الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومعنى مادةِ: (قوس): التقديرُ
(1)
، يُقالُ: هذه خشبةٌ قيسُ أصبعٍ، أيْ: قدرُ أصبعٍ، وبينهما قِيسُ رمحٍ، أيْ: قدرُ رمحٍ
(2)
، وقاسَ الطبيبُ قعرَ الجُرحِ، أيْ: مقداره
(3)
.
ومنه: المقياسُ، وهو المقدار
(4)
، والقَوْسُ: الذراعُ؛ سُمِّيتْ بذلك؛ لأنَّه يُقَدَّرُ بها المذروعُ
(5)
.
يقولُ ابنُ فارسٍ: "القافُ والواو والسينُ أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تقديرِ شيءٍ بشيءٍ، ثمَّ يصرَّف، فتقلب واوه ياءً، والمعنى في جميعِه واحدٌ"
(6)
.
وقد ذَكَرَ الأصوليون عدةَ معانٍ لغويةٍ للقياسِ
(7)
، منها: المساواةُ، يُقالُ: قِسْتُ الثوبَ بالثوبِ، إذا ساويتُه به
(8)
.
ثانيًا: التعريف الاصطلاحي لقياس المذهب:
كَثُرَ استعمالُ مصطلحِ: (قياس المذهب) في مدوَّناتِ الفقهِ الحنبلي؛ ولعل مردَّ هذا الأمر عائدٌ إلى طبيعةِ تكوينِ المذهبِ الحنبلي القائمِ على مروياتِ الإمام أحمدَ، والقياسِ عليها؛ يؤيد ذلك: أنَّ الأثرمَ - وهو أحدُ أصحابِ الإمام أحمد - لما سأله الإمامُ أحمدُ عمَّا دوّنه عنه مِنْ مسائل، فقالَ الإمامُ أحمد:"إيْ، هذا مِن كلامي، وهذا ليس مِنْ كلامي! ". فقيل للأثرمِ؟ فقالَ: "إنَّما أقيسُه على قولِه"
(9)
.
(1)
انظر: تهذيب اللغة، مادة:(قوس)، (9/ 225)، والصحاح، مادة:(قوس)، (3/ 967)، ومقاييس اللغة، مادة:(قوس)، (5/ 40)، ولسان العرب، مادة:(قوس)، (6/ 186).
(2)
انظر: المصادر السابقة، والقاموس المحيط، مادة:(قوس)، (ص/ 733).
(3)
انظر: المصادر السابقة.
(4)
انظر: المصادر السابقة.
(5)
انظر: مقاييس اللغة، مادة:(قوس)، (5/ 40).
(6)
المصدر السابق.
(7)
انظر: الإبهاج في شرح المنهاج لتقي الدين السبكي (2/ 15).
(8)
انظر: البحر المحيط (5/ 6)، وتيسير التحرير (3/ 263)، ونبراس العقول لعيسى منون (ص/ 9 وما بعدها).
(9)
انظر: تهذيب الأجوبة (1/ 384 - 385).
وهذا يدلُّ على ظهورِ القياس على قول الإمامِ في أوائلِ نشأةِ المذهبِ الحنبلي.
ولا يَعْني ما سبقَ عدمُ وجودِ مصطلح: (قياس المذهب) في كتبِ المذاهبِ الأخرى، كلا، هو موجودٌ، ولكن ليس بالكثرةِ التي في مذهبِ الحنابلةِ.
قياس المذهب عند الحنابلة:
لم أقفْ على تعريفِ مصطلح: (قياس المذهب) عند متقدمي الحنابلة، وقد عرَّفه بعضُ المعاصرين، فمِنْ هذه التعريفات، أنَّه: تخريجُ فرعٍ غيرِ منصوصٍ عن الإمامِ على فرعٍ منصوصٍ عنه؛ لعلةٍ جامعةٍ.
وهذا تعريف الشيخِ بكر أبو زيدٍ
(1)
.
ويظهرُ اتفاقُ مصطلحِ: (قياس المذهب) مع مصطلحِ: (التخريج) المتقدّمِ تقرير معناه.
وما ذكره الشيخُ بكرٌ أبو زيد صحيحٌ؛ ويؤيّدُ ما قاله: تَتَبّع عددٍ مِن المواطنِ التي وَرَدَ فيها مصطلحُ: (قياس المذهب).
لكنْ لا يظهرُ لي أنَّ مَنْ عبَّر بقياسِ المذهب التزمَ أنْ يكونَ حكمُ المقيس عليه منصوصًا عليه مِنْ قِبَل الإمامِ، بل يكتَفي بأنْ يكونَ منصوصًا عليه في المذهبِ.
ولا يظهرُ لي أيضًا ما يمنعُ مِنْ إطلاقِ مصطلحِ: (قياس المذهب) على ما خُرِّجَ مِن الفروعِ الفقهيةِ على الضوابطِ المذهبيةِ، ولا سيما تلك الضوابط التي تشتملُ على علّةِ الحكمِ في المذهبِ.
ويظهر لي أيضًا عدمُ اختلافِ بقيةِ المذاهبِ في معنى مصطلحِ: (قياس المذهب).
(1)
المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد (1/ 275).
أمثلة قياس المذهب عند المذاهب:
أولًا: المذهب الحنفي:
المثال الأول: يقولُ الكاسانيُّ
(1)
في مسألةِ: (المُحْصَر الذي يَقْدر على إدراكِ الحجِّ، ولا يقدرُ على إدراكِ الهدي): "قياسُ مذهبِ أبي حنيفةَ في هذا الوجه أنَّه: يلزمُه المضي، ولا يجوزُ له التحللُ"
(2)
.
