهنا.

[4]

القطيف: مدينة بالبحرين.

[5]

فى الطبرى أخ: ى» «.

ص: 100

أحد بنى بكر بن كلاب، فاشتدّ عليه وعليهم الجوع حتى كادوا يهلكوا؛ فقال عبد الله بن حذف فى ذلك:

ألا أبلغ أبا بكر رسولا

وفتيان المدينة أجمعينا [1]

فهل لكم إلى قوم كرام

قعود فى جؤاثى محصرينا

كأنّ دماءهم فى كلّ فجّ

شعاع الشمس يغشى النّاظرينا

توكّلنا على الرّحمن إنّا

وجدنا الصّبر للمتوكّلينا

وكان أبو بكر الصّديق رضى الله عنه قد عقد للعلاء بن الحضرمىّ، وأمّره بالبحرين كما قدّمنا ذكر ذلك، فسار العلاء فيمن معه، فلمّا كان بحيال اليمامة لحق به ثمامة بن أثال فى مسلمة بنى حنيفة، وخرج مع العلاء من بنى عمرو وسعد والرّباب مثل عسكره، وسلك الدّهناء فنزل، وأمر النّاس بالنزول، فنزلوا، فنفرت الإبل فى جوف الليل، فما بقى بعير ولا زاد ولا مزاد ولا بناء إلّا ذهب عليها فى عرض الرّمل، وذلك حين نزل الناس، وقبل أن يحطّوا، فما هجم على جمع من الغمّ ما هجم عليهم، وأوصى بعضهم إلى بعض، ونادى منادى العلاء: اجتمعوا، فاجتمعوا إليه؛ فقال: ما هذا الذى قد ظهر فيكم، وغلب عليكم؟ فقال النّاس: وكيف نلام ونحن إن بلغنا غدا لم تحم شمسه [2] حتى نصير حديثا، فقال:

أيّها النّاس، لا تراعوا، ألستم مسلمين! ألستم فى سبيل الله.!

ألستم أنصار الله! قالوا: بلى. قال: فابشروا فو الله لا يخذل الله من كان فى مثل حالكم.

[1] الأبيات فى الأغانى 15: 256.

[2]

ص: «شمسها» .

ص: 101

ونادى المنادى بصلاة الصّبح حين طلع الفجر، فصلّى بهم، منهم المتيمّم، ومنهم من لم يزل على طهره، فلمّا قضى صلاته جثا لركبتيه، وجثا النّاس، فنصب فى الدّعاء، ونصبوا معه، فلمع لهم سراب [1] الشّمس، فالتفت إلى الصفّ. فقال: رائد ينظر ما هذا، ففعل، ثم رجع فقال: سراب. فأقبل على الدعاء، ثم لمع لهم آخر، فكذلك، ثم لمع لهم آخر، فقال: ماء، فقام وقام الناس معه، فمشوا حتى نزلوا عليه، فشربوا واغتسلوا، فما تعالى النهار حتى أقبلت الإبل تكرد [2] من كلّ وجه، فأناخت عليهم، فأقام كلّ رجل إلى ظهره، فأخذه.

قال منجاب بن راشد: فما فقدمنا سلكا [3] ؛ فأرويناها وأسقيناها العلل بعد النّهل [4] ، وتروّينا، ثم تروّحنا. وكان أبو هريرة رفيقى فلمّا غبنا عن ذلك المكان. قال لى: كيف علمك بموضع ذلك الماء؟ فقلت: أنا من أهدى العرب بهذه البلاد. قال: فكن معى حتى تقيمنى عليه، فكررت به، فأتيت به على ذلك المكان، فقلت:

لولا أنّى [لا أرى][5] الغدير لأخبرتك أنّ هذا هو المكان، وما رأيت بهذا المكان ماء ناقعا [6] قبل اليوم، وإذا إداوة مملوءة، فقال: يا أبا سهم، هذا والله المكان، ولهذا رجعت بك، وملأت إدواتى ثم وضعتها على شفيره. فقلت: إن كان منّا من المنّ وكانت

[1] ك: «شراب» تصحيف.

[2]

الكرد: الطرد، وفى الأصول:«يرتكد» تصحيف، صوابه من تاريخ الطبرى.

[3]

السلك: جمع سلكة، وهو الخيط الذى يخاط به الثوب.

[4]

العلل: الشراب الثانى، والنهل: الشراب الأول.

[5]

من الطبرى.

[6]

كذا فى الطبرى، وفى الأصول:«نافعا» .

ص: 102

آية عرفتها، وإن كان غياثا عرفته، فإذا منّ من المنّ؛ فحمد الله.

ثم سرنا حتى ننزل هجر.

قال: فأرسل العلاء بن الحضرمىّ إلى الجارود ورجل آخر:

أن انضما فى عبد القيس حتى تنزلا على الحطم مما يليكما، وخرج هو فيمن جاء معه، وفيمن قدم عليه حتّى ينزل عليه ما يلى هجر، وتجمّع المشركون كلّهم إلى الحطم إلّا أهل دارين، وتجمّع المسلمون كلّهم إلى العلاء، وخندق المسلمون والمشركون، فكانوا يتراوحون القتال ويرجعون إلى خندقهم، فكانوا كذلك شهرا.

