المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: التعريف الاصطلاحي للمشهور من المذهب: - التمذهب – دراسة نظرية نقدية - جـ ١

[خالد الرويتع]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أهمية الموضوع:

- ‌أسباب اختيار الموضوع:

- ‌أهداف الموضوع:

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث:

- ‌الصعوبات الَّتي واجهت الباحث:

- ‌الشكر والتقدير:

- ‌الباب الأول: الدراسة النظرية للتمذهب

- ‌المبحث الأول تعريف التمذهب

- ‌المطلب الأول: تعريف التمذهب في اللغة

- ‌ تعريفَ المذهبِ في اللغَةِ

- ‌تعريف التمذهب في اللغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريف التمذهب في الاصطلاح

- ‌تعريف المذهب اصطلاحًا:

- ‌التعريف المُخْتَار:

- ‌المناسبة بين التعريض اللغوي للمذهب والاصطلاحي:

- ‌تعريف التمذهب في الاصطلاح:

- ‌تعريف التمذهب عند المتأخرين:

- ‌العلاقة بين التعريف اللغوي للتمذهب والتعريف الاصطلاحي:

- ‌المبحث الثاني: العلاقة بين التمذهب، والمصطلحات ذات الصلة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: العلاقة بين التمذهب والتقليد

- ‌تعريف التقليد في اللغة:

- ‌تعريف التقليد في الاصطلاح:

- ‌العلاقة بين التعريف اللغوي والتعريف الاصطلاحي:

- ‌العلاقةُ بين التمذهبِ والتقليدِ:

- ‌المطلب الثاني: العلاقة بين التمذهب والاجتهاد

- ‌تعريف الاجتهاد في اللغة:

- ‌تعريف الاجتهاد في الاصطلاح:

- ‌العلاقة بين التعريف اللغوي والاصطلاحي:

- ‌العلاقة بين التمذهب والاجتهاد:

- ‌المطلب الثالث: العلاقة بين التمذهب والاتباع

- ‌ تعريفَ الاتّباع في اللغةِ

- ‌تعريف الاتباع في الاصطلاح:

- ‌العلاقة بين التعريف اللغوي والتعريف الاصطلاحي:

- ‌العلاقة بين التمذهب والاتباع:

- ‌المطلب الرابع: العلاقة بين التمذهب والتأسي

- ‌تعريف التأسي في اللغة:

- ‌تعريف التأسي في الاصطلاح:

- ‌العلاقة بين التعريف اللغوي والاصطلاحي:

- ‌العلاقة بين التمذهب والتأسي:

- ‌المطلب الخامس: العلاقة بين التمذهب والتعصب

- ‌تعريف التعصب في اللغة:

- ‌تعريف التعصب في الاصطلاح:

- ‌العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي:

- ‌العلاقة بين التمذهب والتعصب:

- ‌المطلب السادس: العلاقة بين التمذهب والخلاف

- ‌تعريفُ الخلاف في اللغة:

- ‌تعريف الخلاف في الاصطلاح:

- ‌العلاقة بين التعريف اللغوي والتعريف الاصطلاحي:

- ‌فائدة علم الخلاف:

- ‌العلاقة بين التمذهب والخلاف:

- ‌المطلب السابع: العلاقة بين التمذهب والانتصار للمذهب

- ‌تعريف الانتصار في اللغة:

- ‌تعريف الانتصار للمذهب في الاصطلاح:

- ‌العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي:

- ‌العلاقة بين التمذهب والانتصار للمذهب:

- ‌المطلب الثامن: العلاقة بين التمذهب والصلابة في المذهب

- ‌تعريف الصلابة في اللغة:

- ‌تعريف الصلابة في المذهب في الاصطلاح:

- ‌ العلاقةِ بين التمذهبِ، والصلابةِ في المذهبِ

- ‌العلاقة بين التعريف اللغوي والتعريف الاصطلاحي:

- ‌المبحث الثالث: أركان التمذهب

- ‌المطلب الأول: إمام المذهب (صاحب المذهب)

- ‌توطئة

- ‌المسأله الأولى: تعريف إمام المذهب

- ‌المسألة الثانية: شروط إمام المذهب

- ‌النوع الأول: الشروطُ المتعلقةُ بالجانبِ الشخصي للمجتهدِ

- ‌النوع الثاني: الشروط المتعلقة بالجانب العلمي للمجتهد:

- ‌المسألة الثالثة: طرق إثبات أقوال إمام المذهب

- ‌توطئة

- ‌الفرع الأول: القول

- ‌الفرع الثاني: مفهوم القول

- ‌الفرع الثالث: الفعل

- ‌الفرع الرابع: السكوت

- ‌الفرع الخامس: التوقف

- ‌ طُرقِ معرفةِ توقّفِ إمامِ المذهبِ

- ‌الفرع السادس: القياس على القول

- ‌الفرع السابع: لازم القول

- ‌الفرع الثامن: ثبوت الحديث

- ‌المطلب الثاني: المتمذهب

- ‌توطئة

- ‌المسألة الأولى: تعريف المتمذهب

- ‌المسألة الثانية: شروط المتمذهب

- ‌المسألة الثالثة: العلاقة بين المتمذهب والمخرِّج

- ‌المسألة الرابعة: العلاقة بين المتمذهب والفروعي

- ‌المسألة الخامسة: تمذهب المجتهد

- ‌المسألة السادسة: مذهب العامي

- ‌المطلب الثالث: المذهب (المتمذهب فيه)

- ‌المسألة الأولى: تعريف المذهب في اللغة والاصطلاح

- ‌المسألة الثانية: محل التمذهب

- ‌المسائل التي ليست مجالًا للتمذهب:

- ‌المسأله الثالثة: شروط نقل المذهب

- ‌شروطُ الناقلِ عن إمامِ المذهبِ:

- ‌المسألة الرابعة: صور الخطأ في نقل المذهب

- ‌المسألة الخامسة: ألفاظ نقل المذهب

- ‌توطئة

- ‌الفرع الأول: الرواية

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للرواية:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للرواية:

- ‌الفرع الثاني: التنبيه

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للتنبيه:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للتنبيه:

- ‌الفرع الثالث: القول

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للقول:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للقول:

- ‌الفرع الرابع: الوجه

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للوجه:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للوجه:

- ‌الفرع الخامس: الاحتمال

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للاحتمال:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للاحتمال:

- ‌الفرع السادس: التخريج

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للتخريج:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للتخريج:

- ‌الفرع السابع: النقل والتخريج

- ‌الفرع الثامن: الصحيح

- ‌الفرع التاسع: المعروف

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للمعروف:

- ‌ثانيًا: المعروف في الاصطلاح:

- ‌الفرع العاشر: الراجح

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للراجح:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للراجح:

- ‌الفرع الحادي عشر: قياس المذهب:

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للقياس:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي لقياس المذهب:

- ‌الفرع الثاني عشر: المشهور من المذهب

- ‌أولا: التعريف اللغوي للمشهور:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للمشهور من المذهب:

- ‌الفرع الثالث عشر: ظاهر المذهب

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للظاهر:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي لظاهر المذهب:

الفصل: ‌ثانيا: التعريف الاصطلاحي للمشهور من المذهب:

القمرُ، وسُمّي بذلك؛ لشهرتِه وظهورِه

(1)

.

