الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: العلاقة بين التمذهب والاجتهاد
قبلَ بيانِ العلاقةِ بين التمذهبِ والاجتهادِ، سأبَيّنُ المعنى اللغوي والاصطلاحي للاجتهادِ، ثمَّ بعدَ ذلكَ أعرضُ العلاقةَ بينهما.
تعريف الاجتهاد في اللغة:
الاجتهادُ: مصدرٌ مِن الفعلِ اجْتَهَدَ، يُقالُ: اجْتَهَدَ يَجْتَهِدُ اجْتِهَادًا.
والاجتهادُ مشتقٌ مِنْ الفعل: (جَهَد)، ولمادة:(جهد) معانٍ في اللغةِ، منها:
المعنى الأولى: المشقة
(1)
. الجَهْدُ - بالفتح -: المشقةُ. يقولُ ابنُ فارس: "الجيمُ والهاءُ والدالُ أصلُه: المشقةُ، ثمَّ يُحملُ عليه ما يقاربُه، يُقَالُ: جَهَدْتُ نفسي، وأَجْهَدْتُ"
(2)
.
ويُقالُ: جَهِدَ دابتَه، وأَجْهَدَها، إذا حَمَلَ عليها في السيرِ فوقَ طاقتِها
(3)
.
يقولُ الليثُ
(4)
الجَهْدُ: ما جهدَ الإنسانَ مِنْ مرضٍ، أو أمرٍ شاقٍّ، فهو
(1)
انظر: تهذيب اللغة، مادة:(جهد)، (6/ 37)، والصحاح، مادة:(جهد)، (2/ 460)، وأساس البلاغة للزمخشري، مادة:(جهد)، (ص/ 106).
(2)
مقاييس اللغة، مادة:(جهد)، (1/ 486).
(3)
انظر: الصحاح، مادة:(جهد)، (2/ 460)، ولسان العرب، مادة:(جهد)، (3/ 133).
(4)
هو: الليث بن المظفر - وقيل: الليث بن رافع - بن نصر بن سيار الخرساني، كان رجلًا صالحًا، بارعًا في الأدب، عارفًا بالشعر والنحو والغريب، من أكتب الناس في زمانه، صاحبًا للخليل بن أحمد الفراهيدي، يقول الليث عن نفسه: "ما تركتُ شيئًا من فنون العلم =
مجهودٌ"
(1)
واستعمالُ الجَهْدِ بمعنى: المشقةِ، بفتحِ الجيمِ فقط، فلا يأتي الجُهْدُ بمعنى: المشقةِ. يقولُ ابنُ الأثيرِ
(2)
: "قد تكررَ لفظُ: (الجَهْدِ)، و (الجُهْدِ) في الحديثِ كثيرًا، وهو بالضمِّ: الوسْعُ والطاقةُ، وبالفتحِ: المشقةُ
…
فأمَّا في المشقةِ، فالفتحُ لا غير"
(3)
.
المعنى الثاني: الطاقة والوسع
(4)
. الجُهْدُ - بالضم -: الطاقةُ والوسعُ، يُقالُ: اجْهُدْ جُهْدَك، أيْ: طاقتك، وهذا جُهدِي، أيْ: طاقتي
(5)
.
يقولُ الفراءُ
(6)
:
= إلا نظرتُ فيه، إلا النجوم؛ لأني رأيتُ العلماء يكرهونه"، وقيل: إنَّ الليث انتحل كتاب العين للخليل؛ لينفق كتابه باسم الخليل. انظر ترجمته في: تهذيب اللغة (1/ 14)، وإرشاد الأديب لياقوت (5/ 2253)، وإنباه الرواة للقفطي (3/ 42)، وبغية الوعاة للسيوطي (2/ 270).
(1)
نقل كلامَ الليث ابنُ منظور في: لسان العرب، مادة:(جهد)، (3/ 133).
