الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إليكَ، أي: ذاتي
(1)
.
ثانيًا: القليلُ مِن الماءِ
(2)
.
والوجهُ والجهةُ بمعنى واحدٍ، والهاءُ عوضٌ مِن الواوِ
(3)
ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للوجه:
ذَكَرَ علماءُ الشافعيةِ، وعلماءُ الحنابلةِ تعريفَ مصطلحِ:(الوجه)، وسأعرضُ اصطلاحَهما بدءًا بالمذهبِ الشافعي.
أولًا: الوجه عند الشافعية:
استعملَ الشافعيةُ مصطلحَ: (الوجه) مفردًا، ومثنى، ومجموعًا.
ومنْ أوائلِ مَن بيَّن اصطلاحَ الشافعيةِ في: (الوجه) ابنُ الصلاح
(4)
فيما ظَهَرَ لي - فيما رجعتُ إليه من مصادر الشافعية - وحاصلُ قولِه أنَّ الوجهَ: تخريجُ حكمِ المسألةِ التي لا نصَّ فيها عن الإمامِ الشافعي، ببنائِها على أصولِ الإمامِ الشافعي
(5)
.
ويمكنُ تعريفُ مصطلح: (الوجه) أو (الأوجه) بأنَّها: آراءُ أصحابِ الإمامِ الشافعي المخرَّجةُ على أصولِه، والمستنبطةُ مِنْ قواعدِه
(6)
.
يقولُ الدكتورُ علي القره داغي: "الوجوه: وهي الآراءُ التي استنبطها أصحابُ الإمامِ الشافعي المنتسبون إليه، مِن الأصولِ العامةِ للمذهبِ،
(1)
انظر: مقاييس اللغة، مادة:(وجه)، (6/ 88)، والمصباح المنير للفيومي، مادة:(وجه)، (ص/ 532).
(2)
انظر: المصدرين السابقين.
(3)
انظر: الصحاح، مادة:(وجه)، (6/ 2254)، ولسان العرب، مادة:(وجه)، (13/ 556).
(4)
انظر: أدب المفتي والمستفتي (ص/ 97).
(5)
انظر: المصدر السابق.
(6)
انظر: المصدر السابق، والمجموع شرح المهذب للنووي (1/ 65)، والبحر المحيط (6/ 28)، وفرائد الفوائد للسلمي (ص / 104)، وإتحاف السادة المتقين للزبيدي (1/ 285)، والابتهاج في اصطلاح المنهاج للعلوي (1/ 82) مطبوع مع النجم الوهاج للدميري.
بتخريجها على ضوءِ القواعدِ التي رَسَمها لهم الإمامُ الشافعيُّ.
وبعبارةٍ أخرى: ما أدَّى إليه اجتهادُهم على ضوءِ قواعدِ المذهبِ، ولا يخرجُ عن نطاقِ المذهبِ"
(1)
.
وإن اتفق تخريجُ أصحاب المذهب الشافعي على حُكمِ الفرعِ، عبّروا عنه بالوجهِ، وإن اختلفوا في حُكمِه علَى قولين، عبّروا عنهما بالوجهين، وإن اختلفوا في حُكمِه على أكثر مِنْ قولين، عبَّروا عنها بالأوجهِ
(2)
.
الفرق بين مصطلح: (القول)، ومصطلح:(الوجه) عند الشافعية:
فرَّقَ الشافعيةُ بين مصطلحي: (القول)، و (الوجه): مِنْ جهةِ أنَّ (القولَ) هو رأي الإمامِ الشافعي في حكمِ الفرعِ الفقهي، أمَّا (الوجه)، فللفرعِ الذي لم يَرِدْ عن الإمامِ الشافعي بيانُ حكمِه، لكنَّ أصحابَ الإمامِ بنوا الحكمَ فيه على قواعدِ إمامِهم وأصولِه
(3)
.