يقولُ ابنُ فارسٍ: "الشينُ والهاءُ والراءُ أصلٌ صحيحٌ، يدلُّ على وضوحٍ في الأمرٍ، وإضاءةٍ"

(2)

.

ويطلقُ المشهورُ والشهيرُ على: المعروفِ المكانِ، والمذكورِ، والنبيهِ

(3)

.

والشُهْرَةُ: وضوحُ الأمرِ

(4)

، يُقال: شَهَرَ سيفَه يشْهَرُه شَهْرًا، إذا سلَّه وانْتَضاه مِنْ غِمْدِه، فيرفعه على الناسِ

(5)

.

وقالَ بعضُ اللغويين: الشُهْرةُ: ظهورُ الشيءِ في شُنْعَةٍ

(6)

حتى يُشَهِّره الناسُ

(7)

.

‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للمشهور من المذهب:

وَرَدَ مصطلح: (المشهور مِن المذهبِ) عند المذاهبِ الفقهيةِ الأربعة، وإليك بيانها:

أولًا: المشهور عند الحنفية:

وَرَدَ: (المشهور من المذهب)، و (الأشهر) في كتبِ المذهبِ الحنفي، وسأتحدثُ عنهما مبتدئًا بالمشهور مِن المذهبِ.

(1)

انظر: لسان العرب، مادة:(شهر)، (4/ 431).

(2)

مقاييس اللغة، مادة:(شهر)، (3/ 222).

(3)

انظر: لسان العرب، مادة:(شهر)، (4/ 432)، والقاموس المحيط، مادة:(شهر)، (ص/ 540).

(4)

انظر: الصحاح، مادة:(شهر)، (2/ 705)، ومقاييس اللغة، مادة:(شهر)، (3/ 222).

(5)

انظر: تهذيب اللغة، مادة:(شهر)، (6/ 79)، والصحاح، مادة:(شهر)، (2/ 705).

(6)

الشُنْعَة: الأمر القبيح. انظر: مقاييس اللغة، مادة:(شنع)، (3/ 218)، والمصباح المنير للفيومي، مادة:(شنع)، (ص/ 266).

(7)

انظر: تهذيب اللغة، مادة:(شهر)، (6/ 79)، ولسان العرب، مادة:(شهر)، (4/ 431)، والقاموس المحيط، مادة:(شهر)، (ص/ 540).

ص: 544

مصطلح: (المشهور) عند الحنفية:

لم أقفْ على تعريفٍ محددٍ لمصطلحِ: (المشهور) عند علماءِ الحنفيةِ - فيما رجعتُ إليه مِنْ مصادر - مع أنَّ لهم اهتمامًا بمصطلح: (المشهور) في علمِ مصطلحِ الحديثِ، إلا أنَّه لم يظهرْ لهم اصطلاحٌ خاصٌ للمشهورِ في المذهبِ.

ومِنْ خلالِ تأمُّلِ عددٍ مِن المواضمعِ التي ورد فيها مصطلحُ: المشهور من المذهب في كتب المذهب الحنفي، ظهرَ لي أنَّ مرادهم به هو معناه اللغوي.

أمثلة المشهور عند الحنفية:

المثال الأول: يقولُ أبو بكرٍ السرخسي: "المشهورُ عن محمدٍ رحمه الله أنَّه لمَّا سُئِلَ عن هذا؟ أيْ: تقدير الماءِ الكثيرِ. فقال: إنْ كان مثل مسجدي هذا، فهو كبيرٌ.

فلمَّا قامَ، مسحوا مسجدَه، فرُوِي أنَّه كان ثمانيًا في ثمانٍ، وروي اثني عشر"

(1)

.

المثال الثاني: يقولُ فخرُ الدينِ الزيلعي

(2)

: "إذا امتنعَ المسحُ على أحدِهما بجمعِ الخروق المتفرقةِ، امتنع المسحُ على الآخر؛ لما عُرِفَ، حتى يَلْبَس مكان المتخرقِ ما يجوزُ المسحُ عليه، وهذا الحكمُ المذكورُ هو المشهورُ مِن المذهبِ"

(3)

.

(1)

المبسوط (1/ 71).

(2)

هو: عثمان بن علي بن محجن بن يونس الزيلعي، فخر الدين أبو محمد - وفي بعض المصادر: أبو عمرو - من أعيان المذهب الحنفي، كان علامةً مشهورًا بمعرفة الفقه والنحو والفرائض، قدم القاهرة سنة 705 هـ ودرَّس بها وأفتى وصنف ونشرَ الفقه، وانتفع الناس به، من مؤلفاته: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، وشرح الجامع الكبير، توفي بالقرافة سنة 743 هـ. انظر ترجمته في: الجواهر المضية للقرشي (2/ 519)، وتاج التراجم لقطلوبغا (ص/ 204)، وحسن المحاضرة للسيوطي (1/ 440)، والفوائد البهية للكنوي (ص/ 150).

(3)

كنز الدقائق (1/ 185) مع البحر الرائق.

ص: 545

مصطلح: (الأشهر) عند الحنفية:

لم أقفْ على اصطلاحٍ محدد للأشهرِ عند الحنفية - فيما رجعتُ إليه مِنْ مصادرِهم - والظاهرُ إرادةُ المعنى اللغوي المتبادر مِنْ كونِ القولِ أكثرَ شهرةً مِن القولِ الآخر.

والظاهرُ مِن إطلاقِ الحنفيةِ للأشهرِ أنَّ مقابلَه عندهم قولٌ أقلّ منه شُهْرَةً.

