الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بلغنى [1] أنّك اتّخذت قصرا جعلته حصنا، ويسمّى قصر سعد، وبينك وبين النّاس باب، فليس بقصرك؛ ولكنّه قصر الخبال، انزل منه ممّا يلى بيوت الأموال، وأغلقه، ولا تجعل على القصر بابا يمنع الناس من دخوله.
فحلف له سعد ما قال الّذى قالوا، ورجع محمد، وأبلغ عمر قوله، فصدّقه.
وكانت ثغور الكوفة أربعة: حلوان وعليها القعقاع بن عمرو، وماسبذان وعليها ضرار بن الخطّاب، وقرقيسياء وعليها عمرو بن مالك، أو عمرو بن عقبة بن نوفل، والموصل وعليها عبد الله بن المعتمر.
وكان بها خلفاؤهم إذا غابوا عنها.
وولى سعد الكوفة بعد ما اختطّت ثلاث سنين ونصفا، سوى ما كان بالمدائن قبلها. والله تعالى أعلم.
ذكر عزل خالد بن الوليد
وفى هذه السّنة عزل خالد بن الوليد عمّا كان عليه من التّقدّم على الجيوش، وسبب ذلك أنّه أدرب [2] هو وعياض بن غنم، فأصابا أموالا عظيمة، وكانا توجّها من الجابية بعد رجوع عمر إلى المدينة.
وقيل: إنّ مسير خالد مع عياض كان لفتح الجزيرة، فبلغ النّاس
[1] ص: «بلغه» .
[2]
يقال أدرب القوم؛ إذا دخلوا أرض العدو من بلاد الروم.
ما أصاب خالد، فانتجعه رجال وكان فيهم الأشعث بن قيس، فأجازه بعشرة آلاف، ودخل خالد الحمّام؛ قيل: حمّام آمد، فتدلّك بغسل فيه خمر، فكتب إليه عمر:
بلغنى أنّك تدلّكت بخمر، والله قد حرّم ظاهر الخمر وباطنه منه، فلا تمسّها أجسادكم. فكتب إليه: إنّا قتلناها فعادت غسولا غير خمر. فكتب إليه عمر: إنّ آل المغيرة ابتلوا بالجفاء، فلا أماتكم الله عليه.
فلمّا فرّق خالد فى الّذين انتجعوه الأموال، سمع بها عمر، فكتب إلى أبى عبيدة بن الجرّاح مع البريد أن يقيم خالدا ويعقله بعمامته، وينزع عنه قلنسوته حتّى يعلمكم من أين أجاز الأشعث، أمن ماله أم من إصابة أصابها؟ فإن زعم أنّها من ماله فقد أسرف، وإن زعم أنّها من إصابة، فقد أقرّ بخيانة. واعزله على كلّ حال، واضمم إليك عمله.
وكان خالد على قنّسرين من قبل أبى عبيدة، فكتب أبو عبيدة إلى خالد، فقدم عليه، ثمّ جمع النّاس وجلس على المنبر، وقام البريد قبالة خالد، فسأل خالدا من أين أجاز الأشعث؟ فلم يجبه، وأبو عبيدة ساكت لا يتكلّم.
فقال بلال: إنّ أمير المؤمنين أمر فيك بكذا وكذا، ونزع عمامته فلم يمنعه، ووضع قلنسوته، وأقامه وعقله بعمامته، وقال له: أمن مالك
أجزت؟ أم من إصابة أصبتها؟ فقال: لا، بل من مالى، فأطلقه، وأعاد قلنسوته، ثمّ عمّمه بيده، ثم قال: نسمع ونطيع لولاتنا، ونفخّم ونخدم موالينا.
قال: فأقام خالد متحيّرا لا يدرى: أمعزول هو أم غير معزول! ولم يشافهه أبو عبيدة بذلك تكرمة له.
فلمّا تأخّر قدومه على عمر ظنّ الّذى كان، فكتب إلى خالد بالإقبال إليه، فرجع خالد إلى قنسرين فخطب النّاس، وودّعهم، ثم رجع إلى حمص ففعل مثل ذلك، ثم سار إلى المدينة. فلمّا قدم على عمر شكاه وقال: شكوتك إلى المسلمين، وبالله إنّك فى أمرى لغير مجمل، فقال له عمر: من أين هذا الثّراء؟ فقال: من الأنفال والسّهمان، ما زاد على ستّين ألفا فلك.
فقوّم عمر ماله، فرآه عشرين ألفا، فجعلها عمر فى بيت المال، ثمّ قال: يا خالد، والله إنّك علىّ لكريم، وإنّك إلىّ لحبيب.
وكتب إلى الأمصار: إنّى لم أعزل خالدا عن سخطة ولا خيانة، ولكنّ النّاس فخّموه وفتنوا به. فخفت أن يوكلوا إليه، فأحببت أن يعلموا أنّ الله هو الصانع، ولا يكونوا بعرض فتنة، وعوّضه عمّا أخذ منه. والله تعالى أعلم، وحسبنا الله ونعم الوكيل