يقولُ الشيخُ محمدٌ أبو زهرة: "هناك آراء تُعدّ مِن مذهب الشافعي، وإنْ لم يُؤْثرْ عن الشافعي نصٌّ فيها، تلك الآراءُ التي تُعدُّ مخرَّجةً على أصولِ الشافعي، ولم تكنْ مخالفةً لرأي له، فإن هذه تُعدُّ مِنْ مذهب الشافعي بلا خلافٍ، وللدِّقة في القولِ لا يقولُ العلماءُ: إنَّها أقوالٌ للشَافعي، ولكن يقولون: إنَّها أوجه في مذهبِه؛ لأنَّه لم يقلْها، وإنْ خُرِّجتْ على أصولِه وصارت على قواعدِه"
(4)
.
وقد ذَكَرَ تقيُّ الدينِ السبكي اتفاقَ الشافعيةِ على عدمِ جوازِ نسبةِ (الوجهِ) إلى الإمامِ الشافعي، وإنَّما يُقال: مقتضى قولِ الإمامِ الشافعي، أو: مِنْ مذهبِه، بمعنى: قولُ أهلِ مذهبِه
(5)
.
(1)
مقدمة تحقيق الوسيط في المذهب للغزالي (1/ 238).
(2)
انظر: المجموع شرح المهذب للنووي (1/ 66)، وفرائد الفوائد للسلمي (ص/ 104).
(3)
انظر: إتحاف السادة المتقين للزبيدي (1/ 285).
(4)
الشافعي - حياته وعصره (ص/ 321).
(5)
انظر: قضاء الأرب في أسئلة حلب (ص/413 - 414).
وألحقَ محيي الدين النوويُّ اجتهاداتِ الشافعية التي لم تُؤخذْ منْ أصولِ الإمام الشافعي بمصطلحِ: (الوجه)، يقولُ مقررًا هذا:"الأوجه: لأصحابِه - أَيْ: لأصحاب الإمام الشافعي - المنتسبين إلى مذهبِه، يخرِّجونها على أصولِه، ويستنبطونها مِنْ قواعدِه، ويجتهدون في بعضِها، وإنْ لم يأخذوه مِنْ أصلِه"
(1)
.
ولم يرتضِ تاجُ الدينِ بن السبكي إطلاقَ النووي، وفصّل في الأمر على النحو الآتي:
- ما كان مِن اجتهاداتِ علماءِ المذهب الشافعي، ولم يأخذوا بأصلِه، فإنَّه لا يُعدُّ مِن المذهبِ الشافعي إذا نافى قواعدَ المذهبِ.
- وإذا لم ينافِ قواعدَ المذهبِ، وناسبها فإنَّه يُعدُّ منه.
- وإذا لم ينافِ قواعدَ المذهبِ، ولم يناسبْها ففي إلحاقِه بالمذهبِ تَرَدّدٌ
(2)
.
وتفصيلُ تاجُ الدينِ بن السبكي تفصيلٌ جيّدٌ.
وقد نصَّ تقيُّ الدين السبكي على أن رأيَ الواحدِ مِنْ أصحابِ الإمامِ الشافعي إذا قاله لدليل قامَ عنده، ولم ينتهضْ على قواعد المذهبِ الشافعي، فإنَّه ينبغي أَنْ لا يُعدَّ وجهًا، ونبَّه إلى أنَّ هذا قلَّ أنْ يَقَعَ لأصحابِه، بلْ لا يَعرفُ لهم وقوعَ مثلِه
(3)
.
أمثلة الوجه عند الشافعية:
المثال الأول: ذَكَرَ محيي الدين النووي شروطَ خطبةِ الجمعةِ، فقالَ: "السادس: رفعُ الصوتِ
…
والشرطُ أنْ يُسْمِع أربعين مِنْ أهلِ الكمالِ، فلو رَفَعَ صوتَه قدرَ ما يَبْلغُ، ولكنْ كانوا كلّهم، أو بعضهم صُمًّا:
(1)
المجموع شرح المهذب (1/ 65).
(2)
انظر: طبقات الشافعية الكبرى (2/ 104).
(3)
انظر: قضاء الأرب في أسئلة حلب (ص/ 310).
فوجهانِ"
(1)
.
المثال الثاني: يقولُ أبو القاسمِ الرافعي في مفطرات الصومِ: "ولو أَخْرَجَ لسانَه، وعليه الريقُ، ثم رَدَّه، وابتلعَ ما عليه، ففيه وجهانِ: أظهرهما:
…
أنَّه لا يبطلُ صومُه"
(2)
.