أمثلة الأشهر عند الحنفية:

المثال الأول: يقولُ الكاسانيُّ: "اختلفَ المشايخُ فيه - أي: فيما لو أوصى بقميصٍ، ثمَّ نقضه، فجعله قَبَاءً، هل يُعدُّ رجوعًا؟ - والأشهرُ: أنَّه ليس برجوعٍ؛ لأنَّ العينَ بعدَ النقضِ قائمةٌ تصلحُ لما كانت تصلحُ له قبلَ النقضِ"

(1)

.

المثال الثاني: يقولُ برهانُ الدّينِ المرغيناني

(2)

: "لغيرِ العصباتِ مِن الأقاربِ ولايةُ التزويجِ عند أبي حنيفةَ

وقال محمد: لا تثبتُ

وهو روايةٌ عن أبي حنيفةَ، وقول أبي يوسف في ذلك مضطربٌ، والأشهرُ أنَّه مع محمدٍ"

(3)

.

ثانيًا: المشهور عند المالكية:

كَثُرَ عند علماءِ المالكيةِ وصفُ بعضِ الأقوالِ في مذهبِهم بأنَّها

(1)

بدائع الصنائع (7/ 379).

(2)

هو: علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني، أبو الحسن برهان الدين المرغيناني، ولد سنة 530 هـ من مشاهير علماء المذهب الحنفي، ومن المحققين فيه، كان من أوعية العلم، وشيخ علماء ما وراء النهر في وقته، علامةً محققًا، أقر له أهل عصره بالتقدم والفضل، وقد نشر المذهب الحنفي، وتفقه عليه الجم الغفير، من مؤلفاته: بداية المبتدي، والهداية في شرح بداية المبتدي، والجامع الصغير، وكفاية المنتهي، ومناسك الحج، توفي سنة 593 هـ. انظر ترجمته في: الجواهر المضية للقرشي (2/ 627)، وسير أعلام النبلاء (21/ 232)، وتاج التراجم لقطلوبغا (ص/ 42)، والأعلام للزركلي (5/ 73).

(3)

الهداية شرح بداية المبتدي (3/ 181 - 182) مع فتح القدير.

ص: 546

المشهورُ مِن المذهبِ، ولم يكنْ تمييزُ المشهورِ في مذهب المالكيةِ واضحًا ميسورًا قبلَ أبي عبدِ الله المازري (ت: 536 هـ)؛ إذ كان المذَهبُ كثيرَ الروايةِ، كثيرَ الأقوالِ؛ بحيثُ يبقى المقلِّدُ حائرًا في القضاءِ والفتوى وغيرِهما، إلى أن جاء المازريُّ، فاعتنى ببيانِ المشهورِ في مذهبِه؛ ليسهلَ المذهبُ على أتباعِه

(1)

.

وقد اختلفَ متأخرو المالكيةِ في تحديدِ مصطلحِ: (المشهور) في مذهبهم على أقوال:

القول الأول: أنَّه ما قويَ دليلُه.

حَكَى هذا القولَ: ابنُ بشيرٍ

(2)

، وابنُ خويز منداد

(3)

، والدسوقيُّ

(4)

. واختاره: ابنُ خويز منداد

(5)

، وابنُ بشيرٍ

(6)

، وأبو الحسنِ التسولي

(7)

.

(1)

انظر: مقدمة تحقيق فتاوي قاضي الجماعة الأندلسي (ص/ 61 - 62).

(2)

انظر: كشف النقاب الحاجب لابن فرحون (ص/ 62). وابن بشير هو: إبراهيم بن عبد الصمد بن بشير التنوخي، أبو طاهر، ويعرف بابن بشير، كان فقيهًا مالكيًا متقنًا، وعالمًا فاضلًا جليلًا، وأصوليًا بارزًا نبيلًا، له معرفة بالعربية والحديث، تفقه بأبي الحسن اللخمي وابن رشد الحفيد، وتعقبه في كثير من مسائله في كتابه:(التبصرة)، وقد اعتبره ابن فرحون ممن ترفع عن درجة التقليد إلى رتبة الاختيار والترجيح، من مؤلفاته: التنبيه، والتذهيب على التهذيب، وكتاب المختصر، والأنوار البديعة إلى أسرار الشريعة، وقد قتله قطاع طريق، ولم أقف على سنة وفاته، إلا أنه كان حيًا سنة 526 هـ. انظر ترجمته في: الديباج المذهب لابن فرحون (1/ 265)، وشجرة النور الزكية لمخلوف (1/ 126).

(3)

انظر: كشف النقاب الحاجب لابن فرحون (ص/ 62).

(4)

انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/ 20).

(5)

انظر: كشف النقاب الحاجب لابن فرحون (ص/63)، والتحفة في شرح البهجة للتسولي (1/ 21)، وفتح العلي المالك لعليش (1/ 83).

(6)

انظر: تبصرة الحكام لابن فرحون (1/ 75).

(7)

انظر: البهجة في شرح التحفة (1/ 21). وأبو الحسن التسولي هو: علي بن عبد السلام التسولي، أبو الحسن، من أهل فاس بالمغرب، فقيه مالكي، حامل لواء المذهب، والمطلع على أسراره، والمتبحر فيه، كان علامةً محققًا، ومتفننًا متقنًا، وقد عُرف بالصلاح والزهد والورع، وقد تولى منصب القضاء بفاس وتطوان، من مؤلفاته: البهجة في شرح التحفة، وشرح كتاب الشامل لبهرام، وحاشية على شرح الشيخ التاودي على لامية الزقاق، توفي سنة=

ص: 547

ووصف محمد عليش المالكي

(1)

هذا القولَ بأنَّه القولُ المشهورُ في تفسيرِ مصطلحِ: (المشهورِ)

(2)

.

وعلى هذا القولِ لا فرقَ بين المشهورِ، والراجحِ.

وتعقَّبَ ابنُ راشد القفصي

(3)

هذا القولَ بأنَّه يُعَكِّرُ عليه أنَّ الأشياخَ رُبَّما قالوا عن قولِ: إنَّه المشهور، ويقولون عن القولِ الآخر: إنه الصحيح؛ فإذا كانَ القولُ المشهورُ ما قوي دليلُه، فكيفَ يكون القولُ الآخرُ في المسألةِ صحيحًا؟ !

(4)

.