(2)
هو: المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري الموصلي، أبو السعادات مجد الدين، المعروف بابن الأثير، ولد بجزيرة ابن عمر - بلدة فوق الموصل - سنة 544 هـ وهو كاتب فاضل، وعالم بارع، له معرفة تامة بالأدب، ونظرٌ حسن بالعلوم الشرعية، من أشهر العلماء ذكرًا، وأكبر النبلاء قدرًا، كان شافعي المذهب، من مؤلفاته: النهاية في غريب الحديث والأثر، وجامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، والبديع في النحو، والمختار في مناقب الأخيار، توفي بالموصل سنة 606 هـ. انظر ترجمته في: وفيات الأعيان لابن خلكان (4/ 141)، وإرشاد الأريب لياقوت (5/ 2268)، وإنباه الرواه للقفطي (3/ 257)، وبغية الوعاة للسيوطي (2/ 274)، وشذرات الذهب لابن العماد (5/ 22).
(3)
النهاية في غريب الحديث، مادة:(جهد)، (1/ 320)، بتصرف يسير.
(4)
انظر: تهذيب اللغة، مادة:(جهد)، (6/ 38)، والصحاح، مادة:(جهد)، (2/ 460)، وأساس البلاغة للزمخشري، مادة:(جهد)، (ص/ 106).
(5)
انظر: المصادر السابقة.
(6)
هو: يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي الكوفي، أبو زكريا المعروف بالفراء، مولى بني أسد، كان إمام العربية، من أعلم الكوفيين بالنحو واللغة والأدب، مع معرفته بايام العرب وأخبارها، فقيهًا عالمًا بالخلاف، متدينًا ورعًا، على عُجب وتعاظم، محبًا لعلم الكلام، ويميل إلى الاعتزال، من مؤلفاته: معاني القرآن، والمقصور والممدود، والنوادر، توفي سنة 207 هـ وله سبعة وستون عامًا، وقيل: عمره ثلاثة وستون عامًا. انظر ترجمته في: تاريخ مدينة السلام للخطيب (16/ 224)، ووفيات الأعيان لابن خلكان (6/ 176)، وإرشاد الأديب =
"الجُهْدُ - با لضم -: الطاقةُ"
(1)
. ويقولُ الجوهريُّ
(2)
: لا "الجَهْدُ، والجُهْدُ: الطاقةُ"
(3)
.
ومنه: قولُه تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ}
(4)
.
فالجُهدُ - بالضم - يستعملُ بمعنى: الطاقةِ، وقد اختلفَ العلماءُ في استعمالِ الجَهْد - بفتح الجيم - بمعنى: الطاقةِ على قولين:
القول الأول: لا يأتي الجَهْدُ بمعنى: الطاقةِ.
القول الثاني: يأتي الجَهْدُ بمعنى: الطاقةِ، فيكونُ في الجهدِ الذي بمعنى: الطاقةِ، لغتانِ: الضمُّ، والفتحُ
(5)
.
ويتصلُ بهذا المعنى تفسيرُ الجَهْدِ - بالفتحِ - بالغايةِ، أو ببلوغِ الغايةِ.
= لياقوت (6/ 2812)، وإنباه الرواة للقفطي (4/ 7)، والبلغة للفيروزابادي (ص/ 238)، وبغية الوعاة للسيوطي (2/ 333).
(1)
نقل كلامَ الفراء الجوهريُّ في: الصحاح، مادة:(جهد)، (2/ 460)، وابنُ منظور في: لسان العرب، مادة:(جهد)، (3/ 132).
(2)
هو: إسماعيل بن حماد الجوهري، أبو نصر، أصله فاراب من بلاد الترك، لا يعرف تاريخ ولادته؛ يقول ياقوت الحموي:"ومن العجب أني بحثتُ عن مولده، ووفاته بحثًا شافيًا، وسألتُ عنها الواردين من نيسابور، فلم أجد مخبرًا"، وهو أحد أئمة اللغة والأدب، أديب فاضل، ومن فرسان علم الكلام، ومن أعاجيب الزمان ذكاء وفطنة وعلمًا، وكان حسن الخط، يضرب المثل بحسنه، محبًا للسفر والتطواف والتغرب، من مؤلفاته: الصحاح، وعروض الورقة، واختلف في وفاته، فقيل: 393 هـ وقيل: في حدود 400 هـ. انظر ترجمته في: نزهة الألباء للأنباري (ص/ 252)، وإرشاد الأديب لياقوت (2/ 656)، وإنباه الرواه للقفطي (1/ 229)، وسير أعلام النبلاء (17/ 80 - 82)، والوافي بالوفيات للصفدي (9/ 111)، والبلغة للفيروزابادي (ص/ 66)، وبغية الوعاة للسيوطي (1/ 446)، وشذرات الذهب لابن العماد (4/ 496).