المثال الثالث: يقولُ ابنُ الصلاحِ: "في جوازِ تقليدِ الميتِ: وجهان: أحدهما: لا يجوز
…
والذي عليه العمل: الجوازُء .. "
(3)
.
ثانيًا: الوجه عند الحنابلة:
استعملَ علماءُ الحنابلةِ مصطلحَ: (الوجه) في مدوناتِهم المذهبية، وقد وَرَدَ عندهم مفردًا، ومثنى، ومجموعًا.
وعرَّفَ شمسُ الدّينِ البعلي الوجهَ بأنَّه: الحكمُ المنقولُ في المسألةِ لبعضِ أصحاب الإمامِ المجتهدين فيه ممَّنْ رآه، فمَنْ بعدَهم، جاريًا على قواعدِ الإمامِ
(4)
.
وعرَّف تقيُّ الدينِ بنُ تيمية الأوجه، بأنَّها: أقوالُ الأصحاب وتخريجاتُهم، إنْ كانت مأخوذةَ مِنْ قواعدِ الإمامِ أحمدَ، أو إيمائه، أوَ دليلِه، أو تعليلِه، أو سياقِ كلامِه وقوتِه
(5)
.
وقريبٌ مِنْ تعريفِ تقي الدين ما ذكره محمدٌ السفارينيُّ
(6)
(1)
روضة الطالبين (2/ 38).
(2)
العزيز شرح الوجيز (3/ 198).
(3)
أدب المفتي والمستفتي (ص/ 160).
(4)
المطلع على أبواب المقنع (ص/ 460).
(5)
المسودة (2/ 946). وانظر: الإنصاف (12/ 256).
(6)
هو: محمد بن أحمد بن سالم بن سليمان السفاريني، شمس الدين أبو العون - وقال بعضهم: أبو عبد الله - ولد بسفارين من قرى نابلس سنة 1114 هـ نشأ في مسقط رأسه، ثم قصد دمشق، وطلب العلم فيها مشمرًا عن ساق الجد والاجتهاد، فكان أحد أعيان المذهب الحنبلي في وقته، فقيهًا محدثًا حافظًا، بحرًا في العلم عالمًا عاملًا علامةً متفوقًا جليلًا نحريرًا، صاحب سمت ووقار ومهابة، جسورًا على رح الظالمين، مكثرًا من التأليفات، وقد انتفع به خلقٌ كثير من النجديين والشاميين، من مؤلفاته: شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد، وكشف اللثام في شرح عمدة الأحكام، ونتائج الأفكار في شرح حديث سيد الاستغفار، =
بقوله: "الوجه: استنباطُ الحكمِ مِنْ مفهومِ كلامِ الإمامِ، أو نحوِ ذلك"
(1)
.
ويظهرُ لي أن السفارينيَّ أرادَ تقريبَ معنى مصطلح: (الوجه)، لا تعريفه تعريفًا محددًا؛ بدليلِ العبارةِ الواردةِ في آخر كلامِه:"أَو نحو ذلك".
وتعريفُ شمسِ الدينِ البعلي أضيقُ دائرةً مِنْ تعريفِ تقيّ الدّينِ بنِ تيميةَ؛ إذ قَصَرَ البعليُّ الوجهَ على الفرع المخرَّج على قواعدِ المذهب، أمَّا تقيُّ الدين بن تيمية، فجعَلَ مصطلحَ:(الوجه) شاملًا لتخريجِ الفرعِ على قواعدِ المذهبِ، ولتخريجِ الفرعِ مِنْ إيماءِ الإمامِ، أو تعليلِه، أو سياقِ كلامِه، ولعل مَرَدَّ ذلك إلى الخلافِ في نسبةِ ما قِيسَ على كلامِ الإمامِ إليه؟
فمَنْ قالَ: ينسبُ ما قِيسَ على كلامِ الإمامِ إليه، جَعَلَ ما قيس على كلامِه منسوبًا إليه، وسمَّى ما أُخذَ مِنْ قواعدِه بالوجه.
ومَنْ قالَ: لا ينسبُ ما قِيسَ على كلامِ الإمامِ إليه، جَعَلَ ما قيسَ على كلامِه وجهًا لمن خرَّجَه، فوسّعَ دائرةَ الوجه؛ ليشملَ ما قِيسَ على كلامِ الإمامِ، وما ما بُنيَ على قواعدِه وأصولِه.