وقد أجابَ القاضي ابنُ فرحون عمَّا قاله القفصي، بقولِه: "ليس في هذا إشكالٌ؛ لأنَّ المشهورَ هو مذهبُ المدونةِ، وقد يَعْضِدُ القولَ الآخر

= 1258 هـ. انظر ترجمته في: شجرة النور الزكية لمخلوف (1/ 397)، والفكر السامي للحجوي (4/ 299)، والأعلام للزركلي (4/ 299)، ومعجم المؤلفين لكحالة (2/ 458).

(1)

هو: محمد بن أحمد بن محمد عليش المصري، أبو عبد الله، ولد سنة 1217 هـ عالم أزهري مالكي المذهب، كان إمامًا كبيرًا، وعَلَمًا منيرًا، جامعًا بين العلم والعمل، شيخ المالكية ومفتيهم في قطره، درَس عليه في الأزهر جمعٌ غفير، من مؤلفاته: منح الجليل شرح مختصر خليل، وفتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك، وحاشية على أقرب المسالك، توفي بمصر سنة 1299 هـ. انظر ترجمته في: شجرة النور الزكية لمخلوف (1/ 385)، والفكر السامي للحجوي (2/ 301)، والأعلام للزركلي (6/ 19)، ومعجم المؤلفين لكحالة (3/ 104).

(2)

انظر: فتح العلي المالك (1/ 83).

(3)

هو: محمد بن عبد الله بن راشد البكري القفصي، أبو عبد الله، ولد بقفص، ونزل تونس، يعرف بابن راشد، من أعيان المذهب المالكي، كان فقهيًا فاضلًا، وأصوليًا متمكنًا، له معرفة بالعربية والأدب والحساب وتعبير الرؤى، أخذ العلم عن علماء تونس، ورحل إلى الإسكندية والقاهرة واستفاد من علمائهما، وقد ولي قضاء قفصة، من مؤلفاته: تلخيص المحصول في علم الأصول، واللباب في الفقه، والفائق في معرفة الأحكام والوثائق، والمذهب في ضبط مسائل المذهب، ونخبة الواصل في شرح الحاصل في أصول الفقه، توفي بتونس سنة 736 هـ. انظر ترجمته في: الديباج المذهب لابن فرحون (2/ 328)، والوفيات لابن قنفذ (ص/ 346)، ونيل الابتهاج للتنبكتي (ص/ 392)، وشجرة النور الزكية لمخلوف (1/ 207).

(4)

انظر: تبصرة الحكام لابن فرحون (1/ 75)، وكشف النقاب الحاجب له (ص/ 63)، والتحفة في شرح البهجة للتسولي (1/ 21).

ص: 548

حديثٌ صحيحٌ

فيقول: والصحيح كذا؛ لقيام الدليل، وصحةِ الحديثِ"

(1)

.

القول الثاني: أنَّه ما كَثُر قائلُه.

حَكَى هذا القولَ: ابنُ بشيرٍ

(2)

، وابنُ خويز منداد

(3)

، وأبو الحسنِ التسولي

(4)

، ومحمد عليش المالكي

(5)

. واختاره: أحمد الهلالي

(6)

، وأبو عبدِ الله الفاسي

(7)

. وجعله الدسوقيُّ القولَ المعتمدَ

(8)

.

واختارَ القولَ الثاني عددٌ من المعاصرين، منهم: عبد العزيز الخليفي

(9)

، وعبد السلام العسري

(10)

، ومحمد المامي

(11)

.

وذَكَرَ القاضي ابنُ فرحون أنَّه بناءً على القولِ الثاني لا بُدَّ أنْ يزيدَ النقلةُ عن ثلاثةٍ

(12)

.

والظاهرُ أنَّ مرادَ ابنِ فرحون أنْ يزيدَ القائلون عن ثلاثةٍ

(13)

.

وتعقَّبَ ابنُ راشد القفصي هذا القولَ بأنَّه يُعَكِّر عليه أنَّ بعضَ المسائلِ

(1)

تبصرة الحكام (1/ 75).

(2)

انظر: المصدر السابق، وكشف النقاب الحاجب لابن فرحون (ص/ 62).

(3)

انظر: كشف النقاب الحاجب لابن فرحون (ص/ 62).

(4)

انظر: البهجة في شرح التحفة (1/ 21).

(5)

انظر: فتح العلي المالك (1/ 83).

(6)

انظر: نور البصر (ملزمة 10، ص/3) - بواسطة: الاختلاف الفقهي في المذهب المالكي لعبد العزيز الخليفي (ص/ 174) - والبحث الفقهي للدكتور إسماعيل عبد العال (ص/ 206).

(7)

انظر: رفع العتاب والملام (ص/ 17).

(8)

انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/ 20).

(9)

انظر: الاختلاف الفقهي في المذهب المالكي (ص/ 185).

(10)

انظر: نظرية الأخذ بما جرى به العمل في المغرب (ص/39).

(11)

انظر: المذهب المالكي (ص/ 509).

(12)

انظر: كشف النقاب الحاجب (ص/ 62 - 63)، وفتح العلي المالك لعليش (1/ 83)، ورفع العتاب والملام للفاسي (ص/ 17).

(13)

انظر: رفع العتاب والملام للفاسي (ص/ 17).

ص: 549

القولُ المشهورُ فيها: المنعُ، وعملُ المتأخرين على الجوازِ

(1)

.

وقد أجابَ القاضي ابنُ فرحون عن تعقبِ القفصي، بقولِه: "إنَّ لشيوخِ المذهبِ المتأخرين، كأبي عبد الله بن عتَّاب

(2)

، وأبي الوليد بنِ رشدٍ

وأبي بكر بن العربي اختياراتٍ، وتصحيح

(3)

لبعضِ الرواياتِ والأقوالِ، عَدَلوا فيها عن المشهورِ، وجَرَى باختيارِهم عَمَلُ الحكّامِ والفتيا؛ لما اقتضتُه المصلحةُ وجَرَى به العُرفُ، والأحكامُ تجري مَعَ العرفِ والعادةِ"

(4)

.

الفرق بين (الراجح)، و (المشهور) عند أصحاب القول الثاني:

الفرق بين (الراجح)، و (المشهور) عند أصحاب القول الثاني، هو أنَّ الراجحَ نَشَأَت قوتُه مِن الدليلِ ذاتِه، مِنْ غيرِ نظرٍ إلى قائلِه، أمَّا المشهورُ، فَنَشَأتْ قوتُه مِنْ كثرةِ القائلين به

(5)

.

