الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر بناء الكوفة والبصرة
سنة سبع عشرة: فى هذه السنة اختطّت الكوفة والبصرة، وتحوّل سعد بن أبى وقّاص من المدائن إلى الكوفة، وكان سبب ذلك أنّ سعدا أرسل إلى عمر بما فتح الله عليه، فلمّا رأى الوفد سألهم عن تغيّر ألوانهم وحالهم؛ فقالوا: وخومة [1] البلاد [غيّرتنا][2] ، فأمرهم أن يرتادوا منزلا ينزله النّاس.
وقيل: بل كتب حذيفة إلى عمر: إنّ العرب قد نزفت بطونها، وخفّت أعضاؤها، وتغيّرت ألوانها. وكان مع سعد، فكتب عمر إلى سعد: أخبرنى ما الّذى غيّر ألوان العرب ولحومهم؟ فكتب إليه: إنّ الّذى غيّرهم وخومة البلاد، وأنّ العرب لا يوافقها إلّا ما وافق إبلها من البلدان. فكتب إليه، أن ابعث سلمان وحذيفة فليرتادا منزلا برّيّا بحريّا، ليس بينى وبينكم بحر ولا جسر، فأرسلهما سعد.
فخرج سلمان حتّى أتى الأنبار، فسار فى غربىّ الفرات لا يرضى شيئا حتّى أتى الكوفة، وخرج حذيفة فى شرقىّ الفرات لا يرضى شيئا حتى أتى الكوفة- وكلّ رملة وحصباء مختلطين فهو كوفة- فأتيا عليها وفيها ديرات ثلاثة: دير حرقة، ودير أمّ عمرو، ودير
[1] ك: «حومة» تحريف.
[2]
تكملة من ص.
سلسلة وخصاص خلال ذلك [1] ، فأعجبتهما البقعة، فنزلا وصليّا، ودعوا الله تعالى أن يجعلها منزلا مباركا. فلمّا رجعا إلى سعد بالخبر، وقدم كتاب عمر أيضا عليه، كتب سعد إلى القعقاع بن عمرو وعبد الله بن المعتمر، أن يستخلفا على جندهما ويحضرا عنده، ففعلا. فارتحل سعد من المدائن حتّى نزل الكوفة فى المحرّم سنة سبع عشرة، فلمّا نزلها سعد كتب إلى عمر:
نّى قد نزلت بكوفة، منزلا بين الحيرة والفرات، برّيّا بحريّا، نبت الحلفاء والنّصىّ [2] ، وخيّرت المسلمين بينها وبين المدائن، من أعجبه المقام بالمدائن تركته فيها كالمسلحة. ولمّا استقرّوا عرفوا أنفسهم، ورجع إليهم ما كانوا فقدوا من قوّتهم. واستأذن ل الكوفة فى بنيان القصب، واستأذن فيه أهل البصرة، فاستقرّ لهم فيها فى الشهر الّذى نزل أهل الكوفة بعد ثلاث نزلات فيها ها. فكتب إليهم [عمر] [3] : إنّ العسكرة أشدّ لحربكم، وأذكر، وما أحبّ أن أخالفكم، فابتنى أهل المصرين بالقصب.
ثمّ إنّ الحريق وقع بالكوفة والبصرة، وكانت الكوفة أشدّ نا، وكان الحريق فى شوّال. فبعث سعد نفرا منهم إلى عمر اذنه فى البنيان باللّبن، فقدموا عليه بخبر الحريق، واستأذنوه،
[1] ك: «وخلال ذلك» .
[2]
النصى: نبت أبيض ناعم.
[3]
من ص.
فقال: افعلوا، ولا يزيد بناء، أحدكم عن ثلاثة أبيات، ولا تطاولوا بالبنيان، والزموا السّنّة تلزمكم الدّولة.
فرجع القوم إلى الكوفة بذلك، وكتب عمر إلى أهل البصرة بمثل ذلك، وكان على تنزيل الكوفة أبو هياج بن مالك، وعلى تنزيل البصرة عاصم بن الدّلف أبو الجرباء، وقدّر المناهج أربعين ذراعا، وما بين ذلك عشرين ذراعا، والأزقّة سبعة أذرع، والقطائع سبعين ذراعا. وأوّل شىء خطّ فيهما مسجداهما، وقام فى وسطهما رجل شديد النّزع، فرمى فى كلّ ناحية بسهم، وأمر أن يبنى ما وراء ذلك. وبنى ظلّة فى مقدّمة مسجد الكوفة على أساطين رخام من بناء الأكاسرة فى الحيرة، وجعلوا على الصّحّن خندقا لئلّا يقتحمه أحد ببنيان، وبنوا لسعد دارا بحياله، وهى قصر الكوفة، بناه روزبة من آجرّ بنيان الأكاسرة بالحيرة، وجعل الأسواق على سنة المساجد، من سبق إلى مقعد فهو له، حتّى يقوم منه إلى بيته، ويفرغ من بيعه.
قال: وبلغ عمر أنّ سعدا قال: وقد سمع أصوات النّاس من السّوق: سكّتوا عنّى التّصويت، وإنّ النّاس يسمّونه قصر سعد.
فبعث محمد بن مسلمة إلى الكوفة، وأمره أن يحرق باب القصر، ثم يرجع، ففعل. وبلغ سعدا ذلك، فقال: هذا رسول أرسل لهذا! فاستدعاه، فأبى أن يدخل إليه، فخرج إليه سعد، وعرض عليه نفقة، فأبى أن يأخذها، وأبلغه كتاب عمر إليه وفيه:
[1] من ص.