المثال الثاني: يقولُ ابنُ الهمامِ: "لو قال: "عليَّ عهدُ الله وأمانتُه وميثاقُه"، ولا نيةَ له، فهو يمينٌ عندنا، ومالك وأحمد
…
وحكُي عن مالكٍ يجبُ عليه بكلِّ لفظٍ كفارةٌ
…
وهو قياسُ مذهبِنا إذا كرر الواوَ، كما في: والله والرحمنِ والرحيمِ
…
"
(3)
.
ثانيًا: المذهب المالكي:
المثال الأول: نَقَلَ أبو الوليد الباجي عن بعضِ المالكيةِ قولَه: "مِثْل الثعلب - في جزاءِ الصيد - على قياسِ المذهبِ: شاةٌ"
(4)
.
المثال الثاني: نَقَلَ الحطّابُ عن بعضِ المالكيةَ قولَه: "لو أتى بأسبوعٍ - أي: طواف حول البيت - ثالثٍ أو رابعٍ، فإنَّه يأتي لكلِّ أسبوعٍ بركعتين، ويجزِئُه، وقياسُ المذهبِ أنَّ ذلك طُوْل يحولُ بينه وبين إصلاحِ الأولِ، ويُوجِبُ عليه الاستئناف"
(5)
.
(1)
هو: أبو بكر بن مسعود بن أحمد، علاء الدين الكاساني، يلقب بملك العلماء، من كبار علماء المذهب الحنفي، كان له وجاهة وشجاعة وكرم، تفقه على عدد من أجلة الحنفية، منهم: علاء الدين السمرقندي، من مؤلفاته: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، والسلطان المبين في أصول الدين، توفي عام 587 هـ. انظر ترجمته في: الجواهر المضية للقرشي (4/ 25)، وتاج التراجم لقطلوبغا (ص/ 327)، والفوائد البهية للكنوي (ص/ 69)، والأعلام للزركلي (2/ 64).
(2)
بدائع الصنائع (2/ 183).
(3)
فتح القدير (4/ 361 - 362).
(4)
المنتقى (2/ 254).
(5)
مواهب الجليل (3/ 114).
ثالثًا: المذهب الشافعي:
المثال الأول: يقولُ محيي الدين النوويُّ: "فرعٌ: قالَ الرويانيُّ
(1)
: لو نَوى أنْ يصلي بوضوئِه صلاةً لا يُدْركُها، بأنْ نوى بوضوئِه في رجب صلاةَ العيدِ، قال: قال والدي
(2)
: قياسُ المذهبِ: صحةُ وضوئِه، ويصلي به كلَّ الصلواتِ؛ لأنَّه نوى ما لا يباحُ إلا بوضوءٍ"
(3)
.
المثال الثاني: يقولُ الخطيبُ الشربيني في مسألةِ: (سقوطُ فرضيةِ صلاةِ الجنازةِ إذا صلَّى عليها النساءُ، وهناك رجالٌ): "وإنْ صلَّى - أي: الخنثى - سَقَطَ الفرضُ عنه وعن النساءِ، وإذا صلت المرأةُ سَقَطَ الفرضُ عن النساءِ، وأمَّا عن الخنثى: فقياسُ المذهبِ يأبى ذلك"
(4)
.
رابعًا: المذهب الحنبلي:
المثال الأول: يقولُ ابنُ قدامةَ في مسألةِ: (جوازِ المسحِ على الخفِّ
(1)
هو: عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد الرُّويَاني، أبو المحاسن الطبري، الملقب بفخر الإسلام، ولد سنة 415 هـ كان إمامًا في المذهب الشافعي، وشيخ الشافعية في عصره، علامةً مناظرًا عالمًا بالخلاف والفقه واللغة والبيان، جامعًا بين العلم بالحديث والعلم بالفقه، ذا جاهٍ عريض، وحشمةٍ وافرة، وقبول تام، من مؤلفاته: البحر في المذهب، والكافي، ومناصيص الشافعي، وحقيقة القولين، والفروق، توفي سنة 501 هـ وقيل: 502 هـ. انظر ترجمته في: تهذيب الأسماء واللغات للنووي (2/ 277)، ووفيات الأعيان لابن خلكان (3/ 198)، وسير أعلام النبلاء (19/ 260)، وطبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (7/ 193)، وطبقات الشافعية للإسنوي (1/ 277).
(2)
هو: إسماعيل بن أحمد أبي العباس بن محمد بن أحمد الرُّويَاني، له تصانيف في الفقه، ويحكي فخر الإسلام في كتاب:(البحر في المذهب) عن والده إسماعيل كثيرًا، يقول عنه جمال الدين الإسنوي:"لم أتف له على وفاة"، ويقول ابن قاضي شهبة - وقد جعله من طبقة الذين كانوا في العشرين الرابعة من المائة الخامسة -:"الظاهر أنه أسن من الشيخ أبي إسحاق"، وقد ولد الشيرازي سنة 339 هـ وتوفي سنة 476 هـ والمعلومات المذكورة عن والد الروياني - فيما رجعت إليه من مصادر - غير وافية. انظر ترجمته في: طبقات الفقهاء الشافعية لابن الصلاح (1/ 428)، وطبقات الشافعية للإسنوي (1/ 565)، وطبقات الشافعية لابن كثير (2/ 497)، وطبقات الفقهاء الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 223)، وطبقات الشافعية لابن هداية الله (ص/188).
(3)
المجموع شرح المهذب (1/ 337).
(4)
مغني المحتاج (1/ 345).