الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر يوم أرماث
كان [1] يوم أرماث يوم الاثنين من المحرّم سنة أربع عشرة؛ وذلك أن الفرس لمّا عبروا العتيق، جلس رستم على سريره وضرب عليه عليه طيّاره، وعبّى فى القلب ثمانية عشر فيلا، عليها الصناديق والرّجال، وفى المجنّبتين خمسة عشر [2] ؛ ثمانية وسبعة، وأقام الجالينوس بينه وبين ميمنته، والفيرزان بينه وبين ميسرته، وكان يزدجرد قد وضع بينه وبين رستم رجالا على كلّ دعوة رجلا [3] ، أوّلهم على باب إيوانه، وآخرهم مع رستم، فكلّما فعل شيئا قال الّذى معه للّذى يليه: كان كذا وكذا، ثم يقول الثانى ذلك للثالث، وهكذا إلى أن ينتهى إلى يزدجرد فى أسرع وقت.
قال: وأخذ المسلمون مواقفهم، وكان بسعد دماميل وعرق النّسا، فلا يستطيع الجلوس؛ إنّما هو مكبّ على وجهه، وفى صدره وسادة، وهو على سطح القصر يشرف على النّاس، فذكر النّاس ذلك، وعابه بعضهم فقال فى ذلك شعرا:
نقاتل حتّى أنزل الله نصره [4]
…
وسعد بباب القادسيّة معصم
فأبنا وقد آمت نساء كثيرة
…
ونسوة سعد ليس فيهنّ أيّم
[1] ابن الأثير 2: 324، وأرماث هو اليوم الأول من أيام القادسية.
[2]
ابن الأثير: «وفى المجنبتين ثمانية أو سبعة» .
[3]
كذا فى ابن الأثير وفى ك «رجل» .
[4]
فى ياقوت: «ألم تر أن الله أنزل نصره» .
فبلغت أبياته سعدا، فقال: اللهم إن كان كاذبا وقال الّذى قاله رياء وسمعة فاقطع عنّى لسانه، فإنّه لواقف فى الصّفّ يومئذ أتاه سهم غرب [1] ، فأصاب لسانه، فما تكلّم بكلمة حتّى لحق بالله تعالى. ونزل سعد إلى النّاس فاعتذر إليهم، وأراهم ما به من القروح فى فخذيه وأليتيه، فعذره النّاس وعلموا حاله. ولمّا عجز عن الرّكوب استخلف خالد بن عرفطة على النّاس، فاختلف عليه، فأخذ نفرا ممّن شغب عليه فحبسهم فى القصر، منهم أبو محجن الثّقفىّ، وقيل: بل كان قد حبس فى الخمر.
وأعلم سعد النّاس أنّه قد استخلف خالدا، وإنّما يأمرهم خالد بأمره، فسمعوا وأطاعوا. وأرسل سعد نفرا من ذوى الرأى والنّجدة، منهم المغبرة، وحذيفة، وعاصم، وطليحة، وقيس الأسدىّ، وغالب، وعمرو بن معدى كرب وأمثالهم، ومن الشعراء: الشمّاخ، والحطيئة وأوس بن معراء، وعبدة بن الطبيب وغيرهم، وأمرهم بتحريض النّاس على القتال ففعلوا، وكان صفّ المشركين على شفير العتيق، وصفّ المسلمين على حائط قديس، والخندق من ورائهم، وكان المسلمون والمشركون بين الخندق والعتيق، وأمر سعد النّاس فقرءوا سورة الجهاد، وهى الأنفال، فلمّا فرغ القرّاء منها قال سعد: الزموا مواقفكم حتى تصلّوا الظهر فإذا صلّيتم فانّى مكبّر فكبّروا واستعدّوا، فإذا سمعتم الثانية فكبّروا ولتستتمّ عدّتكم [2] ، ثم إذا كبّرت الثالثة فكبّروا، ولينشّط فرسانكم النّاس، فإذا كبّرت الرابعة فازحفوا
[1] سهم غرب: لا يدرى راميه.
[2]
ابن الأثير: «والبسوا عدتكم» .