القول الثالث: أنَّه قول ابن القاسم في: (المدوَّنة).

حَكَى هذا القولَ محمدٌ الدسوقيُّ

(6)

، وأبو عبدِ الله الفاسي

(7)

. وهو ظاهرُ اختيارِ القاضي ابنِ فرحون في كتابِه: (تبصرة الحكام)

(8)

، مع أنَّه لم يذكر القولَ الثالثَ أصلًا في كتابِه:(كشف النقاب الحاجب).

(1)

انظر: كشف النقاب الحاجب لابن فرحون (ص/ 65)، وتبصرة الحكام له (1/ 75).

(2)

هو: محمد بن عبد الله بن عتاب القرطبي، أبو عبد الله، يعرف بابن المقري، ولد سنة 383 هـ كان فقيهًا حافظًا محدثًا عالمًا زاهدًا ثقة مأمونًا، من خيار فقهاء المذهب المالكي، وقد تتلمذ لابن الفخار، وانتفع به أهل الأندلس، وقد أوذي من بني عبيد، وأحرقوا كتبه؛ لتمسكه بالسنة، توفي سنة 462 هـ. انظر ترجمته في: ترتيب المدارك للقاضي عياض (7/ 90)، وشجرة النور الزكية لمخلوف (1/ 119).

(3)

هكذا في: كشف النقاب الحاجب (ص/ 66)، ولعل الصواب:"تصحيحات".

(4)

المصدر السابق (ص/ 65 - 66).

(5)

انظر: نور البصر (ملزمة 10، ص/ 3) بواسطة: الاختلاف الفقهي في المذهب المالكي لعبد العزيز الخليفي (ص/ 176).

(6)

انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/ 20).

(7)

انظر: رفع العتاب والملام (ص/ 17).

(8)

انظر: (1/ 75).

ص: 550

يقولُ ابن فرحون: "فتقرر - بما ذكرناه - أنَّ قولَ ابنِ القاسم هو المشهورُ في المذهبِ إذا كان في: (المدونة) "

(1)

.

وانتقد أحمدُ الهلاليُّ القولَ الثالثَ بأنَّه قاصرٌ؛ لأنَّ مِنْ مقتضاه، أنَّه إذا لم يكن الحُكمُ مذكورًا في:(المدوَّنة)، وكان مذكورًا في غيرِها، وقالَ فيه الإمامُ وأصحابُه قولًا، وشَذَّ بعضُهم، فقالَ مقابله قولًا آخر: أنْ لا يُسمَّى القول الأول مشهورًا، ولا يُظَنَّ أنَّ أحدًا ينفي عنه اسمَ المشهورِ

(2)

.

ويعتذرُ أحمد الهلاليُّ لأربابِ القول الثالث، بقولِه:"لعلَّ قائله قَصَدَ التعريفَ بالأخصِّ على مذهبِ مَنْ جوَّزه، وكان على وجهِ التمثيلِ للمشهورِ، ولم يقصدْ قَصْرَه عليه"

(3)

.

فيكون قولُ ابنِ القاسمِ في: (المدوّنة) فردًا مِنْ أفرادِ المشهورِ عند المالكيةِ

(4)

.

وقد ذَكَرَ بعضُ مَن اختارَ القولَ الثاني أسبابًا لترجيحِه

(5)

:

أولًا: أنَّ تفسيرَ مصطلحِ: (المشهور) الذي ذكره أصحابُ القولِ الثاني مناسبٌ للمعنى اللغوي

(6)

.

(1)

تبصرة الحكام (1/ 75).

(2)

انظر: نور البصر (ملزمة 10، ص/ 3)، بواسطة: الاختلاف الفقهي في المذهب المالكي لعبد العزيز الخليفي (ص/ 184).

(3)

نور البصر (ملزمة 10، ص/ 3)، بواسطة: الاختلاف الفقهي في المذهب المالكي لعبد العزيز الخليفي (ص/ 184).

(4)

انظر: منار السالك إلى مذهب الإمام مالك للرجراجي (ص/ 44)، وأصول الفتوى والقضاء في المذهب المالكي للدكتور محمد رياض (ص/ 495).

(5)

أول من ذكر هذه المرجحات - في ضوء ما رجعت إليه من مصادر - هو أحمد الهلالي، وقد نقلها عنه أبو عبد الله الفاسي في: رفع العتاب والملام (ص/ 17 - 18).

(6)

انظر: المصدر السابق، ومنار السالك إلى مذهب الإمام مالك للرجراجي (ص/ 44)، وأصول الفتوى والقضاء في المذهب المالكي للدكتور محمد رياض (ص/ 502)، ونظرية الأخذ بما جرى به العمل في المغرب لعبد السلام العسري (ص/ 39)، والمذهب المالكي لمحمد المامي (ص/ 509).

ص: 551

ثانيًا: أنَّ مذهبَ جمعٍ مِن العلماءِ تقديمُ الراجحِ على المشهورِ عند تعارضِهما، فلو كان المشهورُ والراجحُ مترادفين، لما قيلَ بتقدِيم أحدِهما على الآخر، ولمَا وَقَعَ التعارضُ بينهما

(1)

.

ثالثًا: لو كانَ المشهورُ: ما قوي دليلُه، لم يَتَأَتَّ في القولِ الواحدِ أنْ يكونَ مشهورًا وراجحًا، وقد وَرَدَ عن بعضِ المالكيةِ وصفُ القولِ الواحدِ بالشُهْرةِ والرجحانِ، وذلك مثل: تحريمِ الاستماعِ إلى آلاتِ اللهوِ، فإنَّه محرَّمٌ على المشهورِ؛ لكثرةِ مَنْ قال بتحريمِه، وحرامٌ على الراجحِ؛ لقوةِ دليلِه

(2)

.

ويقابلُ المشهور عند المالكيةِ: الشاذّ

(3)

، وسيأتي الكلام عليه في فرعٍ مستقلٍّ.

أمثلة المشهور عند المالكية:

المثال الأول: يقولُ ابنُ الحاجب: "يتيمَّمُ المسافرُ

وكذلك الحاضرُ الصحيحُ، يخشى فواتَ الوقتِ على المَشهورِ، ولا يُعِيدُ"

(4)

.

المثال الثاني: يقولُ ابنُ شاس: "ثمَّ الوترُ ركعةٌ واحدةٌ

ويمتدُّ وقتُها الضروري إلى أنْ يصلي الصبحَ على المشهورِ مِن المذهبِ"

(5)

.