فبينا الناس ليلة إذ سمع المسلمون فى عسكر المشركين ضوضاء شديدة، كأنها ضوضاء هزيمة أو قتال، فقال العلاء: من يأتينا بخبر القوم؟

فقال عبد الله بن حذف: أنا آتيكم بخبر القوم؛ فخرج حتّى إذا دنا من خندقهم أخذوه؛ فقالوا له: من أنت؟ فانتسب لهم، وجعل ينادى: يا أبجراه! فجاء أبجر فعرفه فقال: ما شأنك؟ فقال:

لا أصغّر بين اللهازم [1]، فقال: والله إنى لأظنّك بئس ابن الأخت لأخوالك الليلة. فقال: دعنى من هذا، وأطعمنى؛ فإنّى قد متّ جوعا؛ فقرّب له طعاما فأكل، ثم قال: زوّدنى [2] واحملنى، فحمله على بعير، وخرج عبد الله بن حذف حتّى دخل عسكر المسلمين، فأخبرهم أنّ القوم سكارى، فخرج المسلمون عليهم حتى اقتحموا عسكرهم، فوضعوا السّيوف فيهم حيث شاءوا، واقتحوا الخندق

[1] ص: «اللهاذم» تصحيف. وفى تاريخ الطبرى: «لا أضيعن الليلة» .

[2]

ك: «زدنى» .

ص: 103

هرّابا فمتردّ وناج، ودهش ومقتول أو مأسور، واستولى المسلمون على ما فى العسكر، ولم يسلم رجل إلا بما عليه، فأمّا أبجر فأفلت؛ وأمّا الحطم فإنّه دهش، وطار فؤاده، فقام إلى فرسه- والمسلمون خلالهم- فلمّا وضع رجله فى الرّكاب انقطع به فمرّ به، عفيف بن المنذر والحطم يستغيث؛ يقول: ألا رجل يعقلنى! فعرف صوته، فقال:

أعطنى رجلك، فأعطاه رجله فنفحها فأطنّها [1] من الفخذ، وتركه، فقال: أجهز علىّ؛ فقال: لا، إنّى أحبّ [2] ألّا تموت حتى أمضّك [3] . وجعل الحطم لا يمرّ به أحد من المسلمين فى الليل إلا قال: هل لك فى الحطم أن تقتله! حتى مرّ عليه قيس بن عاصم فقتله، فلمّا رأى فخذه نادرة [4]، قال: وا سوأتاه لو علمت الذى به لم أحرّكه! وخرج المسلمون بعد ما أخذوا الخندق على القوم يطلبونهم، فلحق قيس بن عاصم أبجر، فطعنه قيس فى العرقوب فقطعه، فكانت رادّة، وأصبح العلاء فقسّم الأنفال، ونفّل رجالا من أهل البلاء ثيابا.

وأما أهل عمان ومهرة واليمن، فإنّ حذيفة بن محصن الحميرىّ وعرفجة سارا إلى القوم، فاقتتل المسلمون وأهل عمان قتالا شديدا فهزم المسلمون [المرتدين][5] ، وقتلوا منهم فى المعركة عشرة آلاف، وسبوا الذّاررىّ، وجمعوا الغنائم، وبعثوا الخمس إلى أبى بكر، وقسّموا ما بقى، ثم خرجوا نحو مهرة، فكشف الله جنود المرتدّين، وقتل

[1] أطنها: قطعها.

[2]

ص: «أحبك» .

[3]

ك: «أفضك» .

[4]

نادرة: ساقطة.

[5]

تكملة من ص.

ص: 104

رئيسهم، وركبهم المسلمون، فقتلوا منهم من شاءوا، وأصابوا من شاءوا، وخمّسوا الغنائم، وبعثوا بالخمس إلى أبى بكر الصّديق رضى الله عنه، وقسّموا ما بقى.

وأمّا من بقى من بقية الأمراء الذين عقد لهم أبو بكر رضى الله عنه، وبعثهم إلى من ارتدّ من قبائل العرب، فإنّ كل أمير سار إلى من بعثه إليه فمن رجع عن الردة، وفاء إلى الإسلام قبل منه ومن أبى قتل، وأطفأ الله تلك النيران.

روى عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أنّه قال: لقد أقمنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما كدنا نهلك فيه، لولا أنّ الله تعالى منّ علينا بأبى بكر، جمعنا على أن نقاتل على ابنة مخاض وابنة لبون، وأن نأكل قرى عرينة، ونعبد الله حتى يأتينا اليقين.

فعزم الله لأبى بكر على قتالهم، فو الله ما رضى منهم إلا بالخطّة المخزية أو الحرب المجلّية، فأما الخطة المخزية فأن يقرّوا بأنّ من قتل منهم فى النار، وأنّ من قتل منّا فى الجنة، وأن يدوا قتلانا، ونغنم ما أخذنا منهم، وما أخذوا منّا مردود علينا، وأمّا الحرب المجلّية فأن يخرجوا من ديارهم. وكانت هذه الحروب التى ذكرناها.

وهذه الوقائع كلّها فى سنة إحدى عشرة، وكان فيها حوادث أخر غير ما ذكرناها، نذكرها إن شاء الله تعالى فى حوادث السنين فى خلافة أبى بكر رضى الله عنه بعد نهاية الغزوات. والله أعلم.

ص: 105