الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب السابع: العلاقة بين التمذهب والانتصار للمذهب
لقد حَفِلَتْ كتبٌ متعددةٌ مؤلَّفةٌ في المذاهبِ الفقهيةِ المختلفةِ بعنوان: (الانتصار للمذهب)، فما العلاقةُ بين مصطلَحِ (الانتصار للمذهب)، والتمذهب؟
لا بُدَّ أولًا مِنْ بيانِ التعريفِ اللغوي، والاصطلاحي للانتصار للمذهب، ثمُّ بعد ذلك أُبيّن العلاقةَ بينه، وبين التمذهبِ.
تعريف الانتصار في اللغة:
الانتصارُ: مصدرٌ مِن الفعلِ: انْتَصرَ
(1)
، يُقالُ: انْتَصرَ يَنْتَصِرُ انْتِصَارًا.
والانتصار عائد إلى مادة: (نصر)، ولهذه المادةِ عدّةُ معانٍ في اللغةِ، منها:
المعنى الأول: الإتيانُ، أو إتيانُ خيرٍ
(2)
. يقولُ ابنُ فارسٍ: "النونُ والصادُ والراءُ، أصلٌ صحيحٌ، يدلُّ على إتيانِ خيرٍ"
(3)
.
يُقالُ: نَصَرَ اللهُ المسلمين، أيْ: آتاهم الظَفَرَ على عدوِّهم
(4)
، ونَصرْتُ بلدَ كذا، إذا أتيتُه
(5)
.
(1)
انظر: القاموس المحيط، مادة:(نصر)، (ص/ 622).
(2)
انظر: تهذيب اللغة، مادة:(نصر)، (12/ 159)، والصحاح، مادة:(نصر)، (2/ 829)، وشمس العلوم للحميري، مادة:(نصر)، (10/ 6628).
(3)
مقاييس اللغة، مادة:(نصر)، (5/ 435).
(4)
انظر: المصدر السابق، وتهذيب اللغة، مادة:(نصر)، (12/ 160)، ولسان العرب، مادة:(نصر)، (5/ 211).
(5)
انظر: المصادر السابقة، والصحاح، مادة:(نصر)، (2/ 829).
المعنى الثاني: العطاء، والإيتاء
(1)
. ومن هذا المعنى: النصائر، وهي: العطايا
(2)
. ومنه: قولُ الشاعر
(3)
:
إنِّي وأسطارٍ سُطِرْن سطرًا
…
لقائلٌ يا نصرُ نَصْرًا نَصْرا
المعنى الثالث: العون
(4)
. يقالُ: نَصَرَه اللهُ على عدوِّه، أيْ: أعانه
(5)
، ونَصَرَ الغيثُ البلدَ، إذا أعانه على الخصب
(6)
. ومِنْ هذا المعنى: قولُه تعالى: {نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ}
(7)
، وقول النَّبي صلى الله عليه وسلم:(أنصر أخاك ظالمًا، أو مظلومًا)
(8)
.
(1)
انظر: مقاييس اللغة، مادة:(نصر)، (5/ 435)، والصحاح، مادة:(نصر)، (2/ 829)، وشمس العلوم للحميري، مادة:(نصر)، (10/ 6620).
(2)
انظر: لسان العرب، مادة:(نصر)، (5/ 211)، وتاج العروس، مادة:(نصر)، (14/ 234).
(3)
هذا البيت لرؤبة بن العجاج، كما في: ديوانه (ص/ 174).
وقد أورده سيبويه في: الكتاب (2/ 185)، وابنُ جني في: الخصائص (1/ 341)، والجوهريُّ في: الصحاح، مادة:(نصر)، (2/ 829)، وابنُ فارس في: مقاييس اللغة، مادة:(نصر)، (5/ 436)، وابنُ منظور في: لسان العرب، مادة:(نصر)، (5/ 211).
وبعضهم يورد الشطر الثاني: لقائلٌ يا نصرُ نَصْرٌ نَصْرا
ويقول الأستاذُ عبد السلام هارون في تعليقه على: الكتاب لسيبويه (2/ 185)، حاشية (3): "سُطِرن: كتبن، ويعني بالأسطار: آيات الكتاب الكريم.
ونصر هذا هو نصر بن سيار
…
وقال الجرمي: النصر: العطية، فيريد: يا نصرُ عطيةً عطيةَ
…
".