يقولُ المرداويُّ: "إنْ قلنا: لا - أيْ: لا ينسب ما أخذ من نصوص الإمام إلى ما يشبهها إليه - فهي أوجه لمَنْ قاسها وخرَّجَها"
(2)
.
ويلحقُ بالوجهِ عند الحنابلةِ: ما إذا خرَّجَ أحدُ علماءِ المذهب حكمَ الفرعِ على خلافِ قواعدِ الإمامِ أحمدَ، لكنْ عَضَدَه الدليلُ
(3)
.
= والتحقيق في بطلان التلفيق، توفي بنابلس سنة 1189 هـ. انظر ترجمته في: سلك الدرر للمرادي (4/ 39)، والنعت الأكمل للغزي (ص / 301)، والسحب الوابلة لابن حميد (2/ 839)، وفهرس الفهارس والأثبات للكتاني (2/ 1002)، والأعلام للزركلي (6/ 14)، وتسهيل السابلة لابن عثيمين (3/ 1619).
(1)
كذاء الألباب (1/ 39).
(2)
الإنصاف (12/ 256). وانظر: نشر البنود (2/ 323). وقارن بالتخريج عند الفقهاء والأصوليين للدكتور يعقوب الباحسين (ص/ 348) حاشية (3).
(3)
انظر: المطلع على أبواب المقنع للبعلي (ص/ 460)، وشرح منتهى الإرادات للبهوتي (1/ 15).
وجَعَلَ شمسُ الدين البعليُّ مِنْ أحكامِ الوجهِ، أنَّه مجزومٌ بالفتيا به
(1)
.
ولم يرتضِ المرداويُّ هذا الإطلاق، وأعقبَه بقوله:"مِنْ حيثُ الجملةُ، وهذا - أي: كلام البعلي - على إطلاقِه فيه نظرٌ"
(2)
.
وبيّن المرداويُّ إنَّ الإشكالَ الواردَ على كلامِ البعلي، مِنْ جهةِ تحريمِ الفتوى والحكمِ بالوجهِ مِنْ غيرِ نظرِ في الترجيحِ، بالإجماع
(3)
.
أمثلةُ الوجه عند الحنابلة:
المثال الأول: يقولُ الموفقُ بنُ قدامة: "إذا اجتمعَ ماءٌ مستعملٌ إلى قلتين غير مستعملٍ، صار الكلُّ طهورًا
…
وإن انضمَّ مستعملٌ إلى مستعملٍ، ولم يبلغ القلتين، فهو باقٍ على المنعِ، وإنْ بَلَغَ قلتين: ففيه وجهانِ"
(4)
.
المثال الثاني: يقولُ ابنُ مفلحٍ مُعددًا نواقض الوضوء: "الخامس: لمسُه أنثى لشهوةٍ
…
وفي الميتةِ والصغيرةِ والعجوزِ والمَحْرَمِ: وجهانِ"
(5)
.
المثال الثالث: يقولُ المرداويُّ: "وأمَّا إذا كان الماءُ مع عبدِه، ولم يعلمْ به السيدُ، ونَسِيَ العبدُ أنْ يُعْلِمَه حتى صلَّى بالتيممِ: فقيل: لا يعيد
…
وقيل: هو كنسيانِه.
قالَ في: (الفائق): يعيدُ إذا جهلَ الماءَ في أصحِّ الوجهين"
(6)
.
المثال الرابع: يقولُ ابنُ رجبٍ: "قاعدة: مَنْ سُومحَ في مقدارٍ يسيرٍ، فزادَ عليه، فهلْ تنتفي المسامحةُ فيَ الزيادةِ وحدها، أو في الجميعِ؟ فيه وجهانِ"
(7)
.
(1)
انظر: المطلع على أبواب المقنع (ص/ 461).
(2)
الإنصاف (1/ 6).
(3)
انظر: المصدر السابق (11/ 179).
(4)
المغني (1/ 36).
(5)
الفروع (1/ 230).
(6)
الإنصاف (1/ 279).
(7)
تقرير القواعد (1/ 220).