المثال الثالث: سُئِل أبو القاسمِ بن سراج الأندلسي

(6)

عن بكرٍ

(1)

انظر: المصادر السابقة.

(2)

انظر: المصادر السابقة.

(3)

انظر: التوضيح على جامع الأمهات لخليل (ص/ 58)، وكشف النقاب الحاجب لابن فرحون (ص/ 74)، والبهجة في شرح التحفة للتسولي (1/ 21)، والنوازل الصغرى للوزاني (2/ 225).

(4)

جامع الأمهات (ص/ 65).

(5)

عقد الجواهر الثمنية (1/ 185).

(6)

هو: محمد بن محمد بن سراج الأندلسي الغرناطي، أبو القاسم، كان فقيهًا مالكي المذهب، حاملًا لواء مذهبه، علامةً حافظًا، فهامةً جليل القدر، جامعًا للفنون، محصلًا للعلوم، وقد أخذ العلم عن شيوخ بلده، وتصدى للقضاء والإفتاء والتدريس بغرناطة، وقد انتفع بعلمه طائفة من طلبة الأندلس، من مؤلفاته: شرح كبير على مختصر خليل المالكي، ومجموعة من الفتاوى، توفي في غرناطة سنة 848 هـ. انظر ترجمته في: الضوء اللامع للسخاوي (7/ 248)، ودرة الحجال لابن القاضي (3/ 282)، ونيل الابتهاج للتنبكتي (ص/ 526)، وشجرة النور الزكية لمخلوف (1/ 248)، والفكر السامي للحجوي (4/ 257).

ص: 552

تزوجتْ، ثمَّ أتتْ بولدٍ لشهرين مِنْ تاريخ العقد، وثبتْ ذلك، وفُسِخَ النكاحُ بغيرِ طلاقٍ، ثمَّ أرادَ تزوجها، ورَدَّها لملكه؟ فأجابَ:"المشهورُ: أنَّه لا تَحِلُّ لزوجها أبدًا؛ لأنَّه تزوجها في استبراءِ الزنا، فهي بمنزلةِ مَنْ تزوجتْ في العدةِ"

(1)

.

مصطلح: (الأشهر) عند المالكية:

استعملَ علماءُ المالكيةِ مصطلح: (الأشهر)، والخلافُ بينهم في بيانِ المرادِ منه كالخلافِ في مصطلحِ المشهورِ.

فعلى قولِ مَنْ يقولُ: المشهور: ما قوي دليلُه، فالأشهر: ما كانتْ أفضليتُه راجعةً إلى زيادةِ قوةِ اشتهارِ دليلِه

(2)

.

وعلى قول مَنْ يقولُ: المشهور: ما كثر قائلُه، فالأشهر: ما كانت أفضليتُه راجعةً إلى زيادةِ اشتهارِ القائلين به، وكثرتِهم

(3)

.

ومقابلُ الأشهرِ عند المالكية: مشهورٌ دونَه في الشُهْرة؛ لدلالةِ صيغةِ: (أفعل) على التفضيلِ

(4)

.

وذَهَبَ ابنُ راشد القفصي إلى أنَّ الأَشْهَر عند ابنِ الحاجبِ هو المشهورُ نفسُه، وإنَّما استعملَ عبارةَ الأشهرِ؛ لرشاقتِها وقِلَّة حروفِها

(5)

.

وذَهَبَ بعضُ المالكية إلى أنَّ معنى الأشهرِ عند ابنِ الحاجبَ، هو أنَّ ابنَ الحاجب نفسَه هو مَنْ وَصَفَ القولَ بالشُهْرةِ

(6)

.

(1)

فتاوى قاضي الجماعة الأندلسي (ص/ 139).

(2)

انظر: كشف النقاب الحاجب لابن فرحون (ص/ 90).

(3)

انظر: المصدر السابق.

(4)

انظر: التوضيح على جامع الأمهات لخليل (ص/ 58)، وكشف النقاب الحاجب لابن فرحون (ص/ 88)، والتحفة في شرح البهجة للتسولي (1/ 21)، والنوازل الصغرى للوزاني (2/ 225).

(5)

انظر كشف النقاب الحاجب لابن فرحون (ص/88).

(6)

انظر: المصدر السابق.

ص: 553

وردَّ ابنُ فرحون القولين كليهما بقولِه: "وكلاهما بعيدٌ؛ لأنَّه - أي: ابن الحاجب - لو قَصَدَ هذه العبارة - أيْ: الأشهر - لرشاقتِها وقِلَّة حروفها؛ لاقتصرَ عليها، ولم يذكر المشهورَ، أو كان يأتي بها غالبًا، والأمرُ بالعكسِ.

والمحملُ الثاني بعيدٌ أيضًا؛ لأنَّ المؤلِّفَ كان مِنْ أَوْرَع الناسِ، ولم تَجْرِ عادتُه بالدخولِ في عُهْدَةِ التشهيرِ، وإنَّما هو ناقلٌ عن غيرِه"

(1)

.

مثال الأشهر عند المالكية:

المثال الأول: يقول ابنُ الحاجبِ: "والمَرْهمُ النَجِسُ يُغَسلُ على الأشهرِ"

(2)

.

المثال الثاني: يقولُ ابنُ الحاجبِ - أيضًا - في باب: (صلاة الخوف): "صلاةُ الخوفِ نوعان:

الثاني: عند الخوفِ مِنْ مَعَرَّتِه

(3)

- أي: العدو - لوصلوا بأجمعهم، كالسفرِ، والحضرِ على الأشهرِ"

(4)

.

الفرق بين (الأصح)، و (الأشهر) عند المالكية:

فرَّقَ بعضُ علماءِ المالكية بينَ (الأصح)، و (الأشهر) بأنَّ الأفضليةَ في:(الأصحِّ) راجعةٌ إلى زيادةِ قوةِ الدليلِ، وأمَّا:(الأشهر)، فأفضليته راجعةٌ إلى زيادةِ قوةِ اشتهارِ دليلِه، أو إلى زيادةِ اشتهارِ القائلين به، على الخلافِ في معنى المشهورِ

(5)

.

ثالثًا: المشهور عند الشافعية:

استعملَ عددٌ مِنْ - علماءِ الشافعية مصطلحَ: (المشهور)، وأبانوا عن معناه، وظَهَرَ في ذلك اتجاهانِ:

(1)

المصدر السابق (ص/ 89).

(2)

جامع الأمهات (ص/ 37 - 38).