(3)
الصحاح، مادة:(جهد)، (2/ 460). وانظر: مقاييس اللغة، مادة:(جهد)، (1/ 486)، ولسان العرب، مادة:(جهد)، (3/ 132).
(4)
من الآية (79) من سورة (التوبة).
(5)
انظر: الصحاح، مادة:(جهد)، (2/ 460)، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير، مادة:(جهد)، (1/ 320)، ولسان العرب، مادة:(جهد)، (3/ 132).
قال ابنُ السكّيت
(1)
والفراءُ: "الجَهْدُ: الغايةُ"
(2)
.
تقولُ: اجْهَد جَهْدَك في هذا الأمرِ، أيْ: ابلغْ فيه غايتَك
(3)
.
يقولُ الفراءُ: "الجَهْدُ - بالفتحِ - مِنْ قولِك: اجْهَدْ جَهْدك في هذا الأمرِ، أيْ: ابلغْ فيه غايتَك"
(4)
.
والجَهْدُ: بلوغُ غايةِ الأمرِ الذي لا تألو عن الجهدِ فيه
(5)
، تقول: جَهِدْتُ جَهْدِي، واجتهدتُ برأي وبنفسي حتى بلغتُ مجهودي
(6)
.
واستعمالُ الجَهْدِ في هذا المعنى، بفتحِ الجيمِ
(7)
.
وقد ذكرَ بعضُ الأصوليين تعريفًا لغويًا للاجتهاد، فمِنْ هذه التعريفاتِ، ما أوردَه الفخرُ الرازي، إذ عرَّف الاجتهادَ في اللغةِ بأنَّه استفراغُ الوسعِ في أيِّ فعلٍ كان
(8)
، يُقالُ: استفرغَ وسعَه في حملِ الثقيلِ،
(1)
هو: يعقوب بن إسحاق، أبو يوسف، المعروف بابن السكيت، والسكيت لقب أبيه، ولد سنة 168 هـ كان قبل تعلم النحو معلمًا للصبيان، ولما تعلمه أصبح من أكابر علماء اللغة، كان من أهل الفضل والدين، عالمًا بنحو الكوفيين، والقرآن واللغة والشعر والأدب، موثوقًا بروايته، وتولى تأديب أولاد الخليفة المتوكل، من مؤلفاته: إصلاح المنطق، والقلب والإبدال، والنوادر، والألفاظ، والأضداد، توفي سنة 244 هـ وقيل: سنة 243 هـ. انظر ترجمته في: نزهة الألباء للأنباري (ص/ 138)، وإرشاد الأديب لياقوت (6/ 2840)، وإنباه الرواة للقفطي (4/ 56)، وفيات الأعيان لابن خلكان (6/ 395)، وسير أعلام النبلاء (12/ 16)، والبلغة للفيروزابادي (ص/ 243)، وبغية الوعاة للسيوطي (2/ 349).
(2)
نقل كلامَ ابن السكيت والفراء: الأزهريُّ في: تهذيب اللغة، مادة:(جهد)، (6/ 37)، وابنُ منظور في: لسان العرب، مادة:(جهد)، (3/ 133).
(3)
انظر: المصدرين السابقين، والقاموس المحيط، مادة:(جهد)، (ص/ 351).
(4)
نقل كلامَ الفراء: الجوهريُّ في: الصحاح، مادة:(جهد)، (2/ 460)، وابنُ منظور في: لسان العرب، مادة:(جهد)، (3/ 132).
(5)
انظر: المصدرين السابقين، والقاموس المحيط، مادة:(جهد)، (ص/ 351).
(6)
انظر: المصادر السابقة.
(7)
انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، مادة (جهد)، (1/ 320).
(8)
المحصول في علم أصول الفقه (6/ 6).