حتّى تخالطوا عدوّكم، وقولوا: لا حول ولا قوّة إلّا بالله. فلما كبّر سعد الثالثة برز أهل النّجدات فأنشبوا القتال، وخرج إليهم من الفرس أمثالهم [1] .
فبرز غالب بن عبد الله الأسدى، فخرج إليه هرمز، وكان من ملوك الباب، وكان متوّجا، فأسره غالب وأتى به سعدا. وخرج عاصم ابن عمرو [2] فطارد فارسيّا، فانهزم، فاتّبعه عاصم حتى خالط صفّهم فحموه، فأخذ عاصم رجلا على بغل وعاد به، فإذا هو خبّاز الملك، معه طعام من طعام الملك وخبيصة [2] ، فأتى به سعدا فنفّله [3] أهل موقفه.
وخرج فارسىّ يطلب البراز، فبرز إليه عمرو بن معدى كرب، فأخذه وجلد به الأرض وذبحه، وأخذ سواريه ومنطقته.
وحملت الفيلة على المسلمين، ففرّقت بين الكتائب، فنفرت الخيل، وكانت الفرس قد قصدت بجيلة بسبعة عشر فيلا، فنفرت خيل بجيلة، فكادت بجيلة تهلك لنفار خيلها عنها وعمّن معها.
[1] بعدها فى ابن الأثير: «فاعتوروا الطعن والضرب» ، وقال غالب بن عبد الله الأسدى:
قد علمت واردات المسائح
…
ذات اللسان والبيان الواضح
أنى سمام البطل المسالح
…
وفارج الأمر المهم الفادح
[2]
فى ابن الأثير: وهو يقول:
قد علمت بيضاء صفراء اللبب
…
مثل اللجين إذ تغشاه الذهب
أنى امرؤ يعانيه السبب
…
مثل على مثلك يغريه العتب
[2]
الخبيصة: نوع من الحلوى.
[3]
نفله: أعطاه، والنفل الغنيمة.
فأرسل سعد إلى بنى أسد أن دافعوا عن بجيلة ومن معها، فخرج طليحة بن خويلد، وحمّال بن مالك فى كتائبهما، فباشروا الفيلة حتّى عدلها ركبانها، وخرج إلى طليحة عظيم منهم، فقتله طليحة.
وقام [1] الأشعث بن قيس فى كندة، فأزالوا من بإزائهم من الفرس، ثم حمل الفرس، وفيهم ذو الحاجب والجالينوس، والمسلمون ينتظرون التكبيرة الرّابعة من سعد، فاجتمعت الفرس على أسد ومعهم تلك الفيلة فثبتوا لهم، وكبّر سعد الرابعة، فزحف المسلمون إليهم، ورحا الحرب تدور على أسد، وحملت الفيول على الميمنة والميسرة، فحادت الخيول عنها، فأرسل سعد إلى عاصم بن عمرو، فقال: يا معشر بنى تميم، أما عندكم لهذه الفيلة من حيلة؟ قالوا:
بلى والله.
ثمّ نادى عاصم فى رجال من قومه رماة وآخرين، [لهم][2] ثقافة، فقال: يا معشر الرّماة؛ ذبّوا ركبان الفيلة عنهم بالنّبل، ويا معشر [أهل][2] الثّقافة؛ استدبروا الفيلة، فقطّعوا وضنها [3] .
وخرج يحميهم وقد جالت الميمنة والميسرة، وأقبل أصحاب عاصم، فأخذوا بأذناب الفيلة فقطّعوا وضنها، وأرتفع عواؤهم، فما بقى فيل إلّا عوى، وقتل أصحابها، ونفّس عن أسد، وردّ الفرس عنهم إلى مواقفهم، ودام القتال حتّى غربت الشمس، وحتّى ذهبت هدأة [4]
[1] ك: «وبهذا قام» .
[2]
من ص.
[3]
الوضن: جمع وضين؛ وهو بطان منسوج بعضه على بعض يشد به الرحل على البعير كالحزام للسرج.
[4]
هدأة من الليل: جزء منه.