(3)

المعرة: الإصابة. انظر: المصباح المنير للفيومي، مادة:(عرا)، (ص/ 331).

(4)

جامع الأمهات (ص/ 126).

(5)

انظر: كشف النقاب الحاجب لابن فرحون (ص/ 90).

ص: 554

الاتجاه الأول: أنَّه القولُ أو الوجه الذي اشْتُهر، بحيثُ يكون ما يقابلُه رأيًا غريبًا.

وهذا ما سار عليه أبو حامدٍ الغزالي

(1)

.

الاتجاه الثاني: أنَّه القولُ الذي اشْتُهرَ، بحيثُ يكونُ ما يقابلُه رأيًا غريبًا، أو ضعيفًا.

وهذا ما سارَ عليه محيي الدين النووي في كتابِه: (منهاج الطالبين)

(2)

.

وقد يكونُ القولانِ جديدينِ، أو قديمينِ، أو أحدُهما جديدًا والآخرُ قديمًا، وقد يقولهما الإمام الشافعي في وقتينِ، أو في وقتٍ واحدٍ

(3)

.

ويستفادُ من تعبيرِ علماءِ الشافعية بمصطلحِ: (المشهور) أمورٌ:

أولها: أنَّ المسألةَ خلافيةٌ.

ثانيها: أنَّ في المسألةِ قولًا راجحًا، وقولًا مرجوحًا.

ثالثها: ضعفُ المقابلِ وغرابتُه.

رابعها: كونُ الخلافِ قوليًا، أي: بين قولي - أو أقوال - الإمامِ الشافعي، لا مِنْ أوجهِ أصحابِه

(4)

.

والرابع يصدقُ على اصطلاحِ النووي الذي قَصَرَ التعبيرَ بالمشهورِ على أقوالِ الإمامِ الشافعي، دونَ اصطلاحِ الغزالي الذي لم يقصره على أقوالِ الإمامِ الشافعي.

ومقابلُ المشهورِ عند الغزالي: قولٌ أو وجهٌ غريبٌ أو ضعيفٌ؛

(1)

انظر: مقدمة تحقيق الوسيط في المذهب (1/ 240).

(2)

انظر: منهاج الطالبين (1/ 76)، ونهاية المحتاج للرملي (1/ 48)، ومغني المحتاج للشربيني (1/ 12)، ومقدمة تحقيق الغاية القصوى (1/ 119)، والمدخل إلى مذهب الإمام الشافعي للدكتور أكرم القواسمي (ص/ 507).

(3)

انظر: نهاية المحتاج للرملي (1/ 48).

(4)

انظر: سلم المتعلم المحتاج للأهدل (1/ 117)، مطبوع مع النجم الوهاج للدميري.

ص: 555

لضعفِ مدركِه

(1)

، ومقابله عند النووي: قولٌ غريبٌ أو ضعيفٌ؛ لضعفِ مدركِه

(2)

.

أمثلة المشهور عند الشافعية:

المثال الأول: يقولُ أبو حامدٍ الغزالي: "المُحْدِث إذا أدخلَ يدَه في الإناءِ بعدَ غَسْلِ الوجه، وكان قد نَوَى رَفْعَ الحدثِ، صار الماءُ مستعملًا إذا انفصلت اليدُ مِن الماءِ.

فطريقه: أنْ يقصدَ الاغترافَ والتنحيةَ؛ حتى لا يصير مستعملًا؛ فإنْ غَفَلَ عن نيةِ رفعِ الحدثِ، وعنْ قصدِ الاغترافِ: فالمشهورُ أنَّه يصيرُ مستعملًا"

(3)

.

المثال الثاني: يقولُ أبو القاسمِ الرافعي: "منها - أيْ: من مبيحات التيمم -: التيممُ لشدّةِ البردِ

وإن اتفق في الحضرِ: فالمشهورُ وجوب الإعادةِ"

(4)

، أيْ: إعادة الصلاة.

المثال الثالث: يقولُ محيي الدين النوويُّ: "يُسْتَثْنَى ميتةٌ لا دمَ لها سائل، فلا تُنَجِّسُ مائعًا على المشهورِ"

(5)

.

مصطلح: (الأشهر)، عند الشافعية:

جاءَ مصطلحُ: (الأشهر) في كتبِ المذهبِ الشافعي، ويعنون به: القول الذي زادتْ شهرتُه على القولِ الآخر

(6)

.

وليس القولُ المذكورُ في التعريفِ هو القولَ المصطلحَ عليه عند الشافعيةِ، بل المرادُ به الرأي.

(1)

انظر: مقدمة تحقيق الوسيط في المذهب (1/ 240).

(2)

انظر: نهاية المحتاج للرملي (1/ 48)، ومغني المحتاج للشربيني (1/ 12).

(3)

الوسيط في المذهب (1/ 127).

(4)

العزيز شرح الوجيز (1/ 265).

(5)

منهاج الطالبين (1/ 81).

(6)

انظر: مقدمة تحقيق الغاية القصوى (1/ 119).

ص: 556

وَيعُوْدُ التفضيلُ في الشهرةِ إلى شهرةِ ناقلِه، أو مكانته عند المنقولِ عنه، أو اتفاقِ الجميعِ على أنَّه منقولٌ عنه

(1)

.

وكما تقدّمَ لنا الحديثُ عنْ توسيعِ دائرةِ مصطلحِ المشهورِ عند الشافعية، ففي ضوئِه يظهرُ الاتجاهانِ في توسيع مصطلحِ: الأشهر، ليشملَ أقوالَ الإمامِ الشافعي وأوجهَ علماءِ مذهبِه، أوَ يُقصرَ على الترجيحِ بين أقوالِ الإمامِ الشافعي فحسب.

ومقابلُ الأشهرِ عند أبي حامدٍ الغزالي: قولٌ عن الإمامِ الشافعي أو وجهٌ عنْ بعضِ أصحابِه أقلُّ شهرةً

(2)

؛ لدلالةِ صيغةِ التفضيلِ على هذا.

ومقابلُ الأشهر عند محيي الدين النووي في كتابِه: (منهاج الطالبين): قولٌ للإمامِ الشافعي أقل شهرةً

(3)

؛ لدلالةِ صيغةِ التفضيلِ على هذا.

أمثلة الاشهر عند الشافعية:

المثال الأول: يقول محيي الدّينِ النوويُّ عن حكمِ الماءِ المشمَّسِ: "الرابع - أيْ: القول الرابع في المسألة -: يُكرَه في البلادِ الحارةِ في الأواني المنطبعة، وهي المطرقة، ولا يشترطُ القصدُ، ولا تغطيةُ الإناءِ، وهذا هو الأشهرُ عند الخراسانيين"

(4)

.

المثال الثاني: يقولُ شمسُ الدّينِ الرملي بعد ذكرِ شروطِ التمتعِ: "ومعلومٌ أنَّ هذه الشروط المذكورة معتبرةٌ لوجوبِ الدمِ؛ والأشهرُ: أنَّها غيرُ معتبرةٍ في تسميتِه تمتعًا

(5)

.

رابعًا: المشهور عند الحنابلة:

ذَهَبَ أبو بكرٍ الجراعي إلى اصطلاحٍ خاصٍّ به في كتابِه: (غاية

(1)

انظر: المصدر السابق (1/ 119).

(2)

انظر: مقدمة تحقيق الوسيط في المذهب (1/ 240).

(3)

انظر: منهاج الطالبين (1/ 76)، وتحفة المحتاج للهيتمي (1/ 50).

(4)

المجموع شرح المهذب (1/ 88).

(5)

نهاية المحتاج (3/ 327).

ص: 557

المطلب)؛ إذ قَصَرَ مصطلحَ: (المشهور) على ما اختاره ابنُ حمدان على وجهِ الخصوصِ

(1)

.

ويظهر لي مِنْ خلالِ تأمُّلِ عددٍ مِن المواضعِ التي ورد فيها (المشهور) في مدوَّناتِ المذهب الحنبلي - عدا ما ورد في كتاب: (غاية المطلب) للجراعي - أنَّ استعمالَهم للمشهورِ بمعناه اللغوي، يويَّد ذلك: عدمُ نصِّ علمائهم على معنى خاصٍّ له، وقصارى ما وجدتُه هو أن المشهورَ إمَّا أنْ يكونَ عن الإمامِ أحمدَ، وإمَّا أنْ يكونَ عن بعضِ أصحابِه

(2)

.

وقد عرَّف الدكتورُ ناصر الميمان مصطلحَ: (المشهور) عند الحنابلةِ بأنَّه: القولُ المعروفُ عن الإمامِ عند معظمِ الأصحابِ، ورجحه أكثرُهم

(3)

.

أمثلة المشهور عند الحنابلة:

المثال الأول: يقولُ الموفقُ بنُ قدامة: "المضمضةُ والاستنشاقُ واجبانِ في الطهارتينِ جميعًا: الغُسلِ والوضوءِ، فإنَّ غَسْلَ الوجهِ واجبٌ فيهما، هذا المشهورُ في المذهبِ"

(4)

.

المثال الثاني: يقولُ الزركشيُّ الحنبليُّ

(5)

عند قولِ الخرقي: "فإنْ تيممَ في أولِ الوقت، وصلَّى، أجزأه، وإنْ أصابَ الماءَ في الوقتِ": "هذا هو المذهبُ المشهورُ"

(6)

.

(1)

انظر: غاية المطلب (ص/ 30).

(2)

انظر: صفة الفتوى (ص/113 - 114).

(3)

انظر: مقدمة تحقيق التوضيح للشويكي (1/ 118).

(4)

المغني (1/ 116).

(5)

هو: محمد بن عبد الله بن محمد الزركشي المصري، شمس الدين أبو عبد الله، كان علامةً محققًا عالمًا فقيهًا حنبليًا متقنًا، من مؤلفاته: شرح مختصر الخرقي - وهو أشهر كتبه - وشرح قطعة من المحرر، وشرح قطعة من الوجيز، توفي بمصر سنة 772 هـ. انظر ترجمته في: المقصد الأرشد لابن مفلح (2/ 426)، والمنهج الأحمد للعليمي (5/ 137)، والدر المنضد له (2/ 549)، وشذرات الذهب لابن العماد (8/ 384)، والسحب الوابلة لابن حميد (3/ 966)، والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران (ص/ 419).

(6)

شرح الزركشي على مختصر الخرقي (1/ 334).

ص: 558

المثال الثالث: يقول أبو بكرٍ الجراعي: "هلْ يجوزُ لمَنْ عليه صومُ فرضٍ أنْ يتطوعَ، أم لا؟

روايتان، الأقوى: عدمُ الجوازِ، وهو المشهورُ"

(1)

.

مصطلح: (الأشهر) عند الحنابلة:

يرادُبـ (الأشهر) عند الحنابلةِ: ما كان أكثرَ شهرةً عن الإمامِ أحمدَ، أو عن بعضِ أصحابِه

(2)

.

وبناءً عليه، فمقابلُ الأشهر عند الحنابلة: قولٌ إمَّا عن الإمامِ أحمدَ أو عن بعضِ أصحابِه أقل شهرةً.

يقولُ المرداويُّ عن صنيعِ ابنِ مفلحٍ في كتابِه: (الفروع): "لكنَّ ذكرَه للخلافِ بهذه الصيغةِ - ومنها: صيغة: الأشهر - يقتضي قوتَه مِن الجانبين"

(3)

.

ومقابلُ الأشهرِ أقوى مِنْ مقابلِ المشهورِ.

وذَهَبَ أبو بكرٍ الجراعي إلى اصطلاحٍ خاصٍّ به، نصَّ عليه في مقدمةِ كتابِه:(غاية المطلب)، إذ جَعَلَ المرادَ بمصطلح:(الأشهر) مختلفًا بحسبِ تجردِه أو اقترانِه بحرفِ الجرِّ:

- فـ "الأشهر" هو القولُ الذي رجّحَه الأكثرُ، أو جماعةٌ مِن الحنابلةِ

(4)

.

- و "على الأشهر" للروايةِ التي اختارها تقيُّ الدين بنُ تيميةَ

(5)

.

- و "في الأشهر" للوجهِ الذي اختاره تقيُّ الدينِ بن تيميةَ

(6)

.

- و"في أشهر" لاختيارِ تقيِّ الدين بنِ تيميةَ

(7)

.

(1)

غاية المطلب (ص/ 179).

(2)

انظر: صفة الفتوى (ص/113 - 114).

(3)

تصحيح الفروع (1/ 9 - 10).

(4)

انظر: غاية الطلب (ص/30).

(5)

انظر: المصدر السابق.

(6)

انظر: المصدر السابق.

(7)

انظر: المصدر السابق.

ص: 559