(4)
انظر: مفردات ألفاظ القرآن للأصبهاني، مادة:(نصر)، (ص/ 808)، ولسان العرب، مادة:(نصر)، (5/ 210).
(5)
انظر: لسان العرب، مادة:(نصر)، (5/ 210)، وشمس العلوم للحميري، مادة:(نصر)، (10/ 6620).
(6)
انظر: المصدرين السابقين.
(7)
من الآية (13) من سورة (الصف).
(8)
أخرج الحديثَ: البخاريُّ في: صحيحه، كتاب: المظالم، باب: أعن أخاك ظالمًا أو مظلومًا (ص/ 461)، برقم (3443) من حديث أنس بن مالك رضي الله.
وأخرجه مسلمٌ في: صحيحه، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: نصر الأخ ظالمًا أو مظلومًا (2/ 1200)، برقم (2584) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله، ولفظه:(ولْيَنْصر الرجل أخاه ظالمًا أو مظلومًا).
وهذا المعنى قريبٌ من المعنى الأولِ.
يقولُ أبو منصورٍ الأزهريُّ
(1)
: "النصرُ: عونُ المظلومِ"
(2)
.
المعنى الرابع: الانتقام
(3)
. يُقالُ: انْتَصَرَ الرجلُ، إذا امتنعَ عن ظالِمه
(4)
. يقولُ أبو منصورٍ الأزهريُّ: "ويكونُ الانتصارُ مِن الظالمِ: الانتصاف والانتقام منه"
(5)
.
وجعلَ ابنُ فارسٍ المعنى الرابع مِن المعنى الأول، ولم يُبيّنْ وجهَ ذلك
(6)
.
وجَعَلَ الراغبُ الأصبهاني
(7)
الانتصارَ بمعنى طلبِ النصرة، وهي:
(1)
هو: محمد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة بن نوح الأزهري الهروي، أبو منصور، ولد سنة 282 هـ كان علامةً ثبتًا ثقةً دينًا ورعًا، رأسًا في اللغة والفقه، شافعي المذهب، عارفًا بالحديث، عالي الإسناد، مهتمًا بالتفسير وعلل القراءات، من مؤلفاته: تهذيب اللغة، والتقريب في التفسير، وتفسير ألفاظ المزني، وشرح ديوان أبي تمام، توفي سنة 370 هـ. انظر ترجمته في: نزهة الألباء للأنباري (ص/ 237)، وإرشاد الأريب لياقوت (5/ 2321)، وفيات الأعيان لابن خلكان (4/ 334)، والوافي بالوفيات للصفدي (2/ 45)، وسير أعلام النبلاء (16/ 315)، وطبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (3/ 63)، وطبقات الشافعية للإسنوي (1/ 49)، والبلغة للفيروزابادي (ص/ 186)، وبغية الوعاة للسيوطي (1/ 19).
(2)
تهذيب اللغة، مادة:(نصر)، (12/ 160).
(3)
انظر: الصحاح، مادة:(نصر)، (2/ 829)، ومقاييس اللغة، مادة:(نصر)، (5/ 435)، ولسان العرب، مادة:(نصر)، (12/ 210).
(4)
انظر: تهذيب اللغة، مادة:(نصر)، (12/ 160).
(5)
المصدر السابق.
(6)
انظر: مقاييس اللغة، مادة:(نصر)، (5/ 435).
(7)
هو: الحسين - وقيل: محمد، وقيل: المفضل - بن محمد بن المفضل الأصبهاني، أبو القاسم، الملقب بالراغب، عاش في أوائل القرن الخامس الهجري، وقيل: عاش في القرن الرابع، كان علامة ماهرًا محققًا باهرًا، من أذكياء المتكلمين، يقول عنه شمس الدين الذهبي:"لم أظفر له بوفاةٍ، ولا بترجمة"، وقد ذكر جلال الدين السيوطي أنَّ كثيرًا من الناس يظنون الراغب معتزليًا، وتعقب ذلك، وبيَّنَ أنَّه من أهل السنة، من مؤلفاته: مفردات ألفاظ القرآن، ومحاضرات الأدباء ومحاورات البلغاء، والذريعة إلى مكارم الشريعة، وأفانين البلاغة، اختلف في سنة وفاته: قيل: سنة 503 هـ وقيل: 402 هـ. انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء =